حتى ولو رحل السفير البريطاني مستقيلاً من واشنطن، فهو لم يرحل مهزوماً أمام الرئيس ترامب، بل رحل لأنه لم يعد قادراً على خدمة بلاده لدى الأميركيين ومؤسساتهم بعد أن تم نشر تقاريره الدبلوماسية المغلقة للخارجية البريطانية، فالسفير كان وفياً لبلاده مخلصاً في وظيفته وأدى واجبه المهني في تقديم رؤيته وانطباعاته عن الرئيس الأميركي، ولم يكن ذلك علناً، بل وفق تقاريره المغلقة لوزارة بلاده، وبالتالي لا ذنب له في نشر التقارير التي تحتاج لتدقيق من قبل الخارجية البريطانية في كيفية تسربها . حكومة بلاده لم تنف ولم تتصرف إلا بانحياز لسفيرها وتقديراً له، ووضعت الثقة به لأنه كان مهنياً وقدم ما وجد أنه واقعياً وعملياً وأنه لم يفعل ذلك إلا من باب حرصه على تقديم التقارير الدقيقة عن إدارة ترامب لجعل بلاده تتصرف وتتخذ القرارات المناسبة نحو رئيس دولة صديقة بالنسبة لهم، يتصرف بطريقة غير كفؤة في إدارة الدولة سواء نحو معسكر الصديق أو معسكر الخصم . استقالة السفير كيم داروك لا تسجل عليه، لأنه سيرحل مهزوماً، بل تسجل له لأنه سيرحل وقد أدى واجبه على أكمل وجه نحو بلاده ومصالحها، وقدم المعلومات المناسبة التي أغاظت ترامب فكتب ما كتب ضد السفير، ومع ذلك ستسجل حادثة السفير البريطاني في واشنطن على أنه من الوقائع والأحداث البارزة في كليات الإدارة الدبلوماسية والعلوم السياسية، كنموذج راق في تأدية الواجب وقيم التفاني حتى ولو كان الثمن الشخصي باهظاً كما حصل للسفير الذي سيرحل بدون أن يكمل فترة خدمته في مكان عمله واشنطن، ولن يحصل على وسام نهاية الخدمة من العاصمة الأميركية ، كما هو معتاد وفق التقاليد الدبلوماسية الدولية . ندقق في عمل سفاراتنا، ونحزن لأن بعض السفراء يتم اختياره عبر قوائم المحاصصة، وأنه معزول على الأغلب عن فعاليات البلدان التي يخدم فيها، وبعيد عن نشاط جاليته الأردنية لأن وقته لا يسمح، وهو مجرد موظف محظوظ تم إيفاده لتحسين وضعه المالي، أو متقاعد من مؤسسة أخرى فتتم ترضيته بمنصب سفير أفضل من وظيفته السابقة، هذا لا يعني غياب سفراء أردنيين متفوقين مقارنة مع زملاء له من الأردنيين وحتى ممن عملوا معهم في نفس المحطة من العرب والأجانب، ولكن الاستثناء بالتفوق ليس الغالب من بين السفراء الأردنيين . لقد زرت ثلث بلدان العالم، وتعرفت على السفراء، وأتعمد زيارة السفارة في أغلب رحالاتي، ولذلك ألمس من منهم يُقدر الزيارة ويتجاوب معها ويوفر مظلة لنجاح مهمتي الصحفية أو البحثية أو السياسية لدى البلد الذي أزوره، مثلما ألمس عدم الاهتمام من بعض السفراء، وكأن الأمر لا يعنيه، رغم عدم حاجتي له، وتتوفر لدي المظلة المحلية لتغطية مهام وظيفتي المهنية ككاتب وصحفي . نحن بحاجة لسفراء يصلوا إلى مستوى السفير البريطاني الشجاع الذي تحدى رئيس أكبر دولة في العالم وسجل عنه المعلومة الأكثر دقة لبلاده.