للأستاذ عبد النبي الجراري فضل كبير في تطعيم المشهد الغنائي الموسيقي بنجوم منحوا الإضافة لأغنيتنا، وأكسبوها بريقا خارج الحدود، ومن هؤلاء نذكر عزيزة جلال ذات الصوت الآسر. في منتصف السبعينات قدمت من مدينة مكناس طالبة بالتعليم الثانوي التأهيلي تدعى (عزيزة جلال) إلى الرباط قصد المشاركة في البرنامج الخالد (مواهب)، فقدمت قطعة شرقية لإحدى مطربات مصر، وفي مشاركتها الثانية، وبتوجيه من الأستاذ الجراري، غنت قطعة (ليالي الأنس) لاسمهان، فانكشفت مكامن السحر والجمال في صوتها، مما شجعه أن يلحن لها – كعادته مع المبتدئين – أغنية وطنية تحت عنوان (عيد الحرية)، فتهافت عليها كبار الملحنين المغاربة. أمثال احمد البيضاوي، عبد القادر الراشدي، عبد العاطي آمنا، حسن القدميري، احمد عواطف وغيرهم ثم طارت بصوتها إلى مصر لتتألق وهي تشدو بألحان لأسماء وازنة (والتقينا) و(الزمزمية) و(من أنا) و(زي ما أنا) لرياض السنباطي، و(الأول ما تقابلنا) و(تخاصمني حبة) لمحمد الموجي و(من حقك تعاتبني) و(روحي فيك) لكمال الطويل، و(منك وإليك) لحلمي بكر و(يا لله – بينا) لسيد مكاوي، وأما بليغ حمدي فلحن لها قطعة جميلة تحت عنوان (حرمت الحب – علي) كما أهداها لحنا قمة في الإبداع والطرب (مستنياك)، وها هن كبار مغنيات العالم العربي اليوم يرددن هذه الأغنية في الحفلات العامة. لقد صدقت إذن نبوءة الأستاذ عبد النبي الجراري في هذا الصوت، إنه تنبأ بأن عزيزة -جلال سيكون لها شأن كبير في عالم الطرب، بل إنه اعتبرها معجزة غنائية نادرة، وقد أبدى رأيه هذا في مقال نشرته جريدة الأنباء بتاريخ (15 مارس 1975). باللهجة المغربية أو باللهجة المصرية، صوت عزيزة جلال ساحر وآسر، يشدك ويأخذك، ينثر في داخلك ذرات وذرات من المتعة والجمال، وحتى باللهجة الخليجية، حبذا لو تسمعونها تغني (سيدي يا سيد ساداتي) و(ياغزيل) للمطرب الإماراتي جابر جاسم. في سنة 1985، اعتزلت عزيزة جلال الميدان الفني، ولكن أغانيها ستظل حية في مسامعنا، نرددها هروبا من زمننا هذا الموبوء بالرداءة والميوعة، وعندما نذكر عزيزة – جلال نستحضر الأستاذ عبد النبي الجراري مكتشفها والذي أبرز معدن صوتها، فأين في عصرنا مثل هذا الرجل في بحثه وعطائه وتضحياته؟ وأين في برامجنا اليوم مثل برنامجه (مواهب)؟ هو زمن مضى برجاله، بفنه وبإعلامه.