بلغ العدد التراكمي لحالات الإصابة بداء فقدان المناعة، ابتداء من 1986 إلى غاية 31 أكتوبر 2014 ، ما مجموعه 9378 حالة « 5499 حالة تهمّ مرض السيدا، و3879 حالة حمل لفيروس العوز المناعي البشري»، 76 % من الحالات هي في سن ما بين 20 و44 سنة، 3 % هم أطفال أقل من 15 سنة، في حين أن 47 في المئة من الإصابات هي مسجلة في صفوف النساء. كما يظهر التوزيع الجغرافي أن 67 % من الحالات سجلت على صعيد 6 جهات هي سوس ماسة درعة بنسبة 21 %، مراكش تانسيفت الحوز بنسبة % 16، الدارالبيضاء الكبرى بنسبة 13 %، الرباطسلا زمور زعير بنسبة 6 %، دكالة عبدة 6 %، وجهة طنجةتطوان بنسبة 5 % . وأوضحت ذات الدراسات أن طريقة الانتقال السائدة في المغرب للمرض هي عبر الاتصال الجنسي المتغاير بنسبة 85 % ، متبوعة بالاتصال الجنسي المثلي بنسبة 5 %، ثم استعمال المخدرات عبر الحقن بنسبة 2 %، بينما يمثل الانتقال من الأم إلى جنينها 3 % . أرقام ، ورغم خطورة محتواها، إلا أن المتخصصين يؤكدون أن انتشار الفيروس يظل منخفضا على الصعيد الوطني، إذ تقدر نسبة الإصابة عند الساكنة العامة ب 0.16 %، والثأثير السنوي للوباء ب 0.02 لكل 100 ألف ساكن. ويبلغ عدد الأطفال المصابين أقل من 15 سنة 603 أطفال، وعدد النساء الحوامل المصابات اللواتي هن في حاجة إلى الوقاية من انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل 402 سيدة، بينما تقدر الوفيات السنوية المتعلقة بالمرض ب 1398 ، منها 26 وفاة عند الأطفال أقل من 15 سنة. هذا في الوقت الذي تفوق نسبة الإصابة عند الفئات الأكثر عرضة 5 % على صعيد بعض الجهات التي تعتبر بؤرا لارتكاز الوباء خاصة، من قبيل جهة سوس ماسة درعة (أكادير)، إذ تبلغ نسبة الإصابة 5.1 % عند عاملات الجنس و 5.6 % عند الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، ثم الجهة الشرقية خاصة (الناضور)، إذ تبلغ نسبة الإصابة عند مستعملي المخدرات عن طريق الحقن 25 %، بينما تبلغ نسبة الإصابة المهاجرين في وضعية غير قانونية 3.3 % . بالمقابل اختتمت يوم الأربعاء الفارط، 10 دجنبر، فعاليات الحملة الوطنية الخامسة للكشف عن داء السيدا، التي تم الإعلان عن انطلاقتها مطلع الشهر الجاري، حملة كانت غايتها الكشف عن الإصابة بفيروس السيدا عن طريق تحليل الدم لدى 120 ألف شخص، وتحسيس المواطنين بخطورة الإصابة بالداء. وكان المغرب قد تبنى «المخطط الاستراتيجي الوطني 2012-2016 الرؤيا العالمية»، قصد الوصول إلى صفر إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشري، وصفر وفاة ناتجة عن مرض السيدا، وصفر تمييز متعلق بالسيدا في بلادنا. ووافق على مبادئ الالتزام السياسي حول الداء، سعيا إلى تحقيق الولوج الكلي، والوقاية، والعلاج، والتكفل والدعم في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشري. الدكتور مصدق المرابط، طبيب عام المخدرات طريق إلى داء فقدان المناعة أكد التقرير السنوي لبرنامج الأممالمتحدة حول داء فقدان المناعة، أن عدد المصابين بالايدز يفوق 30 ألف حالة في المغرب، مع التأكيد على نسبة الإصابات عند النساء قد ارتفعت وانتقلت من 8 في المئة سنة 1998 إلى 48 في المئة سنة 2004 ، ثم إلى 56 في المائة سنة 2007 ، ووصلت إلى 64 في المئة سنة 2010 . في حين يشتكي من الداء 55 في المئة من العزاب، مقابل 35 في المئة في صفوف المتزوجين . وتتعدد أسباب الإصابة بداء فقدان المناعة، ومن بينها ما أكدته عدة دراسات وأبحاث حديثة، والمتمثل في وجود علاقة بين الإدمان بالحقن والإصابة بالعدوى، إذ بينت دراسة مصرية أن معدل انتشار الفيروس بين المدمنين بالحقن يصل إلى 68 في المئة في القاهرة و 65 في المئة في الإسكندرية، أما في ليبيا فإن 87 في المئة من المدمنين بالحقن مصابون بفيروس الايدز، وأشارت الدراسات في البلدان الأخرى إلى وجود نتائج مماثلة، إذ بلغت نسبة الإصابة بالفيروس نتيجة لاستعمال المخدرات بالحقن في إيران 4 في المئة، و 56 في المئة في الصين، بينما تبلغ هذه النسبة في المغرب 2 في المئة. وتنطوي مشاركة أدوات الحقن غير المعقمة فيما بين المدمنين على المخدرات، على مخاطر عدة، فهي أحد أسباب انتقال العدوي بفيروس الإيدز، وأيضاً الإلتهاب الكبدي «ب» و «س»، إذ أن الإحصائيات تبين أن كل مدمن يشترك مع 6 مدمنين على الأقل في تبادل الحقنة، دون إغفال ممارسة العلاقات الجنسية بين فئة المدمنين دون الوعي ودون اتخاذ احتياطات الوقاية، وذلك تحت تأثير المخدرات. ولايقف الأمر عند المدمنين الرجال، بل يشمل الأمر النساء كذلك ، وترتفع نسبة الخطورة عندما تكون المدمنة في وضعية حمل، التي في حالة التدخل المبكر لمنع انتقال العدوى منها إلي جنينها، يمكن أن تمثل مضادات الفيروسات مكوّنا رئيسيا، من شأنه تقليل فرصة نقل العدوى إلى المولود إلى ما دون 12 % . وجدير بالذكر أن المدمن يمرّ بثلاث مراحل للسقوط ضحية للإدمان، وهي مرحلة التجربة، وفيها يستكشف الشخص المخدر وتأثيره، وغالبا ما يأتي العرض الأول للتجربة من صديق/صديقة أو من مدمن آخر، أو من مروج له. وقد تقف التجربة عند هذا الحد، أو قد تتطور إلى تكرار للتجربة. مرحلة الانتظام، وهنا قد يعتاد الشخص على استخدام الحقن كنوع من التعبير عن السرور أو المشاركة، كما يحدث في سهرته مع الأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع، أو قد يجد الشخص في الجرعة إحساسا بالسعادة والهروب من الواقع، ثم مرحلة الإدمان، وهذه مرحلة متطورة وفيها يتعاطى الشخص للحقن بطريقة منتظمة، وبجرعات تصاعدية ويسعي للحصول على المخدر ولا يوقف استخدامه، بل يصبح لديه اعتمادية فسيولوجية ونفسية والتي قد تؤثر على سلوكياته الاجتماعية بالكامل. لقد انتقلت ظاهرة الإدمان في عدة بلدان إلى مرحلة كارثية، إذ وصلت نسبة التعاطي بين المواطنين إلى نسب مرتفعة متخطية بذلك المعدلات العالمية التي تصل إلى 5% فقط في كل دول العالم، ويرجع ذلك إلى ضعف الشخصية، والرغبة في التجربة وحب الاستطلاع، وضعف دور الأسرة. وتعتني سياسة مكافحة الإدمان على المستوى الدولي بثلاثة محاور رئيسية، هي تقليل العرض، ويتم ذلك من خلال سنّ القوانين وتفعيلها، تشديد القيود والرقابة، تقليل الطلب، وذلك من خلال برامج توعوية خاصة للشباب، وحملات إعلامية ضد الإدمان، إضافة إلى العمل على تقليل الضرر، وذلك من خلال مساعدة المدمنين في جميع المراحل المتصلة باستخدامه، مواجهة العدوى بفيروس الايدز والالتهاب الكبدي «ب» و «س» بين المدمنين بالحقن. وفضلا عن المرض، يعاني المصابون بداء فقدان المناعة من الوحدة والعزلة، الخوف من المرض وعوارضه وعواقبه ومن نظرة المجتمع لهم، والعيش بدون أمل لمعرفة المريض بعدم وجود علاج نهائي للمرض، وبالتالي التفكير في الانتحار و الانتقام ومحاولة نقل المرض للآخرين، فضلا عن الصعوبة التي يواجهها المريض لإخبار عائلته وأصدقائه بحقيقة الأمر، مما يؤدي إلى الهروب من الحقيقة واللجوء لتعاطي المخدرات. البروفسور آمال بورقية، مؤلفة كتاب «المريض الطبيب أية علاقة؟» الأبعاد الأخلاقية ضرورية للإعلان عن الإصابة بالمرض إعلان الطبيب للمريض عن إصابته بمرض مزمن أو خطير، يتطلب مراعاة شعوره وعائلته، فمن المناسب أن يتميز أسلوب الإخبار باللباقة وعدم التعسفية حرصا على عدم حدوث أي صدمة ممكنة، لأن تشخيص أي مرض مزمن أو ذي وقع صادم ، كما هو الشأن بالنسبة لداء فقدان المناعة، يعتبر صدمة نفسية قوية لا يجب خلالها أن يشعر المريض بالوحدة والضياع، بل أن يحسّ بالأمان وبالأمل، مدعما بالمصاحبة الطبية من قبل الشخص الذي له المعرفة العلمية والقدرة على مساعدته على اجتياز محنته والتخلص من المرض، لأن الإخبار بالمرض يمكن أن يتسبب في اضطرابات عنيفة تنعكس على ردود فعل أو سلوك المريض ، وبالتالي، و من أجل الحفاظ على الكرامة والثقة وحرية اختيار العلاج، وجب على الأطباء الإفصاح عن معطى المرض بطريقة مناسبة تخضع لاعتبارات إنسانية، الهدف منها زرع الثقة والأمل في الدواء والعلاج. تعد العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة إنسانية مبنية على الثقة المتبادلة، تحكمها مدونة آداب الطب فيما يتعلق بالسلوكيات الأخلاقية. فالأخلاقيات مبدأ جوهري في المشهد الطبي تحدده قيم فردية، اجتماعية و ثقافية. ومن الضروري أن يتحلى الطبيب ببعض الصفات الأساسية في ممارسة المهنة من قبيل الإنسانية التي تجعله يستجيب لحاجيات المرضى ويكون على بينة من معاناتهم. فلا يمكن تصور الممارسة الطبية بدون إحساس و شغف وبدون تفان مستمر في خدمة المريض، مع الحرص على ألا يطغى عليه الحس العاطفي، و ذلك من أجل ضمان أحسن علاج، فمهنتنا تتطلب الثقة العلمية والتقنية الضرورية لاكتساب المهارات الأساسية، وطوال مساره المهني، لابد من إعادة تدريب الطبيب بشكل دوري لمواصلة اكتساب المعارف الضرورية التي تمكنه من بلورة تفكير منطقي وتطوير خصائص نفسية وخلقية، كالإنصات وعديد من الصفات الإنسانية. لقد تغيرت الممارسة الطبية بشكل كبير على مر القرون، لكن رغم أن الفحص الطبي والتقني عرفا تقدما متزايدا في الرعاية الصحية للمريض، إلا أنه ينبغي للبعد الإنساني أن يطغى و يبقى الأسمى لكون العلاقة بين الطبيب والمريض هي جد ضرورية عندما يتعلق الأمر برعاية حالة مرضية مزمنة، إذ تنشأ طيلة فترة التتبع والمصاحبة علاقة ودّ من شأنها التخفيف من آلام المريض وتمكين الطبيب من التفطن إلى العوارض الخفية للمرض من أجل معالجته. قطعا إن للبعد الأخلاقي أثرا على سلوك الطبيب ، و ذلك من خلال مساعدته على مواجهة مواقف يومية وتحديات يمكن أن تؤدي إلى تعثر العلاقة العلاجية. إننا ، ومن خلال الممارسة الطبية، نواجه يوميا مثل هذه الحالات، لذلك يبدو من الضروري الوقوف عندها و التأمل فيها، لأن التصور الأخلاقي أمر ضروري، فمن خلال بعض الشهادات المدلى بها من طرف المرضى و أسرهم الذين تفاعلت معهم على مدى ثلاثين سنة من الممارسة الطبية، قررت الوقوف عند بعض الجوانب العلائقية التي تربط المريض والطبيب، خاصة الذي يعتني بالأمراض المزمنة. فمرحلة الإعلان عن المرض تكتسي أهمية خاصة بالنسبة لهؤلاء المصابين و من ثم وجب تفعيل البعد الأخلاقي ، لأنه مكون أساسي و حتمي في عملية التواصل في الميدان الطبي. إن بناء علاقة جيدة ذات جودة عالية يستوجب إرادة عميقة تنبثق من القلب والعقل معا ، لكي يشعر المريض وأسرته بنوع من الارتياح والرعاية عند كل لقاء، فحسن هذه العلاقة يفرض مبادئ جوهرية تتجلى في الثقة والكتمان، لأن التجربة الطبية وحدها لا تكفي دائما لإنجاح العلاج الطبي المكتسب من خلال بعض الكفاءات التي يمنحها التعليم و التكوين الطبي.