قليلة جدا، ونادرة هي المعارض التشكيلية التي قد يحظى بها المشاهد المعاصر، لأعمال فنان تشكيلي تكشف عن سيرته الفنية الطويلة، التي تمتد لأزيد من أربعين سنة، فيقف على أعمال بداياته الأولى وطرائق وتقنيات اشتغاله واهتماماته باللون والفكرة والمفردات الفنية والموضوعات الثابتة والمتحولة عبر هذا المسار الطويل. قليلة جدا ونادرة مثل هذه المعارض، لكن المعرض المقام راهنا بباب الرواح بالرباط لأعمال الفنان الكبير عبد الحي الملاخ، هو واحد منها، لذلك يستحق أن يوصف بالمعرض - السيرة الذاتية الفنية لعبد الحي الملاخ، في جزئها الاول، آملين من الله الخالق الذي أبدع كل شيء، أن يمد في عمر هذه السيرة، وعمر صاحبها ويزيد من إبداعها وأن يحيي عبده الحي، ويحيينا حتى نرى أجزاءها الأخرى. أعمال فنية تنطلق مع بداية السبعينيات لتستمر مع سنة 2014، تتلون وتتغير وفق هموم واهتمامات صاحبها،ووفق مسار اهتمامات الفن التشكيلي المغربي أيضا، سواء من حيث الاهتمام بالحروفية والأرقام والرموز القريبة منها كالأشكال الهندسية والسهام و غير ذلك، أو من حيث الانشغال والاشتغال على الثقافة الشعبية ورموزها، من أياد مطرزة بالحناء وزخارفها، وخميسات تصد الحقد، أو تعلن الود، وطلاسم تغوص في عالم جداول السحر وغوامضها المستغلقة، أو من حيث الاهتمام بالطبيعة وبعض مفرداتها كالنخيل، والحقول والفاكهة والطيور والحمام أو بأشكال مجردة غير هندسية، لا هي بالمثلث ولا بالمربع او المستطيل، مجرد أشكال أحيانا، فارغة، وأخرى ممتلئة، يتراكب بعضها فوق بعض أحيانا، وتتداخل معها العيون والأيدي والحمام تارات أخرى، لكنها في النهاية تملأ فضاءات اللوحات بنوع من التناغم المحكم والجمالية المتقنة، والتناسب في التنويع والتوزيع، والتلاعب بين السطوح والأعماق وخلق الأبعاد. وإذا كانت مشاهدة معرض أو اثنين لفنان ما، غير كافية للتعرف على ذاك الفنان، إلا في حالة ما إذا كان ذلك هو كل رصيده الفني، فإن معرض عبد الحي الملاخ المضارع بباب الرواح، يجعل مشاهده يتملك نظرة وافية عن مسار هذا المبدع وإبداعاته، ويستوعب الخيط الناظم الكامن في جل هذه الأعمال، ويضبط التحولات التي طرأت على بعضها، سواء من حيث المفردات أو التوزيع خواء وامتلاء، أو من حيث البحث عن معان جديدة، لمفردات قديمة، كتحول اليد المجملة بالحناء، أو اليد الصادة لعين الحسود، إلى يد المحبة مثلا، أو من حيث التشبث ببعض الموتيفات، حتى وأعماله الاخيرة تنحو نحو الايغال في التجريد في أماكن محددة من فضاء اللوحة، ليمتد التشخيص في مكان آخر من ذات العمل في نوع من المفارقة الجميلة، والغريبة في نفس الوقت. ويبقى معرض الفنان عبد الحي الملاخ الحالي بباب الرواح، والذي سيستمر إلى نهاية الشهر الحالي، عبارة عن مجموعة من المعارض في معرض واحد، معارض تلخص حياة الفنان الإبداعية، وتتبع خطوات نموه وتعملقه في مجال الفن التشكيلي، لذلك هو معرض شائق، وكناش تاريخ لرحلة فنية مديدة تستحق التتبع والمشاهدة.