حرص الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عند تقديم مذكراته من أجل مراجعة الدستور على إيلاء كبير الاهتمام للمجتمع المدني باعتباره الشريك الرئيسي في عمليتي الديمقراطية والتنمية. وفي المذكرة المتعلقة بالدستور الحالي اقترح الحزب العديد من المقترحات ذات العلاقة بتقوية أدوار المجتمع المدني ومأسسة مجالاته والتنصيص على مداخل تمكنه من ممارسة أنشطته ليس فقط كقوة اقتراحية، بل جزء من الوجه الثاني الأساسي في عملة الديمقراطية التشاركية، بل وحارس دولة الحق والقانون من خلال عرائضه ومذكراته ومرافعاته... لقد أدرج دستور يوليوز 2011 العديد من مقترحات الاتحاد الاشتراكي التي تمخضت عن مشاورات واسعة مع المجتمع المدني ورصد لمطالب التنظيمات الفاعلة به . وبالفعل هناك العديد من الفصول الدستورية التي نصت إما على إحداث مجالس دستورية مثل هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلسي الشباب والعمل الجمعوي والأسرة والطفولة أو من خلال إدراج الجمعيات كعضو بآليات الحوار والتشاور المحلية والجهوية والوطنية (الفصل 139) وإقرار الحماية الدستورية والقانونية لهذا المجتمع لممارسة أنشطته بكل حرية (الفصل 12)... إن تبوأ المجتمع المدني صدارة اهتمام الاتحاد الاشتراكي ومطالبه ليس وليد دستور 2011، بل كان مرتبطا بجميع مراحل نضال حزب القوات الشعبية وقوى اليسار والديمقراطية على امتداد أكثر من ستة عقود . والتاريخ يشهد في محطات عديدة أنه دعم كل فعاليات المجتمع المدني وجمعياته وسعى إلى استقلاليته وترسيخ تقاليد نضالية لممارسة أنشطته في مجالات التنمية البشرية والعمل التربوي والحقل الحقوقي والثقافي والفني وقضايا النساء والفئات الهشة وضحايا الاعتقال السياسي، بل وتحسين ظروف نزلاء السجون عموما . وكانت أبرز أسس هذه التقاليد مبدأ التطوع الذي تذكيه روح المواطنة وتغذيه آمال بناء مجتمع جديد. ولم يكن مسار المجتمع المدني بالمغرب، وهو بالمناسبة جزء عريق من تقاليد المغاربة ؛ لم يكن دون تضحيات جسام . فقد استهدفته آلة القمع وسياسات التمييع ومخططات "البدائل"الممسوخة التي انتهجتها الدولة في سنوات الرصاص أساسا ، وتعرضت فعالياته للسجن والملاحقة وتنظيماته للمنع والتضييق وأنشطته للإجهاض والحصار. ودون شك فقد أثمر هذا الصمود نتائج ومكاسب من أبرزها الاعتراف الدستوري بأدوار المجتمع المدني وبترسيخه كفاعل منتج في أصغر وحدة ترابية الدوار إلى الجماعة والإقليم والجهة والمجال الوطني ، وكمدرسة كونت أجيالا من الأطر تقلدت مسؤوليات ليس فقط داخل المغرب بل وفي المنظمات الدولية . اليوم في ظل الدستور الجديد برزت هناك ممارسات عدة تجاه المجتمع المدني تنهجها الحكومة ومعها حزبها ألأغلبي العدالة والتنمية تتمثل في روح الهيمنة من جهة، ومنح الامتيازات للجمعيات والمنظمات التي تدور في فلك هذا الحزب التي اعتمدت أساسا على الانغلاق في تركيبتها البشرية وعدم الشفافية في تمويلها . ونذكر هنا ما سمي بالحوار الوطني حول المجتمع المدني الذي سعت فيه الوزارة التي يحمل حقيبتها حزب العدالة والتنمية الذي استهدف في مقاربته وأرضيته ومنهجيته الوصاية والتحكم في المجال المدني والجمعوي . وفي مواجهة ذلك انبثقت "دينامية إعلان الرباط" التي تضم مئات التنظيمات حيث قاطعت هذا الحوار بسبب ما طبع تشكيل اللجنة المكلفة بتدبيره " من إقصاء للجمعيات المعروفة بعطائها وثقلها التاريخي النضالي من أجل الدفاع عن استقلالية الحركة المدنية ، وسيادة القيم الديمقراطية ، واحترام حقوق الإنسان". وقد أكد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في لقاء مكتبه السياسي مع هذه الدينامية على دعم إعلان الرباط ومساندة كل الخطوات التي يقوم بها . ولأن هاجس حزب رئيس الحكومة هو تقزيم المجتمع المدني الحقيقي واستهداف أدواره السياسية وإنعاش الكائنات التي تشكل امتدادا لهذا الحزب ، فإنه أقدم على مبادرة تعد حملة انتخابية بامتياز عشية الاستحقاقات الجماعية والجهوية التي ستعرفها بلادنا في الأشهر المقبلة . إذ استغل الوزير المكلف بالعلاقة مع المجتمع المدني إقرار جلالة الملك ليوم 13 مارس من كل سنة يوما للمجتمع المدني كي يشرع في تنظيم تظاهرة ظاهرها الاحتفاء بالمناسبة وباطنها تعبئة وحشد ما أمكن من الجمعيات التي سيوفر لها مصاريف"النقل والغذاء والإقامة" كما جاء في أرضية هذه التظاهرة التي ستعقد بالرباط. إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يرفض روح الهيمنة والوصاية والتوظيف السياسي للحقل الجمعوي والتأويل الخاطئ للدستور الذي تنهجه الحكومة وحزبها ألأغلبي ويعتبر أن تظاهرة 13 مارس ما هي إلا وجه من أوجه صرف المال العام لأغراض انتخابية. وأن مثل هذه السلوكات تمس بجوهر العملية الديمقراطية وتستهدف أحد أبرز ركائزها ألا وهي المجتمع المدني المستقل والفاعل والمنتج والذي لا لبس في تأسيسه وتمويله.