في العادة، لايهتم الشعراء بدراهم الصَّرف، عندما يوقعون دواوينهم يجب أن تقتني وفي نفس الوقت أن تحضر معك النقود مصرَّفة ، فلن تجد في جيب الشاعر فلسا واحدا. الشعراء مفلسون، وأغلبهم مهاجرون سريون. ليلة البارحة، وأثناء وجبة شعرية قريبا من الكورنيش وقريبا من الغروب أيضا، التقطتُ المايك من مسيّرة الندوة الشاعرة فاطمة بلعروبي، وكانت قد حصرتْ لائحة المتدخلين في ثلاثة فقط، عندما لوّحت لها بيدي فتحت لائحة أخرى للمتدخلين. وكانت قصة عن الشعر. على المنصة، شاعرة حزينة وشاعر درس اللغة الروسية وفي رأسه كثير من القصص والشعر والموسيقى والغناء والقرآن وربما المسرح والسينما والفنون، أريد أن أقول هو إدريس الملياني. وشاعر ثالث كان هو الأقرب إلى أهوائي، رجل نصفه الأول قصة قصيرة ونصفه الثاني شعر يشبه مدن الملح. معروف لدينا بشاعر المدينة، ومعروف لديكم ببوشعيب عطران. كان يتحدث وكنتُ أتحسس الكراسي الفارغة أمامي من الجمهور. وضعت ديوانه «لفحات عن فائض الغياب» علي كرسي فارغ. سأشتغل اللحظة بالتقاط حرارة الإلقاء منه شخصيا. كنا نستمع إلى الشعر وأقدامنا تسيخُ في الرمل. كلهم كانوا يجلسون في مكتبة الشاطئ، بحر وهواء طلق ورمل وخلفية هادئة لموسيقى المزارع وأنوثة وإدريس الملياني ذاك الشاعر المخضرم يقرأ قصيدة «الماما». لقد أحسستُ بليلة السبت وأنا أستمع وبرغبة في اقتناء الديوان لكنني مفلس، كان في جيبي خمسون درهما مصرَّفة، أربعمئتان ورقية وصفيحة حديدية لعشرة دراهم سأحتاجها غدا لحليب صغيرتي، وستحتاجها المسيِّرة لرد الصّرف. كانت تعرف حكايتي خارج بيت الشعر. تعتقد أنني أجمع الصرف من تجارة الشوارع على أية حال ههه. استلفتها مني في ما بعد. مكثت مضطرا إلى نهاية الإمضاء لاسترجاعها. خبأت الخمسين درهما واكتفيتُ أتلذذ مجانا بعذوبة إدريس، حتى وهو عالق بين فواصل القصيد كان يبتسم وكنت أنا عالقا في ابتسامته كانما يوزّع النكتة علي العالم، كنت لا أكتفي بالاستماع، أنصت وأتطلع إلى ملامحه. ذكرتني قبعته بشعراء الغضب العربي فكان سؤالي عن الغضب ونسيت خطوطا عريضة أخري وضعتها في مخيلتي كنت سأدير بها مداخلتي. تقريبا عشرة خطوط. كلها باءت بالخجل، إلا الغضب العربي الذي اختفى من القصيدة. أين الخوف من الشاعر الذي هو لسان الجمهور. ولماذا فقد لسانه. الشاعر المتواري، من الإزعاج إلى التخفي. شاعر المناسبات والأعراس والحفلات. شاعر تحت الطلب. متستر ومعزول ضبطَ جهازه الشعري على إعدادات الخصوصية واكتفى. بالنسبة لي فقدت الإدمان الشعري، وحتى الجمهور يعزف الآن بعيدا عن السياسة والزواج والشعر. يقول ساخرا؛ الشعر أضحوكة. ارتجلت سطورا عن الغضب لم تناسب حزن الشاعرة. بل غضبتْ هي الأخرى وياللعجب. غضبتْ من سؤال الغضب ههه. ضمرتْ شفتاها الرقيقتان قليلا. اِعتدلت في جلستها وهي تقول؛ ماذا استفدنا من الغضب طول عمرنا. إذا الشعرُ صار أضحوكة ومجرد بوح مقبور في الذات فقط فما فائدة بقائنا هنا. وقامت واقفة. وصفقوا لها. هم يعلمون أنهم يصفقون ليمسحوا حزنا دفينا في صدرها. حزن وغضب شيء كثير علي أنثي، إنها جرعة قوية ستودي بالشاعرة حتما، يكفيها الحزن فقط، فليكن الحزن بوح الأنثى، وليكن الغضب حصان حرب يركبه الشاعر خلف طارق بن زياد. ولترُدّي إليَّ صرفي ،صديقتي المسيِّرة، أريد أن أختفي فقد لفحني برد البحرين، بحر الشط وبحر الشعر.