مداخل للقراءة « بستان السيدة» رواية تضاهي الحياة الفردية حتى لا أقول النفسية ، هذا الجانب الفردي من الحياة الذي تنتصر فيه الطبائع النفسية للأفراد ، في ضرب من حياة محررة، لا يمثل فيها الانسان سوى انعكاس يتحدد بتعدد الحضور داخل الزمن النفسي، فهو متغير بتغير الحالات الروحية والشعورية للشخصية. وفي إطار هذا الزمن النفسي نجد أنواعاً فرعية للزمن مثل الزمن العاطفي والزمن الروحي وزمن الغيبوبة، وزمن الرؤيا، وزمن الرحلة الرمزية لتطغى لغة أقرب الى لغة الصوفية في المبنى اللغوي والسردي العام، وهو ما يميز أسلوب رواية «بستان السيدة» المقطرة معانيه ، الكثيفة ظلاله، في سردية سرمدية تمنحك هيولاتها الاولى، مادة لتفاصيل المغادرة النهائية، مغادرة ثاوية في ثنايا الرسائل … فتنقلب معها المعاني والرؤى المقترنة بالشخوص وبالزمن والفضاء والذاكرة والتفصيل اليومي. لتهرب منك الحكاية حينما تعتقد أنك ضبطت مساراتها . لم يكن انتحار حنان الداودي في رواية «بستان السيدة» بدعة أو عملا منفردا منفلتا، بل له ما يضاهيه. فحالات الانتحار لا تفتر تخبرنا عنها الصحف وسير الأدباء وفنانون وأناس قرروا الخلاص فعانقوا الموت، ذكر منهم كاتب هذه الرواية كلا من الشاعر خليل حاوي ، تيسير سبول ، لكن انتحار حنان الداودي كان تأكيدا على ضرورة رهيبة / ليس من الممكن تفاديها، وانتحارها في الرواية لا يمثل رمزا لفراغ غائب بل يؤكد وينتج التأكيد نفسه في صرامته الملأى بالضرورة. الشخصية» سعد» ، المؤلف في الرواية كان هدفه أن يتملك عالما اختلقه في وحدته وغربته المدريدية ينقذه من اليأس و الإفلاس المعنويين، وهو بالمناسبة رجل يشتغل في شركة للاتصالات بمدريد يقرر كتابة رواية للخروج من حالة القنط والجفاف الذي انتابه. لم تكن للمؤلف في الرواية أية استخطاطيات قبلية لها ولمساراتها، لكنه يطالبنا أي « المؤلف في الرواية « بفهم «هذا الادعاء على الوجه النسبي. فله في الواقع رسائله وذكرياته ومعرفته العامة» ، علاقته بذاكرته ليست علاقة استذكار هو لا يتذكر ما تحمله جعبة ذاكرته من أحداث وتفاصيل، فعلاقته بذاكرته علاقة رؤية، حيث يقول حين يود أن يخبرنا عن مشروعه الروائي والكلام لسعد «المؤلف في الرواية « رأيت في هذه الذاكرة « وكذا حين الاسترسال في سرد أحداث الرواية يعود ليقول «ما رأيته في الذاكرة وأرتني إياه ذاكرتي،» لا يتعلق الأمر بإقامة أحداث مرتبة ومنجزة سلفا بل بناء مشاهد ، الذاكرة هنا لا تقدم لنا نفسها في مادة اللغة الصواتية بل من خلال معطيات مشهدية بها، ومن خلال ما تسعفه مادة الذاكرة في بناء مشاهد لم تنتحل اللغة جسدا، على اعتبار كما قلنا سابقا أننا هنا بصدد الرؤية وليس التذكر « قد أتذكر نصا لغويا لكن الرؤية في الذاكرة دائما مشهدية «، ويقول أيضا « الذاكرة الملجأ الذي سوف يؤوي لغتي « . بين الذاكرة والكتابة تقوم الرؤية كدليل للكاتب ووسيط بين الكاتب واللغة ، الذاكرة تأوي لغته ، فرغم أن الخطة الأولية للرواية كانت تقوم على تصور مسبق وبعبارة الكاتب في الرواية أي سعد «عندما شرعت « أي في كتابة الرواية « كنت مسكونا بين شخصيتي ، الشخصية التي ابتدعتها باسم كريم السعداني، وبين امرأة لا يعرفها ، هي حنان الداودي …..وذلك اعتمادا على مبرر اعتباطي يتعلق ببحث الشخصية المذكورة عن مترجم لعمل أدبي وظهور المرأة من واسطة استفتاها في الامر وسنعرف في سياق الرواية أنها مريم البدري، ويضيف «على أن المهم في هذه العلاقة ، وهو ، الجوهر أعني العلاقة لا غيرها ، تراسلية لم تتحقق مطلقا بين كائنين ، حتى تورطا في حب مفارق « . لكن ذاكرة الكاتب في الرواية بدأت تتخبط في العلاقة مع حنان الداودي بين حدين مشهديين الحد الذي يمثله كريم السعداني، حيث يقول المؤلف «المرأة التي تراسلت معها شخصيتي عبر البريد الالكتروني أزمانا لا تريد أن تغادر بتاتا المنطقة التي استوطنتها لمدة ثلاث سنوات .تفكر فيها ويفتح قوسين ليكتب (شخصيتي لا أنا)، تتوسد كتابتها تشعر بكون ما قد يجمعها بها» لكن في هذه العلاقة نفهم من السياق أن المرأة بقيت لاهية لا تعرف لهذه التخبطات في نفسها أو في نفس الآخر أثرا . فيعود الى الذاكرة ثانيةليرى لكن هذه المرة سيعود الى الاساس الواقعي لذاكرته ألا وهي الرسائل ليقول « رسائلها الكثيرة مرتبة تتكلم فيها عن الشعر أو يتكلم الشعر عنها عن كريم السعداني في علاقة جوانية ذات نفحة صوفية تلفعت بالغموض وأبحرت نحو المجهول.. عن الحياة الحية – الميتة التي كانت لهما، وبسبب بقاء العلاقة في حدود فاترة، فقد كان الكاتب يودها علاقة ملآى بالاندفاع، لكن حنان الداودي أو المرأة، موضوع المراسلة، ظلت فاترة وكما قال الكاتب « حافظت على وقار « حتى كانت لحظة الختام ، تلك التي شعرت فيها شخصيتي أنها تريد أن تقول لها : ربما أحبك الآن بالذات في هذا الصمت الذي جرف حبيبي الى الموت «. هنا فقط تتحدث حنان الداودي إليه هو الكاتب مباشرة كما أرادها هو ككاتب أن تقول له « نلاحظ هنا أن الكتابة بالحلم تعيد تثبيت صور من الضبابية حيث تنسحب الكلمات والكتابة، وتتحولان الى مشهديات تصب مباشرة في اتجاه المعنى دون الخضوع لواسطة اللغة ككتابة تعري جسد الكلمة وتحرر الحركة. هذا التبدل في الأدوار بين الشخصيات يصور مجاهيل روح الكاتب المتمزقة المتباينة، من خلال لغة وأشكال سردية جديدة مكنته من فتح ثغرات وممكنات أخرى للسرد والتخيل، إنها الكتابة بالرؤية أو، قل أحسن، «الكتابة بالحلم «. لذا يقول الكاتب «أقول حالما : لم أفاتحها في الموضوع ….يجب أن تعرفوا أيها السادة أنه ابتداء من هذه النقطة سيحل الكاتب في الرواية محل شخصيته المفترضة العليلة التي لم تستطع إثارة شخصيته حنان المفترضة، ويحيلها الى الموت ليستأنف هذه المرة روايته بانبعاجه شخصية مركزية فيها ، ليقول في الحلم دائما ، هي بالذات تلك المرأة التي أريد التمكن منها مع أنني لم أكن قد رأيتها من قبل ولعلها من الممكن الذي أرتجيه لسبب واقعي وهو ظروف الحرمان والارتباكات المزمنة التي كنت أعيشها في تلك الأيام كما يقول. أيامه المدريدية البئيسة. لأول مرة نصادف رواية يسرق كاتب رواية من بطله حبيبته ليعوض عن نفسه، شيء لا يمكن الولوج إليه إبداعيا إلا من خلال كتابة متعالية مفارقة أيضا، مصدرها الحلم كنظام للمعنى ينتج تداخل الصور لكن داخل ربقة منتظمة متحدة. عندما ينصح أحمد الناصري سعد المؤلف في هذه الرواية بقراءة رواية سيلبيا جويس «الوداع الاخير « لما بينهما من تشابه، نعتقد أننا سنجد أخيرا ضالتنا في تفسير ما أشكل علينا في مداخل ومفاتيح هذه الرواية عن كيفيات الانتقال في أدوار الشخوص واستبدال المواقع، الكاتبة سيلبيا جويس تقدم ساندرا بطلة روايتها « الوداع الاخير « وهي تحاور مونيكا، الشخصية الاخرى في الرواية على خشبة المسرح، إذ «تتقدم ساندرا وتهجم على مونيكا .وبين اندهاش وإعجاب تأخد رأسها بين يديها راسمة على شفتيها قبلة عميقة» قالت عنها الكاتبة سيلبيا جويس إنها «قبلة وله». سينقسم الجمهور بين مصفق وآخر غاضب ، كانت سيلبيا جويس من خلال هذا المشهد تريد الإيحاء بالذاتية المتمردة على الاخلاق البروتستانتية. يقول «المؤلف في الرواية « نعرف أن العلاقة الشهوانية المسرحية التي قرأناها لها جذر في الواقع، وأنها ما ارتفعت الى مقام المسرح إلا لكي تجسد الشهوة علانية ، ضاربة هكذا بطن المحرم ضربا. سنعرف أن بين ساندرا ومونيكا علاقة سحاقية خارج المسرح أي في الواقع الروائي سيقرران الهجرة بها في الرواية الى منفى . المنفى للاحتماء من غضب المجتمع ….اغتاظ لقبلة وادعة أتاها الحنين سائغا . سنعرف في خضم القراءة أيضا أن …انظروا معي هذه الخفة المحيرة … انتبهوا جيدا …يقول المؤلف في الرواية « سيلبيا التي كان يبدو عليها الكبر في المسرح والتوله في القبلة والحنان في العناق لم تتردد ، عندما ضاق الخناق على حبها لمونيكا ، في الهجرة بعيدا حتى تبرد عواطف الناس.» كيف تتحول كاتبة الرواية سيلبيا الى ساندرا بطلة الرواية لتصبح هاته تلك، لنفهم وهذا ما فهمته شخصيا بالجذر المزدوج للواقعي في الرواية، العلاقة التي يتم تمثيلها على المسرح بين ساندرا ومونيكا كعلاقة سحاقية لها واقعيتها الروائية كعلاقة سحاقية خارج المسرح، أي في الواقع الروائي ولها علاقة واعية في الواقع المادي وهي العلاقة التي جمعت سيلبيا بمونيكا. يحاول هنا المؤلف، مؤلف الرواية عبد القادر الشاوي، وليس المؤلف في الرواية الذي هو سعد، أن يمارس نوعا من كتابة مبتدعة يدشنها، يبحث لها من خلال رواية سيلبيا جويس عن مستند داعم أو يريد أن يخرجنا من خلالها من كتابة روائية ظلت تحمل تركيبة لاهوتية كبنية تتشكل من مؤلف خالق لعوالم غائب في حضوره، يقود جوقة مخلوقاته التي تمثله عبر ما يدعي بمحتوى أفكاره ومقاصده. فالقارئ في هذا النوع من الكتابة التي في الحقيقة ألتقي بها لاول مرة، لا يتلقى أية إحاطات بالمعنى قبلا فالمعنى في مسار الرواية يولد في الآن والهنا وفي خضم الأثناء، لكن هذا لا يعني الفوضوية والارتجالية و التجريبية والتجريبية السوريالية في العلاقة مع تمثلات ونزوات الإلهام الجاهل، بل في استولادات متعاقبة بتعاقب أشكال تجسيد المعاناة وتطورها . ولنعد الى روايتنا الآن «بستان السيدة» ونبدأ في المصادرات المتسرعة. لنقل إن العلاقة بين حنان وكريم السعداني الفاشلة هي الجذر الواقعي المتخيل في الرواية ، الواقعي من حيث ثبوت العلاقة والمتخيل من حيث إعادة استبنائها على شخصيات ابتدعها مؤلف الرواية وهو شخصية كريم. إذا كان المؤلف في الرواية في بداية تأليفه لروايته يطالبنا بأن نفهم ادعاء كونه بدا «خاليا من جميع المعاني التي تحمل الكتّاب بعضهم ربما لست أدري على التفكير عادة في موضوع كتابتهم أو التخطيط المسبق للعوالم التي يودون كتابتها أو امتلاك شيء من الوضوح حول المسارات التي سوف تسير فيها الرواية لبناء عالمها الخاص على أن هذا الخلو الذي يكاد يكون بياضا مفزعا ، يجب أن يفهم على الوجه النسبي : «كان لي في الواقع رسائلي وذكرياتي ومعرفتي العامة» يبدأ سعد المؤلف بكتابة الرواية وهو لم يتخلص بعد من الآثار السابقة التي كما يقول «تركتها في نفسي علاقة أخرى ، غير أنها كانت موجودة لأنني كنت أريد التغيير أيضا « مع من كانت هذه العلاقة الجارحة الحارة ولمن هذه الاثار السابقة التي يحاول التحدث عنها للتخلص تماما من آثارها؟ يقول المؤلف في الرواية « تماما كتلك الآثار التي بقيت في نفسي من تجربة العلاقة مع مريم البدري « .من هي مريم البدري؟ هي الحبيبة التي أمضى معها سعد أعواما من الحب والتوله ،سبق وأن أشرت الى أنها الوسيط الذي كان من المفترض أن يقوم بين كريم السعداني وحنان. فهي التي أشارت على كريم بحنان للترجمة قبل أن يسرق المؤلف في الرواية من بطله حبيبته ليعوض عن نفسه في تلك الظروف المدريدية القاهرة، لكن مريم البدري ليست شخصية مبتدعة مثل كريم وحنان. فمريم لها جذر في الواقع، واقع المؤلف في الرواية. إنها حبيبته وهي صاحبة الرسائل التي يعيد توضيبها خياليا وحلما مع حنان الداودي بعد أن أحال كريم الى المرض . لكن يبقى السؤال المحير في هذه الرواية: كيف استطاع المؤلف أن يقيم العلاقة في الرواية بين شخصية خيالية التي هي حنان الداودي بشخصية واقعية التي هي مريم البدري ؟ يقيم سيغموند فرويد تمييزا مهما في تحليله للبناء النحوي للحلم بين سياقين : أولا : يقوم في أولها الحلم بطرح الصور والكلمات المقابلة للاثار العاطفية بصورة غير واعية تماما . 2- يمارس الحلم العمليات البلاغية من القلب الى الإضمار فالكناية فالاستعارة، حيث تتحول الافكار الى صور وكأن العملية كلها تختزل في القدرة على الاخراج، حيث يتم تلقي الحلم ككتابة تصويرية تشخيصية أو متوالية تصويرية للاحاسيس المتراكبة . لذا فالعلاقة بين حنان التي لم يسمع عنها المؤلف في الرواية من قبل رغم العلاقة الغرامية الملتهبة التي جمعته بمريم البدري صديقتها الحميمة ، هذا في الوقت الذي كانت فيه مريم البدري، كما انها الصديقة الحميمة لحنان الداودي وهي أي مريم البدري تعرف أعماق أعماق حنان حسب المؤلف في الرواية، كما يقول أيضا بين مريم وحنان علائق أهمها الماضي حين يكون عميقا في نوستالجيته، والوفاء حين يخبئ بين القرينتين والتواطؤ، وما كانت كما يقول دائما المؤلف في الرواية تبديه مريم تجاه حنان من اهتمام ورعاية وأمومية، ومريم أيضا تشهق في مقام الجلد على قرينتها ومريم هي صديقة حنان التي لا تهنأ إلا على صدرها، منذ الصغر ومريم هي مستودع أسرار حنان. نلاحظ دائما أن مريم هي الاصل.. هي احتواء حنان الكلي وحنان في هذه المقارنات لم تكن إلا الظل المسنود حتى أن المؤلف في الرواية قال لمريم يوم انتحار حنان « إنك أنت المنتحرة « وعندما كانت تحذره مريم البدري في الرواية وبالغت في التحذير من أية علاقة محتملة لسعد بحنان، يقول المؤلف في الرواية إنها لم تكن إلا من هشاشة في نفسها ويجب أن نعلم أن حنان البدري هي التي أعطت للمؤلف في الرواية الاطار العام للتخيل يوم أرفقت اقتراحها حنان كمترجمة للعمل الادبي بصورة لها. فمن تكون حنان في الرواية إذا لم تكن هي مريم في الواقع « إنها لعبة سيلبيا جويس التي رأينا في رواية «الوداع الاخير « .إنها قدرة المؤلف الفائقة على استدراج القارئ والتعتيم عليه في لعبة التحولات في الشخصيات استنادا الى مبدأ التكرار والملازمات والشكل الدائري في تثبيت المعنى، وعن زئبقية في الكتابة أتاحتها عملية الكتابة بالحلم، تقعدها لعبة الضمائر المتصلة المليئة بالإحالات السرية التي أتقنتها الكتابة الصوفية أسلوبيا وطقوسا وطروسا واحتفالا وتجنيسا للاشكال الادبية المختلفة. ومع ذلك لم يكن ليستطيع كتابة هذه الرواية المشوقة لو لم يعتمد على الرؤية أو ما حاولت ان اسميه هنا بالكتابة بالحلم ، لأن النشاط النفسي الجواني عموما كما يقول ديلثاي لا يُتعرّف بألفاظ الوجود ، كما هو الحال بالنسبة للاشياء وإنما يعرف بألفاظ الدلالة، ربما كان الشاوي ينهض أيضا بوجه وصف فرويدي للحلم كتحقق تعويضي للرغبة وكوظيفة إنسانية يريد عن طريق الرواية أن يعيد للحلم جدارته ويصنع منه شيئا أكثر أصلية، أكثر حرية، وأكثر توكيدية من مجرد فاعلية استبدالية. لكن رجلا ينظر الى رسائله في الحلم هو رجل غائب لا يمكن أن يكون ميتا لكنه في حالة إغماءة ، والاغماءة كما عرفها أنطونان ارطو في كتابه «مسرح القسوة» هي « موت مع ذكرى قديمة، ذكرى وجودنا السابق « بما يتيح من تحقق الحلم عبرها كتحقيق مادي أو بصري وتشكيلي للكلام كما هو حال سفره الى باريس ولقائه بحنان، غافيا، حالما، ساهيا يستخدم الكلام بشكل ملموس وفضائي أو ما أسميه مشهدي ويعالجه كمادة صلبة ترج الأشياء، أن الشخص الوحيد الذي يحقق واقعيا هذه الحالة في الرواية هو شخصية كريم السعداني الذي يعاني من مرض عضال يأكل جسمه وينهيه وسعد الحالم من خلال كريم يعرف كريم من أيام تجربتهما المشتركة، وكريم في إغفاءته الحقيقية في الرواية يغار والعلاقة من حيث هي في الواقع كانت قد انتهت ولم تبق إلا آثارها: رسائل وذكريات لم تتمكن أن تعيد كريم الذي كان ميتا في هذه العلاقة منذ القديم، منذ الايام الاولى لعلاقته بحنان، منذ القسوة التي مارسها على تلك المرأة بسادية لم يستطع أن يلفع هذه العلاقة بصاعق من الامكانيات إلا من خلال سعد الذي ما أن بدأ بتمثل روايته حتى وجد فجأة أن بطلته انتحرت حتى بدون إعلان مسبق لأنها كانت قد بدأت حياة أخرى بعيدة . مريم البدري كانت قد ذهبت وغادرت بلا رجعة . رواية «بستان السيدة» رواية المزاوجة الحقة بين العمق والتعقيد والتعمق، لكن يبقى ما ينطبق على عبد القادر الشاوي هو ماقاله محمد ابن سيرين في كتابه تفسير الاحلام «الكتابة في الأصل كما قلنا تعد حيلة مما يجعل الشخص الذي يكتب في المنام ماكراً» وقد كانت هذه الرواية ماكرة .