بداية ما المقصود بمرض «الجلالة» أو ما يعرف بالمياه البيضاء؟ الجلالة أو المياه البيضاء، هي فقدان شفافية العدسة الطبيعية للعين لأسباب متعددة، وهي تكون في سن معينة في الوضع الطبيعي، وتتمثل أعراضها في ضبابية في النظر أو الانزعاج للضوء وتشتت النظر في الشمس، أو تتغير المقاسات، إذ يمكن للبعض أن يعاني من قصر النظر وهو الذي لم يكن يوما في حاجة إلى نظارات، وذلك نتيجة لانتفاخ العدسة الطبيعية داخل العين، علما بأن هناك بعض الأمراض التي يمكن أن تؤدي إلى الجلالة مبكرا، كداء السكري أو أمراض الغدد «الفوسفور والكالسيوم»، فعند وجود خلل في نظام الكالسيوم يمكن أن يتسبب الأمر في الجلالة مبكرا، كما أن الأشخاص الذين يستعملون أدوية ضد الالتهابات كأدوية الكورتيزون بالنسبة لمن يعانون من الربو، على سبيل المثال، هم أيضا معرضون للإصابة بالمياه البيضاء، فضلا عن الأشخاص الذين يستعملون قطرات للعين دون الرجوع إلى الطبيب فقط لاعتمادها في وصفة ذات يوم في حالة بعينها، فإذا بهذه العينة من الأشخاص وقتما تبين لها أن هناك حمرة في العين أو أنها تعاني من أمر ما، تقوم باقتنائها من جديد، علما بأن هذه الخطوة قد تؤدي هي الأخرى للإصابة بالمياه البيضاء بشكل مبكر. هل الأمر يتعلق بسن معينة وبالأشخاص المسنين، أم يشمل الصغار كذلك؟ يتعرض الأشخاص، رجالا ونساء، في الوضع الطبيعي للإصابة بالمياه البيضاء انطلاقا من 65 سنة فما فوق، لهذا يجب على كل شخص الحرص بشكل كبير في هذه السن على الخصوص، إلا أن هذا لايلغي وجود حالات عند أشخاص هم في الأربعينات من عمرهم أو الخمسينات، وفي هاته الحالات نكون أمام حالة غير طبيعية للمياه البيضاء، التي يجب تحديد سبب الإصابة بها، والتي من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، أن يكون المريض قد ازداد بعدسة طبيعية ليست شفافة مئة في المئة، وفقدت شفافيتها تدريجيا خلال مراحل العمر، ثم هناك حالات عند الرضع ، سواء عند 6 أشهر من بعد الولادة، أو 8 أو سنة. ما هو السبب الذي يؤدي إلى إصابة المواليد الجدد ؟ بخصوص المواليد الجدد والرضع الذين قد يكونون يعانون من هذا المشكل، فإن ذلك قد يرجع إلى عدم دخول الضوء في البداية إلى العين، مما يؤدي إلى عدم اشتغالها، وبالتالي وجب القيام بعملية بشكل استعجالي و مبكر كي يتم وضع العدسة، وكذلك الأمر بالنسبة للترويض، وذلك حتى يتسنى للعين تدارك الضوء الذي لم ينفذ إليها، وهناك عدة أسباب في هذا الصدد مرتبطة بدورها بعدة أمراض، والتي تكون من ضمن العوامل المؤدية إلى وقوع هذه الحالات. ما هي الطرق العلاجية ل «الجلالة»؟ العلاج الوحيد للجلالة ، كيفما كان السن، هو شفط المياه البيضاء بطريقة الذبذبات ما فوق الصوتية، وتتم إزالة العدسة التي فقدت شفافيتها مقابل وضع عدسة طبيعية. وهنا أود أن أشير إلى معطى أساسي وله أهمية بالغة، إذ في السابق كنا أمام حالات يطلب فيها من الشخص المريض أن ينتظر إلى غاية جفاف المياه البيضاء، لأن طرق العلاج آنذاك كانت لاتسمح بإزالة الجلالة إلا بعد أن تجف وتصبح على شكل جزء واحد متصل، حينها يتم القيام بعملية على غرار العملية القيصرية، إذ يتم فتح القرنية ويتم استخراج العدسة في جزء واحد ويتم اللجوء إلى رتقها . هذا الأمر لم يعد مقبولا اليوم، خاصة إذا ما علمنا بأن هناك العديد من الأشخاص الذين لايستفيدون من العلاجات الحديثة، وذلك بفعل التأخر وعدم مبادرتهم بشكل مستعجل لزيارة الطبيب، وبالتالي سلك المساطر العلاجية التي يوصي بها، فالذبذبات ما فوق الصوتية تمكن من الولوج عن طريق ثقب صغير يتم إحداثه عوض فتح العين، ويتم إدخال عدسة لينة من خلال نفس الثقب الصغير، التي تنفتح داخل العين حتى لا يضطر المريض لاستعمال نظارات خشنة. جانب آخر، وهو أن هناك من يعتقد بأن إزالة العدسة، وإزالة المياه البيضاء ، هما أمران مختلفان، والحال أن الأمر يتعلق بعملية واحدة، فالمياه البيضاء وكما أسلفت هي عدسة فقدت شفافيتها تستبدل بعدسة اصطناعية، لأن لها من جهة دور في النظر، ومن جهة ثانية دور في تثبيت ما هو داخل العين، فوراء العدسة هناك المياه الزجاجية والشبكية اللتان يجب حمايتهما والحفاظ على توازن داخل العين لكي لايبقى هناك فراغ بعد إزالة العدسة، وهنا أود أن أشير إلى معطى شائع، وهو اعتقاد بعض الأشخاص على أن زرع العدسة عند البعض قد أدى إلى عدم نجاح العملية والحال أنها ضرورية. لماذا التأكيد على ضرورة إجراء التدخل الجراحي مبكرا؟ يجب القيام بالعملية مبكرا، لأننا نشتغل بذبذبات ما فوق صوتية، وكلما أزيلت «الجلالة» مبكرا، كلما لم يتم استعمال حرارة كثيرة داخل العين ولانحتاج للذبذبات بشكل كبير، ويتم شفطها في وقت سريع، لأنه عندما تجف وتتقادم ترتفع احتمالية وقوع مضاعفات ومشاكل عند العملية، فنحن نحاول القيام بالذبذبات ما فوق الصوتية ولكن إذا تجاوزنا حرارة معينة داخل العين يتم إتلاف القرنية ، وهي العضو الأمامي الشفاف الذي يمنحنا الوضوح في النظر، ولكن المشكل هو انه إذا تجاوزنا درجة حرارة معينة داخل العين نتلف تلك القرنية ونكون أمام مشاكل يصعب تداركها، مما يتطلب تغيير القرنية وزرعها، وهو الأمر الذي يتطلب مواصفات محددة ولاتكون بالأمر السلس. وبالتالي ننتقل من مشكل بسيط شيئا ما الذي هو الجلالة، إلى مشكل عويص نتيجة لعدم التدخل المبكر، نظرا لأن تدخل الطبيب كان متأخرا لكون المريض اعتقد في قرارة نفسه بأنه لايزال قادرا على الإبصار، وبالتالي شاء ألا يخضع لتلك العملية وعمل على تأجيلها خوفا من أية مضاعفات. هل هناك أية خصوصيات تجعل نتيجة التدخل الجراحي تتغير من شخص لآخر؟ من المفيد جدا التشديد على أن عين شخص لاتشبه أية عين أخرى، لأن أحجام الأعين تختلف ، وبالتالي لايمكن للإنسان أن يقارن عينه بعين شخص آخر، فهناك أعين قد تحتمل 70 في المئة من درجات الحرارة، في حين أن هناك من لن تستطيع تحمل حتى نسبة 10 في المئة من درجة الحرارة، وهذا الفهم الخاطئ هو الذي يؤدي بالبعض إلى وصف بعض العمليات بالناجحة، والتي يقول بأنها جرت في ظروف غير جيدة مئة في المئة، والحال أن تكوين الأعين ليس مماثلا، وبالتالي وجب دائما أن نكون في ظروف جيدة، فالتدخل لإزالة المياه البيضاء يتم في بعض دقائق، ويمكن للشخص أن يزيل الضمادات يوما بعد العملية، وإذا ما كانت «الجلالة» غير صلبة فيمكنه الإبصار بها مباشرة بعد يوم أو يومين من إجراء العملية. وعليه فإن نتيجة إزالة المياه البيضاء هي رهينة بظروف الاشتغال وإجراء العملية، هل في عين صغيرة أم كبيرة، وهل التدخل سيكون على مستوى الغلاف الذي توجد فيه الجلالة، وهنا يجب أن أشير إلى مسألة مهمة جدا، وهي أن المواطنين المنحدرين من مناطق في المغرب بعينها كالرحامنة، عبدة ودكالة، لديهم غشاء العين ضعيفا وليس بالجودة المطلوبة، وعند إزالة المياه البيضاء قد لايحتمل الغشاء هذا التدخل، ويمكن أن يترتب عن ذلك سقوط المياه البيضاء في المياه الزجاجية داخل العين، مما يؤدي إلى مشاكل أخرى تتطلب إحالة المريض على أخصائي الشبكية، لإزالة الجلالة من الداخل تفاديا لأية مضاعفات محتملة، وهذا ماكان يقوم به من يسمون ب «القدّاحة» في مناطق بمكناس ومراكش باستعمال «مرْود» ذهبية، وعوض إزالة المياه البيضاء يتم إسقاطها خلف العين، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفات تهم الالتهابات أو انفصال الشبكية. وعليه فالمشاكل التي تقع هي تكون نتيجة للتماطل، فمن لديهم هذا الغشاء نتيجة لتكوين جيني، يجب عليهم المبادرة بإزالة المياه البيضاء مبكرا وليس انتظار الوصول إلى حالة العجز عن النظر والإبصار، فهناك من ينتظر إلى غاية انغلاق العين الثانية آنذاك يقوم بزيارة الطبيب. هل هناك أية توصيات أو ملاحظات تريدون التطرق إليها؟ يجب أن نتوفر على ثقافة الوقاية ، لأن التدخل قبل الإحساس بالأعراض هو جد مهم، لأن في الإحساس بها معاناة من مضاعفات، وذلك للرفع من حظوظ النجاح، وبالتالي وجب القيام بفحوصات سنوية، ويجب أن تكون لدينا ثقافة طبيب الأسرة، فلكل سن مشاكله، وبالتالي فطبيب الأسرة يقوم بتوجيه الشخص عند الطبيب المختص عند كل سن أو حالة معينة تفاديا لأية مضاعفات قد تأتي نتيجة لعدم الخضوع لتشخيص مبكر. نقطة أخرى، وهي تتعلق بفكرة مغلوطة مردّها أن الإصابة بداء السكري تعني بشكل أتوماتيكي فشل عملية إزالة المياه البيضاء، وهذا خطأ، فالتأويل دائما يعطينا تخوفا يؤدي إلى أن تسود أفكار خاطئة ليست هي الحقيقة وينتج عنها التماطل والتأخر في الخضوع للتدخل العلاجي. كل شخص هو معرض للإصابة بالمياه البيضاء دون استثناء، كما أن أي شخص يمكن أن يتعرض لها خارج العوامل التي تطرقنا إليها، إذ يمكن في حال تعرض شخص للضرب على مستوى العين، سواء نتيجة لاعتداء بدني أو لمجرد الإصابة العفوية بكرة للقدم مثلا، أن يصاب بالمياه البيضاء، وبالتالي وجب الانتباه والحرص من جهة، وزيارة الطبيب للتأكد من الوضعية الصحية للجسم ككل، وليس انتظار ظهور أعراض قد تكون علامات على تفاقم الوضعية ، وليس بالضرورة بدايتها.