في افتتاح أشغال المناظرة الدولية حول «دور البرلمانات و المجالس الاقتصادية والاجتماعية الإفريقية والمؤسسات المماثلة في مواجهة التحديات الجديدة للهجرة» نظم مجلس النواب، بشراكة مع المجلس الاقتصادي والبيئي ندوة هامة حول دور البرلمانات والمجالس الاقتصادية والاجتماعية والافريقية والمؤسسات المماثلة، في مواجهة التحديات الجديدة للهجرة . وقدعرفت الندوة التي استمرت ليوم كامل بمجلس النواب أمس الثلاثاء 30اكتوبر 2018 مشاركة مجموعة من الاسماء البارزة البرلمانية والحكومية والمؤسساتية، في مقدمتهم رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي ، ورئيس اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية والهيئات المماثلة بافريقيا، ونزار بركة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب. وقد توقفت الجلسة الافتتاحية عند مختلف الادوار البرلمانية والمؤسساتية الاقتصادية والاجتماعية الافريقية والمؤسسات المماثلة ، و التحديات الجديدة للهجرة وطرق مواجهتها ،سواء تعلق الامر في جانبها الاقتصادي او الاجتماعي او البيئي أو التشريعي او التدبيري، وتوزعت باقي الاشغال في الجلسة الثانية التي ترأسها سيبريا وكاصاما رئيس الاتحاد البرلماني الافريقي ورئيس الجمعية الوطنية لغينيا، وشارك فيها الخبير الدولي عبد الحميد الجمري وعبد العزيز بنزاكور رئيس مؤسسة الوسيط من المغرب والحاج مومار صامبي نائب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالكابون وبيران تيام السكرتير الدائم لمجلس العمل والحوار الاجتماعي بالاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب افريقيا ،ثم السيدة هيلينا سيليبي ليتونين رئيسة لجنة التتبع الاوروميد. و تداول المتدخلون قضية الهجرة وعلاقتها بحقوق الانسان ومختلف التطورات والتحولات التي وقعت في المجال بين الضفة الشمالية والجنوبية، واكدوا ،خصوصا الجانب الافريقي ،على اهمية ربط الهجرة بالانسنة تطبيقا لمختلف الاتفاقيات الموقعة في مجال حقوق الانسان. من جهته،أكد سيبريانو رئيس الاتحاد البرلماني الافريقي، أن التحولات التي وقعت في مجال الهجرة ينبغي ربطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من اجل حلول ناجعة وفاعلة في هذا المجال ومواكبة مختلف التحديات المطروحة في هذا الصدد. وتناول النقاش الذي تناوب عليه كل من عمر الفاسي الفهري وفرانشيسكو كونزاليس ديلينا الامين العام للجمعية الدولية للمجالس الاقتصادية والهيئات المماثلة لها ،الدور المنوط بكل من البرلمان والمجالس الاقتصادية والاجتماعية الافريقية والمؤسسات المماثلة في وضع خرائط تشريعية وتنموية لمواجهة التحديات الجديدة. السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي السيد الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة السيد رئيس اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية بإفريقيا السادة رؤساء البرلمانات الوطنية الإفريقية والمنظمات البرلمانية الإفريقية أو من يمثلهم السادة رؤساء المجالس الاقتصادية والاجتماعية والهيئات المماثلة السيدات والسادة ممثلي المنظمات الدولية الزميلات والزملاء البرلمانيين أصحاب السعادة السفراء السيدات والسادة الخبراء السيدات والسادة يطيب لي أن أرحب بكم على أرض المملكة المغربية شاكرا لَكُنَّ ولَكُمْ تلبية دعوتنا للمشاركة في هذه المناظرة الهامة التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، الذي نعرب لجلالته عن كامل التقدير وعظيم الامتنان على رعايته التي تعكس الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالته لقضايا الهجرة وحقوق المهاجرين خاصة في القارة الإفريقية. وإنني إذ أثمن تعاون المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ورئيسه، الصديق العزيز نزار بركة وكافة أعضائه وأمينه العام وأشكر اتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية بإفريقيا والمؤسسات المماثلة لها، لَأُشَدِّدُ على أن أهمية منتدانا هذا تزداد لأنه يجمع ممثلي السلطات التشريعية وممثلي ما أُسَمِيهِ السلطات الاستشارية التي تضطلع بدور أساسي في البناء الديمقراطي الذي تلعب الاستشارات المؤسساتية دورا هاما في ترسيخه وبِنَائِهِ على أساس التوافقات البَنَّاءة والايجابية. ولستُ أُبَالِغُ إذا قلتُ إن سعادةً كبرى تغمرني، وأنا ألتقي أشقَّاءَ وأصدقاءَ وزملاءَ يمثلون برلمانات ومجالس اقتصادية واجتماعية في البلدان الشقيقة والصديقة، وممثلين لمنظمات دولية، حول قضية تَتَصَدَّرُ اليوم الاهتمام الدولي وتُشَكِّلُ محور انشغال أصحاب القرار، والسلطات التشريعية والتنفيذية والرأي العام في مختلف القارات ؛ إنها قضية الهجرة. وعندما نلتقي في مناظرة دولية لنبحث ونناقش ونتبادل الرأي بشأن دور البرلمانات والمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة في اقتراح الحلول ورفع التحديات التي تفرضها هذه الظاهرة، فإننا نَفْعلُ ذلك لاقتناعِنا بأن عولمةَ الظاهرة وحِدَّةَ التحديات والمُعضِلات التي تطرحُها، تقتضي التفكيرَ الجماعي، الهادئ والموضوعي، قصد المساهمة بمُخرَجات ناجعةٍ، قابلةٍ للتنفيذ تُسْعِفُ في التخفيف من الظاهرة ومن انعكاساتها، وبالخصوص باقتراحات للنهوض بثقافةٍ جديدة، تشكل أسَاسَ سياساتٍ من أجل هجرة منظمة ومنتظمة. أود أن أؤكد لكم، ولَكُنَّ، أن هذا الهدَف هو الذي يَحْكُمُ سياسةَ المملكة المغربية في تَعَاطِيهَا مع ظاهرَتَيْ الهجرة واللجوء. ولَيْسَ اعْتِباطِيًّا أن تختار المجموعة الدولية بِلَادَنا لاحتضان المنتدى العالمي حول الهجرة واعتماد الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة منظمة ومنتظمة خلال شهر دجنبر المقبل. فبعد أن كان المغربُ بَلَدَ عبورٍ للمهاجرين أصبح أرضَ استقبالِ واستقرارِ عددٍ كبير من هؤلاء. وقد تَيَسَّرَ ذلك، على الخصوص بفضل سياسة الهجرة الجديدة التي أطلقها المغرب منذ أكثر من خمس سنوات، سياسةٌ شجاعةٌ وإٍرَادٍيَّة تستحضرُ بِالإضافة إلى البعد الحقوقي والإنساني، بُعْدَ الأُخُوَّةِ وواجب التضامن واعتبار الهجرة ظاهرةَ إِثْرَاءٍ وتَمازُجٍ وتلاقحٍ، سياسةٌ تتوخى الإدماجَ وتمكينَ المهاجرين من حقوقهم الاجتماعية الأساسية. وإذ تقوم بلادُنا بذلك، على الرغم من محدودية مواردها وإمكانياتها، فإنها تَفْعَلُ وفاءً وتجسيداً لتقاليدَ مغربيةٍ عريقةٍ في مجال الاستقبال والإدماج والتعايش. ويمكن اعتبار سَنَتَيْ 2017 و2018 عَامَيْ الهجرة في المغرب بامتياز. إذ تميزَتَا باختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من طرف الاتحاد الإفريقي رائدًا للاتحاد في مجال الهجرة في إفريقيا. وفي ذلك، بدون شك، تقديرٌ لسياسة المغرب في مجال الهجرة واللجوء والإدماج التي حرص جلالتُه على إطلاقها ويحرصُ على تنفيذها، وتقديرٌ أيضا لمقاربة ورؤية جلالته للظاهرة، فِيمَا سيلتئِمُ مُمَثِّلُو المجموعة الدولية بمراكش لإقرار أوسع ميثاق عالمي حول الهجرة. السيدات والسادة الرؤساء، السيدات والسادة، إذا كانت الهجرة تتصدر النقاش السياسي العمومي في البلدان الأصلية كما في بلدان الاستقبال، حيثُ تَضَعُ العديدُ من القوى السياسية هذا الموضوع في صدارة أَجَنْداتِها وبرامجها الانتخابية، فإن بعضَ التيارات، كما بعضُ الحكومات حَوَّلت الهجرة والمهاجرين إلى مَشْجَبٍ تُعلّقُ عليه الأزماتُ والمُعْضِلَاتُ التي تواجهها بعض المجتمعات. هكذا مع كامل الأسف، تحولت الهجرة من حركة إنسانية، ومن دينامية تفاعل وتَلَاقُح وتواصل تُثري المبادلات البشرية وحركاتِ إِخْصَابٍ للمبادلاتِ والثقافاتِ وتجسيرٍ للعلاقات بين المجموعات البشرية، إلى شماعة تُعَلَّقُ عليها مختلف مشاكل بلدان الاستقبال والتحديات التي تواجهها. فعلى نَحْوٍ خاطئٍ تُقْرَنُ الهجرةُ بالتحدي الأمني وبالإرهاب، وباستفحال البطالة وارتفاع حجم الإنفاق العمومي على الخدمات الاجتماعية. والأخطرُ من كل هذا هو توظيف الهجرة، القانونية كما غير القانونية، لاسْتِجْداءِ أصوات الناخبين إِذْ أصبح المهاجرون بمثابة فَزَّاعَةٍ حضارية وهُوِّياتِيةٍ تُوظَّفُ سياسيا وانتخابيا لربح الأصوات من خلال خطاب انطوائي يفضل الانغلاق والتعصب، ويُمَجِّد كراهية الأجانب، وتَكُونُ مَطِّيَةً لاسْتِصْدارِ التشريعات التي تَحُدُّ من تَنَقُّلاَتِ البشر، خاصة في سياقٍ مطبوعٍ بمخاطر الإرهاب والتطرف. إننا بصدد إعادة تشكيل ثقافة التحرر والتعايش، إن لم نقل بِصَدَد تراجع عن هذه الثقافة التي شكلت أَسَاسَ الديمقراطيات المعاصرة بكل حُمُولَاتها المؤسساتية والقَيْمِيَة وبكل مكاسَبها الإنسانية والحقوقية. ويُضْمِرُ ازدهارُ الخطابات العنصرية المناهضة للأجانب في عدد من البلدان العريقة في الديمقراطية والقوية اقتصاديا، نزُوعاً إلى رفض الآخر، وذلك في تناقض صارخٍ مع السياق الدولي ومع المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الدولية المبنية على الانفتاح. ففيما يشكل إغلاق الحدود في وجه المهاجرين مُكَوِّنًا أساسيا في البرامج السياسية لبعض القوى السياسية تشكل أسواق البلدان الأصلية لهؤلاء المهاجرين ومواردها الأولية هدفاً سياسيا مشتركا للحكومات والقوى السياسية المتنافسة وجماعات الضغط. إنها مفارقةٌ غريبةٌ بين الدعوة إلى حرية المبادلات التجارية المطلقة من جهة، وإغلاق الحدود في وجه التنقلات البشرية، من جهة أخرى. في المقابل نَعتقدُ جازِمينَ ومُقْتنعين بأن وقف التدفقات الهِجْرَوية لن يكونَ من خلال بناء الجدران وإغلاق الحدود، ولكن بالحوار والتعاون وبالتصدي لجذورِها وأسبابها. فالمهاجرون الذين يغامرون بحياتهم، إنما يقومون بذلك مدفوعين بالحاجة الماسة، الحاجة إلى الشغل الضامن للكرامة، أو الحاجة إلى الأمن الذي افتقدوه جراء النزاعات الداخلية أو العابرة للحدود، أو جراء انهيار الدولة وسيادة الفوضى، أو الحاجة إلى تأمين الغذاء بعد أن أَتْلَفَ الجفافُ أو الفيضاناتُ أراضيهم الزراعية ومَصْدَرَ أرزاقهم. في مواجهة هذه التحديات، تقع على البرلمانات والمنظمات البرلمانية المتعددة الأطراف، وعلى المجالس الاقتصادية والاجتماعية مسؤوليةٌ كبرى في التَّرَافُعِ من أجل اسْتِتْبَابِ السلم والاستقرار والأمن وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، ومن أجل العدالة المناخية للجميع، وخاصة لإفريقيا التي تؤدي ثَمَنَ اختلالاتٍ مناخية ليست دُوَلُها وشعوبُها بمَسْؤولةٍ عنها، خاصة من خلال المطالبة المُلِحَّة بضرورة وفاءَ المجموعة الدولية بالتزاماتها في قِمَّتَيْ المناخ في باريس 2015 ومراكش 2016. بالموازاة مع ذلك ينبغي العمل على تصحيح التَمَثُّلاتِ الخاطئة للهجرة، وتوسيعِ دائرة المدافعين عن إيجابياتِ الهجرة وفوائدِها وقِيَمِها المضافة، من دولٍ وتنظيماتٍ سياسيةٍ واجتماعية وحركاتٍ مدنية، وصُنَّاعِ الرأي العام. فالمهاجرون، عكس الصورة النمطية التي تُعْطَى عنهم، بعد أن ساهموا في الماضي في بناء اقتصادات بلدان الاستقبال، يساهمون اليوم في رَخائِهَا وازدهارها، ومنهم كفاءاتٌ علميةٌ وتكنولوجيةٌ، وأدمغةٌ، وأهلُ ابتكارٍ، وَهُمْ سواعدُ في المعامل والاستغلاليات الزراعية، وفي عديد من الحالات، سواعدُ في أعمال لا يقوم بها مواطنو بلدان الاستقبال، إنهم علاماتُ نجاحٍ دراسيٍ وعلميٍ وفني ورياضي وثقافي وإنتاجي. إن الأمر يتعلق بقوى عاملة، وبِطَاقَاتٍ فكريةٍ وعلميةٍ، مما يتطلب الكَفَّ عن الخلط بين الهجرة من جهة، والإرهاب والعنف والتطرف من جهة أخرى. وهذا تحدي مركزي علينا العمل على رفعه. السيدات والسادة ننتمي إلى قارة تكتسي رهانات الهجرة بالنسبة إلى بلدانها أهمية خاصة على الرغم من أن إفريقيا لا تشكل إلا نسبة ضعيفة من مصادر الهجرة إلى قارات أخرى. وكما أوضح ذلك جلالة الملك محمد السادس في رسالته إلى القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي- الاتحاد الأوروبي المنعقدة يوم 29 نونبر 2017 بأبيدجان فإن «الهجرة الإفريقية لا تتم بين القارات في غالب الأحيان. فهي تقوم قبل كل شيء داخل البلدان الإفريقية إذ أنه من أصل 5 أفارقة مهاجرين، أربعة منهم يبقون في إفريقيا. والهجرة غير الشرعية لا تشكل النسبة الكبرى، فهي تمثل 20% فقط من الحجم الإجمالي للهجرة الدولية، والهجرة لا تسبب الفقر لدول الاستقبال لأن 85% من عائدات الهجرة تُصرف داخل هذه الدول» (انتهى كلام جلالة الملك). ومع ذلك، فإن إفريقيا في حاجة إلى تثمين مواردها البشرية، وإلى توفير كافة أسباب نجاح الصعود الإفريقي والاستغلال الأمثل لثرواتِها، وتَيْسِير حركية بشرية مفيدة لبلدانها، والحفاظ على طاقاتها العلمية وكفاءاتها، والتفكير جيداً في كُلْفَةِ الهَدرِ والخسائر التي تتسبب فيها هجرة الأدمغة الإفريقية خارج القارة. وفي هذا الموضوع، أيضا فإن المسؤولية مشتركة بين أعضاء المجموعة الدولية من أجل تحويل التكنولوجيا، وتوطين الاستثمارات ورؤوس الأموال وفق منطق رابح-رابح الذي ما فتئ جلالة الملك يدعو إليه. فبعد تَخَلَّصَتْ إفريقيا من عدد من المعضلات التي واجَهَتْهَا في عقود سابقةٍ، وفي سياق الانتقالات الديمقراطية، ينبغي اليوم توفير أسباب التنمية المنتجة للشغل الضَّامِنِ للكرامة. وهذا تَحَدِّي مركزي مطروحٌ علينا رَفْعُه كأفارقة بالأساس، ولكن بدعم دولي حاسم. ومن حسن الحظ أن ثمةَ من أعضاءِ المجموعة الدولية مِمَّنْ يُقدر ظروف المهاجرين ويُقَارِبُ الهجرة وفق منظورٍ إنسانيٍ موضوعيٍ تاريخيٍ وبسياساتٍ مُدْمِجَةٍ. فعددٌ من بلدان الاتحاد الأروبي، على قِلَّتِها، أبَانت، مثلا خلال أزمات النزوح الكبرى من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخاصة من سوريا، خلال السنوات الأخيرة عن حكمة وتَعَقُّلٍ قَلَّمَا نَشْهده في السياق الدولي الراهن. وقد تميزت ألمانيا، التي تترأس إلى جانب المغرب المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، باعتماد سياسات دامجة وإعمال مقاربات إنسانية جعلتها، إلى جانب قوى أوربية أساسية أخرى، مَحَطَّ تقديرِ الرأي العام الدولي. السيدات والسادة الرؤساء، السيدات والسادة، إن مقاربةً موضوعيةً وواقعيةً لظاهرةِ الهجرة لا ينبغي أن تُغْفِلَ وألا تُدْمِج في التحليل عدة عوامل، منها وجود طلب على اليد العاملة في بلدان الاستقبال، طلبٌ تتم تلبيته في أحيانَ عديدة بشكل غير منظم بل وغير قانوني مما يترك المهاجرين عُرضةً للاستغلال دون حقوق اجتماعية أساسية. ومنها التداخل بين الهجرة غير القانونية وأشكال أخرى من الجريمة غير المنظمة كالإرهاب، والاتجار في البشر، وفي المخدرات، مما يشكل تَعَدِّياً جسيما على حقوق المهاجرين. وإزاء كل هذا، لن يكون إغلاق الحدود، بالتأكيد هو الحل، بل ينبغي التفكير في تنظيم الهجرة وتسوية أوضاع المهاجرين وضمان حقوقهم الأساسية. وعلى المجموعة الدولية أن تعمل بجد من أجل التصدي لجذور الهجرة وأسبابها. وفي هذا الصدد ينبغي الوفاء بالالتزامات المتفق عليها في باريس Cop 21 ومراكش Cop 22. ومن جهة أخرى يتعين على المجموعة الدولية وضع وتنفيذ خطة عاجلة لتنمية إفريقيا بما يُطْلِقُ ديناميات اقتصادية واجتماعية تدمج الشباب الإفريقي المتطلع الى حياة أفضل. وبالموازاة مع ذلك، يتعين التصدي للأوضاع التي تعاني منها بعض بلدان جنوب وشرق حوض المتوسط حيث يدفع انهيار الدولة أو الطائفية والحروب الأهلية وسيادة الفوضى مئات الآلاف من البشر إلى الهجرة واللجوء. وعلى صعيد آخر ينبغي إقرار حد أدنى من التنسيق والتضامن بين البلدان التي هي مجالات عبور الهجرة وخاصة بين بلدان الضفة الجنوبية لخوص المتوسط من أجل إِعْمَالِ سياسات ومقاربات اجتماعية وإنسانية في التعاطي مع الظاهرة والتصدي لعصابات الاتجار في البشر وباقي أنواع الجريمة المنظمة. وينبغي على مستوى قارتِنا تسريعُ وثيرة التنمية والتخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية، ومحاربة التهميش، والاقصاء، وترسيخ دولة المؤسسات والديمقراطية وتيسير تسوية النزاعات. ذلكم أن البناء الديمقراطي يعد واحدا من الشروط الأساسية للإدماج والتماسك الاجتماعي وبالتالي للتخفيف من الهجرة. وعلينا ان ندرك جيدا هذه العلاقة الجدلية بين هذا البناء وتلك الظاهرة. وعلينا أن ندرك دوما أن الأمن والاستقرار هما من شروط ومن مستلزمات الديموقراطية ووقف النزوح. السيدات والسادة، نَعتبر هذا اللقاء واحداً من محطاتِ التفكير التحضيرية، للمنتدى العالمي حول الهجرة التي تنظمه الأممالمتحدة وتحتضنه المملكة المغربية بمراكش بعد حوالي شهر والذي سَيَسْبِقُهُ لقاءٌ برلماني دولي سيحتضنه البرلمان المغربي بتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي حول نفس الموضوع. وخير ما نأمله هو أن تكون قمة مراكش محطةً فاصلةً في التعاطي مع الهجرة وإشكالياتها، نحو مقاربة منفتحة تحررية تضامنية. وكما كانت مراكش في 1994 الأرض التي شهدت قيام منظمة التجارة العالمية، والتأسيس لحرية التجارة العالمية ولحرية المبادلات كما نعيشها اليوم، فإن الْأَمَلَ هو أن يتم خلال دجنبر 2018 في مراكش اعتمادُ ميثاقٍ عالمي حول الهجرة، يُدْمِجُ الأبعاد الإنسانية والتضامنية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية ويؤسسُ لمنظور جديد ولمنهجية جديدة والثقافةٍ جديدة في معالجتها.