الشاعر إدريس الملياني يكتب عن السطو على الذاكرة الشعرية بعنوان ديوان أحد الشعراء العرب المعاصرين أرفع يدي احتجاجا، حتى لو لم ترها عين ولم تسمعها أذن رجاء التضامن من أية جهة محتملة، على إصدار أنطولوجيا الشعر المتوسطي. من يمثل الشعر المغربي الحقيقي، ليسوا هم بكل تأكيد وبشهادة قرائهم ومنابرهم في الداخل والخارج وباستفتاء واستطلاع الرأي فإن الطاهر بنجلون حكاء، وفيه نظر، وفرنكفوني بكل يقين ولا يعتد به شاعرا حتى في الفرنسية أمام مجايليه من أمثال خير الدين والنيسابوري والواكيرة على سبيل المثال والجمال وحتى الجديد من الأجيال،وشأنه في ذلك شأن قرينه عبد اللطيف اللعبي لم يعطه صفة الشعر إلا الاعتقال والإيديولوجيا بمعناها الزائف والعاطفي المبالغ فيه تجاه قضايا الشعوب وتقرير المصير ولا يشذ عن القاعدة الباحث في النقد الشعري محمد بنيس، شاعرالعناوين، الذي عليه اللغا الكثير مغربا ومشرقا وهو نفسه «يحوص على الزكا» بالتعبير الوجدي، غير الصوفي ولا السوريالي وتاجر، كتب عنه في منابر عديدة، وعلى لسان المقربين منه ومريديه ولو لم تكن له دار نشر لكان أقل مما هو عليه ولما حظي بكل هذه الجغرافيا الموهومة. وجميع الشعراء المختارين، لأنفسهم، في أنطولوجيا العدم أو السطو على الذاكرة الشعرية، تالفين بين الشعر والقصة والرواية والصحافة والنقد الأدبي والتشكيلي والنشر والمناصب وطلب الجاه والجوائز والسلطة والسلطان، وكلهم حاسبين بدقة متناهية في الصغائر والكبائر أنهم في المقام الأرفع وجهاء وأعيانا ونجوما وأقمارا في البنثيون الافتراضي، وبعيدا عن كثب من كل هذا فإن المراد من هذه الغضبة المضرية، أو بالأحرى هذا العتاب الشفيف والود الذي لولاه ما بقي العتاب، كما روي عن الشاعر القديم، ليس نزعا لصفة الشاعرية عن أي أحد من هؤلاء الشعراء والأدباء والكتاب ولكن الوفاء للشعر، على الأقل، يقتضي من جميع هؤلاء المسؤولين، قبل يوم القيامة عن حقيقة الشعر المغربي، أن يرفضوا تتويج أسمائهم أمام من سبقوهم، ليس بلبلة وحيلة، ولكن، بآثار لا تحمي من الديوان المغربي، إلا إذا كانوا يعتبرون شعرهم يجب من قبلهم من أساتذتهم الشعراء الرائدين والراشدين والصحاب المؤسسين والمكرسين للحداثة الشعرية المغربية، قبل أن «يكبر لهم الشأن». إن الشعر المغربي ليس فيه مقاسة ومنافسة بين ملوك الجمال. الشعر المغربي الحديث خرائطي الجماليات، وارخبيلي الحساسيات الإبداعية، ومتعدد الفضاءات الرمزية، التي يستمدها كل شاعر، هو جزء تأثيث هذا المشهد الفسيفسائي، بحضوره وأثره، الذي يستمد مشروعيته من مرجعياته الثقافية والإبداعية المنفتحة على المتحقق الشعري الكوني الشامل وذلك أن الشعر المغربي تجاوز حد إقرار وجوده في نطاق المحلية إذ غدا مشروعا شعريا منخرطا في المطلق الشعري الكوني والإنساني وإذا كان سقراط يقول قد تكون صديقي ولكن الحقيقة أعز علي من صديقي فإن تحري الموضوعية في سياق من هذا يقتضي من أحبة لنا مثل الأشعري ونجمي أن لا يضعا نفسيهما في مكان للارتياب والالتباس نأنف أن نضعهما فيه، لأنهما جزء من الذاكرة قبل أن يكونا دعامات لهذه الانطولوجيا المزعومة. إنه ليحز في القلب كما يعز على النفس أن يضعنا أحبتنا في موقف الاختيار، بين حبنا لهم، كأشخاص وبين الانتصار للموضوعية والواجب الشعري والوطني والقومي والأممي والإنساني ما أقساهم حين خيرونا بين حبهم وحب الشعر، فاخترنا الشعر، أن نصدح بحب الشعر، الذي لا يجب حبنا لهم وكيف لي أن أرفع عيني إلى الأحباء جميعا، ولاسيما إلى من أقرب إلينا من أي حبل وريد، المفترض منهم أن لا يقبلوا بهذا الشطط والسطو على الذاكرة الشعرية. الملياني يؤكد لبيان اليوم أن بلاغه الاحتجاجي ليس قذفا في أحد من الشعراء أوضح إدريس الملياني لبيان اليوم، أن صياغته لهذا البلاغ، لا يشكل قذفا في أحد من الشعراء المدرجة أعمالهم ضمن الأنطلوجيا، ولا في الجهة الناشرة المتمثلة في غاييمار، بقدر ما أنه يعد وصفا لحالة مرضية منتشرة في الوسط الثقافي، والمتمثلة في غياب الموضوعية والعدالة. وأبدى استغرابه في أن المثقف المغربي يشتكي من غياب تلك المبادئ داخل النشاط السياسي، ولا يطالب بها ولا يعمل على تكريسها في الوسط الثقافي. ومضى قائلا في تصريحه لبيان اليوم، إنه بالرغم من حدوث حراك ثقافي خلال الأسابيع الأخيرة، كما يتجلى ذلك في اللقاءات الاحتجاجية على سوء تدبير السياسة الثقافية من طرف الوزارة المعنية؛ فإن هذا الحراك ليس بريئا، بل يأتي بدافع المصلحة والمنفعة الشخصية، من خلال البحث عن المواقع والمناصب والسلطة الثقافية. معتبرا أن السلطة الثقافية ليس إلا عصا يراد بها مآرب أخرى. ودعا الملياني كذلك في هذا التصريح الخاص ببيان اليوم، الرأي العام إلى وجوب تنقية الجو الثقافي، مع تأكيده على أن احتجاجه على الأنطولوجيا، هو مجرد بيت القصيد لإثارة الأسئلة لدى الرأي العام، لأجل فتح نقاش حول هذه الظاهرة التي تتجلى في تصدر بعض الأسماء للمشهد الثقافي، لخدمة مصالح ذاتية، كأننا قطيع خرفان لإيصالهم إلى أهدافهم. وعاد الملياني من جديد ليؤكد على أن البيان الاحتجاجي الذي سطره، ينبع من الغيرة على الشعر المغربي، رفعه صوت متواضع لإدانة ممارسات تسيء إلى الشعر وإلى المغرب بصفة عامة، مع تذكيره بأن هناك مثقفين أولى بمناقشة هذه الإشكالية، نافيا عن شخصه الرغبة في أن يكون إسمه مضمنا في الأنطلوجيا. وفي هذا الإطار، اقترح مجموعة من الأسماء التي يرى أنها يمكن أن تشكل بديلا للأسماء الخمسة المدرجة في الأنطولوجيا، وأغلبها ينتمي إلى الجيل الرائد. ملفتا الانتباه كذلك إلى أن الشعراء الأمازيغيين تم إسقاطهم هم بدورهم من الأنطولوجيا ضمت الأنطولوجيا خمسة شعراء مغاربة، هم عبداللطيف اللعبي والطاهر بن جلون ومحمد بنيس وحسن نجمي ومحمد الأشعري، إلى جانب شعراء آخرين ينتمون إلى أزيد من عشرين بلدا مطلا على البحر الأبيض المتوسط، وقد صدرت عن دار النشر غاييمار.