يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طوال حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى اليوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه «الحسن الثاني..ديغول.. بن بركة ما أعرف عنهم»، وذلك بنادي المحامين بالرباط، قضيته الأولى. في هذا الكتاب المترجم إلى اللغة العربية الذي يقدم فيه بوتان شهادته من موقع المحامي عن حقبة مؤلمة، اكتوى بنارها العديد من المناضلين المغاربة خلال العشرية الأولى الموالية للاستقلال التي يعرفها المؤلف جيدا، حيث بدا له مفيدا على غرار الكثيرين، أن يسطر متحديا النسيان، حكاية الأحداث كما عاشها عموما في قاعات المحاكم، حيث يستعرض المؤلف مرحلة مقاومة الشعب المغربي للحماية والادارة المباشرة التي جاءت بها، ثم يتطرق الى مرحلة سنوات الرصاص التي عاشها المغرب، وبعد ذلك يستعرض قضية المهدي بن بركة وتطورها انطلاقا من الاختفاء إلى جميع أطوار المحاكمة التي مازالت جارية لحد اليوم بقصر العدالة بباريس بتهمة «الاغتيال». لقد استهل بوتان هذا الكتاب الذي يشمل 400 صفحة بعدد من الأقوال المأثورة عن «الحقيقة والذاكرة والمستقبل وعن غفران الخطأ، وعلاقته بالنسيان، والحرية للشعوب والديكتاتورية... العدالة ومحاربة الظلم وعلاقتها بالسلطة وهدر كرامة الناس التي تحرمها جميع الأديان والقوانين « لعدد من الشخصيات السياسية والإعلامية والفكرية البارزة في العصر الحديث . كما قدم هذا المحامي الفرنسي الذي عاش في المغرب، كتابه بصفحة أخرى يقول في بدايتها «الجمعة أكتوبر 1965، الثانية عشرة والنصف زوالا ، جو خريفي لا أحد في المغرب كان يعلم حينها أن حدثا جللا يقع في قلب باريس: «اختفاء» الزعيم المغربي المهدي بن بركة ، خلال مقام قصير له بالعاصمة الفرنسية، في الحقيقة هناك شخصية وازنة كانت على علم بذلك، أعني الملك الحسن الثاني الذي كان وقتئد بفاس...» ويسترسل المؤلف في تلك الساعات ابتدأت في فرنسا فصول قضية ستدخل التاريخ باسم قضية بن بركة، أكبر فضيحة خلال الجمهورية الخامسة، شاهدة على ضعف الدولة أمام الشبكات البوليسية الرسمية وغيرها... أما بخصوص المعلومة المعروفة التي تحدثت عن اغتيال المهدي بنبركة للمساعدي عن طريق رجل اسمه كريم حجاج، فقد ذكر بوتان أنها «غير دقيقة»، وأن الفرضية الأكثر احتمالاً، هي مهاجمة سيارته عن طريق قوة خاصة أنشأها مدير الأمن محمد الغزاوي، بأمر من مولاي الحسن وقتها. وأسهب بوتان في الحديث عن هذه الواقعة بحكيه أن بنبركة حلّ بالريف في إطار بحث ينجزه لصالح جريدة «الاستقلال»، ساعيا في الوقت نفسه إلى استقطاب أكبر عدد من المقاومين كي يلتحقوا بالحزب، وكي يمنع كذلك انصهار جيش التحرير في القوات المسلحة الملكية، بيدَ أن المساعدي كان يخالف بنبركة في النقطة الأولى من سعيه، ويتفق معه في الثانية، لذلك تم ترتيب لقاء بينهما في فاس، وفي طريق المساعدي من الريف إلى هذه المدينة، تم اغتياله. وقدّم بوتان فرضيتين قبل أن يرّجح الثانية منهما، فالأولى هي أن المهدي أرسل حجاج إلى المساعدي من أجل إقناعه بعدما لم يكن يرغب في السفر إلى هذه المدينة، إلا أن حجاج أراد تهديد المساعدي بمسدس، فكان مع الأسف محشواً بالرصاص، وأصابه في مقتل. أما الثانية، فهي أن المساعدي كان فعلاً متجهاً إلى فاس، وقتلته دورية لمدير الأمن في الطريق. وأبرز بوتان أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد أشار إلى أن المهدي بنبركة هو من اغتال عباس المساعدي، وأنه استند في ذلك إلى اعترافات كريم حجاج الذي ألقي عليه القبض في تلك الفترة، إلا أن بوتان يستدرك قائلاً بأن حجاج غادر السجن ثلاثة أيام بعد اعتقاله، دون أن يتابع بأية تهمة، وأنه كذلك لم تتم متابعة بنبركة حسب هذه الاعترافات، بل العكس، تم اختياره بعد ذلك بخمسة أشهر ليصير رئيساً للمجلس الوطني الاستشاري، والتُقِطت له صورة مع الراحل الحسن الثاني، الذي كان آنذاك ولياً للعهد. ولكي يعرف القارئ من هو موريس بوتان الذي يتحدث في هذا الكتاب عن ثلاث شخصيات كبيرة من طينة الملك الحسن الثاني والرئيس الفرنسي ديغول ثم الزعيم المغربي للقارات الثلاثة افريقيا وأسيا واوربا المهدي بن بركة، خصص المؤلف عشرة صفحات كمقدمة للكتاب بدأها بمن أنا، حيث ترد الشهادات والتحليلات في الكتاب بضمير المفرد المتكلم أنا، لذلك كان من المنطقي حسب المؤلف أن يعرف بنفسه للقارئ وعلاقته بهاته الشخصيات التاريخية. فالمؤلف موريس بوتان ازداد بمدينة مكناس في 10 دجنبر 1928. درس بهذه المدينة حتى سنة 1947 ثم التحق بباريس حيث حصل على الإجازة وديبلوم دراسات عليا في الحقوق، بدأ يزاول عمله كمحام بمدينة الرباط في شتنبر1954 وانضم مباشرة بعد عودته إلى مجموعة «الفرنسيون الأحرار» المعادين للاستعمار، وكان صديقا للعديد من الزعماء الوطنيين ودافع عن بعضهم في فترة الحماية كما دافع في الفترة 1956 إلى 1966 عن المناضلين التقدميين الذين كانوا يواجهون القمع. وشارك في أول محاكمة في قضية المهدي بنبركة في شتنبر 1966 نائبا عن والدة الزعيم المغربي فمنع نتيجة لذلك من العودة للمغرب طيلة 17 سنة، والتحق بهيئة المحامين بباريس في شهر يوليوز 1967 حيث اشتهر بالدفاع عن المناضلين الفلسطينيين وغيرهم من الفاعلين في حركات التحرر العالمي. فهذا الكتاب الذي تم تقديمه بنادي المحامين بحضور المؤلف موريس بوتان وابن الشهيد المهدي بنبركة ، البشير بن بركة، وعدد من الفعاليات الحقوقية والإعلامية والسياسية، قدمت فيه قراءات لكل من النقيب عبد الرحمان بن عمرو، والمؤرخ حسن أميلي، وعبد اللطيف حسني مدير مجلة وجهة نظر.