يعرض الفنان التشكيلي عبد الحي الملاخ تجربته الفنية الجديدة برواق باب الرواح بالرباط. وبموازاة مع المعرض، تنظم جمعية الفكر التشكيلي مجموعة من الندوات حول أعمال الملاخ للاقتراب من تجربته ومرجعياته ومجمل تجاوباته وتفاعلاته مع المجتمع والأفكار. وقد شارك في الندوة الأولى، التي انعقدت تحت عنوان "عبد الحي الملاخ وسؤال المعرفة"، مساء الجمعة 28 نونبر برواق باب الرواح كل من الصحفي عبد اللطيف بوجملة والناقد الفني والأدبي محمد الشيكر، بحضور الفنان وثلة من المهتمين. أكد بوجملة منذ البداية أن تجربة الملاخ تستحق الاحتفاء، ومعرضه ليس حدثا عارضا أو عابرا إنه إبداع فنان اعتبر اللوحة وطنا. ومن الأسئلة التي طرحها المتدخل: كيف نقرأ لوحة الملاخ؟ خصوصا وأن الملاخ فنان يحث على المعرفة الجمالية، وموهبته كبيرة انفتحت على آفاق فكرية وجمالية وتقنية متعددة. فأعماله في حد ذاتها تدل على هجرة وتحليق خارج الوطن، فلوحاته موجودة لدى الخواص وفي المعارض والمتاحف والقاعات الدولية بأمريكا وفرنسا. إذن، يضيف المتدخل، نحن أمام عمل فني كبير يحث على المعرفة وعلى المشاهدة. وعن شعار معرض الملاخ "حدائق النور"، قال بوجملة إن الملاخ فنان مراكشي، ومعرضه هذا هو احتفاء بمراكش باعتبارها مدينة النور والحدائق والألوان. إنها فردوس الألوان اللانهائية. ولأنه ابن مراكش فهو لم يفلت من التشرب من الثقافة الشعبية باعتبارها ركيزة للثقافة البصرية. وتوقف بوجملة عند بنية الرموز التي تضج بها لوحات المعرض: الكف كرمز للقوة والعمل والخلق، العين باعتبارها ميلا فلسفيا وروحيا نحو النظر والرؤية، فالعين التي نرى بها المعاني ليست هي العين التي نرى بها الصور. الحمامة وهي حاضرة بكل رموزها. لكن تبقى إشارتها للسلم حاضرة بقوة، فالملاخ يدعو إلى السلم والسلام، خصوصا بعد اصطدامه النفسي بحادثة إرهاب 16 ماي في الدارالبيضاء، فمرسمه يقع بالقرب من فندق سفير الذي تم الهجوم عليه، وبيته قريب من "كاسا دي سبانيا" التي تعرضت بدورها لنفس الهجمة الإرهابية. وتحدث الناقد والباحث محمد الشيكر عن تجربة الملاخ منذ الفترة الواقعية إلى اليوم. وأكد أنه طيلة هذا التاريخ كان السند المرجعي لتعبيرية الفنان يقوم على المعرفة، في الوقت الذي مازال فنانون آخرون، معه وبعده، يركزون على التقنية والجانب التقني. إذن، يؤكد الشيكر، لابد من ربط التعبير البصري بأسسه المعرفية في تجربة الملاخ. وهذا ما منح لمنجزه الفني ثراء كبيرا. إنه فنان يعتبر التعبيرية البصرية مختبرا لأفكاره. ولوحات المعرض، يضيف المتدخل، تعبر عن هذه التعرجات والتحولات التي تشغل بال فنان معرفي بامتياز. هذا السند الإبستمولوجي هو ما يميز الملاخ عن غيره من الفنانين. وأضاف الشيكر أن المعرفة في تجربة الملاخ هي الأفكار والتصورات التي تربط ذات العارف بالمعرفة. وانتقل المتدخل للحديث عن السؤال الأنطولوجي الذي يؤرق الفنان: ماذا سأرسم؟ ماذا سأقدم؟ هل أقدم لواعج نفسي أم تحولات مجتمعي وتاريخي؟ هذه هي الأسئلة التي تصدر عن فنان ومواطن جمعوي، مدني ومناضل، فضلا عن أنه بحاثة في مجال الفن عموما والفن البصري خصوصا. فإذا كانت مدرسة تطوان، يضيف الشيكر، تنتج فنانين تشكيليين تشخيصيين على شاكلة برتوتشي، ومدرسة الدارالبيضاء تنتج فنانين ميالين إلى التجريد، فإن الملاخ يزيغ عن هاتين المدرستين، نحو تأسيس تجربة ذاتية خالصة وأصيلة. فهو لا يسقط في التشخيص الفج، ولا ينساق وراء التجريد الذي يحلق بعيدا عن الواقع، فعالمه تنظر إليه البصيرة وليس البصر فقط. من هنا فهي تجربة عرفانية، تصوفية، بمعنى أن المعرفة يتم التوصل إليها عن طريق التجربة الذاتية. أما السند الإستطيقي، حسب الشيكر، فهو ما جعل الملاخ يدرك اللون، لذلك فهو دائما يقوم برحلة في جغرافيا اللون، إن اللون هو إمبراطورية الملاخ. فيما يتجلى السند الوجودي في انتماء الفنان إلى مدينة مراكش التي تعج بالبلاغات والتجارب والتحولات. فلا شك أن فنانا عاش بين أزقتها يتشرب أمكنتها وممكناتها. لذلك فرموزه تختلف عن الرموز المهيمنة في لوحات فنانين آخرين، فالحمامة مثلا عند بن يسف ليست هي حمامة الملاخ، فالحمامة عند الفنان الأول نوستالجية، تربطه بطفولته وشبابه، في حين أن الحمامة عند الثاني هي مجال للتجريد والإشارة، إنها تعبير عن الرغبة في القبض على العالم. وانتهى المتدخل عند السند الصوفي العرفاني، فالحمامة موجودة عند ابن سبعين، وابن عربي. الحمامة هي العالم. كل ذلك يتطلب لمشاهدة عمل الملاخ عينا داخلية.