يفاخر ابراهيم بأن زعفران تالوين «هو الأفضل في العالم بحسب الخبراء»، لكنه يأسف لانتشار أنواع «مغشوشة» تنتحل التسمية العائدة إلى هذه المنطقة الواقعة جنوب المغرب والملقبة بعاصمة الزعفران «الحر». يوصف هذا النوع من التوابل ب»الذهب الأحمر» بسبب غلاء سعره نظرا لندرته واستعمالاته المتعددة ما يجعله عرضة للتزييف. ولحماية «سمعة» الزعفران المحلي أحدثت علامة تسمية محمية المنشأ تحتكر منحها «دار الزعفران»، شهادة على مطابقة المنتوج لمعايير الجودة التي تميز زعفران تالوين. تبدأ العاملات الزراعيات قطف الأزهار البنفسجية وترتيبها بعناية في سلال قصب مع الساعات الأولى للفجر، ثم تستخرج الخصلات الحمراء لتصفف فوق طاولة في بهو بيت لحسن (51 سنة) الملاصق لحقل زعفران، في انتظار أن تجف قبل أن تسلك طريقها نحو التسويق. حول هذه الطاولة تجلس سائحتان آتيتان من بلجيكا بعدما شاركتا العاملات الزراعيات في عملية الجني. في بلجيكا تشتري سارة الغرام الواحد من الزعفران ب5 يورو «غير أنني لست متأكدة بالضرورة مما إذا كان أصيلا فعلا أم لا، هنا نحن واثقون بأنه زعفران أصيل». وتضيف والدتها أودي (75 سنة) التي تعودت استعمال الزعفران في إعداد طبق محلي بالأرز والحليب «هذه تجربة خاصة بالنسبة إلي، كنت أعرف فقط الزعفران المغلف في العلب ولم يسبق أن رأيت الحقول والأزهار». يتركز إنتاج الزعفران المغربي بنسبة 90 بالمئة في تالوين وجارتها تازناخت، حيث تتوافر ظروف مناخية خاصة تجمع في الوقت نفسه بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء ورطوبته، فضلا عن ارتفاعها حوإلى 1500 متر عن سطح البحر. يزيح إبراهيم (52 سنة) برفق أوراق نبتة قطفها من حقله لتبرز خصلات الزعفران الأحمر ويشرح بحماسة استعمالاتها المتعددة «في الطبخ ولعلاج البرد والأوجاع مخلوطة بالشاي أو الحليب وحتى لصنع مواد التجميل». في طريقها نحو رفوف المتاجر داخل المغرب أو خارجه، تخضع خصلات الزعفران لاختبارات تقنية في مختبر بمقر «دار الزعفران»، وهي مجموعة ذات نفع اقتصادي تضم 25 تعاونية يقع مقرها وسط الشارع الرئيسي لبلدة تالوين. ويسعى المزارعون من خلال نظام التعاونيات إلى ضمان هامش ربح أكبر، بعدما كانوا مضطرين لبيع محصولهم بأسعار منخفضة يفرضها سماسرة يتحكمون في السوق المحلية. تهيمن إيران على السوق الدولية باعتبارها أول منتج في العالم، ويحل المغرب رابعا بعد الهند واليونان بحسب معطيات نشرها معهد الوطني الفرنسي لمنتجات الزراعة والبحر (فرانس أكري مير). وتشمل الاختبارات التي يخضع لها زعفران تالوين «قياس نسبة الرطوبة ومدى تركز المواد الكيميائية المسؤولة عن الذوق واللون والرائحة» كما يوضح مدير «دار الزعفران» إسماعيل بوخريص، مشيرا إلى أن المحصول الذي لا يستجيب للمعايير المحددة لا يمنح شهادة التسمية المحمية المنشأ. ويقارب ثمن الزعفران الحاصل على شهادة الجودة هذه 3 يورو للغرام الواحد، في حين «قد يصل ثمن الزعفران المغشوش إلى أقل من يورو واحد للغرام في بعض الأسواق الشهيرة بالمغرب مثل درب عمر بالدار البيضاء» بحسب بوخريص. ويستخرج نحو 12 غراما من خصلات الزعفران من كل كيلوغرام من الأزهار. تراوح عمليات التزييف بين خلط خصلات زعفران أصلية بخصلات مشتقة من نباتات أخرى مثل الذرة وخلطه بخصلات زعفران أقل جودة، بحسب المعلومات المتوافرة لدى المهنيين. ويؤكد مكتب السلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالمغرب أن عمليات مراقبة لزعفران «غير معلب» ولا يحوي أي علامات تدل على منشئه، أظهرت «حالات غير مطابقة للمعايير المحددة للون والذوق، فضلا عن وجود ملونات صناعية ومواد غير طبيعية». يحمل لحسن المزارع الذي يستضيف سارة ووالدتها لجني الزعفران في حقله مسؤولية الغش «في غالب الأحيان للسماسرة الذين يشترونه مباشرة من المزارعين ويخلطونه بمواد أخرى ليباع على أنه زعفران تالوين الحر»، مطالبا «بأن تفرض عليهم غرامات باهظة». وفي غياب معطيات رسمية حول مدى انتشار الزعفران المزيف في الأسواق المحلية أو الأجنبية، يقول بوخريص إن الزعفران الذي يقتنيه سماسرة مباشرة من المنتجين هو المعرض أكثر للتزييف. ويوضح أن السلطات تركز على مراقبة جودة الزعفران الذي يباع عبر التعاونيات والتجمعات المرخص لها، بينما لا تقوم بالجهد اللازم لمراقبة ذلك الذي يسوق مباشرة عبر وسطاء وسماسرة. ويأسف لكون نسبة كبيرة من المزارعين لم يستوعبوا بعد أهمية الانتظام في تعاونيات حيث ترتفع مخاطر التزييف عند المرور عبر الوسطاء. في حين ينبه لحسن إلى أن بعض صغار المزارعين يضطرون للجوء إلى الوسطاء لأن نظام التعاونيات يجعلهم ينتظرون أشهرا قبل تلقي حصصهم من مداخيل البيع. ويشير مكتب السلامة الصحية إلى «ترشيد التجار أثناء عمليات المراقبة كي لا يسوقوا سوى المنتجات المعلبة الحاملة لعلامة منتجين مرخص لهم»، فضلا عن «منح شهادات تؤكد السلامة الصحية للزعفران المعد للتصدير إذا كان البلد المستورد يشترط ذلك». وعادة ما تضفي هذه التوابل نكهة مميزة على أطباق «طاجين» بلحم الدجاج في المنطقة التي تعيش نحو 1500 من أسرها على هذه الزراعة. لكن كثيرين يفضلون بيع الذهب الأحمر «كي يقتنوا بثمنه ما يلبي حاجاتهم الأساسية»، كما يوضح إدريس (24 سنة) الذي ينشط جمعية للشباب بالمنطقة. وفضلا عن أضراره المادية يرى إدريس أن تزييف زعفران تالوين «يمس بصورتنا وسمعة هذه الزراعة التي نفخر بها وورثناها أبا عن جد». وبحسب أرقام وزارة الفلاحة المغربية، فاق إجمالي الإنتاج 6,8 اطنان العام 2018 بينما تجاوزت المساحة المزروعة 1800 هكتار. ويمثل قطاع الفلاحة في المجمل 14 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي بالمغرب وبين 15 و21 بالمئة من صادراته.