انعقدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي الثالث عشر لمؤسسة الفكر العربي، التي يترأسها صاحب السمو الملكي خالد الفيصل ، يوم أول أمس بقصر المؤتمرات بالصخيرات، بحضور عدد من الفعاليات الرسمية والفكرية منها، مستشار جلالة الملك محمد السادس، عبد اللطيف المنوني، والأمين العام المساعد ورئيس مركز جامعة الدول العربية في تونس عبد اللطيف عبيد، وزير الثقافة محمد الأمين الصبيحي، وحشد من الشخصيات الرسمية وسفراء الدول وشخصيات ثقافية وفكرية و الإعلاميين. وما ميز هذه الجلسة الافتتاحية هي الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إلى المؤتمر، حيث قال جلالته إن ما يجمع الدول العربية أكثر مما يفرقها، فهي موحدة بقوة التاريخ والحضارة، وهي متواصلة جغرافيا، ومنسجمة إنسانيا، ومتكاملة طبيعيا، بفضل ما تزخر به من موارد بشرية وطبيعية هائلة، أما الشعوب العربية فتجمعها وحدة العقيدة واللغة والثقافة، وروابط الدم والأخوة والمصير المشترك. وأضاف جلالته في رسالتة السامية إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الثالث عشر، الذي تنظمه، تحت الرعاية الملكية السامية، مؤسسة الفكر العربي حول موضوع "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، والذي انطلقت أشغاله يوم الأربعاء بالصخيرات، «غير أن ما يبعث على الحسرة والأسف، هو واقع التجزئة والانقسام، الذي يطبع العلاقات فيما بينها، فمعظم الدول العربية تعيش على وقع خلافات بينية مزمنة، وصراعات داخلية عقيمة، فضلا عن تنامي النعرات الطائفية والتطرف والإرهاب». وفي ذات السياق أشار جلالة الملك إلى أن «بعض هذه الدول تهدر طاقات شعوبها في قضايا وهمية، ونزاعات مفتعلة تغذي نزوعات التفرقة والانفصال»، مشددا في نفس الوقت« أن أمام هذا الوضع الذي ترفضه الشعوب العربية، فقد أصبح التكامل ضرورة ملحة». وذكر جلالة الملك، في نفس الرسالة، أنه «رغم توجه الدول العربية، منذ عقود، نحو إرساء البنيات الأساسية للتكامل، كمحطة أولى على طريق الوحدة، بإبرام العديد من الاتفاقيات، والإعلان عن قرارات جريئة خلال مؤتمرات عديدة، فإن النتائج كانت مخيبة للآمال، ودون مستوى التطلعات الشعبية والرسمية». وسجل جلالته في هذا الصدد، «أن الوحدة العربية ليست حلما صعب المنال، أو سرابا لا فائدة من الجري وراءه، بل هي تطلع مشروع قابل للتحقيق، وضرورة إستراتيجية على الجميع المساهمة في تجسيدها». وبخصوص التكامل العربي أوضح جلالة الملك «أن التكامل العربي لا يعني الانغلاق والانعزال عن العالم، بل ينبغي أن يشكل حافزا لتوطيد العمق الإفريقي والآسيوي للعالم العربي وتوسيع علاقاته مع مختلف القوى والتكتلات الجهوية والدولية»، مبرزا أنه «بعد أن أخلف العالم العربي مواعيد كثيرة مع التاريخ، فإن تفعيل التكامل لا ينبغي أن يظل شعارا مؤجلا إلى ما لا نهاية. كما أنه لم يعد خيارا للنهوض بالتنمية فقط، بل أصبح حتمية ترتبط بالبقاء أمام سطوة التكتلات القوية. فإما أن نكون متحدين، وإما أننا لن نكون، أو سنبقى مجرد كيانات لا وزن لها على الساحة الدولية». ودعا جلالة الملك إلى «إجراء مصالحات عربية بينية، وتجاوز أسباب الفرقة والتجزئة، وتوحيد المواقف، وتعزيز العمل العربي المشترك، في نطاق احترام سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية، كما ينبغي العمل على إصلاح جامعة الدول العربية وتعزيز صلاحياتها، باعتبارها بيتنا المشترك، والإطار المناسب لمعالجة القضايا العربية، ولوضع مخططاتنا التنموية والوحدوية». وأشار جلالة الملك إلى «أنه إذا كان مجلس التعاون الخليجي يسير بخطى حثيثة لتعزيز الوحدة الخليجية، فإن ما يحز في النفس، ويدعو إلى الحسرة، أن الاتحاد المغاربي يعرف جمودا مرفوضا، بسبب توجهات لن تخدم أية مصلحة، ولن تؤدي إلا إلى تكريس الحالة الراهنة، وإطالة أمدها، بما يبعث الإحباط في نفوس الشعوب المغاربية، ويفقدها الثقة في المستقبل». ومن جهته ألقى الأمين العام المساعد لرئاسة مركز جامعة الدول العربية في تونس، عبد اللطيف عبيد، كلمة أمين عام جامعة الدول العربية، أكّد فيها «أن اهتمام مؤسّسة الفكر العربي بموضوع التكامل العربي، نابع من حرص هذه المؤسّسة على تجاوز الواقع الصعب الذي تعيشه أمّتنا، والذي يتّصف بالفقر والاستباحة الخارجية والتعثّر التنموي، وهو واقع قال عنه تقرير التكامل العربي الصادر عن الإسكوا، أنه وليد عقود من الشرذمة والإخفاق بالتنمية السياسية والاقتصادية». ورأى عبيد «أن التكامل العربي هو هدف ووسيلة، لأنه سكن في أمل وحلم وجدان 350 مليون عربيّ، يميّزهم تراث تاريخي وثقافي وروحي مشترك، وتجمعهم اللغة الواحدة، وتقارب بينهم الجغرافيا، بما أنعمت عليهم من تجاور في المكان، وما ابتلتهم به من موقع استراتيجي وثروات أيقظت شهوة الطامعين بهم، ففرضت عليهم تحدّيات فريدة حريّ بها أن توقد في أذهانهم الخوف على المصير».