كلما بلغ السيل الزبى، ولم يعد هناك مجال للصبر على قرارات رئيس الحكومة المجحفة في حق هذا الشعب الفقير، المحكور، المظلوم، المغلوب على أمره، وكلما انتفضت النقابات للدفاع عن المواطن الذي لاحول له ولا قوة أمام نيران الزيادات المتتالية في الأسعار التي يكتوي بها كل يوم وكل ساعة .. إلا ونشط " الذين يلمعون كل القرارات اللاشعبية واللامنصفة، لرئيس الحكومة ، ضد هذا الشعب ، ثم يشحذون سكاكينهم للهجوم على النقابات يشككون في مواقفها وقراراتها .. وقد سبق لي أن أكدت في مراسلات سابقة، بأنه لم يعد يساورني أدنى شك في أن توفيق بوعشرين على رأس هؤلاء حيث عنون افتتاحية صحيفته ، في عدد الاثنين 27 أكتوبر2014: " إنهم خاسرون .. نجح الإضراب أو فشل». ومن خلال العنوان فقط، نجده قد وضع مسافة بينه وبين أبناء هذا الشعب، من المواطنين الذين خذلتهم حكومة بنكيران بقراراتها اللا شعبية، وعبروا عن دعمهم ومشاركتهم في قرار الإضراب العام ليوم 29 أكتوبر 2014 ، وذلك من خلال عبارة " إنهم " التي تجعل المتكلم " أنا بوعشرين " في موضع المختلف "هم الشعب" أي الخاسرون في نظر بوعشرين ، أو لنقل الأوباش فهي الأقرب لنفسه في تصنيف المواطن الذي لم يعد بقادر على تحمل أعباء العيش ، ولو في حدوده الدنيا أمام حجم الزيادة اللامسبوقة في ثمن المحروقات ، كأول إجراء لا شعبي اتخذه بنكيران في حق المواطن.. قبل أن يتبجح في قبة البرلمان: أنا زدت فالمحروقات وقبلها مني المواطن، وكأن السي بنكيران قام باستطلاع للرأي ووجد المواطن مرتاحا وفرحا، لزيادة درهمين في البنزين ودرهم في الكازوال ... ثم زاد في نفس المناسبة وقال: أما حسن، نزيد فالمحروقات، أو نحيد صندوق المقاصة، وعندما كذب بنكيران نفسه ومس بصندوق المقاصة.. وكذبها أيضا بالزيادة في المواد الأساسية التي قال بأن الزيادة لن تطالها .. وعندما كذب نفسه أيضا بالزيادة في فواتير الماء والكهرباء.. وعندما كذب نفسه كذلك في عدم قدرته على محاربة الفساد .. وأظهر براعته، باستقوائه على المواطنين الضعفاء، يحارب قدرتهم الشرائية .. كانت مسيرة 6 أبريل العمالية .. وهنا أيضا ثارت حفيظة بوعشرين.. فدبج مقالا يبشر فيه رئيس حكومته بفشل المسيرة العمالية .. ليخلص إلى أن " فشل " المسيرة هو تبريك من الشعب لك يا بنكيران فما عليك إلا المزيد من قرارات إفقار هذا الشعب.. وأعتقد أن بوعشرين مازال يتذكر مقالي له بعنوان " ما الذي يضير بوعشرين في نجاح مسيرة 6 أبريل ". ويعود بوعشرين اليوم ليعبر عن كراهيته للطبقات الشعبية، التي كان هو واحدا منها بالنظر لانتمائه الطبقي .. فيبشر بنكيران مسبقا بفشلنا نحن الأوباش .. سواء نجح الإضراب أو فشل ، ثم يعمد إلى تصنيف النقابات الداعية للإضراب، بالقدر الذي يشكك في مصداقيتها ونزاهتها.. وبالتالي فإن ما يصدر عنها من قرارات ، بما فيها الإضراب العام ، ليس ذا معنى، وأن بنكيران على حق عندما سكت عن المفسدين الذين نهبوا خيرات البلاد، وهربوا أموالها إلى بنوك العالم ، وقال عفا الله عما سلف، وأنه على حق أيضا عندما رفض إحداث ضريبة على الثروة ، وأنه على حق كذلك عندما أراد أن يزيد في سن التقاعد ، ويزيد في حجم الاقتطاعات، وينقص من حجم المعاشات .. وأن الذي ليس على حق هو النقابات ، والمواطن المكتوي بنيران هذه القرارات .. ؟؟ والنقابات في نظر بوعشرين، عندما قررت خوض إضراب عام إنذاري فإنها لم تكن تصدر عن قناعات وإيمان بالدفاع عن الشغيلة .. وإنما هي في نظره كانت إما بإيعاز حزبي، أو تحت ضغط منتمين متطرفين، أي أن ليس هناك أي داع للإضراب، فالعام زين وكلشي بيخير .. بعد ذلك يمر بوعشرين إلى مرحلة التتفيه، فيحاول إقناع القارئ بتفاهة العمل النقابي ، عندما يجعل النقابات عاجزة عن الإتيان بالبديل في ملف إصلاح نظام التقاعد .. ويتناسى الندوات والأيام الدراسية ، والبرامج الإذاعية والتلفزية التي نظمتها النقابات ، أو شاركت فيها وبينت بالملموس بأنها قوة اقتراحية، ليس في موضوع التقاعد وحسب، وإنما في كل القضايا التي تهم الدفاع على المطالب المادية والمعنوية للشغيلة .. ثم ينتهي بالقارئ إلى أن هذه النقابات تفتقد إلى روح المواطنة ؟؟ عندما تعرف أن صناديق التقاعد تنهار كل يوم، ولا تعذر بنكيران الذي يسير بخطى حثيثة نحو "الإصلاح"، ولا يجرؤ أن يقارن بيننا وبين فرنسا، التي استوحى منها بنكيران أسس هذا الإصلاح، والتي ان كانت صناديق معاشاتها قد أصابها ما أصابها ، فبفعل الخدمات الاجتماعية المهمة جدا التي كانت تقدمها للمواطن .. أما عندنا في المغرب الذي كان فيه إلى زمن قريب من يتقاضى أقل من خمسين درهما كمعاش، فماذا أصاب صناديقنا غير الفساد، الذي لم يستطع بنكيران حتى الاقتراب من أباطرته. ثم إن فرنسا عندما أرادت أن تعالج صناديق التقاعد وتصلحها، فقد اقترحت إما الزيادة في سن التقاعد، أو الزيادة في نسبة الاقتطاعات، أو التخفيض من قيمة المعاشات، فوجدت أن الاقتراحين الثاني والثالث، يمسان بالقدرة الشرائية للمواطن مباشرة ، فألغتهما وأبقت فقط على مقترح الزيادة في سن التقاعد .. أما رئيس حكومتنا بنكيران فإنه قد استعاض عن "أو" التي تفيد الاختيار في المقترح الفرنسي، بحرف العطف الواو ، الذي يفيد مطلق الجمع والعطف والزيادة .. هكذا جاء المقترح البنكيراني (نسبة لبنكيران ) عندنا هو : الزيادة في سن التقاعد ، زائد الزيادة في نسبة الاقتطاع، زائد التقليص من المعاش، يا سلام على الإصلاح، لكن بوعشرين يصر على أن بنكيران يريد الإصلاح ، والنقابات بدعوتها للإضراب العام، تفوت هذه الفرصة على البلد، انتبهوا لسمه في العسل لما جاء في الفقرة الأخيرة من هذه المقالة التي لا بد وأن يسجلها التاريخ في صحيفته بمداد من نوع آخر ، رغم أننا متيقنون من أن صاحبنا قادر على ينصل هذه المواقف ، كقدرته على نصل تبانه حيث يقول: " .. المشكل أنه في الحالتين (فشل الإضراب أو نجح) العمال والموظفون ، وعددهم 11 مليونا ، هم من سيخسرون . إذا ربحت النقابات ، سيخسر الأجراء والموظفون فرصة لإصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار ..." هل فهمنا نحن الأجراء والموظفين رسالة بوعشرين إلينا ؟؟ إنها رسالة بأن لا ننخرط في الإضراب ، حتى لا ينجح، ونكون قد فوتتا على نفسنا فرصة لإصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار.