ما إن تقع عيناك على حسن إغلان وتُجالسه لأول وهْلة وبلا سابق معرفة ، حتى تنْجذب إليه وتتفاعل معه وتحلّ الألفة محلّ الكُلْفة وتحس بالبهجة في حضرته . وجه وديع سمْح يشفّ عن نبل صاحبه وصفاء روحه ، ولسان مثقف أريب يخوض بك في فنون الحديث وشجونه ، وأفق معرفي موسوعي وارف يرتحل بين ضفاف الفكر والفلسفة وضفاف الأدب والإبداع .. هذا إلى لين معْشره ورقيّ طباعه وخصاله كإنسان اولا ، يغمره الشرط الإنساني ، بتعبير أندريه مالرو. وفي وسطنا الثقافي والأدبي العليل الطافح للأسف ، بالحرافيش والانتهازيين والمشّائين بنميم ، يبدو حسن إغلان عملة ثقافية نادرة ، وطائرا في غير سربه . وتلك إحدى نقاط القوة في شخصية حسن إغلان . القوة الإنسانية والفكرية والإبداعية الهائلة – والهادئة ، التي تتحرك الهُويْنى كالنهر الهادئ ، بلا جلبة أوضوضاء . وشخصيا ، أعتبر لقائي بحَسن وتعرّفي عليه ، بعد أن قراته كاتبا ، من الهبات الجميلة التي جاد به الزمن الموحش . جاء حسن إغلان إلى مشهدنا الثقافي والأدبي منذ طلائع الثمانينيات من القرن الماضي . ومنذ ذلك الموعد البعيد إلى الآن ، وهو حاضر بعُدّته وعتاده وأطايب عطائه وزاده . حاضر بأبحاثه وأسئلته الثقافية والفلسفية ، وحاضر بنصوصه القصصية والروائية ،وأيضا بمقارباته وقراءاته النقدية الثاقبة والضافية . وبُحوثه الفكرية الجريئة ، كبحثه حول الجسد والجنس في السياسة والإسلام . ومن ثم تتجلى روعة هذا الواحد المتعدّد . باحثا مفكرا ، ومبدعا قصصيا وروائيا ، وناقدا خبيرا . والنقد بمفهومه الإبيستيمولوجي العميق ، كاسْتنطاق وتجْلية للمخبوء والمغيّب والمسكوت عنه ومساءلة للثوابت والمسلّمات واليقينيات ، هي الخاصية الفكرية الموجهة لأسئلة حسن إغلان الثقافية والبوْصلة التي يهتدي بها ، ولو قاده ذلك إلى السير في مزرعة ألغام فكرية ، غير متردّد أو هيّاب أن تنفجر هذه الألغام في وجهه . لذلك يبدو باحثا مُشاغبا باستمرار ، مُثيرا للأسئلة المُقلقة – الحرجة والحساسة . والسؤال دوما ، بداية الطريق إلى المعرفة . لكن يبقى هوى حسن إغلان ، في تصوّري ، إلى القصة أمْيل . وفيها تتجلّى موهبته السردية في أبهى تجلياتها . وهو ما ألمح إليه في أحد حواراته ( القصة هي المنطلق الرئيس لكل هذه النوافذ ) بما يذكّرنا بقولة الرائد – الرائع أنطون تشيكوف ( إذا كان الطبّ زوجتي ، فإن القصة عشيقتي). ولعل انصع دليل على ذلك ، أن معظم أعماله الإبداعية تدور في فلك القصة القصيرة / – وقائع الأيام الأولى – وليمة الكلام – شيء من ظلها . – كتاب الأسئلة – درس البيانو ولست مُجانبا الصواب إذا قلت ، بأن حسن إغلان ، من أجمل الاقلام المغربية – والعربية التي كتبت القصة القصيرة . وما يزال لمجموعته القصصية المتميّزة ( درس البيانو ) ، ولقصة درس البيانو بخاصة ،مذاق الشهد على لساني . صديقي حسن / دمتَ لنا على الدوام ، ذاك الحَسن .