بعد زوال الثلاثاء، كان عشرات الأشخاص أمام قصر العدالة بمدينة ليل يتظاهرون رافعين شعارات تطالب بالعدالة والحقيقة في قضية اغتيال الزعيم المعارض المهدي بن بركة، الذي اختطف في باريس واغتيل منذ سنة 1965. مظاهرة تتحدى الزمن، وسوء الأحوال الجوية من أجل قضية لم تظهر حقيقتها تماما. ووفد يضم شخصيات ومناضلين حقوقيين جاؤوا لمساندة المحامي التاريخي موريس بوتان، الذي حمل طيلة أزيد من 50 سنة مهمة الكشف عن حقيقة وملابسات اختطاف واغتيال المهدي بن بركة، والذي يحاكم اليوم بتهمة خرق السر المهني أمام محكمة "ليل" التي تم تحويل القضية أمامها لأن قضية المهدي بن بركة لاتزال قيد التحقيق في باريس. موريس بوتان متهم بكونه قام في اكتوبر 2007 بإخبار صحافي في قناة فرانس 3 بصدور مذكرات اعتقال دولية في حق 5 متهمين بالتورط في عملية اختطاف المهدي. وقام احد المتهمين وهو ميلود التونزي الملقب بالشتوكي برفع دعوى قضائية، مما أدى الى مثول موريس بوتان أمام العدالة. وما تحمله هذه المحاكمة - محاكمة بوتان - يتعدى بكثير الوقائع التي لم ينكرها المحامي موريس بوتان، بل إنه يؤكدها ويتبناها. مثلما أوضح أمام رئيس المحكمة جان مارك لومير، أنه كشف المعلومة للصحافي عن قصد وذلك عشية زيارة للرئيس نيكولا ساركوزي للمغرب وأنه لم يكن له من وراء ذلك سوى هدف واحد: النضال من أجل ألا يتم إقبار الملف. وكرر عدة مرات قائلا: »إذا كنت قد قمت بذلك، فلأنه منذ 2003 هناك عدة مذكرات انتداب قضائي بالمغرب لم يتم تنفيذها. كان لابد من القيام بشيء ما...« وأظن أن مذكرات الاعتقال التي صدرت في فرنسا لم تنفذ كذلك. المدعي دوغلاس بيرت أكد أن المحامي موريس بوتان لم يكشف فعلا ما يتعلق بالتحقيق بل مرحلة من المسطرة، وطالب بإخلاء سبيل المحامي الشرفي الذي يبلغ من العمر 85 سنة ولم يعد يباشر سوى ملف المهدي بن بركة. ورد محامي الدفاع الأستاذ اليكسيس غوبلان قائلا: »إذا أدنتم موريس بوتان، فستقبرون الحقيقة في قضية بن بركة... موريس بوتان تصرف في مصلحة الدفاع لأنه كان يعلم أنه في ملف كهذا، الصمت يقتل. »وأضاف إنه شيء »سوريالي« في حالة الإدانة - سنجد أنفسنا أمام شخص واحد مدان فعلا في هذه القضية وهو محامي عائلة بن بركة، وأضاف »"أعتقد أن العدالة الفرنسية ستعطي اليوم إشارة قوية ليس فقط لفرنسا بل كذلك للمغرب...« وقد بذل »المتهم« في هذه القضية، المحامي بوتان مجهودا كبيرا خلال الجلسة من أجل تحقيق »تقدم« في القضية الأساسية، ومنذ البداية طالب بحضور المشتكي ميلود التونزي، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد سنة 1967، لكنه لم يتم العثور عليه حتى الآن. التونزي لم يحضر الجلسة والذي قدمه أحد محاميه الأستاذ حميد الأندلسي الذي حضر من الدارالبيضاء، كشخص بريء وعميد شرطة متقاعد يعيش حياة هادئة، فيما حصر محاميه الآخر فليب كليمون على ألا تتجاوز المناقشات لتطال جوهر قضية المهدي بن بركة. دفاع التونزي طالب بأورو كتعويض عن الضرر المعنوي الذي لحق بموكلهم كما طالب بمبلغ 69 ألف أورو كتعويض عن مصاريف الدعوى الممتدة من 2007 إلى 2014 . وأشار محامي المشتكي الى أن "السر المهني شيء ثمين يجب حمايته.. وأن الأسرار المهنية وأسرار التحقيقات ضرورية لضمان قرينة البراءة، معتبرا أن دفاع المشتكي يقف اليوم أمام المحكمة من أجل "الدفاع عن شرف شخص اتهم ظلما في قضية بن بركة...". وقد أدرجت المحكمة القضية للمداولة إلى يوم 15 أبريل المقبل. من جانب آخر أصدرت عدة جمعيات ومنظمات، عريضة عبرت من خلالها العشرات من الشخصيات السياسية والحقوقية والفنية في باريس عن صدمتها واستنكارها لمحاكمة المحامي موريس بوتان، وأشارت الرسالة الى أنه ... بدل التحرك في اتجاه رفع العراقيل من أجل إظهار الحقيقة في اختفاء المهدي بن بركة، لم تجد السلطات القضائية الفرنسية أفضل من متابعة أقدم محام لعائلة بن بركة الذي يتابع القضية منذ أزيد من 50 سنة. وفي الوقت الذي تواصل العراقيل منع العدالة من التقدم في كشف الحقيقة، تتوجه السلطات القضائية الفرنسية بشكل مستفز لمحامي عائلة الضحية". ويضيف الموقعون لهذه الرسالة أن «.... هذه الأساليب الترهيبية، تكشف المحاولات اليائسة لمنع عائلة المهدي بن بركة ومحاميه من مواصلة عملهم المضني والشاق الذي بدأ قبل 50 سنة، والبحث عن حقيقة وظروف وملابسات اختفاء الزعيم المغربي. وهذا يؤكد للأسف، تضيف الرسالة، الرغبة في مواصلة نفس سياسة التواطؤ مع السلطات المغربية حتى لا يظهر شيء عن هذه الجريمة الشنيعة التي وقعت في قلب باريس . وعبرت الرسالة عن التضامن والمساندة مع الأستاذ موريس بوتان وعائلة المهدي بن بركة، وأن لاشيء يمكن أن يوقف المعركة من أجل أن ينتصر الحق والعدالة.