استضاف مسرح محمد الخامس بالرباط، مساء السبت 18 يناير الجاري، الشاعر محمد عنيبة الحمري لتقديم تجربته الشعرية الحافلة بالعطاء. وقد تدخل في حفل التكريم نقاد وأدباء من مختلف الأجيال والأجناس الأدبية، هم: الناقد نجيب العوفي، الناقد حسن بحراوي، الشاعر بوجمعة أشفري، القاص أنيس الرافعي والناقد عمر العسري. إضافة إلى مجموعة من الفنانين والشعراء والروائيين والنقاد الذي حضروا للاحتفال بهذا الشاعر المثابر والمكابر. تدخل نجيب العوفي في موضوع « من هجاء الحب، إلى مديح الشعر». وهي ورقة نقدية تناول فيها تجربة الحمري مستشهدا ببيت للشاعر: وأنت تعاني الكتابة.. كل رصيدك شعر..يسمي البياض، ويكسر هذا الأوان..يحن إلى رعشات المكان.. بداء الأحبة والشوق المبحر، مرثية للمصلوبين..» وقد اعتبر العوفي أن جماع هذه «العلامات اللغوية-الشعرية، هي عناوين لأعماله الشعرية التي توالت مواسمها منذ عشية الستينيات من القرن الفارط إلى الآن. ما أخلف موعدا ولا نكت مع الشعر عهدا. بل ظل على الدوام شمعة تحترق لتضيء، وتدفئ». وأضاف العوفي أنه ما أن يذكر اسم محمد عنيبة الحمري، حتى تفد إلى الذاكرة على التو، لغة شعرية أنيقة ورشيقة، جزلة وسلسة، سهلة وممتنعة، مضمخة بعبق التراث، ومغموسة بماء الحداثة. وتحدث الناقد حسن بحراوي عن نقط انطلاق الشاعر محمد عنيبة الحمري، واء في الشعر او في البحث. وأشاد به كقارئ كبير وعاشق للتراث الأدبي العربي، شعرا ونثرا. ونوه بذاكرته القوية التي تحفظ أمهات القصائد العربية. فعنيبة الحمري، بالإضافة إلى تمكنه من لغة الضاد تمكنا أصيلا، فهو سابر لأغوار تراث ثقافته. بل إنه يعرف شعراء ومؤلفين من التراث لا يعرفهم غيره. وذكّر بحراوي بمجموعة من المواضيع والمحاور التي كان ينوي عنيبة البحث فيها في إطار الجامعة. أما الشاعر بوجمعة أشفري فقدّم ورقة بعنوان «كل شيء يسقط في الأرض، لا شيء يطير في السماء». أكد فيها أشفري «أن الكثافة والإيجاز.. الإيقاع والموسيقى.. أشياء الطبيعة وطبيعة الأشياء.. سفر في المكان وتيه في الزمان.. اللحظة والصورة... عناصرٌ جلية أحيانا وكامنة أحيانا أخرى في المنجز الشعري لصاحب «الحب مهزلة القرون» الصادر عام 1968. صغيرا بحجم الكف جاء الديوان الشعري الثامن للشاعر محمد عنيبة الحمري «تَكْتُبُكَ المِحَن» (سُحِبَ بمطابع أباجيدْ، نونبر 2013)... لكن ما أن تُمسك به بين يديك حتى تشعر وكأنك تمسك بجمرة الحياة.» وأضاف أن القارئ سيشعر أمام هذا الشاعر بشيء مختلف، وبذلك لابد أن يتساءل: «هل أنا أقرأ لشاعر، أم أقرأ لعَالِم؟». جعلت صفحاته لا تجف أو تضيع من كفة المحبرة واعتبر القاص أنيس الرافعي أن محمد عنيبة الحمري شاعر فذ ورائد من طراز مختلف. فقيمة هذا الشاعر الذي يعيش في مدينة لا تبكي على أحد هي «كازا». لكنه يسعى بدأب لاقتناص الجمال فيها. ولذلك تنبئ أشعاره عن ذات ضائعة وضالعة في «مهن ، توقا لأن تشيّد بينه وبينها بابا واسعا للصداقة. وأضاف الرافعي أن ديوان الحمري «تكتبك المحن» لا يصور ظاهر الأشياء كطبيعة ميتة أو كواقع تصويري جاف تنسجه. وإنما يتغلغل ويتسرب إلى ماوراء هذا الظاهر ليتصور الأشياء كواقع داخلي له مستوياته الكتيمة وطبقاته الغميسة. أما الناقد عمر العسري عن عنيبة الحمري و»رعشته في أفق القصيدة». فهذا الشاعر منذ الستينيات وهو يغرد، رفقة شعراء آخرين من جيله، في حديقة الشعر المغربي. لذلك فكل ناقد يقترب من خطاب الحمري الشعري سيكتشف حقيقة إبداعية لازمته في سيرته الشعرية، هي حقيقة المغامرة االمعتدلة والتجاوز المتزن، الذي يعرف ما يريد. وأضاف العسري أن محمد عنيبة الحمري دائم الاشتغال على اللغة، ودائم الاستدعاء لمرجعية تراثية أثرت نصه وأغنته وفتحت أفقه على تأويلات عديدة. وفي نهاية الاحتفاء ألقى المحتفى به الشاعر محمد عنيبة الحمري كلمة تحدث فيها عن تصوره للشعر وعن مصاره، وعن ما ربحه وخسره في الشعر. مبينا عن تصور نظري متين ومتماسك. مما جعل كل الحاضرين يتمنون لو طبعت وزارة الثقافة الأعمال الكاملة لصاحب ديوان «الحب مهزلة القرون». و فعلا ففي إطار نشر الأعمال الكاملة وضعت وزارة الثقافة مشاريع جديدة بميزانية أضخم لدعم الناشرين المغاربة قصد نشر الأعمال الأدبية المغربية، ومنها سلسلة الأعمال الكاملة التي ستعرف حيوية جديدة وفق تصور جديد يضمن طبعا جيدا وتوزيعا واسعا. و في هذا السياق ستكون أعمال الشاعر محمد عنيبة الحمري في مقدمة هذا المشروع الجديد.