إعادة انتخاب هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة عضوا في اللجنة الدولية لهيئات مكافحة الفساد    تفاصيل اختطاف سيدة بسيدي بنور.. محاولة فاشلة لسرقة 20 مليون سنتيم    مشروع قانون يؤطر "التروتينيت" في المغرب ويلزم مستعمليها بالخوذة واحترام إشارات المرور    المستشفى المتنقل يحط رحاله بجماعة إملشيل في نسخته الثالثة (صور)    متى يُسْقِطُ الإطار المسْمار !    «بيرسا كوموتسي» تترجم أعمالا فلسطينية إلى اليونانية    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    موريتانيا تسهل مأمورية سائقي الشاحنات المغاربة    مقتل شخص في حادث إطلاق نار جديد ببروكسيل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية تستهدف تكوين 30 ألف متدرج في مجال الصناعة التقليدية (لحسن السعدي)    المغرب يشارك بفريق قاري في عدد من السباقات الدولية بتركيا    أمن البرنوصي يعتقل 14 شخصاً لتورّطهم في تخريب ممتلكات خاصّة    لسعد جردة: لم أكن أتوقع العودة بهذه السرعة لتدريب الرجاء البيضاوي    شكايات متزايدة ضد إدارة المياه والغابات بشفشاون بسبب تعرضات عقارية مشبوهة وحجز طيور زينة بموقع سياحي    طنجة تحتضن ندوة علمية حول مشروع قانون المسطرة المدنية: دعوات لتعزيز فعالية العدالة واستقلالية المهن القضائية    مجلس النواب يعقد جلسة عمومية تخصص لاختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025    كاني ويست يعلن إصابته بمرض التوحد    الدوزي يشوق جمهوره لجديده الفني "آش هذا"    رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي يحذر من أن العقوبات الأميركية تهدد استقلالية المحكمة الجنائية الدولية    إيمان غانمي ل "رسالة 24" : تمرير قانون الإضراب يعكس توجها استبداديا    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    إطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة بالمدارس وتوزيع استمارة الموافقة على آباء التلاميذ    "الفيفا" تُوقف منافس المغرب في كأس العالم    كأس العالم 2030.. فرصة مهمة للشباب المغربي (لقاء)    بنك المغرب: 78 في المائة من المقاولات تعتبر مناخ الأعمال "عاديا"    طنجة.. اختتام منتدى "النكسوس" بالدعوة إلى تدبير مستدام للموارد    عقوبات أمريكية ضد المحكمة الجنائية    المغرب يوصي المعتمرين بأخذ اللقاح    مجسّد شخصية زاكربرغ: رئيس "ميتا" تحول إلى "مهووس بالسلطة"    أنفوغرافيك | حسب الجهات ووسط الإقامة.. معدل البطالة لسنة 2024    الذهب يتجه نحو سادس مكسب أسبوعي على التوالي    شركة بريطانية تطلق خطين جويين نحو المغرب    سفير مصر بالمغرب يلتقي ممثلي الجالية لبحث قضاياهم وتعزيز التواصل    قرار جديد من السعودية يسهل أداء مناسك العمرة    رغم التوتر.. كندا تبدي استعدادها للانضمام إلى مشروع ترامب    تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين (وزارة)    فيدرالية اليسار بأزيلال ترفع شكاية بشأن خروقات في تدبير الجماعة    عمدة ميونخ يرفض استضافة دوري الأمم الأوروبية    تهجير الفلسطينيين: حملة تضليل مكشوفة.. كيف تُصنع الإشاعات لاستهداف المغرب؟    الولايات المتحدة تأمر بوقف عشرات المنح المقدمة لبرنامج الأغذية العالمي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    كأس انجلترا: ليفربول يتأهل للمباراة النهائية بفوز عريض على توتنهام (4-0)    ‪ إلغاء لقاح الحمى الشوكية للمعتمرين    فيدرالية الاحياء السكنية بالجديدة تستعرض قضايا المدينة وحصيلة انشطتها الاخيرة    إنتخاب المستشارة الاستقلالية مينة مشبال نائبة سابعة لرئيس جماعة الجديدة    الزهراوي: خبر إمكانية استقبال المغرب للفلسطينيين المهجرين "شائعات مضللة"    لقجع: افتتاح مركب محمد الخامس بالدار البيضاء نهاية شهر مارس المقبل    مسيرة عظيمة.. رونالدو يودّع مارسيلو برسالة مليئة بالمشاعر    غوغل تطور تقنيات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتحدي "DeepSeek"    "جامعيو الأحرار" يناقشون فرص وإكراهات جلب الاستثمارات إلى جهة الشرق    الشاب خالد، نجم الراي العالمي، يختار الاستقرار الدائم مع أسرته في طنجة    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في أحوال القصّة وأحوال الوقت
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 04 - 2018

هذه ستة نماذج قصصية تعكس راهن القصة القصيرة المغربية ، مُستلّة من وقتها وهموم لحظتها، وهي لستّة قاصّين من كل فجّ مغربي (من زاكورة إلى وجدة) يذرعون بنا جغرافية القصّ وجغرافية الوقت ، وهي على التوالي:
*»ثلاثة نصوص قصيرة جدا» لعبد الحميد الغرباوي
* «شغف» لسعيد كفايتي
* «دُمى الحرب « للْحسن آيت ياسين
* «الورد جميل» لعلي أزحاف
*» الرحيل « لليلى عبدلاوي
*» الخارج والداخل» لعادل التّكفاوي
ويتّضح من هذه الجرْدة ، أننا أمام جيلين قصصيين متقاطبين ، جيل الريادة والتجنيس القصصي ، ويمثّله عبد الحميد الغرباوي، المبدع المخضْرم العابر للأجيال .
وجيل القاصّين الجُدد الذين هلّ هلالهم مع طلائع الألفية الثالثة وينزعون عن قوس الحساسية القصصية الجديدة ، وفق الصفة الرائجة التي اقترحها ذات يوم القاص والروائي المصري إدوار الخرّاط .
ومعلوم أن الحساسيات الأدبية ، رمال متحركة على الدوام ومياه جارية تحت الجسر ، ولا يدوم على حال لها شان .
هذه الباقة القصصية تبدو كموزاييك قصصي ، تشترك في مصطلح (قصّة) وتختلف في طرائق القصّ ، وبنياته ، وتيماته ولغاته . يوحّد بينها القص وتختلف بينها سُبُل القص .
وتتراوح حجما وشكلا بين حدود القصة القصيرة ، والقصة القصيرة جدا ، والأقصوصة ، وهي في منزلة بين المنزلتين، القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا .
هذه المُراوحة الشكلية ، هي المظهر الأول لهذه الموزاييكية القصصية .
وسأقارب هذه هذه النصوص على التوالي ، وفي خطوط عريضة هي أقربُ إلى رؤوس أفكار وملاحظات . والإشارة أحيانا تغني عن العبارة ، سيما وأن ( القِصر) هي الصفة المهيمنة على هذه النصوص/ قصة قصيرة ، قصة قصيرةجدا، أقصوصة (وهي صيغة تصغير) .
سأقارب هذه النصوص من خلال مفاصل أساسية ومتفاعلة في ما بينها وهي :
البنية القصصية والدلالة القصصية واللغة القصصية.
وكل نص كما يقول جيرار جنيت ، أفق مفتوح للقراءة يتجدّد ويتعدّد بتجدد وتعدّد القراءات والقرّاء . وكل قراءة تبعا ، كما يقول جاك ديريدا ، إساءة قراءة .
وأرجو أن تكون قراءتي أقل إساءة .
والبراءة غير واردة في النص الإبداعي ، كما هي غير واردة في قراءته وتلقّيه .
وسأستعين في قراءتي ببعض آليات التأويل ، لتجْلية الدلالة الكامنة وراء ظواهر وسُطوح هذه النصوص . خالصا بذلك إلى المعنى الخفيّ وراء المعنى الجليّ .
«ثلاثة نصوص قصيرة جدا»
عبد الحميد الغرباوي
وخير ما نفتتح به ، وليّ القصة المغربية الصالح والمُشاغب عبد الحميد الغرباوي .
وقد اختار عبد الحميد قالب القصة القصيرة جدا لقصّه وحكيه ، وهو الناسك في محراب القص وفنونه وشجونه منذ الزمن الأول . وهذا اعتراف إبداعي جميل من قاص مخضْرم جميل ، ، بحضور وشرعية
هذاالجنس الأدبي الجديد – الوليد . علما بأن القاص اختار كلمة نصوص بدل قصص ، ليمارس شغبه القصصي على السجيّة .
في ثلاثة نصوص قصيرة جدا ، يقطّر لنا عبد الحميد ثلاث تيمات قصصية منتزعة من أحوال الوقت .
في النص الأول ، تهيمن تيمة المجازر الوحشية التي تسود العالم ، والتي جعلت السارد يتساءل دهِشا ( ألا يكون مصدر كل هذه البشاعات كائنات شرسة ، خارقة الذكاء ، قدمت من كوكب آخر ،،؟)
وفي النص الثاني ، تحضر العصافير بدل الناس الشرسين الأشقياء ،لتقدم
مثالا للتسامح والحنان والرّفق ، وكأن هذه الطهرانية – الحيوانية المجسّدة في العصافير ، جواب مُضاد للوحشية الآدمية التي تطحن الحياة والأحياء ، لا تُبقي ولا تذر لوّاحةً للبشر .
وفي النص الثالث ، تحضر تيمة الطفولة البريئة ، من خلال الطفل الذي يقلد المؤذن فتهوي به المخدّات على ذقنه ويسيل دمه . وكأنه جزاء وِفاق لمن يتجرّأ على حرمة الدين وينتهك التابوهات .
هي أسئلة كبيرة اذن ، في قصص قصيرة جدا .
.لكن نلاحظ أن ثمّة جملة طويلة – عنقودية تخرق أهم شروط القصة القصيرة جدا ، وهو التكثيف والإيجاز . تقول الجملة /
(ألايكون مصدر كل هذه البشاعات ، كائنات شرسة، خارقة الذكاء ، قدمت من كوكب آخر، تسلّلت خفية إلى كوكبنا تقمّصت شكلنا ، وتغلغلت في أجهزتنا السياسية، صارت تتحكّم في مراكز قرارات جدّ حساسة ومصيرية ..)
وكأن العرباوي مشاغب دوما على قواعد اللعب القصصي . .ومنتهك للمقاييس الهندسية .
إن أهم سمة في نصوص الغرباوي أنه يجمع بين جمالية القصّ وجمالية الشعر . يقص شاعرا ويشعر قاصا .
وهو صنيع قريب من مُجايله أحمد بوزفور .
ومن ثمّ تبدو جمله السردية مغموسة في ماء الشعر ، ويوزّعها توزيعا شعريا عبر بياض الصفحة.
ثاني سمة في نصوصه ، هذا الجمع والتوليف بين الهموم الكبرى والصغرى . هذا الإنصات الإبداعي الدائم لمواجع العالم .
فلأنه مبدع سبعيني وفارس قديم، ظل مسكونا بالأسئلة الساخنة ، لا يغادر متردّمها.
عبد الحميد الغرباوي ، قاص ومبدع كبير، عن تلك الليالي الجميلة والجليلة يحكي دائما، ويسدّد رمية الحكي .
شغف / لسعيد كفايتي
وتبدو قصة (شغف) لسعيد كفايتي أطول نصوص هذه الباقة القصصية ، وتتحرك على النقيض من القصة القصيرة جدا . علما بأن حدث هذه القصة ، وهوالفراق من بعد وفاق ، قابل لأن يُختزل ويقطّرفي قالب
القصة القصيرة جدا . وهذا افتراض من عندي كقارئ يندسّ مع الكاتب في كيمياء النص . لكن القاص سعيد شاء عن سبق نية وإصرار فيما يبدو، أن يلتزم الحجم التقليدي للقصة القصيرة ، وذلك عبر خمس صفحات . وكانت لغته السردية ، ذات إيقاع تقليدي أيضا .
لغة بصرية مباشرة تُراوح بين الوصف والسر د ، كما تراوح رؤية ، بين الرؤية من خلف والرؤية مع ، حسب صُنافة جان بويون . أي بين السرد الخارجي والمنولوج الداخلي .
الشخصية الرئيسة في القصة هي (هاء) التي قررت في لحظة حسم مفاجئة أن تنسحب من حياة (فاء) وتغادره لا تلوي على شئ .. حسب العبارة الأخيرة في القصة .
لماذا ؟ وكيف؟ ذاك بياض مسكوت عنه في القصة .
بل إن (هاء) ذاتها كما نقرأ في آخر القصة (تريد أن تبحث عن تفسير معقول لكل ما حدث أو ما سيحدث ، لا يسعفها ذهنها في جمع الخيوط ، ولا في تثبيت أركان القصة ) .
وربما كانت هذه العبارة ناطقة بلسان حال القصة وكاشفة عن أمرها .
فعلى الرغم من أن القاص ينحو منحى تقليديا في قصته ، إلا أنه لم يجمع الخيوط ولم يثبّت أركان القصة المألوفة والمعروفة في القصص التقليدية، وهي البداية / العقدة/ التنوير .
ولعل هذا الغائب المسكوت عنه في القصة ، هو مكمن قصصيتها ومكمن دلالتها .
لعل دلالتها كامنة في أن الّلاتواصل هو الذي يحكم التواصل في حياتنا الراهنة . وأن الّلاكتمال هو الذي يحكم نصوصنا الإبداعية .
«دُمى الحرب» للحسن
آيت ياسين
يندرج نص (دمى الحرب) لآيت ياسين في خانة الأقصوصة، ضمن الترتيب –الهيرارشي للقصة . وهي كما ألمحت في فاتحة هذه القراءة في منزلة وسطى بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ، حيث لا يتجاوزالنص كمّا وحجما تسعة عشر سطرا . لكن هذه الاسطرالمعدودة تبدوملغومة بالدلالات والإيحاءات . ملغومة بويلات الحرب . وتلك بالضبط ، هي بلاغة الإيجاز القصصي .
والقاص آيت ياسين يوقّع على نفس الوتر الساخن – التراجيدي الذي وقّع عليه الغرباوي في نصه الأول (خيال علمي) ، المجازر الوحشية للبشر.
وأقصوصته لذلك ' حربية بامتياز .
والحرب تيمة بِكر في القصة المغربية .
ومن ثمّ يثورعندي سؤال ، تُرى كيف انبثقت تيمة الحرب في رأس لحسن آيت ياسين ؟
سأجعل التأويل كما أسلفت ، إحدى آليات هذه القراءة القصصية ، ما دامت متراوحة بين أحوال القصة وأحوال الوقت .
وتجدر الإشارة إلى أن القاص آيت ياسين ابن زاكورة . وزاكورة على مقربة من المناطق الصحراوية التي كانت مسرحا لحرب رمال أخرى بين المغرب وجبهة البوليساريو خلال السبعينيات من القرن الفارط .
فهي اذن وشم في الذاكرة ، أحيته وأذكته هذه الحروب العربية الطاحنة. حروب داحس والغبراء في حلّتها الجديدة المزيدة .
هكذا نقرأ أحوال القصة في أحوال الوقت .
لكن القاص لحسن يكتب الحرب في أقصوصة (دمى الحرب) بلا جلبة اوضوضاء . يكتبها من خلال رمزية قصصية وارفة الدلالة . رمزية الدمية المقطّعة الأوصال ، التي تلوح عبر وحشية وفظاظة الحرب، ووحشية وفظاظة الجنرال .
يكتب الحرب بلمسات شعرية بالغة الرهافة والشفافية والدلالة .
إنها أقصوصة حرب شاعرية ، ذكّرتني بأقصوصة حرب شاعرية لإرنست همينجواي بعنوان (تحت بالجسر) ، عن الحرب الأهلية الإسبانية .
وكم من حروب تمرّ تحت الجسر، والإبداع شاهد لا يريم .
«الورد جميل» لعلي أزحاف
في سياق كوميدي – ساخر وماكر ، يكتب علي أزحاف نصه (الورد جميل) .
عنوان جميل لنصّ مفخّخ ، يشبه الذمّ بما يشبه المدح أو المدح بما يشبه الذمّ ، كما يقول البلاغيون .
والمفارقة القصصية في نص (الورد جميل)، هي الثنائية الضدّية بين الحمار والورد الجميل الذي يلتهمه بأناة وشهية ، غير آبه بما حوله .
وكأني بالقاص / الشاعرعلي أزحاف يسْتحمر العالم ، أو يضحك على العالم ومخلوقاته العجيبة ، من خلال هذه القصة الساخرة – الماكرة .
والسخرية والمكر ، من أروع أسرار القصة القصيرة ، وأنطون تشيكوف شاهد على ذلك .
في قصة (الورد جميل) يبدو الحمار بامتياز ، هو الشخصية الرئيسة protagoniste
وإن كان السارد في كثير من الحالات وحسب وجهة نظر جيرالد برنس ، هو البطل الحقيقي أكثر من أيّ شخصياته .
وحمار علي أزحاف شرِه جرئ خلافا لحمار بوريدان الكسول المتردّد .
والسؤال الذي يبادهنا ونحن نقرأ هذه القصة عودا على قراءتنا التأويلية /
ما هي الرسالة تُرى ، التي يريد القاص أن يمرّرها عبر هذه القصة؟
هل هي سخرية من الورد الجميل ، ذي الرمزية الرومانسية في الذاكرة، أم سخرية من الحمار ذي الرمزية الواقعية – الغبائية في الذاكرة ، أم من كليهما معا ؟
أم هي سخرية مُرّة من واقعنا المرّ ؟
أستحضر هنا قولة مأثورة لفيلسوف الساخرين برنارد شو يقول فيها عن الديمقراطية التي يلوكها العالم ( إن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل ، لأن أغلبية من الحمير ستحدّد مصيرك ) .
يذكّرنا النص بسلالة عريقة من الحُمُر الإبداعية – الحكيمة ، كان الحمار
فيها ضيف شرف بامتياز. /
الحمار الذهبي / للوكيوس أبوليوس الأمازيغي
حمار بوريدان
حمارخوان رامون خيمينيث / بلاتيرو وأنا
حمار الحكيم / لتوفيق الحكيم
حمار حسن أوريد / سيرة حمار
وأخيرا وليس آخرا ، حمار عبد الكريم برشيد ، حمار الليل .
كل هؤلاء امتطوا ظهر الحمار الصبور الحكيم ، لتمرير رسائلهم المشفّرة
الملغومة . والحمار غيرآبه ، لأنه منشغل بالتهام الورد الجميل في ضيافة
علي أزحاف .
هذه السخرية الإبداعية المشاغبة من بعد ، سمة أساسية لعلي أزحاف سواء أكتب قصة أم قصيدة أم تغريدة فليسبوكية .
«الرحيل « لليلى عبدلاوي
حضور كاتبة في هذه الباقة القصصية ، مؤشّر رمزي على الحضور النسوي في الكتابة القصصية وفي الكتابة عامة .
وقصة (الرحيل) لليلى عبدلاوي ، مثال على ذلك .
تُقارب القصة ، بلغة مشهدية تتراوح بين السرد والمنولوج ، تيمة
قصصية أخرى بكرا في غاية الشفافية والحساسية ، وهي رصد الوجه الإنساني الآخر للشخصية اليهودية ، انطلاقا من العلاقة الاجتماعية بين
المغاربة واليهود المغاربة ، علاقة التساكن والجوار .
وتقتنص الكاتبة لحظة قصصية مفصلية لكشف العمق الإنساني العفوي
لهذه العلاقة . وهي لحظة الوداع بين مُنى وصديقتها اليهودية أستر، الراحلة رفقة عائلتها إلى باريس . وبين الصديقتين وعائلتيهما علاقة
حميمة في ذلك الحي الشعبي بوجدة ، حسب سياق القصة .
هي قصة جميلة، مفعمة بالأحاسيس والتفاصيل القصصية الدالة والجمل
الفلاشية – الاسترجاعية ، التي تعمّق لحظة الرحيل .
وهنا يُثار من خلف سطور القصة شجن تاريخي دفين . ذلك أن هجرات
اليهود المغاربة إلى فرنسا ، كانت معبرا لهجرات أخرى إلى اسرائيل .
كما يُثار تبعا سؤال / ما هي الرسالة الثاوية في أطواء القصة ؟
لا أريد أن أقوم بقراءة تأويلية تعسفية للقصة وأحمّلها أكثر مما تحتمل .
لكني على علم بان النص الإبداعي ليس بريئا ، كما أن فعل القراءة أيضا
ليس بريئا .
وليبق السرّ كتيما بين الصديقتين الوجْديتين ، مُنى وأستر.
«الخارج والداخل» لعادل التكفاوي
هذه قصة تجريبية وعجائبية بامتياز، شكلا ومضمونا ، لغة وبناء .
يتكوّن برنامجها السردي ، من مقاطع سردية ثلاثة مُعنْونة ، متصلة ومنفصلة في آن . وهي /
1 / حياة الأكسجين القصيرة
2 / الحياة المجهولة لثنائي أكسيد الكربون
3 / حوار الداخل والخارج
ولعل هذه العناوين كافية في حدّ ذاتها للدلالة على المناخ السوريالي – العجائبي الذي يكتنف النص .
والمقاطع الثلاثة أشبه ما تكون بقصص قصيرة جدا ، يلحمها خيط سريري ناظم . لكن خيوط الحبكة وخيوط المعنى ، تظل باستمرارمنفلتة
وهاربة . وكأن النص يتحرك في متاهة كافكاوية .
وفي انفلاته بلا شك ، دلالته ومغزاه .
إن مناخ هذا النص الكافكاوي أشبه ما يكون بمناخ الكوابيس وأضغاث الأحلام .
ولعل لجوء القاص عادل التكفاوي، ومعه كثير من القاصّين، إلى مثل هذه المناخات الكابوسية – السوريالية، ضرب من التفاعل والتماهي مع كابوسية وسوريالية العالم.
وقديما قيل ، الواقع أغرب من الخيا .
وبعد /
لقد أشرتُ في بداية هذه القراءة/ الورقة ، إلى أن أحوال القصة ليست
بعيدة عن أحوال الوقت .
هذا إن لم أقل إن القصة في نهاية المطاف ، هي قصة وقتها .
ومع كل الاختلاف في طرائق الحكي ، ولغات الحكي ، وتيمات الحكي في هذه النصوص ، لا نعدم بينها قاسما أوقواسم مشتركة ، خاضعة للباراديغم القصصي المتحوّل .
خاضعة لإيقاع وأحوال الوقت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.