في كتابه «الحسن الثاني، ديغول وبن بركة: ما أعرفه عنهم» الصادر بمناسبة الذكرى 45 لاختطاف عريس الشهداء، المهدي، لا يتناول محامي الأسرة، موريس بوتان، قضية زعيم الاتحاد والقارات الثلاث فحسب، بل يلقي أيضا إضاءات على العديد من الأحداث المفصلية في تاريخ مغرب القرن العشرين، وخاصة أحداث عهد الراحل الحسن الثاني، وليا للعهد وملكا. هكذا إذن، وبالإضافة إلى باب المؤلَّف الثالث المتمحور حول تفاصيل «قضية بن بركة» من يوم اختطافه بباريس إلى حدود الانتهاء من صياغة الكتاب، والذي يتناول «الدعوى القضائية الأولى (1965 / 1975)»، الدعوى القضائية الثانية (1975 / 2010) و»المسؤولين» عن الجريمة: المغاربة، الفرنسيين، الإسرائيليين والأمريكيين، يتناول الكاتب لحظات تاريخية أساسية في بابيه الأول والثاني. في الباب الأول يعرض موريس بوتان تطورات المقاومة المغربية للحماية (1912 / 1956)، منطلقا من معاهدة الحماية، ومتوقفا عند عودة محمد الخامس إلى وطنه وعرشه، وتكوين حكومة البكاي. اختار المحامي للباب الثاني من كتابه عنوان «سنوات الرصاص: أسباب اختفاء بن بركة»، وخصصه لحقبة 1956 _ 1965، وقد ضم هذا الباب فصلين هما: - تناول الباب الأول مرحلة (1956 / 1961)، واستعرض ضمنه بوتان، من جهة، السنوات الأولى للاستقلال انطلاقا من القرارات الأولى للقصر الملكي، ووصولا إلى محاكمة عدي أو بيهي. مثلما بسط فيه أيضا «وصول اليسار إلى الحكم وسقوطه». - أما الفصل الثاني من هذا الباب فتمحور حول مرحلة (1962 / 1965)، وارتكز حول: عودة المهدي بن بركة إلى المغرب، مآسي صيف 1963 (القمع) وما حدث خلال الشهور الأولى من سنة 1965. من هذين البابين المتعلقين بمغرب الحسن الثاني قبل تعرض الشهيد المهدي بن بركة للاختطاف في باريس يوم 29 أكتوبر 1965، اختار «الملف الأسبوعي» للاتحاد الاشتراكي تلخيص وتعريب بعض فصول كتاب «الحسن الثاني، ديغول وبن بركة: ما أعرفه عنهم» وتقديمها للقراء، مع نشر حوار مطول أجراه مع صاحب الكتاب، المحامي موريس بوتان، مراسلنا في باريس. يقدم المحامي بوتان رواية جديدة أو على الأقل تأويلا جديدا لأحداث عدي وبيهي. وهو يعي بأن «هذه الصفحة من تاريخ المغرب ليست معروفة بشكل كبير وإن كان بإمكانها أن تفسر الكثير من الاحداث التي وقعت من بعد. منها الانقلاب الذي وقع في يوليوز 1971 في الصخيرات.يقول بوتان «خلال المحاكمة الناجمة عن القضية في سنة 1959، كنت أنوب عن العديد من المتهمين، وذلك ما سمح لي بمعرفة الخفايا الحقيقية لما سمته الاطراف الرسمية بتمرد عامل تافيلالت، وهي الوقائع التي ستظهر الاعدام الذي كان في حق احد «المتآمرين» في سنة 1961 . تقول الرواية الرسمية أن المغرب استعاد هدوءه بعد سنة 1956 الصعبة، وقد قرر محمد الخامس القيام بزيارة الى ايطاليا تدوم 3 ايام، معلنا عن ذلك لشعبه في 16 يناير 1957، مضيفا أنه قرر تعيين ولي العهد بممارسة الصلاحيات الملكية خلال الرحلة، وقدم لهذا الغرض اصدار ظهير يحدد اطار ودرجة التفويض .. خلال الرحلة وصل إلى علم الملك خبر تمرد عامل عمالة تافيلالت. ما الذي جرى؟ حسب الرواية الرسمية، فإن العامل عدي وبيهي أعلن الانشقاق، وتحدثت الرواية عن الوقائع التالية : - 18 يناير: انفجار الصراع بين العامل والمندوب القضائي وعميد الامن. - 19 يناير : الحكومة تقرر إرسال حملة لاستعادة الأمن ، غير أن عدي وبيهي اعترض طريقها في ميدلت، مما أجبر الجيش على التوقف وانتظار الأوامر. - 20 يناير : مستشار التاج، لفقيه بلعربي العلوي والحسن اليوسي يتوجها إلى ميدلت مبعوثين من طرف ولي العهد للاتصال مع عدي وبيهي ودعوته إلى التوجه إلى الرباط. ولكن بدون نتيجة، في الوقت الذي وصلت عناصر اخرى من القوات المسلحة الملكية. 21 يناير : بيان من ولي العهد يقيل العامل ويتم تعويضه من طرف كومندار من الجيش ، والسبب أن «عدي وبيهي لم يعد ينصاع لأوامر ملكه،وأن هناك أيادي اجنبية تقدم له الدعم الضروري وجعلته أداة في يدها.» 22 يناير: تحرك القوات المسلحة تحت تصفيقات الجماهير المغربية ، ودخول العامل الجديد إلى مدينة ميدلت بدون أدنى حادث.. وسلم عدي وبيهي ومن معه انفسهم وتمت استعادة اسلحة اجنبية كثيرة وتم تسليمها إلى خبير ليحدد مصدرها|! ويقول الكاتب أن نقطة اساسية تم اغفالها وتتعلق بوصول الجنرال الكتاني و محمد عواد عن الديوان الملكي إلى منطقة كيراندو ، معقل العامل . يوم 22 يناير مبعوثين من طرف ولي العهد وكان مما طلباه من العامل هو تسليم نفسه مقابل الامان. وكان ذلك سبب الاستسلام على حد موريس بوتان. بن بركة من جهته أثار هذه الاحداث في محاضرة له عندما وصفها بالأوقات العصيبة بسبب تمرد عدي وبيهي واعتبر ذلك امتحان قوة وأن «ولي العهد مولاي الحسن وحكومة جلالة الملك استطاعا استعادة الامن وسلطة الدولة ..» وفي لقاء اقليمي بكادير، كان اكثر حدة وهو يقول« علينا أن نتحلى باليقظة ازاء المخاطر التي تتهدد بلادنا من طرف الاقطاعيين والرجعيين امثال عدي وبيهي ، وقد تم الانتصار في معركة تافيلالت بدون إراقة الدماء بسبب نضج الجماهير الشعبية في تافيلالت » كما أنه أدان في تصريح آخر التمرد المصطنع وبعد 8 سنوات من الاحداث صرح أن الاحداث من صنع « عناصر رجعية ومعادية للوطن، مسلحة من طرف القوات الفرنسية المتواجدة فوق ترابنا» وكان عددها وقتها حوالي 100 الف جندي تحت امرة الجنرال روني كونيي. ابتداء من فبراير، بدأ الحديث عن «مؤامرة» بدون توضيحات اضافية ، في يومية الاستقلال تم وضع سؤال بدأته العلم ب«نريد أن نعرف» وفيه أن الشعب يتمنى معرفة ما وقع وأن القضية لا تنتهي بنقطة استفهام. يرى بوتان أن حقيقة ما وقع تختلف عن الرواية الرسمية التي ما زالت سائدة إلى حد الان، كما سيعرف ذلك من خلال لقائه بالمتمردين، وهو في الآن ذاته موكلهم. ويذهب الى حد اتهام الدولة نفسها بالوقوف وراء ما وقع ، ضمن سياق سياسي يتميز بهمينة حزب المهدي بن بركة - الاستقلال- وتجاوب محمد الخامس مع مطلب المجلس التأسيسي لإصدار الدستور! بالرغم من «الأمان » تم سجن عدي وبيهي ومن معه لشهور عديدة. 12 عشرا منها ناب عنهم بوتان، ولا سيما اربعة من الرؤوس الاساسية في القضية، وهم القايد حدو اوميمون، سعيد اليوسي، محمد علي بوتلوت ومومن ابوباجا، وهو ليوتنان في القوات المسلحة. خلال المحاكمة، اكتشف بوتان أن مما جاء في بيان ولي العهد مضبوط عند الحديث عن «أياد اجنبة قدمت الدعم لعدي وبيهي» غير أن هذه اليد الاجنبية التي لم يتم الحديث عنها كانت هي الجنرال مونيي،قائد القوات الفرنسية في المغرب، وبعض الضباط ومنهم الجنرال ديفاري من مكناس. ويكشف الكاتب أن لقاء سريا تم بين مسؤولين كبار منهم اليوسي وبحضور شخص قام بالترجمة هو موحا اورا. وأن عدد المتهمين 35 شخصا ، لم يكن من بينهم الجنرال مونيي الذي نويت استدعاءه إلى القفص للادلاء بشهادته، وعندما اخبرت سفير فرنسا قام هذا الاخير بالاتصال بباريز التي نقلت الجنرال إلى الجزائر. محاكمة عدي وبيهي دجنبر/يناير 58-59 تشكلت المحكمة الخاصة من قضاة استقلاليين تم اختيارهم لهذا الغرض، ابراهيم قدارة ..«والنيابة العامة ممثلة في احمد بلحاج الذي سيصبح نقيب المحامين بالرباط. صبيحة المحاكمة يقول بوتان دعوتهما إلى كاس قهوة في مقهي باليما، لكي اعبر لهما عن مخاوفي وشكوكي. اجابني الرئيس انه« اذا كان لابد من محاكمة ولي العهد سنفعل ذلك» ويكشف بوتان ايضا أنه اتهم ولي العهد ..! وقد رافع المحامي مطالبا بعودة ولي العهد مولاي الحسن بالمثول امام المحكمة . وعند استئناف المحاكمة ، قالت الرئاسة أن مولاي الحسن المنخرط في حملة الريف ضد التمرد لا يمكنه أن يحضر الجلسة. طالبت بحضور الجنرال الكتاني ، الذي اعطى الامان للمتمردين باسم الامير.«بعد ايام، كانت شهادة الجنرال الشجاع، النزيه اخلاقيا مذهلة للمحكمة. فقد ذكر بأنه ارسل إلى كيراندو من طرف الامير مولاي الحسن، وبناء على سؤال مني اجاب بأنه كلف بتقديم الامان اذا ما سلموا انفسهم،مضيفا،وهو ما قمت به ، مرتين». في دعوة الحسن ليوسي،تم ما لم يكن منتظرا عندما تم الاعلان عن فراره وتمرده ايضا.! وقد غادر المغرب الى اسبانيا لكي يعود في سنة 1962 إلى المغرب ، بعد عفو عنه! عدي وبيهي كان أول من استمعت اليه المحكمة، فصرح بأن « الحسن اليوسي هو الذي اعطانا السلاح، وادعى بأن هناك مؤامرة ضد العرش وأنه استبق الامور حتى لا تقع. فأنا اعرفه فهو الذي عينني عاملا.» وقال عدي وبيهي أن الحسن اليوسي هو الذي اعطاه الامر بحمل السلاح وذكر الضباط الفرنسيين الذين التقاهم. باشا ميدلت موحا أورا بدوره سألته المحكمة فقال« تم تعييني بظهير ملكي وكنت تحت إمرة العامل وهو الذي اعطاني الامر بتوزيع السلاح، وقد اعطانا الامر بعمليات للمراقبة بعد أن اتصل بي اليوسي الذي قال له جلالة الملك اذهب إلى ايطاليا ولن يعود، ولا بد من تسليح القبائل. وعن سؤال حول الاجتماعات، تحدث عن لقاءات مع الحسن اليوسي، عدي وبيهي، وهو شخصيا بالاضافة الى ضباط فرنسيين. عند النطق بالحكم تم اعتبار الأمان مجرد «خدعة حربية» وجاءت الاحكام على الشكل التالي، حيث تم الحكم بالاعدام على أربعة اشخاص، عدي وبيهي وموحا اورا واثنين من موكلي ، سعيد اليوسي وحدو اوميمون وحكمان بالمؤبد في حق ميمون اوبجا، قايد ايتزر ومحمد اوعيل بوتلوت قائد تالينت، من بين موكلي! أين انتهى المطاف بالمتهمين؟ عدي وبيهي توفي قبيل رحيل محمد الخامس ، يوم 30 يناير 1961 بمستشفى ابن سينا وتم دفنه بمراسيم حافلة، حضرها احرضان الذي يكون قد صرح« إذا مات عدي وبيهي فكلنا عدي وبيهي».. المدان رقم 2 ، موحا اورا تحدث عن قيامه بالترجمة بين المخططين الكبار، ومنهم اليوسي والجنرالان الفرنسيان، كما تحدث عن دور للدولة ! يروي أنه نقل إلى القصر الملكي وهو مقيد اليدين وتم تطمينه على مصيره ، بعد ذلك تم العفو عن سعيد اليوسي، وحدو اوميمون في 9 اكتوبر 1961 في حين بلغني أن موحا اورا سينفذ فيه الحكم وقد طلب زميل بوتان من هذا الاخير أن يتدخل لدى المسؤولين المغاربة «اتطلت في الحال باحرضان ، وزير الدفاع واخبرته بالقرار الفضيحة وطلبت منه التدخل لدى الملك ودار الحديث بينهما - «لا يمكنك أن تترك أحد إخوانك البرابر يغتال هكذا بدون رد فعل رد أحرضان: هذا مخزن، و ليس بمقدوري القيام بأي شيء ولن يغمض لي جفن الليلة». وبعد اربعين سنة ما زال هذا الجواب يرن في اذني! بقي لي أمل واحد هو البحث عن اكديرة وزير الفلاحة آنذاك. اتصلت به في مكتبه حوالي التاسعة ليلا واخبرته (؟). وطلبت منه التوسط لدى الملك لوقف القرار. اجاب اكديرة «في هذه الساعة المتأخرة من الليل لايمكن ». وبما أني كنت اعرف علاقاتهما فقد الححت وانفعلت بكلمات قاسية، وانتقدت الملك بوضوح وحدة . في الاخير قال اكديرة «سأرى ماذا بامكاني أن أفعله» سألت عن المتهمين في اليوم الموالي، فقيل لي بأن الجميع موجود، فقررت تقديم الشكر لاكديرة. توجهت اليه، وطلب مني أن اقدم الشكر للملك عن طريق مدير ديوانه واضاف « موريس في المرة القادمة عندما تكلمني في قضية حساسة انتبه إلى عباراتك. الحسن كان في مكتبي يوم امس عندما اتصلت بي وقد سلمته الهاتف»! بعد ذلك تم تنفيذ الحكم صبيحة 30 اكتوبر ، وبذلك سكت الذي قام بالترجمة بين المتورطين الكبار في القضية، وذهب معه سره إلى القبر».