في حضورك الطاغي، أسقطتني آهات التواجد في الظلمة، كبرت خيباتي ، توقفت عن الهرولة نحو تخاريف فردوسك الوهمي، انقطعت عن مكالمة زبدٍ أعادني لحمق البدايات، واستعدت انزياحي ونسياني. وبراءة التيه الأعظم أحْيَت نسمات الشوق، أقرب من فوهة بركان ، أبعد من منارة الخذلان، والوهم سيف الغدر المسلول … تكسرت إيقاعات الخطو حيث خفّ عناد الموجة، محت آثار العبور المسروق، قررت العودة للهدير الغاضب، تعملقت الظلال والأشباح، تساءلت عن موجة أدمنت لعبة المحو والهروب، واشتعل الحنين لكف الأسطورة. ركبت الحلم عساني أخرج من الكهف وأراقص فراشات الربيع، داهمتني الكوابيس، هزمتني طقوس العمى الخائب، وآلمني انتظار الخلاص من دقائق الظلمة، بالقرب من حنين البدايات ، بعيدا عن آيات الندم .. هناك حيث النحس يدعو لإدمان النحيب . قبل ذلك، لم أكتب أحزاني وأجمّل خيباتي كي أنال عطفك ورضاك ، كان جرحي رقصة رفضٍ لعشيرة تحيا بالعنعنات، فوق رمل الذكرى، تحت ضباب المنارة الموحش، قريبا من ضريح عابرٍ أسقطته صدفة اشتهاء، حين غرق كفي في كفك، وهمست: « أحبك! «. مسحت قطرات العرق عن جبين القدر المشؤوم، تساءلت: إلى متى تهرب ظلال العشيرة بانحرافاتها؟ كبر اليأس، انتفت الحاجة لتصديق الوهم، وأنا قبعت في العتمة منتظرا التماعات اليقين. رحلت نحو خلوتك الجبلية، عدت لطفيليات الجرح الغبي، انتهيت من تلويحات الندم، وفي طريق النسيان، تجاوزت قبر الوهم الكبير، نبحت كلاب العسس، زاغت القافلة عن طريق النجاة، وفي حقيبة السفر تكومت وصية فزاعة من قصب وحكايات أطلال مخيفة وحبيبات رملية أبكت عين الشاهد، والشيطان الأعمى وسوس شامتا في صدأ الانتظار الرخيص، عاتبني وقال لي «ما كان عليك إخراج الجثة من شلل الربوة المزدحمة بالأقنعة الدائخة !» أهديتني كابوس الحلم المستحيل، أجدت الكلام المخدر، سرقت مني إكسير البهجة، اغتصبت حقي في الفرح، وأنا أتقنت تدوير الأحزان والخيبات، والذين عرفوا صقيع ظلامك ابتعدوا عن جحيم فنائك . بقيتُ سجين فكرة أتقنت النواح، رسمت على وجه القمر غصة ندم، لكن رهاني على نسيانك كان أقوى من مراوغاتي الساذجة .. وفي ملعب الخواء لا متسع لتجاهل خذلانك. رأيتك وسط جوقة أشجار يابسة واقفا بكبرياء حزين تلوح لأغراب باعوا الأوطان مقابل رعشات أوهام لا حدود لآثارها المدمرة ، خلتني وحيدا أعيش غربتي المؤلمة في صحراء عطش قاتل ، والظلال المتشابكة مدت أياديها نحوي لتسرق مني أحلامي وكل ما يحتاجه الظل لإشاعة سوء الفهم التاريخي ، عوضت الظلمة بسواد غرائبي احتفى بأقنعة القبور وأساطير الادعاءات السائبة. قبلت بفراغ الدواخل مصيرا احتلني أرق الرحيل وتعاسة الخواء وللانسحاب معنى الإذعان لسلطة الفناء والعدم والحاصل وما فيه، لم أنتظر فنائي في فَصْلٍ أحادي الصفات والمتاهات، صار حبل الوصل صدئا، ركبت صهوة اللامبالاة وحياد المشاعر، ضاعت الكلمات في جزيرة الكلاب المهووسة بمؤخرات الحمائم المستباحة، وواصلت النباح . وأنت تحتال على سُهْدك المزمن، لم تنس الاطمئنان على فخاخ أسطورتك الصدئة لاصطياد غريب أدمن البكاء في زنزانة حقيرة، وكل همك محو آثار أشباح الغروب، وإعداد الرمل المبلل لكتابة أسماء ضحايا قادمة. أتممت نصب فخاخك في خلوتك المسيجة بمحميات الذئاب، لم تطلب الاعتذار ممن أسأت إليهم وهم على فراش الموت، وأيقنت أن اعتذارك لي وقت الوهن والاحتضار مرفوض . سيّجت حضوري بالأوهام، ملأت كأسي بالفقاعات، صرت أعد النجوم متوهما الحلول في أحلامك العابرة لقارات اليأس والعبث، استفردت بي ظلمة الخيبات المتناسلة، كحمار الناعورة، لم أتذكر سوى نجمك المعطوب، نسيت وجودي الشقي، وانشغلت بمحاورة ليلك المغتصب. النصف الفارغ لي، النصف المملوء لك، وأنت العذاب النازح مع صهيل قادم من آيات الغجر ارتوت من بئر معطوبة شارفت على الهلاك، كلما نكستها ازداد ماؤها المخادع مرارة ولوثت خاطري بسموم سلف غبي أحمق. زلزلني عشق بياضك، كتبت جرحي بدمي، هربت من ظلمة الزنزانة، تحاشيت تلطيخ البياض خوفا من مخالب السجان، وسلكت ممرا ترابيا نحو احتمالات المجهول وبقايا نشيد. ضوء النفق خادع، غصات الحنين ورطة، الخلاص من قسوة الظلمة هروب من جوع النوايا وأقنعة الحرمان، والنهاية غير مضمونة النتائج. احتفيتَ بالبدايات مقتنعا بشرارة اشتهاء كاذبة، انشغلت بأفراح لا مذاق لها، تجاهلت حقيبتي المزدحمة بأسرار اليقين، تركت لي خواء النهايات ورحلت. حلقت في زرقة حلم منفلتة، تهاديت منتشيا بحريتي المقدسة مراوغا زوابع الريح المعاكسة لطريق النجاة، ابتعدت عن مخالب الغربان العاجزة عن خلق فرحتها الخاصة .. وفي الثبات موت تكلست معه أعضاء العناد وحاسة الرفض العنيدة. رميت حائطا صامتا بحجر مطلي بحناء، اعتقدت أنك تنتقم من سوء رافق عبورك الجبان، ونسيت أنك فزاعة نصبت في حقل أشواك . انتظرت حتى تنبت فوق جثتك شجرة زيزفون بئيسة تسرق رحيق أزهارها الصفراء عصافير عطشانة شبعت من أكاذيب الجبل وصخوره الهشة! شائعات الليل محاها النهار، وعودا انهالت على المصير المنحوس، وثقوبا احتلت زرقة الوهم وانتقمت من غباء قاهر . نجوت من ورطة منفاك ، غرقت في بياض قناع معطوب ، وعذابات كلماتي لم تكن لك، لم أكن الطوق المنقذ للذي رمى عش الطائر بالحجر الملعون، لم أُصْدَم في من شاء اللعب في حلبات الفروسية المهجورة وانتشى بآهة تمردت على أعشاب بلا هوية.