مجموعة العشرين تعقد قمة في البرازيل يطغى عليها التغير المناخي والحروب وانتخاب ترامب    الفرحة تعم أرجاء القصر الملكي غدا الثلاثاء بهذه المناسبة        دراسة: البحر الأبيض المتوسط خسر 70 % من مياهه قبل 5.5 ملايين سنة    تصعيد الأطباء يشل الحركة في المستشفى الحسني والمراكز الصحية بالإقليم    بريطانيا تفرض عقوبات جديدة ضد إيران        الحزب الحاكم في السنغال يستعد للفوز    مروحية الدرك تنقذ حياة زوجين مغربي وألمانية في جبال الأطلس    محرك البحث "غوغل" يحتفي بالذكرى ال 69 لعيد استقلال المملكة    تغييرات مرتقبة على تشكيلة الأسود ضد منتخب ليسوتو    هذه هي المنتخبات التي ضمنت رسميا التأهل إلى "كان المغرب" 2025    أجواء غير مستقرة بالمغرب.. أمطار وزخات رعدية وثلوج ابتداءً من اليوم الإثنين    رابطة ترفع شكاية ضد "ولد الشينوية" بتهمة الاتجار بالبشر    جائزة ابن رشد للوئام تشجع التعايش    فتح باب الترشح لجائزة "كتارا للرواية العربية" في دورتها الحادية عشرة    خبير جزائري في الذكاء الاقتصادي: الجزائر تفتقر إلى الثقل الدولي في قضية الصحراء    محامي حسين الشحات: الصلح مع محمد الشيبي سيتم قريبا بعد عودته من المغرب    انطلاق مهرجان آسا الدولي للألعاب الشعبية وسط أجواء احتفالية تحت شعار " الألعاب الشعبية الدولية تواصل عبر الثقافات وتعايش بين الحضارات"    الداخلية الإسبانية تبرز دور فريق الوقاية المدنية المغربي في جهود الإغاثة في فالنسيا    هند السداسي تُعلن طلاقها بخطوة جريئة وغير مسبوقة!    المغرب يستضيف الملتقي العربي الثاني للتنمية السياحية    الدورة الرابعة من بطولة القسم الوطني هواة.. اتحاد الخميسات فاز بصعوبة على وداد تمارة    مركز موكادور للدراسات والأبحاث يستنكر التدمير الكامل لقنطرة واد تدزي    المغرب يرسل أسطولا إضافيا يضم 12 شاحنة لدعم جهود تنظيف قنوات الصرف الصحي في فالنسيا    فوزير يخضع لعملية جراحية ناجحة    تزامن بدلالات وخلفيات ورسائل    بعد غياب طويل.. الجمهور المغربي على موعد مع المطرب العراقي محمد السالم من    فاتي جمالي تغوص أول تجربة في الدراما المصرية    بني بوعياش وبني عمارت على موعد مع أسواق حديثة بتمويل جهوي كبير    حجز أزيد من 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط وإيقاف المتورطين    اصطدام بين سيارة ودراجة نارية يودي بحياة شاب في خريبكة    بلجيكا وهولندا والمغرب في قلب صراع إجرامي بعد سرقة كوكايين    تاركيست: سيدة تضع حدًا لحياتها شنقًا    الجيش الإسرائيلي يعلن أن نحو 30 مقذوفا أطلقت من لبنان نحو إسرائيل    "تعزيز الضمانات التشريعية الوطنية بشأن مناهضة ومنع التعذيب وسوء المعاملة" محور ورشة عمل بالبيضاء    ملعب آيت قمرة.. صرح رياضي بمواصفات عالمية يعزز البنية التحتية بإقليم الحسيمة    فرنسا تقسو على إيطاليا في قمة دوري الأمم الأوروبية    "غوغل" يحتفل بالذكرى ال69 لعيد الاستقلال المغربي    المغرب يفتح آفاقاً جديدة لاستغلال موارده المعدنية في الصحراء    تنظيم النسخة 13 من مهرجان العرائش الدولي لتلاقح الثقافات    بعد صراع مع المرض...ملك جمال الأردن أيمن العلي يودّع العالم    مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان    وقفة احتجاجية بمكناس للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    مزاد يبيع ساعة من حطام سفينة "تيتانيك" بمليوني دولار    المغرب يخنق سبتة ومليلية المحتلتين ويحرمهما من 80% من نشاطهما الجمركي    ارتفاع أسعار النفط بعد تصاعد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا    تراجع النمو السكاني في المغرب بسبب انخفاض معدل الخصوبة.. ما هي الأسباب؟    خبراء يحذرون من "مسدس التدليك"    شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفلسفة .. إلى أين؟ 3/2 : الفلسفة في المغرب إلى أين؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 07 - 2018

طُرح هذا السؤال مطلعَ ثمانينيات القرن الماضي من طرف الجمعية الفلسفية التي كان يديرها الفقيد محمد عزيز الحبابي، وكان سياقه مرتبطاً بحضر الفلسفة في الجامعة المغربية. ونحن اليوم إذ نستعيد هذا السؤال، فإنّ قصدنا منه خلق نقاش جديّ حول الفلسفة اليوم وما يعتريها من انحصار في الفضاء العمومي، وانصراف الباحثين الجدد عن المشاريع الكبرى. لقد حاولنا في هذه الحوارات أن نسلط الضوء من جديد على الراهن الفلسفي وأسئلته في المغرب انطلاقا من التحولات الكبرى التي عرفها العالم كاكتساح العولمة، وتزايد التطرف والأصوليات المتعددة، وأن نفتح أفقاً رحباً لراهننا المغربي والعربي.
وإذا كان جيل الأساتذة الأوائل، مؤسسي الدرس الفلسفي في المغرب، قد قدموا مشاريع كبرى ودراسات في التراث، والفكر السياسي، والفكر العربي، والفلسفة المعاصرة؛ ومارسوا الترجمة وحرّضوا الطلبة على البحث والترجمة؛ فإن ثلة الباحثين الذين اخترنا محاورتهم على امتداد حلقات هذا النقاش المطوّل، قد نشروا بدورهم كتابات في الفلسفة، وما انفكوا منشغلين بهذا الميدان المعرفيّ تدريسا وتأليفاً. فهل ما تزال الفلسفة تتمتّع بالجاذبية نفسها التي كانت تتمتع بها فيما مضى؟ وهل هناك استمرارية أم قطيعة مع جيل الأساتذة ؟ أسئلة من بين أخرى طرحناها عليهم، آملين أن تكون استضافتنا لهم على منبر جريدة « الاتحاد الاشتراكي « مساهمةً في تحريك الأسئلة والنقاش في فضائنا العموميّ الذي ما انفكّ يرتكن إلى السكون والوثوقية.

عبد النبي مخوخ: رفضت القراءة العقلانية التقليدية لفلسفة نيوتن

ذكرتم في دراستكم عن نيوتن المعنونة ب «فلسفة نيوتن الطبيعية-الزمان والمكان»(نشر مفاتيح العلوم،2010)وأيضا في كتابكم «الأسس الابستيملوجية لفسفة نيوتن الطبيعية»(كلية الآداب الجديدة،2016)بأنكم ترفضون القراءة الوضعانية،وأن فلسفة نيوتن لا تتأسس فقط على أبعاد علمية فقط بل أيضا على اعتبارات لاهوتية وميتافزيقية،فهل نفهم من ذلك أن العلم في تطوره ونموه يبقى لصيقا بما هو لا-علمي؟وهل يمكن حقيقة أن نصبو إلى علم خالص من اللاهوت والسياسة والاقتصاد مثلما يشهد تطور العلم المعاصر،بأن صارت مراكز البحث والمختبرات تابعة للشركات والمقاولات؟
يبدو لي أنه من الممكن رد هذا السؤال العام إلى أربعة أسئلة فرعية:أ. لماذا رفضت القراءة الوضعانية لفلسفة نيوتن الطبيعية في بعض أعمالي المنشورة؟ ب. ما علاقة العلم النيوتني باللاهوت و الميتافيزيقا؟ ج. هل يظل العلم، في تطوره، لصيقا بما هو لاعلمي؟ د. و هل يظل، في هذا التطور، متوقفا على عناصر خارج علمية؟
لماذا رفضت القراءة الوضعانية لفلسفة نيوتن الطبيعية في بعض أعمالي المنشورة؟
نعم، في سياق انشغالي بالفكر العلمي، كرست قسطا لا يستهان به من مجهوداتي لدراسة فلسفة نيوتن الطبيعية. يرجع ذلك، بالدرجة الأولى، إلى مكانة هذه الفلسفة في تاريخ الفكر البشري. إنها تشكل، باعتراف الجميع، «البردايم»Paradigme الذي وجه النشاط العلمي لأزيد من قرنين، منذ أواخر القرن السابع عشر إلى ظهور النظرية النسبية في بداية القرن الماضي.
سمح لي هذا الانشغال بملاحظة أن هذه الفلسفة خضعت، منذ ظهورها، لقراءتين متعارضتين: قراءة تجربانية و وضعانية و قراءة عقلانية خالصة. و لظروف محددة، استطاعت القراءة الأولى أن تبسط نفوذها إلى حدود العقد الرابع من القرن الماضي. و لهذا السبب، ركزت عليها كثيرا. و بعد أن أخضعتها لفحص دقيق، مستفيدا من إنجازات الدراسات الإبستمولوجية المعاصرة، اتضح لي أنها سقطت في آفات نظرية و منهجية ما أنزل الله بها من سلطان و لم تفلح بالتالي في تقديم فهم دقيق لفلسفة نيوتن الطبيعية. فعلى سبيل المثال، إن الرغبة الجامحة لتلك القراءة في إبراز المنحى التجرباني و الوضعاني لهذه الفلسفة جعلتها تتعامل مع أعمال نيوتن بانتقائية فجة بحيث اعتمدت النصوص النيوتنية التي تتماشى مع نظرتها و تجاهلت كل النصوص التي تتعارض معها بدعوى أنها صيغت تحت إكراهات خارجية و لا تعكس قناعات نيوتن الحقيقية.
إذا كنت قد رفضت القراءة الوضعانية، فإنني رفضت أيضا القراءة العقلانية التقليدية لفلسفة نيوتن الطبيعية لكونها، شأنها في ذلك شأن القراءة السابقة، كانت قراءة نمطية، لم تنشغل بمحاولة فهم تلك الفلسفة بقدر ما انشغلت بتنميطها ضمن الفلسفة العقلانية. خلافا لذلك، كرست قسطا وافرا من مجهوداتي لمحاولة إبراز وجه نيوتن «الحقيقي» دون الانشغال بإضفاء انسجام مزعوم على فلسفته، يفرض حتما بتر جانب من جوانبها. الشيء الذي سمح لنا باستنتاج أن فلسفة نيوتن الطبيعية هي فلسفة عقلانية تجربانية في نفس الوقت، بل إنها تقدم نموذجا للتكامل الخصب بين المقاربتين العقلانية و التجربانية.
ما علاقة العلم النيوتني باللاهوت و الميتافيزيقا؟
تناولت مشكلة علاقة العلم النيوتني باللاهوت في مناسبات كثيرة أبرزها الفصل الرابع من كتابي الأسس الإبستمولوجية لفلسفة نيوتن الطبيعية. و مما لا شك فيه، أن الموقف الوضعاني من اللاهوت النيوتني شكل أحد الأسباب الأساسية التي جعلتني أستبعده. فالوضعانية، إذ نظرت إلى نيوتن بوصفه عالما تجربانيا خالصا، لا يؤمن إلا بالتجربة والحساب، رفضت الحديث عن لاهوت نيوتني كجزء لا يتجزأ من مؤلفه. و بما أن نيوتن نشر بعض النصوص اللاهوتية إبان حياته، نظرت إلى انشغاله باللاهوت بوصفه انشغالا هامشيا و عرضيا، أو مجرد انشغال ملحق للعمل العلمي.
خلافا لذلك، ترك نيوتن ركاما هائلا من المخطوطات لم يكتب لها أن توضع رهن إشارة الباحثين إلا في العقد الرابع من القرن الماضي. وبعد الاطلاع عليها، اتضح أن نيوتن كتب كثيرا في مجال اللاهوت و في مجالات أخرى دأبت الوضعانية على وسمها باللاعلم مثل الخيمياء و التنجيم. وفي هذا السياق، زعمت أن نيوتن أراد للاهوته أن يكون مرتبطا بعلمه بعلاقة جدلية لم تكن معهودة في عصره، أو قل أراد للاهوته أن يكون مسايرا لعلمه ومتناغما معه. ومن جهة أخرى، زعمت أن عزوف نيوتن عن نشر مخطوطاته اللاهوتية يرجع إلى عوامل نفسية وفلسفية وسياسية ودينية فصلت القول فيها في الكتاب المذكور. إنه لا يرجع إلى طبيعة شخصيته فحسب، الميالة إلى الانعزال والحريصة على تفادي الجدالات الفلسفية المؤرقة، ولكنه يرجع أيضا إلى مواقفه المتحفظة على الفلسفة التجربانية السائدة والمناهضة للمواقف الرسمية للسلطتين الدينية و السياسية.
ومن جهة ثانية، شكل الموقف الوضعاني من الميتافيزيقا أيضا أحد الأسباب الأساسية التي جعلتني أستبعد القراءة الوضعانية لفلسفة نيوتن الطبيعية. فاستنادا إلى مبدأ الأساس التجربي للمعرفةLa base empirique و إلى معيار القابلية للتحقق التجربيLe critère de la vérifiabilité empirique ، ميزت الوضعانية بصرامة بين العلم و اللاعلم. فحسب الوضعانية، كل معرفة قابلة لأن نتحقق منها تجربيا و أن نحكم عليها بالتالي بالصدق أو الكذب هي معرفة علمية. و كل معرفة لا تقبل ذلك هي معرفة لاعلمية. و من ثمة، انتهت إلى إخراج الميتافيزيقا من دائرة العلمية و بالتالي إلى نبذها. ليست الميتافيزيقا علما لكون قضاياها لا تقبل التحقق التجربي أو لكونها قضايا «خالية من المعنى» على حد تعبير الوضعانية المنطقية.
خلافا لذلك، أبرزت معظم الدراسات الإبستمولوجية المعاصرة، مثل دراسات تولمنS. Toulmin و أكاسيAgassi و بوبرK. Popper استحالة قيام علم بدون ميتافيزيقا علما أن هذه الكلمة اكتسبت دلالة جديدة. لقد فقدت دلالتها الأرسطية وأصبحت تشير إلى مجموع التصورات القصوى، المعلنة أو المضمرة و الواعية أو اللاواعية، المؤسسة للتفكير عموما وللتفكير العلمي على وجه الخصوص. و من هذا المنظور، يمكن القول إنه لا مفر من الميتافيزيقا و إن الوضعانية ذاتها قامت على ميتافيزيقا معينة ذلك أن تحليلا دقيقا لعباراتها القاعدية يكشف بجلاء أنها ملطخة بمضامين ميتافيزيقية مضمرة. و بالجملة، لم يعد اليوم بإمكان أي كان الدفاع عن الاستقلال الإبستمي الذي أسنده التقليد الوضعاني إلى العلوم التجربية.
على ضوء هذا النقاش، أخضعت علاقة العلم النيوتني بالميتافيزيقا لفحص دقيق، فانتهيت إلى الاقتناع باستحالة فصل هذا العلم عن الميتافيزيقا، أو إلى استحالة تجريده من كل خلفية ميتافيزيقية. لقد عملت على إبراز أنه يقوم، علاوة على الفرضيات الميتافيزيقية المضمرة، على ترسانة من الفرضيات الميتافيزيقية المعلنة مثل الاعتقاد بالطبيعة الذرية للمادة أو بالبنية الرياضية لمختلف الظواهر الطبيعية و للكون عموما.
هل يظل العلم، في تطوره، لصيقا بما هو لاعلمي؟
من الوجهة التاريخية، لم تطرح مشكلة علاقة العلم بأنماط معرفية أخرى قد توسم باللاعلم إلا حديثا، بعد ظهور العلم الحديث و حصول ما يعرف بالتخصص. فقبل ذلك، كانت كل المعارف متعايشة و متفاعلة تحت لواء الفلسفة. يكفي أن نذكر هنا أن ديكارت شبه الفلسفة، في منتصف القرن السابع عشر، بشجرة جذورها الميتافيزيقا و جذعها الفيزياء و أغصانها مختلف العلوم من طب و ميكانيكا و أخلاق و غيرها. غير أن استقلال العلوم تباعا عن الفلسفة و ظهور مجالات معرفية جديدة انتظمت في ما يعرف بالعلوم الإنسانية خلال القرن التاسع عشر و ظهور نظريات كثيرة زعمت العلمية، أدى إلى بلورة ما عرف بمشكلة الفصلProblème de démarcation: هل يظل ما هو «علمي» لصيقا بما هو «لا علمي»؟ هل يمكن الفصل بين العلم و اللاعلم؟ و إذا كان الأمر كذلك، ما هو معيار الفصل؟
من الوجهة التاريخية، ترتبط هذه المشكلة بفلسفة كانط إلى درجة جعلت بوبر ينعت مشكلة الفصل ب»مشكلة كانط». غير أنني، و لمحاولة تقديم جواب واضح عن سؤالكم، سأنطلق من الموقف الوضعاني. فكما قلت سابقا، فصلت الوضعانية بصرامة بين العلم و اللاعلم استنادا إلى معيار القابلية للتحقق التجربي. الشيء الذي يفيد أننا نوجد أمام معرفة علمية خالصة في مقابل معرفة لاعلمية مطلقا، لا طائل من ورائها و يجب بالتالي «الإلقاء بها في النار» على حد تعبير هيومD. Hume . لقد أدى هذا الموقف إلى جملة نتائج بالغة الأهمية منها رد المعرفة البشرية برمتها إلى المعرفة العلمية حصرا و إخراج كل المعارف التي لا تقبل التحقق التجربي، مثل الميتافيزيقا و التنجيم، من دائرة المعرفة أصلا. و لذلك، رفضت الوضعانية التمييز بين الإبستمولوجيا و نظرية المعرفة لكونهما ينشغلان معا بالمعرفة التي ليست شيئا أخر غير المعرفة العلمية.
استطاعت الدراسات الإبستمولوجية المعاصرة إبراز تهافت هذا الموقف. فكارل بوبر مثلا رفضه جملة و تفصيلا معتبرا معيار القابلية للتحقق التجربي معيارا للخلط لا معيارا للفصل، ذلك أنه قد يؤدي إلى اعتبار بعض المجالات المعرفية المشكوك في علميتها علوما و اعتبار بعض المجالات التي لا يمكن لأي كان أن يشك في علميتها مجالات لاعلمية. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي إلى اعتبار السحر و التنجيم علمين لأن إقراراتهما قابلة للتحقق التجربي؛ في حين قد يخرج النظرية النسبية من دائرة العلم لأن معظم إقراراتها لا تقبل ذلك إلى حد الآن لافتقارنا لوسائل الاختبار المطلوبة )سفينة تسبح في الفضاء بسرعة الضوء مثلا(. و لذلك، فضل بوبر الحديث عن الفصل بين العلم و العلم الزائف )أو ما يشبه العلم( Pseudo-science بدلا من الفصل بين العلم و اللاعلم. و عليه، لا وجود، حسب بوبر، لمعرفة علمية خالصة في مقابل معرفة لاعمية مطلقا. فالعلمية درجات تتناسب طردا مع درجات القابلية للتكذيب Falisifiabilité. استحضارا لهذا التوجه العام للدراسات الإبستمولوجية المعاصرة، أستطيع أن أقول إن العلوم التجربية، طبيعية كانت أم إنسانية، لا تستطيع التخلص تماما من شوائب يحلو للبعض وسمها ب»اللاعلمية». فإذا استثنينا العلوم الصورية )المنطق و الرياضيات( التي تنشغل بصور الفكر، لا وجود لعلوم خالصة، أو لعلوم نقية مطلقا خالية من كل حمولة ميتافيزيقية و ذاتية.
و هل يظل، في هذا التطور، متوقفا على عناصر خارج علمية؟
بالطبع، يتوقف تطور العلم على عوامل متعددة منها ما هو خارجي و منها ما هو داخلي. أقصد بالعوامل الخارجية العوامل الخارج علمية مثل العوامل الاقتصادية و السياسية والاجتماعية و الثقافية. لقد بات معروفا أنه لا يمكن للعلم أن يتطور ما لم يتوفر الدعم المادي الكافي و ما لم تتوفر الشروط السياسية و الاجتماعية و الثقافية الضرورية. يتعلق الأمر هنا بعوامل أساسية أثيرت و لا تزال تثار و ستثار كلما طرحت مشكلة النهوض بالبحث العلمي و تقدم المعرفة العلمية؛ كتب حولها الكثير و لا أرى داعيا لتفصيل القول فيها.
في مقابل ذلك، تجب الإشارة إلى وجود عوامل داخلية، مرتبطة بالنشاط العلمي ذاته، قد تعرقل تقدمه. يتعلق الأمر هنا بما سماه باشلار ب»العوائق الإبستمولوجية». و بما أن هذه العوائق تكون عادة عوائق لاشعورية، فإن تقدم المعرفة العلمية يفرض إخضاعها، باستمرار، لتحليل نفسي وابستمولوجي دقيق يروم رصد تلك العوائق و اقتراح سبل تجاوزها. هنا تكمن إحدى المهام الأساسية التي أسندها باشلار للإبستمولوجيا: التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية.
أريد هنا أن أثير انتباه المنشغلين بالعلوم، و العلوم الدقيقة على وجه الخصوص، إلى أن هذه العوامل الأخيرة لا تقل أهمية عن العوامل الأولى. لقد حدث، في تاريخ العلم، أن عرقل تقدم العلم بفعل عوائق داخلية حتى في ظروف موضوعية ملائمة نسبيا لإقلاع البحث العلمي. فعلى سبيل المثال، شكلت المقاربة الاختبارية، التي تنظر إلى المعرفة العلمية بوصفها نتاجا للملاحظة و التجربة المباشرتين، عائقا أمام تقدم المعرفة العلمية لمدة طويلة. ففيزياء أرسطو، المتسمة بطابع اختباري واضح المعالم، فرضت نفسها على مدى حوالي عشرين قرنا و لم يشرع في تجاوزها إلا يوم انتبه العلماء إلى قصور تلك المقاربة و شرعوا في استعمال آليات أخرى مثل الترييض و التجريب. و لتوضيح ذلك، يمكنني تقديم المثال التالي: استنادا إلى معطيات التجربة المباشرة، قرر أرسطو أن الأجسام تسقط بسرعة تتناسب مع أوزانها. فالحجرة مثلا تسقط بسرعة أكبر بكثير من سرعة الريشة. لقد ظل هذا الإقرار، ذا الطبيعية الاختبارية البينة، جاثما على الفكر البشري لمدة ناهزت عشرين قرنا. ففي القرن السابع عشر، أخضع غاليلو هذا الإقرار لفحص دقيق باعتماد آليات متنوعة أبرزها الترييض و التجريب، فانتهى إلى النتيجة التالية: خلافا لما تمدنا به التجربة المباشرة، إن الأجسام، باختلاف أوزانها، تسقط بنفس السرعة. إن تفاوت سرعات سقوط الأجسام البادي للعيان، يرجع إلى مقاومة الوسط. و إذا قمنا بتجريد الوسط من خصائصه المقاومة لسقوط الأجسام، عبر الأمثلة و الترييض، سيتحول إلى فراغ تسقط فيه الأجسام بسرعات متساوية وفق قانون محدد بغض النظر عن أوزانها. فإذا كان الإقرار الأول قد عرقل تطور المعرفة العلمية لمدة طويلة، فإن الإقرار الجديد فتح آفاقا رحبة أمام البحث العلمي توج بتأسيس العلم الحديث.
ماذا الذي تشكله بالنسبة إليكم أسماء مثل محمد عابد الجابري و سالم يفوت؟
هذان الاسمان يعنيان، بالنسبة لي، الشيء الكثير الذي لا يمكن بسطه، على الوجه المطلوب، في سياق كهذا. لذلك، سأختزل الأمر في بعض الانطباعات الأولية العامة مع الإشارة إلى أنني كتبت مقالا حول كل واحد منهما و استحضرت أعمالهما في عدد من منشوراتي. فحول الراحل محمد عابد الجابري كتبت مقالا يحمل عنوان «الجابري و الإبستمولوجيا بالمغرب: عطاء متبادل» )نشر بكتاب قراءات في مشروع محمد عابد الجابري الفكري، منشورات دار الأمان، الرباط، 2017(، و حول الراحل سالم يفوت كتبت مقالا تحت عنوان «سالم يفوت و الإبستمولوجيا بالمغرب» )نشر بمجلة كتابات فلسفية، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، العدد الثاني، 2015 (.
فبخصوص الراحل الجابري، لم أتردد في القول إن الأمر يتعلق بشخصية استثنائية وبهامة فكرية قل نظيرها. يكفي، ربما، أن أكرر بشأنه ما قاله هو نفسه عن ابن رشد: «سيبقى نموذجا للمثقف العربي المطلوب اليوم و غدا، المثقف الذي يجمع بين استيعاب التراث و تمثل الفكر المعاصر و التشبع بالروح النقدية و بالفضيلة العلمية و الخلقية». فعلاوة على انشغالاته المتنوعة و المتعددة: النقابية و السياسية و الصحفية و التربوية، كرس القسط الأوفر من مجهوداته الفكرية لبناء مشروع فكري ضخم يرقى إلى مستوى المشاريع التي توسم عادة بالمشاريع التاريخية الكبرى.
أما إذا كان القصد من السؤال هو ما يمثله الجابري بالنسبة لي بوصفي منشغلا بالإبستمولوجيا، فإنني لن أتردد أيضا في نعته بأنه المدشن الحقيقي للنشاط الإبستمولوجي بالمغرب. فله يرجع الفضل في إدخال الإبستمولوجيا إلى الجامعة المغربية في بداية السبعينات من القرن الماضي. إنه أول أستاذ أدرجها كمادة في مقررات شعبة «الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس» بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط و قام بتدريسها على مدى عدة سنوات. إنه أيضا أول أستاذ قام بفتح وحدة للتكوين و البحث في مجال الإبستمولوجيا سمحت بتكوين مجموعة من الباحثين في المجال أبرزهم الراحل سالم يفوت و الأستاذين محمد وقيدي و عبدالسلام بنعبدالعالي. و أخيرا، يعد الجابري أول مفكر مغربي ألف في مجال الإبستمولوجيا إذ نشر، سنة 1976، كتابا عنونه بمدخل إلى فلسفة العلوم.
أما الراحل سالم يفوت فيٌعد، بدوره، أحد أبرز المفكرين المغاربة الذين قدموا خدمات جليلة للفكر الفلسفي بالمغرب و بالعالم العربي عموما. لقد ساهم في تكوين عدد كبير من الأساتذة الباحثين في هذا المجال. و في موازاة مع ذلك، ساهم في إثراء المكتبة الفلسفية العربية من خلال نشر عدد لا يستهان به من الكتب الرصينة التي غطت مجالات فلسفية متنوعة ومتفاعلة: الإبستمولوجيا و تاريخ العلوم و الفلسفة الغربية و الترجمة و البحث في التراث العربي الإسلامي.
لقد ربطتني بالراحل سالم يفوت علاقة شخصية، ذلك أنني اشتغلت معه، لمدة تجاوزت عقدا من الزمن، في «مجموعة البحث في تاريخ العلوم و فلسفتها» التي كان يتحمل مسؤولية تنسيق أشغالها و التي أثمرت حوالي عشرة كتب في مجال تاريخ و فلسفة العلوم. اشتغلت معه أيضا في «هيئة تحرير» مجلة مدارات الفلسفية؛ كما أشرف على الأطروحة التي أنجزتها لنيل دكتوراه الدولة و التي ناقشتها في شتنبر 2001. يسمح لي هذا الاحتكاك بالرجل، الذي عمّر طويلا، بأن أزعم أنني خبرته بما فيه الكفاية و أستطيع بالتالي أن أقول إنه كان رجلا من طينة خاصة، كان يتمتع بكل الخصال التي درج التقليد على اسنادها إلى الشخصيات الفريدة و الاستثنائية من نبل و عفة نفس و تواضع و تعاون و نزوع إلى الابتعاد عن الأضواء و عن الصراعات الهامشية و غيرها. و علاوة على ذلك، كان يتمتع بروح دعابة هائلة إذ كان ممتعا في الجلسات الخاصة بقدر ما كان مفعما في الجلسات العلمية.
أما فيما يتعلق بعلاقة سالم يفوت بالإبستمولوجيا، فإنها تختلف قليلا عن علاقة الجابري بها. فالجابري هجر الإبستمولوجيا، أو على الأصح أوكل أمرها إلى ثلة من طلبته مباشرة بعد نشره لكتاب مدخل إلى فلسفة العلوم. صحيح، لقد استمر في توظيفها، مقاربة و مفاهيما، في الأعمال اللاحقة حول العقل و التراث العربيين، لكنه توقف عن التأليف فيها. أما سالم يفوت فظل منشغلا بها، حاملا لهمومها طوال حياته.
تعود علاقة سالم يفوت بالإبستمولوجيا إلى بداية السبعينات من القرن الماضي. فقبل التحاقه بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط سنة 1978، نشر عددا لا يستهان به من المقالات الإبستمولوجية. و في سنة 1978، ناقش أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا حول موضوع «مفهوم الواقع في الفكر العلمي المعاصر» تحت إشراف الجابري (نشرت هذه الأطروحة سنة 1981). بعد ذلك، اقتدى سالم يفوت بنهج الجابري إذ اتجه إلى البحث في التراث العربي الإسلامي، فقام بتسجيل أطروحة لنيل دكتوراه الدولة حول ابن حزم و تحت إشراف الجابري. ناقش تلك الأطروحة سنة 1985 و نشرها في السنة الموالية في كتاب يحمل عنوان ابن حزم و الفكر الفلسفي بالمغرب و الأندلس.
بالرغم من هذا الانعطاف في مسار أبحاثه، فإن سالم يفوت لم يهجر الإبستمولوجيا كما كان الشأن بالنسبة للجابري إذ استمر في الانشغال بها، و بمجالات متاخمة لها مثل تاريخ و فلسفة العلوم، تدريسا و تأطيرا و تأليفا. فعلاوة على العدد الهائل من المقالات الإبستمولوجية التي نشرها في مجلات و كتب جماعية مختلفة، ألف عدة كتب في المجال أذكر منها كتاب فلسفة العلم و العقلانية المعاصرة (1982) و كتاب فلسفة العلم المعاصرة و مفهومها للواقع (1985) و كتاب درس الإبستمولوجيا (بالاشتراك مع الأستاذ عبدالسلام بنعبدالعالي، 1985) و كتاب الفلسفة و العلم الكلاسيكي (1990) و كتاب ابستمولوجيا العلم الحديث (2008). و إجمالا، إذا كان فضل تدشين النشاط الإبستمولوجي بالمغرب يرجع إلى الجابري، فإن فضل تطويره، بل و ازدهاره، يرجع إلى ثلة من الباحثين على رأسهم سالم يفوت.
و أخيرا، لا يمكنني أن أنهي الجواب عن هذا السؤال دون الإشارة إلى أن هذين الرجلين، وبالخصوص الثاني، لم ينالا حظهما من الاهتمام لأسباب خارج علمية، تعود، بالدرجة الأولى، إلى التراجع المهول الذي عرفه الفكر الحداثي العقلاني داخل الجامعة و خارجها وإلى التوسع المتزايد للفكر الأصولي اللاعقلاني. و لذلك، استغل هذه الفرصة لأدعو المتفلسفة و أنصار الحداثة و العقلانية من بيننا إلى العمل على رد الاعتبار لهذين الرجلين.
كيف يمكن في نظركم أن تكون لنا نهضة علمية وفكرية في المغرب تسمح بمجابهة ومواجهة التحولات التي تفرضها العولمة والاقتصاد العالمي؟
يبدو لي أن هذا السؤال يعود بنا إلى سؤال النهضة عموما، ذلك أنه من المستحيل تصور نهضة علمية و فكرية دون نهضة شاملة، تتحق على جميع الأصعدة على نحو من الأنحاء. وكما هو معلوم، إن إشكالية نهضة الأمة العربية الإسلامية هي إشكالية قديمة، استقطبت اهتمام عدد كبير من المفكرين العرب و المسلمين و خضعت لنقاشات، بل لجدالات حادة ومؤرقة، أفرزت مواقف متباينة: فمن المفكرين من رهنها بالعودة إلى الماضي، و بالضبط إلى «عصره الذهبي»، و منهم من قرنها باستلهام قيم الحداثة الغربية من عقلانية وديمقراطية و حرية و غيرها، و منهم من دعا إلى التوفيق بين الخيارين بطرق مختلفة.
بالرغم من كل ما قيل و ما أنجز، فإنه لم يكتب لتلك النهضة، المنشودة منذ أمد بعيد أن تتحقق، بل يبدو أنها تبتعد عنا يوما بعد يوم. فكل المعطيات البادية للعيان في العالم العربي الإسلامي، اقتصادية كانت أم سياسية أم اجتماعية أم فكرية و ثقافية، تؤكد هذا الاستنتاج. يدفعنا هذا التوصيف المؤلم لوضعنا إلى القول إن محاولة الإجابة عن السؤال: ما السبيل إلى تحقيق النهضة العربية المأمولة؟ يفرض التعاطي أولا مع السؤال: لماذا لم يكتب لها أن تتحقق إلى حد الآن؟
استقطب هذا السؤال اهتمام كل المفكرين العرب الذين انشغلوا بسؤال النهضة. فمنهم من أرجع الإخفاق في تحقيقها إلى عوامل اقتصادية مثل العجز عن إرساء أنشطة اقتصادية متطورة )صناعية على وجه الخصوص( كفيلة بتحقيق نسب تنمية مرتفعة. و منهم من رده إلى عوامل اجتماعية مثل البنية القبلية للمجتمعات العربية و الصراعات الطائفية ووضع المرأة العربية. و منهم من رده إلى عوامل سياسية مثل حالة التشرذم التي تعرفها الأمة العربية و الصراعات الداخلية و البينية التي تعاني منها الدول العربية. و منهم من ردها إلى عوامل فكرية من قبيل تفشي الأمية و تدني مستوى التعليم و البحث العلمي. و منهم من أرجعها إلى هذه العوامل مجتمعة.
يبدو لي أنه لا يمكن لأي كان أن يعارض تلك التفسيرات المقترحة لإخفاق العرب في تحقيق نهضتهم. فكل تلك العوامل لعبت دورا في ذلك الإخفاق و إن بدرجات متفاوتة. و مع ذلك، اعتقد، مع محمد عابد الجابري، أن تلك التفسيرات أهملت عنصرا أساسيا قد يتجاوز العناصر المذكورة من حيث الأهمية و هو العقل العربي، أي الأداة ذاتها التي تفكر في وضعنا المتردي ضمن محيطنا الإقليمي و الدولي و تبدع سبل خلاصنا منه.
يتضح إذن أن النهضة العربية عموما و النهضة المغربية خصوصا، بما في ذلك النهضة العلمية و الفكرية )موضوع السؤال(، تتطلب توفر عدة شروط: اقتصادية و سياسية واجتماعية و ثقافية-فكرية. و علاوة على ذلك، و ربما قبل ذلك، يجب إصلاح العقل العربي بوصفه أداة للإنتاج لا كمنتوج، أي يجب تصويب نمط تفكيرنا. و يبدو لي أن الطريق الوحيد السالك إلى ذلك هو شحنه بقيم الحداثة و قيم العلم المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.