انتقد إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تعاطي الحكومة مع المجتمع المدني المغربي، وقارن سلوك ومنهجية هذه الأخيرة التي تعتبر الفاعلين الجمعويين مجرد مبذرين للمال العام، بحكومة التناوب التي فتحت آفاقا واسعة للعمل والفعل المدني، أمام الجمعيات وهيئات المجتمع المدني المتعددة والمختلفة عبر تعديلات ظهير الحريات العام 1958 إذ جعلت منها شريكا أساسيا في التنمية التي تنشدها البلاد. وأكد لشكر في اليوم الوطني الذي نظمته سكرتارية لجنة العمل الجمعوي يوم السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط حول موضوع «الفعل المدني ومقتضيات دستور 2011»، على أن الحوار الوطني المعلن عنه حول المجتمع المدني بشكل انفرادي من طرف هذه الحكومة، وما صاحبه من احتجاجات وانتقادات وانسحابات، دليل قاطع على ضعف وقصر نظرها في التعاطي مع الجسم الجمعوي كشريك في بناء السياسات العمومية وكقوة اقتراحية، وفاعل أساسي في التنمية المحلية. وفي هذا السياق دعا لشكر لضرورة التوجه نحو المستقبل من أجل بناء الثقة بين الفاعل السياسي والمدني من جهة والمجتمع المدني، ولتكثيف النضال من أجل تحقيق مكتسبات جديدة في ما يتعلق بالحق في تقديم العرائض والديمقراطية التشاركية كما هي متعارف عليها، لا كما يريدها من يصنفون فاعلي المجتمع المدني في خانة المبذرين للمال العام بهدف تحويل الحقل الجمعوي الذي كان مرتبطا بالمشروع الديمقراطي التقدمي، في توجهاته العامة، إلى مرتع للاتجاهات التقليدية والمحافظة والإسلاموية، يقول لشكر. واعتبر لشكر خلال هذا اللقاء الوطني، الذي حضره الاتحاديون والاتحاديات الفاعلون في الجمعيات الوطنية والمحلية على مختلف اهتماماتها ومن جميع المدن المغربية، أن استقلالية العمل الجمعوي شرط أساسي في إقرار فعل مدني جاد كآلية للتتبع والتوجيه، ورصد الاختلالات في السياسات العمومية والضامن لانخراط المواطنين والمواطنات في بلورة سياسات عمومية تستجيب لطموحاتهم وحاجياتهم وتطلعاتهم. وسجل لشكر في هذا اللقاء الوطني الذي سير أشغاله محمد درويش الفاعل الجمعوي وعضو المكتب السياسي، أن الحركة الجمعوية ساهمت في ترسيخ الديمقراطية داخل الجمعيات وعلى مستوى أجهزة ومؤسسات الدولة اقتناعا منها بأن المشروع الحداثي الديمقراطي هو الرهان لتقدم المجتمع وتنميته، والسبيل كذلك للانتقال من خانة التقوقع والرجعية إلى فضاء الانفتاح والتواصل واحترام الحريات الفردية والجماعية ودمقرطة المؤسسات، مذكرا في نفس في الوقت بأن الحركة الجمعوية ارتبطت تاريخيا بالكفاح الوطني ثم النضال السياسي للقوى التقدمية والديمقراطية بعد الاستقلال، حيث شكل العمل الجمعوي قناة أساسية للارتباط بالمواطنين وخاصة الشباب منهم. إلى ذلك ذكر لشكر أن الحركة الجمعوية قد ساهمت بعد الاستقلال في بناء الدولة الوطنية، وإعادة تأهيل المؤسسات الرسمية والمجتمعية وكذا المساهمة في الأوراش التنموية المتعددة التي عرفتها البلاد من محاربة الأمية والتنمية البشرية، وشق الطرق والمسالك وفك العزلة عن العالم القروي... وأبرزها طريق الوحدة ومهندسها الشهيد المهدي بنبركة، حيث التكامل بين الحركة الوطنية والمنظمات الجمعوية. وفي السياق ذاته، أبرز الكاتب الأول إن كان الفضل للدولة في بناء مؤسساتها الرسمية، فالاتحاديون والاتحاديات ساهموا بقسط وافر في بناء مؤسسات المجتمع المدني على مختلف اهتماماتها وتخصصات مجالاتها من الرياضي الى الثقافي والحقوقي والتربوي، والتاريخ يحفظ هذا في صفحاته، مضيفا في هذا الباب أن كل حديث عن العمل الجمعوي بالمغرب لا يمكن أن يغفل أسماء خالدة أعطت الكثير للميدان والبلاد، وأبلت البلاء الحسن ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمد الحيحي ومحمد السملالي، و الطيبي بنعمر وشكري ياسين... ومن جهته قال عبد المقصود الراشدي الفاعل الجمعوي، وعضو المكتب السياسي « إن الحركة الجمعوية بالمغرب غير محظوظة لأن أغلب الوزراء الذين عينوا للاهتمام بهذا المجال متخلفون عن الركب الفكري والثقافي وأبعاد العمل الجمعوي، ولم يعطوا أية قيمة مضافة للميدان بل هناك من أجهز على المكتسبات.» ودعا عبد المقصود إلى تأهيل الشهد الجمعوي على ضوء مقتضيات الدستور الجديد كي يتسنى لهيئات المجتمع المدني المغربي ان تقوم بواجباتها في حدود مهامها واختصاصاتها وقناعاتها واستقلالها، عبر إعادة النظر في قانون الجمعيات لملاءمته مع الدستور وفتح المجال للتأطير القانوني للجمعيات. واقترح عبد المقصود عدة اقتراحات لكسب رهان تأهيل الحركة الجمعوية المغربية، كإصدار نظام محاسباتي خاص بالجمعيات تراعى فيه الخصوصية، التطوع، المهنية والاحترافية، بالإضافة الى إخراج اطار عام للتعاقدات والشراكات على قاعدة المردودية والفعالية والمحاسبة ونشر النتائج، ثم ترتيب الجمعيات مع تحديد مرجع ومعايير لهذه الغاية، بالإضافة إلى الحرص على تطوير الحكامة الداخلية للجمعيات فضلا عن إقرار ميثاق بين مكونات الحركة الجمعوية، ولا يمكن تحقيق هذا الرهان دون مشاركة وإشراك الجمعيات المعنية. ومن جانبها استنكرت نزهة العلوي، الحقوقية والرئيسة السابقة لاتحاد العمل النسائي، واقع الحال للاعتراف وتسليم وصولات الإيداع للجمعيات المتسم بخرق ظهير الحريات العامة 1958 المعدل في 2002 و 2007 ، وضدا كذلك على مقتضيات الدستور الجديد، وتناولت بالدراسة والتحليل الفصول 1 و 12 و13 و33 و 139 و170 التي خصصها الدستور لجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، ولإشراكها في تفعيل وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية. كما طالبت العلوي بتفعيل الدستور لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، ومساعدته على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية لتتبع السياسات العمومية، والمساهمة في تنفيذها وتقييمها عبر الهيئات والمجالس الاستشارية التي جاء بها الدستور. كما ساهم في هذا اللقاء الأكاديمي فوزي بوخريص بعرض حول سوسيولوجية الحركة الجمعوية في المغرب، أكد خلاله أن واقع الخصاص المسجل على مستوى دراسة الظاهرة الجمعوية بالمغرب، لا يرتبط فقط بهواجس أمنية وبسيادة التمركز الشديد والاحتكار الرسمي للإعلام والمعلومات المرتبطة بهذه الظاهرة، وإنما يتعلق كذلك بنقص في الوسائل والأطر المفاهيمية والمعطيات الإحصائية اللازمة لدراسة الجمعيات والتنظيمات التي لا تستهدف الربح عموما. فهذا النقص يميز واقعنا العربي مثلما يميز الواقع الدولي، يقول بوخريص. واعتبر أن الجمعيات فضاءات لممارسة الحرية والمشاركة المواطنة، ولخلق المبادرات الجماعية ولتجسيد التضامن... ، مشددا على أنها أصبحت لها أهمية متزايدة في الحياة الاجتماعية ، بالنظر إلى ما تتميز به المجتمعات الحديثة من تراجع للتماسك الاجتماعي، وتزايد للإقصاء الاجتماعي وتهميش لشرائح واسعة من السكان وتعرضهم للهشاشة الاجتماعية، بفعل عجز المجتمعات الحديثة عن المزاوجة بين إنتاج الخيرات والثروات والنمو الاقتصادي بشكل عام، وبين خلق مناصب شغل وتعميم نمط العيش الكريم، وما يستلزمانه من عدالة اجتماعية. وسجل كذلك أن الجمعيات اليوم، تحظى باعتراف رسمي متزايد بالعمل المهم الذي تقوم به، يكشف عن ذاته من خلال الأدوار المختلفة والمتفاوتة الأهمية، التي بدأت الدولة توكلها للجمعيات في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والميثاق الجماعي الجديد، وميثاق التربية والتكوين. وكان محمد الدرويش مسير الجلسة قد افتتح هذا اليوم الوطني بكلمة سجل فيها الأجواء غير العادية والطبيعية التي يعيشها المغاربة اليوم والمتسمة عامة بالاحتجاج، وعدم الرضى والتعبير عن الرفض إلى حد المواجهة في كل القطاعات العدل ، الاتصال والإعلام، التربية والتكوين، الصحة، الفوسفاط، الجماعات المحلية والقطاع الخاص وتنضاف إليها مكونات المجتمع المدني. وبعد أن أعطى لمحة سريعة عن مسار الحركة الجمعوية بالمغرب، طرح عدة اسئلة ترتبط بواقع المجتمع المدني اليوم، ومجالات اشتغاله، وماهية المشاكل والمعيقات التي تعترض مشاريعه ، بالإضافة الى أدواره في السياسات العمومية في ظل مقتضيات الدستور الجديد، ثم تساءل الدرويش: هل المجتمع المدني يحتاج إلى إشراف عدد من القطاعات الوزارية، وماهية علاقته اليوم ؟ كما عرف اللقاء في الفترة المسائية الاشتعال على خمس مجموعات عمل تهم المجال التربوي، التنموي، النسائي، الحقوقي ، الثقافي والمجال الرياضي. وخرجت هذه المجموعات بعدة توصيات وخلاصات تقوي وتعزز اشتغال الاتحاديين والاتحاديات في المجال الجمعوي والمنظمات غير الحكومية ، كما أصدر المشاركون بيانا حول أشغال هذا اللقاء.