المغرب يعود إلى الساعة القانونية    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    حريق مأساوي في تمارة يودي بحياة خمسة أطفال    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    "مهندسو طنجة" ينظمون ندوة علمية حول قوانين البناء الجديدة وأثرها على المشاريع العقارية    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    غرق ثلاثة قوارب للصيد التقليدي بميناء الحسيمة    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيمان: التعليم الخاص لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون بديلا عن المدرسة العمومية
نشر في اليوم 24 يوم 31 - 07 - 2015

تحول ورش التعليم والوضع الكارثي الذي أصبحت عليه المدرسة المغربية إلى واحد من أكبر الملفات الموضوعة على مكتب الملك محمد السادس منذ خطابه الشهير صيف عام 2013. وقد سارع عمر عزيمان، بعد تعيينه على رأس المجلس الأعلى للتعليم، إلى إعداد رؤية استراتيجية لإصلاح المدرسة، سلمها الملك فورا إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران قصد تنفيذ توصياتها. في هذا الحوار، يقدم عزيمان أبرز عناوين وخلاصات هذه الرؤية، والأولويات التي سطرتها، والطريقة التي ستنفذ بها، وما خلصت إليه جلسات المجلس في القضية المحورية، وهي قضية اللغة.
أصدر مجلسكم مؤخرا الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المنظومة التعليمية، ما هي الخطوة الموالية وأولويات هذا الإصلاح؟
أود التذكير بأنه فور المصادقة على الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي جاءت ثمرة عمل جماعي وتشاركي مكثف، من قبل جميع مكونات وهيئات المجلس في ماي 2015، تشرفنا بعرضها على جلالة الملك قبل إحالتها من لدن جلالته على الحكومة من أجل الإعداد لتطبيق مضمونها.
والمجلس يعتبر جازما أن المنطلق الأساس والأول لإنجاح تطبيق هذه الرؤية يكمُن في تقاسم غاياتها وتوجهاتها ورافعات التغيير التي تقترحها، وتملكها من قبل جميع الفاعلين، بوصفها تحمل إصلاحا يجسد انتظارات ملحة للمجتمع. في هذا الاتجاه، وضع المجلس برنامجا تواصليا من أجل التفسير وإذكاء التعبئة حول هذه الرؤية، التي سينطلق العمل بها بداية شتنبر المقبل.
بالنسبة إلى الخطوة الموالية التي تساءلتم عنها، والتي تتعلق بتطبيق مضمون الرؤية الاستراتيجية من قبل القطاعات الحكومية المعنية بالتربية والتكوين والبحث العلمي، أود الإشارة إلى أن المجلس يوصى في رؤيته هذه بإعلان 2015-2030 مدى زمنيا للتعبئة الوطنية من أجل إصلاح وتجديد المدرسة المغربية، وإيلائها عناية قصوى كأولوية وطنية، مقترِحا إعداد قانون – إطار من أجل توفير ضمانة يتقاسمها الجميع لإنجاح الإصلاح.
ماذا عن الأولويات؟
الأولويات الكبرى للإصلاح تتمثل أساسا في: أولا، إتمام ورش تعميم تعليم قائم على الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص في ولوج التربية والتكوين للجميع دون أي تمييز، وتعميم تعليم أولي إلزامي وجيد، وتمتيع الوسط القروي وشبه الحضري بتمييز إيجابي؛
ثانيا، تحقيق مدرسة الجودة للجميع بدءا بتجديد مهن التربية والتكوين، وضمان هيكلة أكثر تناسقا ومرونة للمنظومة التربوية، ومأسسة الجسور بين مختلف أنواع التربية والتكوين، وبناء نموذج بيداغوجي وتكويني قائم على العقل والذكاء والتحليل والتنوع والانفتاح والابتكار، وتحقيق تمكن المتعلمات والمتعلمين في مختلف مستويات المنظومة من اللغات، والنهوض بالبحث العلمي، وتحسين حكامة مكونات المنظومة التربوية؛
ثالثا، جعل المدرسة المغربية رافعة فعلية للارتقاء بالنسبة إلى الفرد والمجتمع على السواء، بدءا بملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل، مرورا بتمكين خريجيها من الاندماج الاقتصادي والسوسيو ثقافي، وترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية، وتأمين التعلم مدى الحياة للجميع، وانتهاء بتيسير الانخراط الفاعل لبلادنا في اقتصاد ومجتمع المعرفة، ومن ثمة تعزيز تموقعها ضمن مصاف البلدان الصاعدة.
يتطلب تنزيل مضامين هذه الرؤية نصوصا تشريعية وقرارات تنظيمية، كيف تتوقعون صدورها؟
كما تعلمون، تنكب الحكومة حاليا، ولاسيما قطاعاتها المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، على وضع خطة لتطبيق رافعات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح ومواكبتها وتتبعها. بكل تأكيد، فسوف تتضمن خطة التفعيل هذه كل ما يستلزمه ذلك من تدابير مؤسساتية وقانونية ومالية وبيداغوجية. كما سيتم في مدى زمني معقول إصدار قوانين جديدة، من ضمنها إصدار القانون -الإطار الذي أوصى به المجلس، ومراجعة القوانين والنصوص التنظيمية القائمة التي تستدعي ذلك، ضمانا لتوفير جميع السبل الكفيلة بالتطبيق الناجع لهذا الإصلاح.
ارتباطا بذلك، سيكون من اللازم بذل مجهود مضاعف لإخبار وتحسيس الرأي العام، وآباء وأمهات وأولياء التلاميذ، مع تكثيف اللقاءات التواصلية، وورشات العمل مع الفاعلين التربويين؛ وذلك من أجل ضمان الوعي التام بالرهانات والتملك الأمثل لمضامين الرؤية الاستراتيجية، وفي الوقت ذاته إذكاء التعبئة حول تجديد المدرسة المغربية.
تعتبر الموارد المالية والبشرية من أهم إشكالات المنظومة التعليمية من حيث تدبيرها واستثمارها، أين الخلل في هذا المجال؟
اسمحوا لي أن أبدأ جوابي عن هذا السؤال بالمكون البشري الذي يضطلع بالتدريس والإشراف التربوي والتكوين والتدبير، الذي وقف المجلس على أبرز الاختلالات التي تعتريه؛ وهي اختلالات تتعلق على الخصوص بالمواصفات العامة والنوعية لكل فاعل على حدة، وبالتكوين الأساس والمستمر والاستدراكي، وبإعادة النظر في المهام والأدوار، وبالخصاص، وبتدبير المسار المهني، وبظروف مزاولة المهنة.
وتقدم الرؤية الاستراتيجية عددا من التوصيات في هذا الشأن، وعلى الخصوص في ما يتعلق بالتحديد الدقيق للأدوار والمهام والمواصفات المرتبطة بهذه المهن، وإلزامية التكوين الأساس، وتنويع أشكال التكوين المستمر والتنمية المهنية، والتأهيل على مدى الحياة المهنية، ونهج حكامة جيدة في تدبير المسار المهني للهيئات العاملة في التربية والتكوين والبحث.
ماذا عن الموارد المالية؟
بالنسبة إلى تمويل المنظومة التربوية، يمكن القول إن مسألة إيجاد توازن بين الحاجيات اللامتناهية وبين الموارد المحدودة تظل انشغالا كبيرا للسياسات العمومية؛ فتعبئة موارد ضخمة بقدر أهداف طموحة، من قبيل: تعميم التعليم الأولي مثلا، أو إيلاء عناية خاصة بقضايا المدرسة في الوسط القروي وشبه الحضري والمناطق ذات الخصاص، يتطلب التزامات مالية ضخمة من قبل السلطات العمومية.
ثم إن تعقد القضايا التي يثيرها تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتشعبها تستدعي القيام بدراسة متأنية وعميقة. وقد أطلق المجلس دراسة في هذا المجال ما زالت في طور الإنجاز، ونتائجها ليست متوفرة بعد.
في انتظار ذلك، تقترح الرؤية الاستراتيجية إطارا ناظما للتفكير في هذه المسألة، يستمد أسسه من المبادئ التالية: اعتبار الإنفاق التربوي استثمارا عموميا يروم تأهيل الرأسمال البشري وتنمية البلاد، ولا بد من جعله ملائما للحاجيات المستقبلية للمنظومة التربوية، ومتماشيا مع الاختيارات الاستراتيجية للمغرب؛ تَحمُّل الدولة للقسط الأوفر من تمويل المنظومة التربوية، مع السهر على تنويع مصادر التمويل؛ الحرص على ضمان مجانية التعليم الإلزامي بوصفها واجبا على الدولة؛ عدم حرمان أي أحد من متابعة الدراسة بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة لذلك؛ الالتزام بواجب التضامن الوطني في تمويل المدرسة.
توجه انتقادات عديدة للمدرسة العمومية، هل يقدم القطاع الخاص حلا بديلا، وما مدى حضوره في رؤيتكم الإصلاحية؟
في بداية، للإجابة عن سؤالكم، لا بد من التأكيد على أن القطاع الخاص ليس بديلا للمدرسة العمومية، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون كذلك، لذا يجب رفع هذا اللبس.
فالمجلس يعتبر قطاع التعليم والتكوين الخاص مكونا من ضمن مكونات المنظومة التربوية، وطرفا في مجهودات تعميم التعليم وتنويع العرض التربوي احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص والتكامل مع التعليم العمومي، مما يستلزم: أولا، التزامه بمبادئ المرفق العمومي ما دام استثمارا في خدمة عمومية تندرج في الخيارات التربوية والتعليمية للبلاد؛ ثانيا، مراجعة القوانين المنظمة له وملاءمتها من أجل الحد من تشتت هذا القطاع وتوحيد معاييره وتوضيح مهامه؛ ثالثا، قيام الدولة تجاهه، خصوصا، بمهام الترخيص، ووضع القوانين المنظمة له وضبطه ومراقبته وتقييم أدائه، وضمان مقاييس الجودة ومعادلة الشهادات بناء على ضوابط الاعتماد ودفتر التحملات، والتحفيزات؛ رابعا، تشجيعه على توسيع خدمته قصد الانخراط كذلك في برامج التربية غير النظامية ومحاربة الأمية، وفي التضامن الاجتماعي، من قبيل توفير التعليم لأبناء الأسر الفقيرة والأطفال ذوي الإعاقة أو في أوضاع خاصة وفي الوسط القروي.
خلاصة القول هنا أن قطاع التعليم والتكوين الخاص جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية، وليس بديلا تربويا لها، وهو شريك للتعليم العمومي، يتكامل معه في أداء هذه الخدمة العمومية.
يعتبر التعليم الأولي من أهم اختلالات المنظومة التربوية للمغرب، كيف تقترحون النهوض به؟
بالفعل، وقف المجلس خلال تشخيصه لوضعية المنظومة التربوية ببلادنا على إشكالية التعليم الأولي، وعلى ضرورة إيجاد حل ناجع لها، منطلقا في ذلك من كون هذا الطور التربوي قاعدة أساس لكل إصلاح تربوي، ومعتبرا إياه عاملا حاسما في جودة التعليم والإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الأطفال المغاربة، وسبيلا لا غنى عنه لضمان نجاحهم في مسارهم الدراسي اللاحق.
وقد أكدت مختلف الدراسات عبر العالم على أهمية التعليم الأولي في النجاح الدراسي للطفل، من حيث إسهام هذا التعليم في الحد من التكرار والهدر المدرسي، لذلك تعتبر الاستثمارات العمومية في التعليم الأولي من الاستثمارات الأكثر مردودية في ميدان الإنفاق التربوي.
ونحن نعتبر النهوض المتدرج بالتعليم الأولي أحد الأوراش ذات الأولوية في الإصلاح التربوي، ما يستدعي اتخاذ خطوة جريئة يتم ترجمتها في شكل تدابير حاسمة من قبيل: جعل تعميم تعليم أولي بمواصفات الجودة لفائدة جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 4 و6 سنوات التزاما للدولة والأسر بقوة القانون، علاوة على وضع الآليات اللازمة لانخراط الجماعات الترابية في هذا المجهود؛ والدمج التدريجي للتعليم الأولي في التعليم الابتدائي في إطار سلك التعليم الإلزامي؛ وإحداث إطار مؤسساتي يختص بالتعليم الأولي، يكون تحت إشراف وزارة التربية الوطنية يضمن مهام التنسيق والمراقبة وتحقيق الانسجام بين مختلف أنواع المؤسسات التربوية العاملة في التعليم الأولي؛ واعتماد نموذج بيداغوجي موحد الأهداف والغايات والمعايير ومواصفات الجودة بمناهج عصرية؛ وإحداث شُعب لتكوين المربين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تضمن توفير مربين متخصصين ومؤهلين.
ويمكن القول هنا إنه كلما تأخرنا في وضع تدابير النهوض بالتعليم الأولي قيد التطبيق، كلما ازدادت مخاطر تأدية الثمن الباهظ، ليس على مستوى مردودية وجودة المدرسة المغربية فحسب، وإنما بالنسبة إلى بلادنا ككل؛ لذلك نؤكد على ضرورة التفعيل السريع للاقتراحات المتعلقة به ضمن رافعات الرؤية الاستراتيجية للمجلس.
أثارت بعض المواضيع، مثل لغة التدريس وتدريس اللغات، نقاشات قوية داخل المجلس، كيف حسمتم الخلافات التي طفت على السطح؟
بالفعل، فمسألة لغات المدرسة ولغات التدريس من الموضوعات الوازنة التي حظيت بنقاشات معمقة وتفكير جماعي شفاف ومثمر، سواء داخل لجان المجلس الدائمة، أو مكتبه، أو جمعيته العامة.
غير أن هذا النقاش، وإن شهد في بعض الأحيان اختلافا طبيعيا في الرؤى، فإنه استند في جوهره وفي محصلته إلى الخيارات اللغوية التي أقرها الدستور، وارتكز على إيجابيات التعددية اللغوية داخل المنظومة التربوية، وأيضا على مجموعة من المبادئ والأهداف المتقاسمة بين أعضاء المجلس كافة، ومنها على الخصوص: تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في التمكن من اللغات؛ جعل المتعلم عند نهاية التعليم الثانوي التأهيلي (البكالوريا) متمكنا من اللغة العربية، قادرا على التواصل باللغة الأمازيغية، متقنا للغتين أجنبيتين على الأقل؛ إعطاء الأسبقية للدور الوظيفي للغات المعتمدة في ترسيخ الهوية، والانفتاح الكوني، واكتساب المعارف والكفايات والثقافة، والارتقاء بالبحث، وتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي؛ تمكين أطر التدريس والتكوين والبحث من تكوين مزدوج اللغة؛ المراجعة العميقة لمناهج وبرامج تدريس اللغة العربية، وتجديد المقاربات البيداغوجية والأدوات الديداكتيكية المعتمدة في تدريسها، والسهر على المزيد من تهيئة هذه اللغة في أفق تعزيز تحديثها وتنميتها وتبسيطها؛ مواصلة المجهودات الرامية إلى تهيئة اللغة الأمازيغية لِسْنِيّا وبيداغوجيا؛ مراجعة مناهج وبرامج تدريس اللغات الأجنبية طبقا للمقاربات والطرائق التعليمية الجديدة؛ تنويع لغات التدريس، لاسيما باعتماد التناوب اللغوي لتقوية التمكن من الكفايات اللغوية لدى المتعلمين، وتوفير سبل الانسجام في لغات التدريس بين أسلاك التعليم والتكوين.
ذلك كله في اتجاه تحديد وضع كل لغة على حدة بوضوح داخل المنظومة التربوية، اعتبارا للأهمية الخاصة للغات في تحسين جودة التعلمات، وفي النجاح الدراسي، وفي المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة، وفي النهوض بالبحث وفي تحقيق الاندماج، ومن ثم انسجام السياسة اللغوية في المدرسة المغربية.
تطرقتم في هذه الوثيقة لموضوع تدريس الأمازيغية، ما هو تصوركم حول كيفية إدماج اللغة الرسمية الثانية للمغرب في المنظومة التعليمية؟
في البداية، لا بد من إعادة التذكير بأن تدريس اللغة الأمازيغية تم في عدد من المدارس منذ سنين، وأصبح الآن خياراً دستورياً واضحاً، باعتبار الأمازيغية لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة.
هذه القضية حظيت داخل المجلس بكامل الاهتمام وفي مختلف الأعمال التي أنجزتها هيئاته، واضعا في اعتباره ما يستدعيه التطبيق الأمثل لهذا الخيار من مستلزمات وتدابير بشرية وبيداغوجية وتكوينية.
لذلك، دَعوْنا في الرؤية الاستراتيجية إلى تطوير وضعها في المدرسة ضمن إطار عمل وطني واضح متناغم مع مقتضيات الدستور، وقائم على توطيد وتطوير المكتسبات التي تحققت منذ إدراجها في المنظومة منذ 2003 ومواصلة عملية تهيئتها، مع الأخذ بعين الاعتبار المقتضى الدستوري الذي ينص على سن قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. غير أن ذلك لن يتأتى، في منظور المجلس، بدون إنجاز تقييم شامل لتجربة تدريس هذه اللغة في التعليم المدرسي، وكذا لتجربة الدراسات الأمازيغية في التعليم العالي.
طُرحت موازاة مع نقاشات مجلسكم أفكار من قبيل التدريس باللغة الأم في المراحل الأولى من التعليم، كيف تعاطيتم مع هذا الأمر؟
هذه النقطة شملها النقاش والتفكير الجماعي داخل هيئات المجلس في سياق معالجة قضية اللغات في شموليتها، حيث انتهى التفكير إلى اقتراح ضرورة استثمار المكتسبات اللغوية والثقافية الأولية للطفل في التعليم الأولي، باعتبار هذه المقاربة عاملا إيجابيا في تأقلم الطفل مع الأجواء التربوية والمدرسية الجديدة، ومساعدا على التعلم المتدرج.
هذا الخيار أملاه وعي المجلس التام بضرورة توفير سبل الاندماج السلس للطفل، ونجاحه في المراحل اللاحقة من مساره الدراسي، وتجنيبه الصدمة اللغوية التي تنطوي عادة على مخاطر الفشل الدراسي.
ما هي التركيبة اللغوية التي خلص إليها المجلس للنهوض بالمنظومة التعليمية، لضمان حماية اللغات الوطنية، وفي الوقت نفسه الانفتاح على اللغات الأجنبية؟
تأسيسا على ما سبق ذكره، أوصى المجلس باعتماد هندسة لغوية جديدة، تستند إلى التعدد اللغوي، تحدد بوضوح وضع كل لغة على حدة داخل المنظومة التربوية، وتتوخى إجمالا:
أولا: استفادة المتعلمين بفرص متكافئة من ثلاث لغات في التعليم الأولي والابتدائي؛ هي العربية كلغة أساسية، والأمازيغية كلغة التواصل، والفرنسية كلغة الانفتاح، تضاف إليها الإنجليزية ابتداء من السنة الأولى إعدادي، ولغة أجنبية أخرى اختيارية منذ السنة الأولى ثانوي تأهيلي؛
ثانيا: تنويع لغات التدريس بالإعمال التدريجي للتناوب اللغوي كآلية لتعزيز التمكن من اللغات عن طريق التدريس بها، وذلك بتعليم بعض المضامين والمجزوءات في مواد متعددة باللغة الفرنسية ابتداء من الإعدادي، والإنجليزية ابتداء من الثانوي التأهيلي؛ وهذا ما سيجعل الحاصل على الباكالوريا متمكنا من اللغتين العربية والأمازيغية، ومن لغتين أجنبيتين على الأقل؛
هذا العرض اللغوي التعددي من شأنه أن يضع حدا للإشكال اللغوي القائم حاليا عند ولوج الجامعة، وأن يتيح للطالب المغربي متابعة دراسته بيسر، وبلغات متعددة، على مستوى الجامعة المغربية أو بالخارج.
*رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.