نظم اتحاد كتاب المغرب (المكتب التنفيذي وفرع الاتحاد بتطوان) وجمعية العمل الثقافي بالمضيق الملتقى الشعري الأول للمضيق، وذلك يومي 21 و22 مارس/آذار، وقد اختار المنظمون في هذه الدورة تكريم الشاعر إدريس الملياني، نظراً لتميّز تجربته الشعرية. وقرأ على منبر الملتقى في أمسيتين شعريتين أدارهما على التوالي الشاعرة فاطمة الزهراء بنيس والشاعر المعتمد الخراز، شعراء من مختلف الأجيال والحساسيات والرؤى، وهم: عبد الكريم الطبال، محمد الشيخي، إدريس الملياني، أحمد بنميمون، وفاء العمراني، أحمد لمسيح، محسن أخريف، عبد الجواد الخنيفي، أمل الأخضر، نجيب مبارك، جمال أزراغيد، محمد عابد، نسيمة الراوي. بموازاة ذلك، انعقدت ندوة نقدية قدمت قراءات وشهادات حول التجربة الشعرية للشاعر إدريس الملياني شارك فيها النقاد: بنعيسى بوحمالة، نجيب العوفي، عبد اللطيف الوراري، محمد الميعادي وأحمد الدمناتي. وقد استهلّها الناقد نجيب العوفي بشهادة عنونها ب "إدريس الملياني المليان شعرا"، ووقف فيها على "اللحن المانيفست التي تشدو به قيثارة إدريس الملياني"، الذي دافع دفاعاً باسلاً ضد كل أشكال الموت والرداءة والابتذال وكان يحلم بالمساواة بين الناس في "شبه صوفية شيوعية"، بحيث اعتبر الشعر بمثابة "بوصلة ومنارة هادية في الواقع وعالم الناس". ورأى العوفي أنّ الشاعر بثقافته العالية هو ناثر جيّد إلى جانب كونه شاعراً جيّداً، يزاوج بين التراث والحداثة في تصوُّره للكتابة وتشييدها شعرا ونثرا؛ وهو منذ سنة 1966 خطّ بداية شعرية مؤسسة وأصيلة وملتزمة أيام كان الفكر الاشتراكي الأممي يغمر المشهد السياسي والثقافي ويشكل عامل جذب للشعراء، بقدر ما كانت تستفيد من منجز القصيدة العربية وتزيد عليه معرفة وكشفا، مشيراً إلى أن قصيدته قويمة العود بائنة عن "قصيدة النثر" التي عدّ كثيراً من كتابها يتحرّشون بالشعر، فدعا في نبرة ساخرة إلى "سنّ قانون ضد التحرش بالشعر على غرار قانون التحرش بالمرأة". وفي الوقت الذي عدّ العوفي الشاعر إدريس الملياني من جيل السبعينيات، رأى الناقد بنعيسى بوحمالة أن الأخير من الصعوبة القول إنه ينتمي إلى ذلك الجيل، طارحاً مشكل تصنيف الشعراء إلى أجيال. واجترح بوحمالة للخروج من مأزق التجييل مصطلح "اللصوق الشعري"، معتبراً الملياني من "الشعراء الملاصقين"، بمعنى أنّه ينتمي إلى جيلي الستينيات والسبعينيات معا. وبخصوص المدخل الإيديولوجي والانتماء السياسي للشاعر، أشار الناقد إلى أن الشاعر كانت تربيته يسارية دون أن تعيقه ذلك عن التطور أو تسقطه في المباشرة والتبسيط، وبالتالي "ربح قصيدته كخيار جمالي وفكري في آن". أما عن منجزه الشعري، فقد كان شعر إدريس الملياني ذخيرة تراثية بقدرما كان منفتحاً على الحداثة ومنجزاتها الغربية، وكانت جملته تمزج بين العتاقة والحداثة. كما أنّه أتاح للشعرية المغربية أن تمدّ قنوات مع الشعرية الروسية، وهو ما أتاح لها أن تطلّ على مرجع غنيّ قلّما تم الانتباه إليه قياساً إلى المرجعين الفرنسي والإسباني. وأما الشاعر والناقد عبد اللطيف الوراري فقد انشغل في مداخلته ب "التناصّ وبناء المعنى" في شعر إدريس الملياني، وبالذّات في ديوانه "نشيد السمندل". وقال إنّ الشاعر إدريس الملياني "يتّخذ من طائر السمندل رمزاً اِستعاريّاً في بنية العمل، ويرتفع به إلى مستوى أسطرته بسبب ما تعانيه الذات وتُكابده بحكمة الخسارات. وهو ما يضعنا في مواجهة بينة كتابيّة ممتدّة في الزمن، تخترقها ملفوظاتٌ، وحوارات، واستشهاداتٌ، وصور وتمثيلاتٌ، وأقنعةٌ، وأمكنة، ووقائع من التاريخ القديم والحديث، وأنماط من صراع الوعي والرؤية في جدل الذات والآخر. ورأى الوراري أن تقنيات التناص الموظّفة قد أثّرت على غنائية الشاعر فبدت "غنائية مركّبة" سواء على مستوى الرؤية أو البنية الشعرية، حيث الاستخدام المكثف للرمز والقناع والمونتاج والحوار الدرامي والسرد والسوناتا والمشهدية، واستدعاء التراث الأسطوري والديني والتاريخي المتصل بتيمات الموت والحياة والوطن والإنسان والحرية، جنباً إلى جنب مع متطلّبات ذات الشاعر على المستوى الوجودي والإنساني في بحثها عن خلاصها، مرتفعاً بها إلى مستوى أسطورتها الشخصية، وبالتزامها الإنساني إلى مقامٍ مُستحقّ". وبعنوان "شعرية الأمكنة وفتنة الطفولة في شعر إدريس الملياني"، بحث الشاعر والناقد أحمد الدمناتي عن العلاقة الحميمة التي طفولة الشاعر كذاكرة استرجاعية ترصد، بلغة استعارية شفافة، التفاصيل الحياتية العابرة وتلتقطها بعين الطفل الذي كانه الشاعر. كما بحث التمازج العجيب الذي نعثر عليه بين سيرة المكان والذات الشاعرة بصورة تمنح المكان داخل قصيدة إدريس الملياني بعداً استعاريّاً/ استعاديّاً قادراً على إعادة إنتاج معاني الذات وصورها التي تتأرجح بين العادي والمنسي، اليومي والهامشي، الواقعي والميثولوجي؛ وبالتالي استعادة المفقود وإعادة بنائه نصّياً وداخل لغةٍ تحتفي بالتفاصيل الصغيرة. وأما الناقد محمد الميعادي فقد انطلق من ديوان "مغارة الريح"، ليبحث في شعر الشاعر من خلال عنصر التلقي باعتباره "استراتيجية نصية"، راصداً ملامح النص الشعري الذي يتحول إلى شبكة معقدة من الرموز (الترميز الأسلوبي والإيقاعي)، وإلى تجلّ خطّي مفارق، وإلى بياض تخترقه الفجوات التي تنادي على قارئها الذي عليه أن يحاور النصوص (نص القراءة، أو نص السماع، أو نص المشاهدة، إلخ) ويتفاعل معها بحسب ما يقتضيه بناء كل نص. وقد اختتمت فعاليات الملتقى بتسليم جوائز الإبداع التلاميذي، ودرع الملتقى للشاعر المحتفى إدريس الملياني.