محمد اعنيبة الحمري… شاعر يسمي البياض ويكسر هذا الأوان، يحن إلى رعشات المكان بداء الأحبة والشوق للبحر فتكتبه المحن، هي لا تنهكه حتما وإذا كانت قدرا- حسب قوله- فإن الكتابة الشعرية محنته باختيار. الشاعر الذي ظل يعرف كيف يجعل ما يورق ويعترش يتغلب على ما يتصحر ويحرص على إبقاء ما ينتصر في الروح أعلى مما ينكسر في التاريخ. شاعر أدركه هم الكتابة على الريق سنة 1964 وهو لا يزال يافعا، تلميذا بالثانوي إلى أن أصدر ديوانه الأول سنة 1967 : «الحب مهزلة القرون». سارع حينها المرحوم عبد الجبار السحيمي، فكتب مقالة عشق خلد فيها تجربة الشاعر محمد اعنيبة الحمري، معتزا بمتنه الشعري ومبشرا بقدوم شاعر حقيقي ما أخلف موعدا ولا نكث مع الشعر عهدا. شاعر شمعة تحترق لتضيء وتدفئ، تنهل تجربته من الثرات وتصب في الحداثة لغة شعرية أنيقة، جزلة سهلة وممتنعة، تزيد من سعة أفق الشعر المغربي والعربي. شاعر يرهف سمعه وشعره لآلام وآمال الناس البسطاء، ينشد التغيير ويسخر كلماته لأجله، يعيش حياة بين مد وجزر كالمحار، كلما غمرته المياه، يحتفي بالقمر فاتحا صدفه، وإذا انسحبت غلق الباب ثم استدار، ساحبا معطفه باحثا عن مكان سواه (مقطع من قصيدته انكسار الأوان). لا يسعني كتاب لذكر مناقب الشاعر وتجربته الرهيبة مع الشعر والحياة، لكني ألخصها في قوله : تجشمت المصاعب واستدنت الما/ ل أقساطا وكان الشعر مأساتي فهم الناس كان شراءهم بقعا/ وكان الهم عندي نشر أبياتي تباينت المقاصد فانكوى بعض/ وبعض عاش في أوج المسرات أحبائي انبرى للبيع معظمهم/ فلا نسخ رجعت ولا عادت مبيعاتي كانت ساعتها كلفة طبع ديوان شعر تعادل سعر البقع الأرضية بيد أن حنين الشاعر محمد اعنيبة الحمري للنشر كان ملحا فآثر نشر نصوصه بدل اللهاث وراء السراب. ولمحمد عنيبة الحمري تاريخ حافل مع الشعر والكتابة. ويمكن إجمال ذلك في ما يلي: – سنة 1967 التحق باتحاد كتاب المغرب، في فترة الرئيس عبد الكريم غلاب. – سنة 1973 انتخب رئيسا لفرع اتحاد كتاب المغرب مع أحمد بن ميمون- مصطفى المسناوي- أحمد الجوماري- أحمد البكري السباعي. – سنة 1990 انتخب عضوا بالمكتب المركزي للاتحاد مع عبد الجبار السحيمي- محمد الأشعري- محمد الدغمومي- سعيد يقطين- محمد الهرادي- عبد الحميد عقار- عبد الغني أبو العزم. لقد ظل الشاعر محمد اعنيبة الحمري مهموما بنسج بشارات النصر من جسد الكلمات الخرساء. ذلك أنه يعلم»بأن الشعر أفق مفتوح، والشاعر المبدع هو من يزيد من سعة هذا الأفق».