تقع المدرسة اليوم في قلب المشروع المجتمعي لبلدنا – اعتبارا للأدوار التي عليها النهوض بها في تكوين مواطنات ومواطني الغد وفي تحقيق التنمية البشرية المستدامة وضمان الحق في التربية للجميع – بهذه الأهداف الكبرى صاغت لنا الوثيقة الإصلاحية الجديدة لمنظومة التربية والتكوين المعروفة تحت اسم :»الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015_2030»وظائف المدرسة المغربية الجديدة من اجل تحقيق الإنصاف والجودة والارتقاء وذالك عبر رافعات ترتقي بالفرد والمجتمع من قبيل : – ترسيخ مجتمع المواطنة و الديمقراطية والمساواة. – تقوية الاندماج السوسيو ثقافي. – الانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة. – تامين التعلم مدى الحياة. – ملائمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل . هكذا جاءت هذه الوثيقة الإصلاحية ضمن سياق شامل يهم الإصلاحات الكبرى التي يعرفها المغرب في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ,كما يهم الحياة المجتمعية بكل أبعادها مما يطرح على المتتبع للشأن العام والشأن التربوي خاصة القيام بوقفة تأملية من اجل فهم وتلمس إستراتيجية الإصلاح التربوي ووسائل تحقيقها. فإلى جانب الأهداف القوية التي يحملها المشروع الإصلاحي للمنظومة ,غيران هناك على ارض الواقع اختلالات ومعيقات وإشكالات على مستويات مختلفة متفاعلة فيما بينها مما يضفي عليها طابع التعقيد والتركيب ويمكن إجمال هذه الاختلالات و الإشكالات في ارتفاع معدلات التسرب و الهذر المدرسيين – غياب فلسفة تربوية للتكوين وإعادة التكوين – إشكالية ضعف التمويل وقلة الموارد البشرية – تعثر إرساء آليات اللامركزية و اللا تركيز ضعف التمكن من اللغات و الكفايات و القيم – محدودية نجاعة أداء الفاعلين التربويين – محدودية المقاربات البيداغوجية وعدم إصلاح نظام التقييم والامتحانات – ضعف وتيرة محو الأمية الهجائية والوظيفية – عجز المنظومة التربوية في إنتاج المهارات والكفاءات الفنية والمهنية المطلوبة في سوق الشغل وبالتالي فالصلة ضعيفة بين التعليم وبين النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل وتخفيض أعداد الفقراء .(تقرير التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) إن من مكونات مجال الإصلاح سواء كانت متعلقة بالإصلاح البيداغوجي أو مراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية أو تعزيز وتحسين تعلم اللغات أو التقويم التربوي والتوجيه ونظام الامتحانات هي من طبيعة تفرض السيرورة الحية والمتغيرة لتجدرها في واقع متحرك ولاعتمادها على شبكة من العلاقات علاقات داخل بنية مادية أو عبر علاقات إنسانية تحمل كل ثقلها الاجتماعي والثقافي . لذا فان ارتباط مجال الإصلاح التربوي و البيداغوجي بمفهوم الجودة الذي تتوخاه المدرسة المغربية هو ارتباط أصبح متداولا إلى أن بدا شرطا ضروريا لا يمكن إلا أن يؤكد أهمية وضرورة العمل البيداغوجي الجيد النوعية : فالمناهج الجيدة تقتضي فضاءات جيدة وأطرا مؤهلة جيدا ودعامات بيداغوجية جيدة وتدبيرا جيدا ومحيطا جيدا والجودة كطبيعة أصلية للتكوين والتربية تبقى رهان الجميع وغايته الأساسية في ميدان التعليم . واستعدادا للموسم الدراسي المقبل 2018/2019 , وسيرا على نهج « السلف الوزاري السابق , وهديا بمخطط الطريق و «تنزيلا» للوثيقة الإستراتيجية السالفة الذكر , كشفت وزارة التربية الوطنية عن عدد من اوراش الإصلاح المقبلة من قبيل : -إصلاح البرامج والأساليب البيداغوجية . -تعميم تحدي القراءة وتطوير التعلمات في المواد العلمية كالرياضيات. -مراجعة للكتب المدرسية بدءا من المستويات الأولى ابتدائي . -إصلاح نظام البكالوريا ومراجعة شعبها . -تكوين المدرسين وانتقائهم عبر مباراة مع التكوين المستمر للموجودين في المنظومة , مذكرة أن الطاقم التدريسي سيتجدد بنحو 80% بحلول سنة 2030 و تعهد السيد وزير التربية الوطنية بأنه سيعمل على محاربة اكتظاظ الأقسام بمختلف مناطق المملكة وذالك باعتماد 30 تلميذا كحد أقصى في السنتين الأولى والثانية ابتدائي و36 تلميذا كحد أقصى بباقي المستويات . هل سيعرف موسم 2018/2019 الشروع في تنفيذ بنود وثيقة الإصلاح الشامل للمنظومة التربوية أو على الأقل تفعيل مسلسل الإصلاح الانتقائي في المجال البيداغوجي و في توسيع وترسيخ نهج اللامركزية و اللا تركيز خصوصا بعدما جاء الخطاب الملكي الأخير وحذر من بطء الإصلاح ووعد بالتعجيل في استكمال اوراش الإصلاح الخاصة بمنظومة التربية والتكوين ومشروع الجهوية الموسعة .؟ هل ستنجح الوزارة الوصية في تحقيق ما وعدت به أخيرا ؟ وهل وفرت الإمكانات اللازمة لتحقيق تعليم منصف جيد قادر على أن يرتقي بالفرد والمجتمع ؟ وهل وضعت خططا استعجالية لمعالجة أي فجوات في الإعداد والإشراف والانجاز والتقييم ؟ ماذا عن الاكتظاظ ؟ ماذا عن الخصاص في الموارد البشرية والرفع من جودة عمل الفاعلين التربويين وتجديد مهن التدريس ؟ ماذا عن الإصلاح البيداغوجي النموذجي تنوعا وانفتاحا و نجاعة وابتكارا ؟ ماذا عن الحكامة وتدبير المنظومة؟ماذا عن تطوير تدريس اللغات والتدريس بها ؟ هل يحارب الاكتظاظ بالمذكرات ام بتوفير التمويل ؟ تؤكد البيداغوجيا الحديثة عن أهمية ومركزية المتعلم في العملية التعليمية -التعلمية ودون إهمال دور المدرس كفاعل ومنشط وموجه للفعل التربوي إلا انه في ظل الاكتظاظ يكون من المستحيل إقامة تواصل ايجابي بين المربي والمتعلم بل يمكن اعتبار الاكتظاظ وصمة عار على جبين مدرسة اليوم والغد والتي تهدف من بين ما تهدف إليه احتضان المتعلم ومساعدته على نموه المعرفي والذهني والنفسي والبدني ….. إن الاكتظاظ يجعل المدرس مضطرا إلى تعديل الطرق البيداغوجية المطورة والمنمية للكفايات الذاتية للمتعلم ويكتفي بتقنية الحشو والتلقين والإلقاء. ولمعالجة هذه الظاهرة المشينة تربويا قام الوزير المقال المكلف بالتعليم سابقا –حصاد- باستصدار مذكرة وزارية تحت رقم 472/17 في موضوع الإجراءات والترتيبات الخاصة بالدخول المدرسي 2017/2018 تحث على أن لا يتعدى عدد التلاميذ بالقسم 40 تلميذا كحد أقصى بالثانوي الإعدادي و ألتأهيلي وان لا يتعدى 30 تلميذا بالسنة الأولى ابتدائي .هذا الإجراء «الورقي» لم تواكبه إجراءات مادية وموارد كافية مالية وبشرية غير مقترحات وتوصيات بتمديد ساعات العمل واستمرار الدراسة من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء دون انقطاع – اكتظاظ زمني – ومع ذالك لم يحل هذا العنف الزمني مشكلة الاكتظاظ بل استمر في غزوه للمؤسسات الخصوصية والعمومية وكذا الأقسام والقاعات سواء في المجال الحضري أو القروي . واليوم عادت وزارة – امزازي – لتتعهد ومن جديد بمحاربة اكتظاظ الأقسام بمختلف مناطق المملكة عبر احترام معدل 30 تلميذا كحد أقصى بالسنتين الأولى والثانية ابتدائي و 36 تلميذا بالقسم كحد أقصى بباقي المستويات , ولتحقيق هذا المبتغى التربوي طالبت الوزارة بالعمل على : – تسريع وتيرة انجاز مشاريع الإحداثيات والمؤسسات المبرمجة لبدا الاشتغال. – تسوية وضعية المشاريع المتوقفة. – الاستغلال الأمثل للبنية المادية للمؤسسة التعليمية بصفة عامة وبصيغة خاصة خلال الفترة الزمنية ما بين الثانية عشرة والثانية زوالا بالثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي . إن تسريع وتيرة انجاز الإحداثيات تعرف عوائق بيروقراطية ومالية و وصعوبات مادية خاصة بالمقاولات المكلفة بالانجاز والبناء , بل هناك مؤسسات تعليمية سميت بأسمائها ما تزال على قيد الأوراق -منذ سنوات- لم تنزل إلى أوراش البناء لعدم تصفية الصك العقاري ,أو لأسباب يختلقها لوبيات العقار أو من ينتفع من مثل هذا التجميد وتوقيف اوراش البناء الخاصة بالمؤسسة العمومية. أما اختيار الوزارة للحل الأخير (تمديد الدراسة بين الثانية عشرة والثانية زوالا) فانه قد يزيد من المعاناة النفسية والاجتماعية لكل من المدرس والمتعلم معا , لأنه زمن الحياة في عمقه اليومي والروحي (زمن التغذية – الصلاة – الاسترخاء – انجاز التمارين القبلية – التواصل الاجتماعي – قضاء مآرب اجتماعية و إدارية …..) فهل استشارت الوزارة خبراءها التربويين والنفسانيين عن الآثار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن يسببها هذا الزمن المدرسي المستمر والمتمدد , كما أن على الوزارة استشارة خبراء في السيكولوجية البيداغوجية من اجل اعتماد ديداكتيك سيكولوجية تبني وضعيات تربوية ملائمة خاصة بوضعيات زمنية غير معتادة , فالنمو النفسي و الذهني والعقلي والذكاء باعتبارها تكيفا Adaptation ما هي إلا عملية محافظة على التوازن بين العضوية ومحيطها , كما أن الممارسة التعليمية الجيدة تستبعد فرض وضعيات تعلمية أو إجبار التلميذ والمدرس على قبول الحلول الجاهزة إداريا لأن النمو العقلي يتطور باليات الحرية بحيث يبني ويقود نفسه ويحدد مسارات تعلمه وهكذا ينبغي أن تستجيب متطلبات الممارسة التعلمية لحاجات المتعلمين داخل وضعية تعلمية , فهل فكرت الوزارة في وضع بيداغوجيا ملائمة لوضعية زمنية خاصة – غير مألوفة لدى التلميذ والمدرس معا . الخصاص في الأطر التربوية يواجه بإلغاء التفويج وتقليص حصص الأنشطة الرياضية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي حددها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمتمثلة في تعميم التمدرس وتحسين جودة التدريس والتعلم وتعزيز اللامركزية و اللا تركيز في تدبير الشأن التربوي و دمقرطته يحتاج القطاع إلى مزيد من الموارد البشرية مع الرفع من جودة عملهم وذالك لملء الخصاص في اطر التدريس , نظرا للتغيرات الديموغرافية , وتزايد أعداد المتعلمين والضغط الحاصل على السلكين الإعدادي و التاهيلي – خاصة – لذا يجب: توسيع شبكة الثانويات الإعدادية و التأهيلية للتمكن من مواكبة التزايد السريع لأعداد التلاميذ نتيجة توسع قاعدة التمدرس. رصد موارد إضافية لإصلاح وترميم المؤسسات التعليمية. الزيادة في عدد المناصب المالية المرصودة سنويا للوزارة قصد مواجهة الخصاص في اطر التدريس والإدارة ألتربوية ففي السنوات الأخيرة لجأت بعض المديريات الإقليمية إلى تدابير غير تربوية وغير منصفة ولا تخلق تكافؤا للفرص بينها بين مؤسسات أخرى , وخلال الموسم الدراسي المقبل 2018/2019 بدأت معالم الأزمة في وجود خصاص مهول من الأطر التربوية وخصوصا في المواد العلمية ( الفيزياء والكيمياء – علوم الحياة والأرض – التربية البدنية ,,,)مما دفع عدد من المديريات الإقليمية – كما في مديرية انزكان ايت ملول – إلى استصدار مذكرات تحث على إعداد جداول الحصص تتقيد: حذف التفويج في مادتي الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة و الأرض. حذف حصص التدقيق اللغوي وخاصة تقنيات التواصل بأقسام خيار فرنسية. الاقتصار على حصة لأنشطة الجمعية الرياضية بالنسبة لمادة التربية البدنية . وهذا كله بسبب الخصاص المهول في الأطر التربوية , فهل بهذه الأساليب التدبير ية نرسي مدرسة ذات جدوى و جاذبية ؟ وهل بهذا الإجراء البيداغوجي التقشفي نبني مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء ؟ وهل هذا ما تبشر به الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030؟ الإصلاح البيداغوجي شرط لتحقيق جودة التعلمات تابع المهتمون بالشأن التربوي في الآونة الأخيرة تقريرا حول (تحليل نظام التقويم التربوي بالمغرب) أنجز بتعاون مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية- OCDE- ويتمحور هذا التقرير حول أبعاد أربعة متعلقة بنظام التقويم وهي تقويم المتعلمين وتقويم المدرسين وتقويم المؤسسات التعليمية ثم تقويم المنظومة التربوية ,و يقدم التقرير تقييما بنيويا وتفاعليا بين هذه الأبعاد الأربعة كما بلور عددا من التوصيات الرامية لتطوير الإطار الوطني للتقييم وذالك حسب الأبعاد والمكونات التالية : – جعل البرنامج الوطني لتقويم المستلزمات الدراسية إلزاميا للكشف المبكر عن المتعثرين دراسيا مع توفير الدعم الضروري لمواصلة دراستهم تجنبا لآفة الهذر المدرسي. – بلورة آليات لضمان الجودة والإنصاف فيما يخص الامتحانات الاشهادية. – منع التكرار في بعض المستويات مع تعزيز إجراءات الدعم في هذه المستويات. – تعويض امتحان نيل شهادة الدروس الابتدائية بتقويم موحد التعلمات. – تقييم المدرسين المتعاقدين و الأساتذة المتدربين وحذف إمكانية الترقية بشكل تلقائي. – تطوير نظام تقويم المؤسسات التعليمية . – تطوير نظام تقويم المنظومة التربوية . إن كل المحاولات الإصلاحية السابقة والحالية , والتي جاءت لغرض التجديد لمنظومة التربية والتكوين ما هي إلا رد فعل مبتسر فرضته ضرورات الواقع الضاغط (الهذر المدرسي – عدم جاذبية المؤسسة العمومية – تزايد أعداد العاطلين في صفوف المتعلمين – …) وهذا ما غيب الرؤية الإصلاحية النابعة من عمق استراتيجي مستقبلي تحمل الإرادة السياسية والقوة والتصميم على النجاح . إن ردود الأفعال تتوالى دون رابط أو اتساق , وتحمل من السلبية أكثر ما تحمل من الايجابية وتتميع أمام الضغوط و الاكراهات ,وحتى هذه الاستجابة وان تأخرت غالبا ما تكون مجاراة دعائية لشعارات التجديد وهذا يعني غياب منهجية إجرائية علمية تقوم على التشخيص والتحليل والتتبع والتقييم لواقع النظم التعليمية وعيوبها الرئيسية . إن وضع إستراتيجية شاملة يعني الإيمان برسالة كبرى للإصلاح التربوي وتكوين إرادة سياسية تعمل للتغيير العام و تتخذ من التربية أداة رئيسية لهذا التغيير . الواقع أننا نضع استراتيجيات بقرار إداري وبواسطة لجان من الخبراء المنفصلين عن واقع الممارسة التربوية أو الخبراء الأجانب المتعاقدين مع الوزارة أو مع المنظمات الدولية الموازية فتقدم هذه الدراسات المنجزة في صالات مكيفة وأمام كاميرات الإعلام الرسمي تختزل فيها تجارب أممية مختلفة , دون ما ربط عضوي بين المشروع المجتمعي والمشروع التربوي , الذي يفرض علينا النظر إلى الميدان التربوي و البيداغوجي على انه مجال خصب لزرع قيم الحداثة و الديمقراطية , وتأسيس مدرسة الجودة للجميع في مجتمع له خصوصيات لغوية وحضارية ويتوق إلى مسايرة العصر دون مسخ هويته . إن مكونات الإصلاح البيداغوجي الجيد سواء كانت متعلقة بالتنظيم التربوي أو المناهج أو تدريس اللغات أو نظام التقويم والتوجيه أو الأطر التربوية هي من طبيعة تفرض السيرورة الحية والمتغيرة لتجدرها في واقع متحرك ولاعتمادها على شبكات من العلاقات علاقات داخل بنية مادية أو عبر علاقات إنسانية تحمل كل ثقلها الاجتماعي والثقافي. وإن الارتباط بين المجال البيداغوجي ومفهوم الجودة يبدو شرطا ضروريا أو جزءا عضويا من بنية البيداغوجيا لا يمكن إلا أن يؤكد ضرورة وأهمية العمل البيداغوجي الجيد النوعية : فالمناهج الجيدة تقتضي فضاءات جيدة وأطرا مؤهلة جيدا , ودعامات بيداغوجية جيدة ,وتدبيرا جيدا ,ومحيطا جيدا , والجودة كطبيعة أصلية للتكوين والتربية تبقى رهان الجميع وغايته الأساسية في ميدان التعليم (–المنتدى الوطني للإصلاح – يوليوز 2005) وفي ضوء مؤشرات الرؤية المستقبلية يمكننا أن نرصد بعض معالم الجودة في محتوى التعليم ومناهجه و برامجه , منها: -الاتجاه نحو جعل الهدف الرئيسي للمناهج التعليمية هو تمكين الأفراد من التعليم الذاتي , لان التعليم مدى الحياة أصبح شعار العصر الحالي ,وهو ضرورة ملحة في المستقبل ومن تم فان مناهج التعليم عليها أن تتجه نحو تزويد الأفراد بالقدرات التي تمكنهم من مواصلة التعلم مدى الحياة , ولهذا ازداد الاهتمام بأساسيات المعرفة ومهارات البحث والاستكشاف واللغات بما تتضمنه من مفاهيم وقوانين ونظريات تسمح بتطوير مهارات التفكير . إن تامين التعلم مدى الحياة هو نفسه ما تتبناه الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 في الفصل الثالث من الرافعة التاسعة عشرة المعنونة ب: (تامين التعلم مدى الحياة والمساواة) و أشارت الوثيقة إلى أن هذه الإستراتيجية ستشكل فرصة أخرى للمجتمع المغربي لكسب رهان استدامة تعميم المعرفة والمعلومات والتربية والتعليم للجميع و الاستثمار بشكل أفضل في تنمية رأسماله البشري . -ربط محتوى التعليم بالإنتاج والتنمية الاقتصادية و الاجتماعية إزاء التغيرات التي تعرفها اقتصاديات العالم والتنظيمات الاجتماعية فيها , لذا سوف يكون من المحتم أن يتغير محتوى التعليم ومناهجه بحيث يزود الفرد بالمعارف والمهارات والاتجاهات التي تمكنه من القيام باستيعاب كل هذه المستجدات المتغيرة ومن تم سيصبح احد المعايير الرئيسية لاختيار محتويات المناهج ومدى قدرتها في تحقيق هدف ربط التعليم بالإنتاج والتنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية. -الاتجاه نحو تعميم التكنولوجيا في جميع مراحل التعليم العام بحيث تختفي الحواجز بين التعليم التقني والتعليم العام وإذا كانت التكنولوجيا قد غزت المؤسسات التعليمية إلا انه يجب تجاوز الاستعمال التقليدي للأجهزة إلى مستوى الاستخدام البيداغوجي المنتج سواء على مستوى التعامل اليومي أو المهني تطوير النموذج البيداغوجي لتحقيق الجودة في المناهج والبرامج والوسائط التعليمية والإيقاعات الزمنية للدراسة والتعلم وفي التوجيه المدرسي والمهني وكذا في نظام الامتحانات والتقييم . وهذا التطوير يجب أن يهم : – تنو أ- تنويع صيغ التقويم المدرسي بعدم ربطه المغلق بالتحصيل الدراسي النابع من الفصل , والنظر إلى مكتسبات التلاميذ والتلميذات في تنوع مصادرها وفي اختلاف منابعها , مع تبسيط آليات التقييم والدعم التربوي . ب-إعادة الاعتبار والمصداقية للامتحانات الاشهادية وخاصة البكالوريا مع الرفع من جودتها من خلال إعطاء الأولوية في السنوات الاشهادية للامتحانات الموحدة جهويا ووطنيا , تحقيقا لمبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص وإعادة النظر في كيفية اعتماد نتائج المراقبة المستمرة فيها (الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030) ج- تنويع الوسائل والوسائط التعليمية مع تجويدها عبر : مراجعة الكتب المدرسية والرفع من جودتها البيداغوجية والتقنية والفنية. الاستثمار التربوي لتكنولوجيا الإعلام والتواصل في عمليات التدريس و أنشطة التعلم والبحث والابتكار . إعادة الاعتبار للمكتبات المدرسية ورقية و و سائطية لتمكين المتعلم من التعليم الذاتي , و تنمية الكفاية الثقافية ومهارات الاطلاع والبحث. توفير العدة البيداغوجية الكافية للتدريس وتنويعها بحسب تنوع محتويات التعليم والمناهج . الحكامة وتدبير المنظومة التربوية مسلسل اللامركزية واللا تركيز-….. مسلسل مشوق لاينتهي ؟ إن إصلاح الإدارة التربوية هي في نفس مستوى إصلاح المناهج والبرامج والامتحانات ……..لان جهاز الإدارة التربوية بجميع مستوياتها هي المصفاة الكبرى التي تقوم بعمليات تنظيم وانتقال المعلومات,والمعارف , والمقررات , بشكل متدرج ومتسلسل عموديا و أفقيا وعبر سلسلة من المستويات الإدارية . ف (الإدارة التربوية -التعليمية هي : الكيفية التي يدار بها التعليم في دولة ما وفق إيديولوجية المجتمع والاتجاهات الفكرية والتربوية السائدة فيه حتى تتحقق الأهداف المرجوة منه نتيجة تنفيذ السياسة المرسومة لها. ) محمد فاوبار –عالم التربية –العدد 12 ص : 93 ولتحقيق ريادة وقدرات تدبير ية ناجعة وترجمة الأهداف المرسومة للإدارة التربوية , لابد من البحث عن الاختلالات والنقائص وحصرها تمهيدا لاحتوائها وإزالتها.وهذا ما أبرزته الكثير من المبادرات الإصلاحية خلال العقود والسنوات الأخيرة و أبانت عن أهمية ضبط الجوانب الحيوية في الحكامة الإدارية التربوية,ويعتبر الخطاب الملكي ليوم 17يونيو 1987 أول رجة لتحريك المياه الراكدة , حيث كان هذا الخطاب بداية لتاريخ إحداث الأكاديميات الجهوية ,وإصلاح نظام البكالوريا ,ثم استتبعته تدابير و إجراءات استهدفت محاولة إصلاح القطاع وسعت إلى إدخال عدة تحسينات كمية ونوعية على مختلف مكوناته لكن كل هذه المبادرات ظلت تفتقد إلى تصور تربوي – فلسفي متكامل أو مقاربة شمولية تنطلق من منظور استراتيجي واضح , ومن تم فان كل التدابير والتحسينات التي عرفها القطاع آنذاك ما هي إلا مجرد مجهودات جزئية أو ما هي إلا اختيارات موسمية لتجارب ظرفية تحكمت فيها حسابات سياسية و املاءات خارجية أكثر مما تحكمت فيها الرؤية المهنية والعلمية والوطنية إلى أن انبثق الميثاق الوطني للتربية والتكوين فأسس لرؤية توافقية بين مكونات المجتمع المغربي وكرس نهج الإشراك والتشارك والتشاور , وجعل قضية التعليم ضمن أجندة الاهتمامات الجهوية وهو ما يدعم ويجسد سياسة القرب في تدبير المنظومة التربوية كما وضع الميثاق الوطني تصورا تربويا وفلسفيا جديدا لمنظومة التربية والتكوين نظر فيه إلى كون : (نظام التربية والتكوين هما بنيان يشد بعضه بعضا ,حيث تترابط هياكله ومستوياته وأنماطه في نسق متماسك ودائم التفاعل والتلاؤم مع محيطه الاجتماعي والمهني والعلمي والثقافي ,ومن حيث فان إصلاح كل جانب من جوانبه وتقويم نتائجه و ملاءمته المستمرة تتطلب التحكم في كل المؤثرات والعوامل المتفاعلة فيه.. ) واعتبارا للتوجه الايجابي الذي سار عليه مشروع الميثاق واستجابته الملموسة لمستلزمات الإصلاح كدفع المؤسسات التربوية والتعليمية أن تكون فاعلة ومتجاوبة مع محيطها , مع تغيير أساليب التدبير وترشيد استغلال الموارد المادية و عقلنة تدبيرها والاستفادة من الكفاءات والخبرات ومشاركة كل الأطراف المعنية من جماعات محلية وقطاع خاص ومؤسسات إنتاجية وجمعيات ومنظمات وسائر الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين ….تفعيلا لنهج اللامركزية و اللاتمركز الذي كان دوما حاضرا في وزارة التربية الوطنية نظرا لطبيعة العملية التربوية التي تقتضي التواجد الفعلي والقرب من المشكلات المستجدة بفعل طبيعة المجتمع المغربي المركب , ومناطقه المتنوعة ثقافيا ولغويا و ديموغرافيا …فاللامركزية هي علاج لأمراض و أعطاب المركزية الإدارية. إن هيمنة المركز على تدبير هذا القطاع قد يؤدى إلى تضخم الجهاز البيروقراطي المركزي في إدارة كل ما يتعلق بالعمليات التربوية . فالمركزية في إدارة العملية التربوية هي جزء من المشكلة لأنها غير قادرة للنهوض بالعمليات التربوية أو مواجهة التحديات التي يعاني منها القطاع التعليمي لعدة أسباب منها : أولا – أن المركزية الإدارية لا تتماشى مع أسس الديمقراطية التي تقوم على مشاركة كافة الأطراف في عملية صنع القرار. ثانيا – أن المركزية الإدارية في تدبير العمليات التربوية لن تكون قادرة على الاستجابة لكل الاحتياجات التعليمية للمناطق المختلفة وخصوصا النائية منها والتي ينتج عنها اختلالات في العمليات التعليمية في عدد من المناطق بسبب عدم المرونة في الأنظمة و التعلمات. ثالثا – المركزية الإدارية تسبب في حدوث فجوات كبيرة في العملية التعليمية بين المركز والأطراف مما يؤدي إلى حدوث اغتراب لدى الإدارات المحلية في المناطق البعيدة عن المركز . هذا البعد والاغتراب يسبب في توتر العلاقة مع المركز أو قطع وسوء الاتصال معها مما يحرم ساكنة مدرسية كبيرة من عمليات التجديد والإصلاح . رابعا – المركزية الإدارية تؤدي إلى حدوث فجوة بين المدارس والمجتمع المحلي فحدث ما يشبه انسلاخ هذه المدارس عن محيطها الاجتماعي وبيئتها المحلية . لهذه الأسباب وغيرها لجأت الدوائر العليا والحكومة إلى اعتماد الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتعتبر اللامركزية إحدى التوصيات الأساسية في الميثاق وجاءت الوثيقة الإصلاحية الحالية (الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030)لتأكيد أهمية الحكامة الجهوية عبر تعزيز وتنزيل وتسريع مساطر التدبير والتسيير وممارسة سياسة القرب اللامركزي و اللا تركيزي. وفى المادة 90 وتحت عنوان –إرساء نظام الحكامة الترابية للمنظومة في أفق الجهوية المتقدمة يشير المشرع التربوي إلى إسناد مسؤولية تدبير منظومة التربية والتكوين لبنيات التدبير على المستوى الترابي عبر تفويض الصلاحيات والمهام في إطار الاستقلالية والتعاقد والمحاسبة ل: الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومنها إلى النيابات الإقليمية ومنها إلى مؤسسات التربية والتكوين . فإلى متى سيستمر تعثر تطبيق المنظور الجهوي الموسع الذي « سكن «مدة طويلة بين سطور الدساتير وفي النصوص والمراسيم , مما عطل تحقيق فعلي للامركزية واستقلالية المؤسسات التعليمية. ؟؟؟ التمكن من اللغات رهان الجودة نحو العالمية والانفتاح من بين أهم المعيقات البيداغوجية تظل إشكاليات التحكم في اللغات إحدى النقائص الأكثر حدة على مستوى التحصيل البيداغوجي لكونها لا تؤثر على المدارس فحسب بل وحتى على المحيط المهني والاجتماعي, فضعف التحكم في الكفايات اللغوية لدى فئات من تلاميذنا يعد أمرا مقلقا بالنظر إلى كون إتقان اللغات يمثل عاملا حاسما في الارتقاء الدراسي للتلميذ وفي مسار حياته. كما يمثل التمكن في اللغة أساس تنمية الكفايات اللازمة لمختلف التعلمات ولاسيما فهم خطاب الغير واستيعاب المعلومات والقدرة على التواصل والتعبير ألشفاهي والكتابي وتملك المعرفة والثقافة ونقلها وبناء الشخصية والانفتاح على العالم وفهمه والتفاعل معه . والواقع أن ضعف التحكم في اللغات يعود نسبيا إلى التنوع اللغوي الذي يعيشه التلميذ المغربي فهو مجبر على التعامل مع عوالم لغوية متعددة :-لغة الأم – لغات الدراسة – لغات الاقتصاد والإعلام والتكنولوجية ,غير أن هذا التنوع لا يفسر لوحده هذه الوضعية بل نجد تفسيرها كذلك في ضعف نجاعة طرائق تدريس اللغات ومحدودية استعمال اللغة العربية خارج الفصل الدراسي . وتتعدد انعكاسات إشكالية التحكم اللغوي على المتعلمين ,وهكذا يعتبر المشغلون أن عدم إتقان اللغات يمثل احد مكامن ضعف مؤهلات المترشحين لمناصب الشغل , مما يشكل عقبه أمام الاندماج المهني للخريجين .ويعد إتقان اللغات الأجنبية معيارا للانتقاء من اجل ولوج الشغل في القطاع المهيكل إذ أن عدم إتقانها يقلص من حظوظ عموم التلاميذ والطلبة لحساب أولئك اللذين ينحدرون من أوساط ميسورة أو تملك رأسمال رمزي كثيف او من أولئك اللذين تلقوا تعليما في مدارس البعثات . قدمت وثيقة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030 منظورها في تطوير تعليم اللغات والتدريس بها , ومن تحقيق التكامل فيما بينها من خلال: -الاعتداد باللغة العربية كلغة رسمية ومقوم أساسي من مقومات الهوية المغربية . -الاعتداد باللغة الامازيغية كلغة رسمية ورصيد مشترك لجميع المغاربة مع إدراجها في المنظومة التربوية . -تعليم اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في ألعالم والتدريس بها لأنها أداة للتفاعل مع مجتمع المعرفة والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر. ولتحقيق هذا المبتغى من التعلمات اللغوية تقترح الوثيقة التاطيرية : تجديد المقاربات البيداغوجية والأدوات الديداكتيكية المعتمدة في تدريس اللغات . – مراجعة مناهج وبرامج تدريس اللغات الأجنبية طبقا للمقاربات والطرائق التعليمية الجديدة. – تنظيم الهندسة اللغوية حسب الأسلاك التعليمية والتكوينية . لقد حاولنا أن نستكشف أبعاد الصورة المستقبلية لمنظومة التربية والتكوين وحاولنا أن نظهر مواطن الضعف ومكامن القوة الدافعة لمسلسل الإصلاح و قدمنا بعض المقترحات لتفعيل الإصلاح البيداغوجي ولم يكن هدفنا وضع منهج متكامل لتقييم الرؤية الإستراتيجية المستقبلية للإصلاح بقدر ما كان سعينا هو إثارة الوعي بمشكلة الرؤية المستقبلية للإصلاح وضرورة العمل للتعريف بها ومواجهتها . ومن الإشكالات والرهانات المطروحة على الجميع بهدف استكمال اوراش الإصلاح والارتقاء بها إلى مستوى التطبيق والانجاز, ومن بين هذه القضايا التي أثرناها : كيف يمكن المرور من المبادئ المتفق عليها في إطار الرؤية الإستراتيجية إلى الانجازات وفق تصور مجتمعي شمولي هادف؟ هل هناك إرادة سياسية وطنية قوية لدى كل الفاعلين والشركاء للإسهام في اوراش الإصلاح وانجازها ؟ هل لدينا من الوسائل الناجعة لتحقيق مراجعة عميقة للبرامج والمناهج و ما هي الإجراءات التشريعية والتنظيمية والمالية التي يجب توفيرها لأجل تحقيق تعليم جيد منصف يرسي مدرسة جديدة قوامها الإنصاف والجودة والارتقاء ؟ إن التربية اكبر من أن تكون في أيدي التربويين وحدهم ؟ لابد من مساهمة ومشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية للإشراف والتخطيط للإصلاح , حتى يكون هذا الإصلاح متكاملا ومندمجا في مسار يحقق غايات الإصلاح ويحقق مضامينه . من الخطأ اصطناع إستراتيجية لمجرد الرغبة في وجود إستراتيجية جريا وراء المظاهر أو آخذا بأسلوب التقليد من الخارج …لان الإستراتيجية تفرضها ضرورة التحول الاجتماعي وإلا فقدت سندها الشرعي …وأخيرا فان وضع إستراتيجية للإصلاح لا يعني قطف الثمار الجيدة ..وإنما يعني أولا انفتاح طريق للتنمية البشرية الطويلة الأمد , يمتد فيها الإصلاح المتواصل دون تحديد سقف زمني معين . هكذا فان الطريق غير مسلوكة للإصلاح إلا إذا سلك مسارا جديدا , مغايرا وغير مستعار من خارج الحدود . * مدير ثانوية – الدشيرة الجهادية