لاشك إن الوضع في بعض بلدان المشرق العربي و ليبيا لا يثير قلقا شديدا لدى شعوبها فقط بل يثيره لدى بقية بلدان الأمة العربية الإسلامية حكاما وشعوبا نظرا لما تعرفه تلك البلدان من استمرار الاقتتال و التناحر بين أبناء الشعب الواحد , وصار يهدد أمنها و استقرارها وأوشكت على انهيار الدولة و اضمحلالها , و لا احد يدري ما سيؤول إليه مصيرها و إلى متى سينتهي الاقتتال و حتى من يستطيع أن يوقف النزيف و المنزلق السياسي الذي وقعت فيه بدءا من الجامعة العربية التي انتهى اجلها , و حتى الأممالمتحدة و دول الجوار فالكل أصبح عاجزا لوضع حد لهدا الوضع المؤلم, و الواضح في الأمر أن الاقتتال في تلك البلدان كان بين الجماعات و الطوائف بتنظيماتها الأصولية المتشددة و الإرهابية التي تنتسب إلى الإسلام إما بعضها يبعضها , وإما بعضها مع الأنظمة السياسية الحاكمة.ومن الصعب معرفة من يقتل من و الجهات التي تدعم كل واحدة تم إن الوضعية جاءت بعد ثورة ما يطلق عليه الربيع العربي إلا أن ما يميز هدا الوضع هو خلط الدين بالسياسة و بالمصالح و هكذا , و كما هو معروف فان السياسة هي القوة و المصالح أما الدين هنا هو العقيدة التي وقع التباين حول الاختيارات المذهبية و العقائدية التي تتبناها كل واحدة من الفئات المذكورة لدلك فاعتقد ادا لم أسيئ الظن أن هدا الوضع كان نتيجة هيمنة الولاياتالمتحدة و الدول الغربية على السياسة الدولية بعد انهيار المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي الذي كان قطبا يخلق التوازن في السياسة الدولية في مواجهة القطب الذي تتزعمه أمريكا و الذي أصبح القطب الأمريكي الغربي الوحيد الذي يرى في الإسلام العدو المحتمل بسبب الصحوة الإسلامية في العالم و نعته بالإرهاب , يجب القضاء عليه أو إضعافه من الداخل , و استغلت في هدا المنحى استبداد حكام شعوبها العربية و الإسلامية و تفقيرها والتسلط عليها و كذلك تغييبهم للحقوق التي كان من الإنصاف أن يتمتعوا بها سواء ما يتعلق بالديمقراطية , الكرامة و العيش الكريم في جميع مناحي الحياة السياسية , الاقتصادية و الاجتماعية و باتت هده الشعوب تعاني مند أمد بعيد من مظاهر التخلف و البؤس و انعدام العدالة الاجتماعية و الظلم وانفراد الحكام بالمتعة بالثروات و بكل مظاهر البذخ و تكديس الأموال و تمادوا في حكم بلدانهم بالهاجس الأمني حيت تقمع جميع التيارات السياسية والاجتماعية التي تنادي بالديمقراطية و العدالة الاجتماعية و احترام الحقوق ومحاربة الفساد الذي ينخر جسم بلدانهم في حين تأتي التيارات الاجتماعية التي انتابها اليأس لترى أن الملجأ الذي قد ينقدها من حالتها البئيسة هو الرجوع إلى الدين و تعلن الجهاد في إطار تنظيمات الجماعات المقتتلة في بعض البلدان التي تعرف وضعا مضطربا و غير مستقر تدمج في الخلايا التابعة لها مواطنين من مختلف دول العالم , يقع تاطيرهم بالفتاوى التي تملى لهم من قبل زعماء لايفقهون في الدين شيئا.وبها يستقطبون الشباب بالخصوص الدين لم ينالوا حظا من التعليم و الدين يشعرون بالظلم و اليأس على مستقبلهم في بلدانهم التي لاتستطيع الانخراط في إطار النظام الدولي الجديد الذي أسس في ظل الأزمة و في ظل الأوضاع الدولية التي تعتمد على القوة السياسية والاقتصادية والديمقراطية و حتى العسكرية و التكنولوجيا, و كان من الطبيعي أن تختلف الفئات المتناحرة في الشام , العراق , اليمن, سوريا, ليبيا, و مصر في توجهاتها و مناهجها و إن كانت تنتسب كلها إلى الإسلام , إلا انه في الواقع لاعلاقة لها بما يدعو إليه الكتاب و السنة لان منظروها لايفهمون الدين فهما صحيحا بل يطلقون كلامهم على عواهنه وليس على بصيرة ويعتقدون إن ما يقومون به جهاد , إلا أن سعيهم هو إقامة الخلافة الإسلامية و الحال أن الجهاد يباح في مواجهة الكفار وأعداء الدين و ليس مع إخوانهم في الملة والدين ولم يعلموا أن دم المسلم على المسلم حرام إلا بالحق أو فساد في الأرض , تم أن تمردهم على الحكام فهو مخالف كذلك لما أمر به الله سبحانه من طاعته وطاعة رسوله و أولي الأمر منهم إلا في المعاصي و لو كان جهادهم موجها ضد إسرائيل سيحظى بالتعاطف من قبل أبناء الأمة العربية و الإسلامية و كل محبي السلام في العالم حيت يصبح القتال مع الصهاينة فرض عين على كل مسلم ومسلمة لمواجهة ما تقوم به من احتلال فلسطين المقدسة و الإبادة الجماعية لأبنائها و اعتقالهم وأسرهم الفدائيين وتدمير البنيات التحتية و استمرارها في بناء المستوطنات في أراضي فلسطين و لا أبالغ ادا قلت إن ما يجري لن يستفيد منه إلا إسرائيل بالأساس حيت تسعى إلى التطبيع مع العرب و إقامة محور شرق أوسطي تتزعمه و أقول لمن يريد معرفة السبب الذي أسست من أجله دولة اسرلئيل بمقتضى وعد بلفور 1917 كجسم غريب في الوطن العربي فليرجع إلى كتاب برتوكولات حكماء صهيون لابن كريون , إما اقتتال المسلمين بعضهم بعضا هو ما أخبر عنه النبي «ص» ( لاترجعوا بعدي كفار يقتل بعضكم بعضا ).كما تبت عن النبي «ص» انه لم يقتل المنافقين مع علمه بهم و قيام الشهادة عليهم أو على اكترهم بعلة اوردها الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب المناقب يقول «ص» ( أخاف أن يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه ). وهو ما جاء أيضا على لسان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الرسول «ص» قال له ( اكره أن يتحدث العرب أن محمد يقتل أصحابه ) وهو نفس الموقف الذي اتخذه «ص» في شأن المؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم لدلك وكيف و الحالة هاته أن تقتل الفئات المشار إليها بعضها بعضا مع العلم أن الواجب على جميع المسلمين أن يقتدوا بالرسول «ص» وتتبع سنته أما ما تسعى إليه جماعة داعش من إقامة الخلافة الإسلامية في سوريا و العراق وما جاورهما بالقوة فهو جهل خطير و أعظم جهلها هو طريقة القتال البشع للإنسان كرديا كان أو يهوديا أو أعجمي الخ, بل إجرام محرم مطلقا من الناحية الشرعية فليسوا أوصياء على الدين الإسلامي الذي له رب يحميه بقوله ( لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوتقى لا انفصام لها و الله سميع عليم)البقرة. وبذلك تقوم بما نهى عنه الله و راجع إلى الظلم , و لاينبغي على داعش ألا تسيء بأعمالها إلى الدين الإسلامي الحنيف الذي يتسم بالتسامح و الاعتدال والإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن وحتى مع الدين ليسوا بمسلمين لدلك فهم يحفرون قبورهم بأيديهم و بأفواههم و يخربون بلدانهم. أما بالنسبة للمغرب العربي فيبدوا أن الوضع في ليبيا مازال مقلقا و غير مستقر في حين أن تونس التي اندلعت فيها الشرارة الأولى للانتفاضة الشعبية وطالت البلدان المشار إليها فقد جاءت الانتخابات المجراة فيها أخيرا لتؤشر على أنها في الطريق إلى الخروج من المحنة بأقل تكلفة وفيما يخص العلاقات بين المغر ب والجزائروالتي مازالت متوترة ليس فقط حول النزاع القائم في الصحراء المغربية الا انه ومما لاشك فيه أن التحرشات التي يقوم بها حكام الجزائر تجاه المغرب , أخيرا بقتل احد المغاربة و توغل قواتها في أراضي المغرب من جهة الشرق في وجدة و فكيك و سلب المواشي و بالتالي تهجير مجموعة من أفراد البوليساريو للالتحاق بداعش و إيواء عناصرها في الجزائر يستهدف لا محالة زعزعة استقرار المغرب و أمنه و لا ريب انه مؤشر على الرغبة في إثارة الفتنة في المنطقة و هو ما أعلنت عنه جبهة البوليساريو بالتهديد للجوء إلى الحرب مع المغرب خرقا لاتفاق إيقاف إطلاق النار الذي وقع تحت إشراف مجلس الأمن ودلك بعدما يئست من الوضع السيء الذي تعيشه في مخيمات تندوف , وليس هدا بجديد حول العداء الذي يكنه حكام الجزائر للمغرب بدءا من عهد المقاومة في المغرب وحرب التحرير في الجزائر للاستعمار الفرنسي و بعده حرب الرمال 1963 وكذلك ما يعرفه الوضع في المغرب من استقرار أمنه و فتح مجموعة من الاوراش و مساره الديمقراطي ألحداتي المتفتح في ظل العاهل المغربي و إن كانت تعرف تعثرات في اغلب الميادين لايجب أن يقع الإجهاز عليها من طرف الحكومة التي زاغت عن الصواب في تدبير الشأن العام بعيدا عن الحزبية الضيقة و المزايدات السياسوية لان مصلحة الوطن فوق كل اعتبار لكي لاتسقط منطقة المغرب العربي فيما سقطت فيه بعض دول المشرق العربي و ليبيا , دلك أن النبي «ص» حسب ماقيل عنه في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال , قال رسول الله»ص»( من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق ) أخرجه البخاري في كتاب الفتن أي باب الفتنة من قبل المشرق و مسلم في كتابه « الفتن» ( باب الفتنة من المشرق الخ..) وفي الصحيحين أيضا في كتابيهما أعلاه, ودلك في حديث رواه ابن حجر أن النبي «ص» قال وهو يستقبل المشرق ( إلا أن الفتنة ها هنا ويشير إلى المشرق) و قال أبي حجر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان دلك سببا للتفرقة بين المسلمين و كذلك البدع نشأت من تلك الجهة حسب ماقيل عن الرسول»ص» فمن العراق ظهر الخوارج و الشيعة و الروافض الباطنية و القدرية , تم أن اكتر الفتن و أبشع مقالات الكفر التي خرجت من جهة المشرق . أما من جهة الفرس خرجت كل فرق الكفر و الضلال كالزرادشية و القاديانية و البهائية و الهندوسية و اليودية و أيضا ظهر النثار في القرن السابع عشر, إلى يومنا هدا لا يزال الشرق منبع كل فتنة وهو ما أخبر به النبي «ص» و كان عليه السلام يتعود بالله من فتنة المشرق و لما سئل فكيف فتنة المغرب قال تلك أعظم و أعظم و في لفظ (تلك أعظم واطم ) أخرجه الطبراني في الكبير و ابن أبي عاصم في الآحاد. هدا ما يجري في الوطن العربي الأمر الذي يفرض على جميع المسلمين و العرب تدارك هدا الوضع ألكارتي الذي.لم يسبق له أن وصل إلى أسوأ ما كان عليه الآن وهم في حاجة ماسة إلى توحيد كلمتهم و رص الصفوف , لا يمكن تحقيق مجتمعاته السليمة إلا بالتآخي و المحبة و في هدا الصدد يرى العلامة نصر الدين الألباني إن العلاج لهده الأوضاع المهينة قد جاء في الحديث النبوي ( ادا تبا يعتم بالعينية و اخدتم باد ناب البقر وتركتكم الجهاد»أي الدين» سلط عليهم دل لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )لدلك يجب علينا المغاربة أن نعي دقة المرحلة و تقوية جبهتنا الداخلية لمواجهة كل التحديات التي تنتظرنا ومحاربة الفساد و جيوب المقاومة لأي إصلاح للحفاظ على سلامة البلاد و استقراره و كفى من العبث بمصير البلاد ومستقبله أما ما يجري في الوطن العربي صحيح انه مقلق و لكن الله يفعل ما يريد و هو على كل شيء قدير. وهكذا فبالإضافة إلى بعض الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي الذي تعيشه بعض دول المشرق و ليبيا سواء من الناحية السياسية أو الدينية وكذلك الأحاديث التي اخبر بها النبي «ص» المتعلقة بالفتنة ومنبعها في الشام و العراق , اعتقد أن السبب الأساسي الذي لا يجب إغفاله و الذي يعود إلى الدين الذي يدين به المسلمون على وجه الأرض و هو الإسلام بطبيعة الحال و لا يقبل لأحد من العالمين دينا غير الإسلام و يقول سبحانه ( إن الدين عند الله الإسلام ..) ( ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه...) أل عمران كما جعله الله من الأولين و الآخرين إلا ادا كان وافقا كما شرعه الله في القران و شرعه على السنة رسله عليهم السلام وهو ما سار عليه السلف الصالح الاانه كلما بعد العهد ظهرت البدع و كتر التحريف الذي سماه أهله تأويلا ليقبل و قل من يهتدي إلى الفرق بين التحريف و التأويل و هو يسمى حرف الكلام عن ظاهره إلى معنى أخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلا و إن لم يكن تم قرينه توجب دلك و من هنا حصل الفساد , فادا اسموه تأويلا قيل و راج على من لايهتدي إلى الفرق بينهما حيت يحصل الابتعاد عن العقيدة الإسلامية المبنية على الكتاب و السنة لا يعتريه أي شك ومسلم به قطعا و لايتأتى دلك إلا بالفهم الحقيقي لما جاء به الكتاب و السنة فهما يقينيا و بالعلم النافع ولم يكن في شان العقيدة احد ورد باعتبارها قضية مسلمة فلما ظهرت الفرق و الاختلافات ودخل في الدين من لم ترسخ لعقيدة في قلبه ودخل في الإسلام ببعض الأفكار المنحرفة ودخل فيه أيضا من لم يرجع إلى الكتاب و السنة في العقيدة آو تأويلها تأويلا فاسدا إما جهلا أو عمدا أو خطأ وهو ما يرجع إلى قواعد ومناهج وضعها أهل الضلال من عند أنفسهم لهدا احتاج أئمة الإسلام و علمائهم إلى تبيان العقيدة الصحيحة وتحريرها و كتابتها و روايتها و هدا ما ينتج عنه الإسلام السياسي ودلك لتوظيف الدين في السياسة مما سار معه أغلبية العلماء المسلمون يتقربون إلى غيرهم وارضائهم دون خالقهم و ليبتعدوا عنه. وهدا الوضع أصبح عاما على ساتر دولنا العربية الإسلامية و باتت تعاني حالة من التردي و التخلف و سار معه أصحاب الفرق المنحرفة ينشرون مناهجهم هاته سرا وعلانية في المجتمعات الإسلامية كما سبق ذكره حيت اندلعت الفتنة و الاقتتال في المشرق و تعميق الأزمة في المغرب وعلى الجميع شرقا وغربا أن يتدبروا قول الله سبحانه وتعالى ,حيت اقسم بنفسه على أنهم لايؤمنون حتى يحكموا الرسول»ص» فيما شجر بينهم و دلك بقوله ( فلا و ربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم تم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما..) وكذلك قوله في نفس سورة النساء ( لهديناهم صراطا مستقيما..).