تنفيذا للشعار الذي اختارته هذه السنة وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي « مدرسة المواطنة « انطلقت خلال شهر الشهر الجاري الدورات التكوينية التي تنظمها الوزارة ، والتي ستمتد إلى غاية 29 شتنبر 2018 حول مشروع تعزيز التسامح، والسلوك المدني، والمواطنة، والوقاية من السلوكات المشينة بالوسط المدرسي ، بحضور مجموعة من نساء ورجال التربية والتكوين ، الذين تم اختيارهم كمنسقين للحياة المدرسية على مستوى المؤسسات التعليمية لدعم كفاياتهم للعمل من أجل تعزيز القيم الإيجابية لدى المتعلمين . المشروع ثمرة شراكة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والرابطة المحمدية للعلماء وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، الذي يهدف إلى التفعيل الأمثل للأندية التربوية وخاصة أندية المواطنة وحقوق الإنسان، وتزويدها بوسائل العمل الضرورية وتوفير الظروف الملائمة لتنشيطها، بغية تعزيز السلوك المدني والمواطنة لدى التلميذات والتلاميذ.وتجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع سيتم تنفيذه بالتدرج على مدى أربع سنوات (2018-2022) ، في حوالي 3000 مؤسسة تعليمية ثانوية إعدادية وتأهيلية، وستتم تغطية 200 مؤسسة تعليمية كمرحة أولى سنة 2018. الانشغال بسؤال المواطنة و السلوك المدني بالوسط المدرسي ، سبق أن فتح له المجلس الأعلى للتعليم فرصة للنقاش الرصين بمساهمة ثلة من الباحثين و الأكاديميين توج بإصدار للمجلس حمل عنوان : «المدرسة المغربية و التربية على القيم في مجتمع قيد التحول «. إذ يعتبر المجلس الأعلى للتعليم أن التجليات الكبرى للتحول الذي تعرفه بلادنا يدعو إلى اعتماد تعاقد مجتمعي جديد يجسده دستور 2011 ، والذي أتى بمنظومة متكاملة من القيم المشتركة و المتقاسمة تجمع بين مفاهيم الهوية و الانتماء ، و الحرية و الحق ، والعدل و المساواة و الواجب ….إلخ ، وذلك في انفتاح على القيم الكونية . و هو يلقي على عاتق المدرسة بوصفها إحدى أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية و التربية على القيم ، مسؤولية مواكبة هذا التحول عبر فتح نقاش متعدد حول موضوع القيم ، من شأنه أن يفضي إلى تعاقد حول القيم المتقاسمة التي يتعين على مدرسة مغرب الحاضر و المستقبل تنشئة الأجيال عليها و تربية المواطن على فضائلها … إن المدرسة مدعوة، قبل غيرها ، لأن تكون منفتحة باستمرار على محيطها باعتماد نهج تربوي قوامه جعل المجتمع في صلب اهتماماتها ، بما يعود بالنفع على أمتنا عامة و شبابنا بصفة خاصة . و هو ما يتطلب دعم تفاعلها مع المجالات المجتمعية و الثقافية و الاقتصادية. فالمنظومة التربوية أصبحت «على جانب كبير من التعقيد ، بحيث تعددت أبعادها و مؤسساتها ، فهي تشمل – إلى جانب الأسرة و المدرسة – وسائل الإعلام بجميع أنواعها التي باتت تشكل مصدرا هاما تستقي منه القيم و نماذج التصرف و السلوك ، و تملك سلطانا قويا على تشكيل العقول و النفسيات « و بالتالي ، فالمدرسة « لا يمكن فهمها كنواة مستقلة يعني كتنظيم خاص مغلق على ذاته بل باعتبارها بنية مرتبطة بمحيطها ، تتفاعل معه و تؤثر فيه و تتأثر به» بمقتضى هذه المقاربة الشمولية الجديدة ، فإن المدرسة بإمكانها «استرجاع الثقة في المدرسة المغربية و تمكين البلاد من مدرسة متصالحة مع مجتمعها مؤهلة و مندمجة في بيئتها و فاعلة في معركة التنمية البشرية « .. فما هي الصعوبات و التحديات التي توج بها المجلس الأعلى للتعليم مجال تفكيره في سؤال المواطنة و القيم ضمن مجتمع قيد التحول ؟ ! .. ضمن هذا الإسهام يستعرض الباحثان عبد الإلاه مرتبط و الحبيب استاتي في دراسة قيمة – ضمن إصدار المجلس الأعلى للتعليم – التجليات و التحديات المرتبطة بالمدرسة المغربية و مطلب ترسيخ المواطنة و السلوك المدني ومنها : المدرسة و مطلب ترسيخ قيم المواطنة و السلوك المدني .. الإفصاح عن النوايا الحسنة ، سواء من خلال الخطابات الرسمية أو البرامج الدراسية كما رأينا ، ليس كافيا لتكوين التلميذ – المواطن ، يؤكد الباحث السويسري فيليب بيرنو Phillipe Perrenoud في ذات السياق ، أن «التربية على المواطنة لا تختزل في حصة زمنية ، بل إن تكوين المواطن في المدرسة يكمن في قلب المعارف « ، كما يقر بأنه ينبغي خلق وضعيات تيسر تعلما حقيقيا ، و تكسب وعيا ، و تبني قيما و هوية أخلاقية و مدنية ، و يضيف كذلك أن تحقيق هذا المبتغى « يتم من خلال المنهاج ، سواء كان ذلك ظاهرا أو خفيا ، فكيف نتقي العنف في المجتمع إذا كنا نتساهل معه في المدرسة ؟ … كيف نرسخ الاحترام بدون تجسيده يوميا «.إن نجاح المؤسسة التعليمية في تربية التلميذ – المواطن على قيم المواطنة و السلوك المدني رهين بتذليل مجموعة من الصعوبات منها : إشكالية اختيار الطرائق البيداغوجية الملائمة .. يستوجب مطلب ترسيخ قيم المواطنة و السلوك المدني إدراك المتعلم للحقوق التي يتمتع بها و للواجبات التي ينبغي الالتزام باحترامها باعتبار أن هذين العنصرين ضروريان لتنظيم العيش داخل المجتمع لا غاية في حد ذاتهما . فالقاعدة القانونية مثلا ، لا يجب أن يشكل فيها إقرار الإلزام و الجزاء هو مبتغى العملية التعليمية ؟، و لكن ينبغي الاقتناع بضرورة وجودها و الإشارة إلى سبل المشاركة في صياغتها و إمكانية اقتراح تعديلها أو تحسينها . يتعين لأجل تكوين التلميذ على ذلك خلق علاقة تقارب و انسجام بين المعرفة و فعل التعلم ذاته ، و هذا معناه توظيف الطرق الفعالة التي تحترم المتعلم و تبني معارفه و تطور مهاراته و كفاياته ، مع الأخذ بعين الاعتبار ما اكتسبه من تجارب سابقة سواء داخل المدرسة أو غيرها .إن الاقناع يستلزم تعويد التلميذ على التساؤل و المناقشة ، و ذلك لكون تبادل الرأي و الإنصات إلى الآخر يعتبر جسرا لترسيخ قيم الديمقراطية في حياة المتعلم و سلوكه ، من حيث كونه موطنا للمستقبل . صعوبة انخراط مختلف الفاعلين و الشركاء إن القول بضرورة انفتاح المدرسة على محيطها ، لا يعني البتة أن المدرسة معنية لوحدها بالانفتاح على المحيط الذي تتواجد فيه ، لكن حري بهذا الوسط أيضا أن يمد العون إلى المدرسة و يحتضنها . و قد تجد هذه الفكرة حجيتها في كون أناس كثر يعتقدون أن تكوين و تربية مواطن مسؤول شأن خالص للمدرسة . لكن إلى أي حد يصح هذا الاعتقاد بدون تضافر جهود مختلف الشركاء و الفاعلين ، و في مقدمتهم الأسرة و التلميذ نفسه ؟ تؤكد كل الدراسات و الأبحاث التربوية أن الأسرة تعد طرفا رئيسيا ، إلى جانب المدرسة في تعليم الأبناء و تربيتهم على القيم ، لذلك ينبغي تفعيل عملية التواصل معها داخل المؤسسات التعليمية ، في إطار يطبعه الحوار و التشاور لا الندية و المجابهة . بالإضافة إلى أطراف أخرى كجمعيات المجتمع المدني ذات الطابع المحلي أو الجهوي ، و كذا الجماعات المحلية و الإدارات العمومية . عن هذه الأطراف كل من موقعه ، يجب أن تسهم في ربط جسور التواصل بينها و بين المؤسسة التعليمية لأن مهمة إعداد مواطن مسؤول هي مسؤولية الجميع أفرادا و جماعات و مؤسسات من منطلق أن نجاح شعار «مدرسة للجميع « لا يستقيم إلا بانخراط الجميع . غياب رؤية شمولية إزاء صياغة «مشروع قيمي « للمؤسسة التعليمية يرى فيليب ميريه PHillipe Meirieu أن صلاحية أي نموذج تربوي أو بيداغوجي يقوم على ثلاثة عناصر مترابطة ، بداء بصلاحية المشروع الأخلاقي الذي تستوحي منه ( ما نريد أن يكونه المتعلم ) ثم تطابقه ثانيا أو على الأقل عدم تناقضه مع إنجازات العلوم الإنسانية ( ما نعرفه عن الإنسان ) و ثالث هذه العناصر خصوبة طريقة هذا المشروع الأخلاقي ( ما توفره لكي يتغير المتعلم وفق ما نريده ) ..قد لا يجدي نفعا الاكتفاء بتغيير البرامج و المضامين الدراسية و تطوير المقاربات البيداغوجية ، إذا لم تؤسس الدولة – متمثلة في الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية – مشروعا أخلاقيا يستجيب لمتطلبات المواطنين سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. لذلك فغموض غايات و مرامي و أهداف التعليم العمومي المغربي ، أو بالأحرى عدو وضوح السياسة التعليمية بالمغرب قد يستعصي معه وضع مشروع دقيق يحمل الإجابة عن أسئلة ، قابلة للتغيير حسب الزمان و المكان و الثقافة السائدة و الاختيارات الاجتماعية الكبرى للبلد و هي من قبيل : من نحن ؟ ماذا نريد ؟ كيف نعيش مجتمعين ؟ كيف سيكون أطفالنا مستقبلا ؟ كما يحدد من نعطيه ولاءنا ؟ كيف نتفاعل مع باقي المواطنين و ننفتح على الثقافات الأخرى ؟ هذه الصعوبات على اقتضابها ، تفصح عن التحديات المطروحة أمام كل المتدخلين ، و خصوصا منهم المسؤولين عن قطاع التربية و التكوين بالمغرب لأجل تجاوز « أزمة الثقة « بين المدرسة و المحيط . و لعل غياب التجهيزات و اللوازم الضرورية ( سواء منها البيداغوجية أو الإدارية ) داخل المؤسسة التعليمية ، و عدم وضوح الأهداف المراد تحقيقها من المنهاج الدراسي على المستوى القيمي و الأخلاقي بشكل خاص . بالإضافة إلى انتشار العنف و عدم احترام الآخر ، و تكاثر عدد العاطلين ، هي جزء من التحديات التي تستلزم ضرورة إيجاد السبل القيمة للارتقاء بجودة المدرسة كميا و كيفيا حتى تكون كما أرادها الميثاق الوطني للتربية و التكوين أن تكون مدرسة مفعمة بالحياة ، بفضل نهج و تربوي نشيط ، يتجاوز التلقي السلبي للعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي ، و القدرة على الحوار و المشاركة في الاجتهاد الجماعي، مدرسة مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة ، و الخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن ، مما يتطلب نسج علاقات جديد بين المدرسة و فضائها و المجتمعي و الثقافي و الاقتصادي.