«المرآة الصدئة لا يحصل فيها التجلي» ابن عربي أصدر الباحث المغربي محمد دحمان، ضمن سلسلة «دراسات فلسفية»؛ التي تصدرها كلمات ط. ن. ت. بسلا المغرب، عملا آكاديميا بعنوان « مفهوما الصيرورة والتحول عند ابن عربي1». ويتناول العمل فلسفة ابن عربي الصوفية من خلال التركيز على مفهومي الصيرورة والتحول؛ في أبعادهما الإشكالية. ويمكن أن نقدم العمل كما يلي: إن «الصيرورة» هي عصب التصور الأكبري للوجود. هذا ما يذهب إليه الباحث، مبرزا إلى أي حد يجعل هذا التصور العلاقة بين الله وبقية الموجودات علاقة فيض وتجدد، وتجل، وتحول، « فلولا سريان الحق في الموجودات بالصورة لما كان للعالم وجود» ( ابن عربي ). العالم، إذا، في نظر ابن عربي خلق متجدد وديمومة، فكيف يدرك الصوفي هذا الغير الدائم وتلك الصيرورة اللامتناهية؟ يجعل ابن عربي « القلب « ملكة للمعرفة، متميزة عن العقل في آفاقها المعرفية. فإذا كان العقل منشغلا بالحدود والرسوم والقيود، فإن القلب، خلافا لذلك « لا ينضبط ولا يدخل تحت الحد والوصف» ( ابن عربي)، فهو متقلب؛ ومن ذلك كانت تسميته، ومتغير، وهو ما يجعله ملائما لطبيعة الوجود؛ كثيرة التغير متجددته ، دون أن تفقد وحدتها. ذلك أن الوجود الحق، واحد، متعدد المظاهر، كثير التجليات. ما الذي يفعله القلب، إذا، أمام هذه الكثرة الظاهرة؟ إنه يتعقب تلك المظاهر والتجليات؛ يستوعبها، كما تستوعب المرآة الصور الواردة عليها. لكن علينا ألا ننسى أن « المرآة الصدئة لا يحصل فيها التجلي»، يقول ابن عربي. يلاحق القلب/ العاشق صور المحبوب/ الله في كل صورة وتجل « فننظر إليه في مرآة نفوسنا، عكس الرب الذي له الثبوت».( ص، 35) هذه الحركة الدائمة المتجددة، التي يتموقع العارف في أتونها هي ما يجعله، دائم التجدد: وجودا، ومعرفة، ولغة. وما يجعله قابلا للاختلاف الإنساني فيه. وضاربا، عرض الحائط ، تصور اللغة / اللوغوس كحد وفصل وتقسيم. فتصير اللغة، كما يقول نيتشه، نوعا من الجنون العذب الذي يتيح لنا الرقص فوق كل الأشياء. هل يؤشر هذا النزوع على مجاوزة أكبرية للميتافزيقا؟ يتبنى محمد دحمان، من منطلق دراسة مقارنة، أطروحة تجعل الشيخ الأكبر نظيرا لفلاسفة المجاوزة ( مجاوزة الميتافزيقا ( من تفكيكيين ( دريدا خاصة ) وجنيالوجيين، ومقوضين ، في النزوع إلى تجاوز منطق اللوغوس في اللغة، ومنطق الميتافزيقا، عوما، وهي تؤسس مفاهيم: الأصل، والوحدة، والتطابق. ومن منطلق المقارنة، دائما، يبرز الباحث، كيف عمل دريدا على مجاوزة الميتافيزيقا، من خلال «منطق التفكيك»، بينما عمل ابن عربي على مجاوزتها من خلال « استراتيجية الصيرورة « »التي سمحت له بفك بنية المفاهيم التقليدية الموروثة عن الفكر الأرثودوكسي، وريث الشروحات الفقهية، كما هو شأن مفهوم الاعتقاد، بالمعنى الذي يلغى فيه الآخر المخالف« ( ص، 198). بترتب عن هذا التحليل، بيان مواطن اللقاء الممكن بين دريدا وابن عربي: تصور النص والقراءة؛ إذ من المعلوم أن تصور النص كوحدة مغلقة محدودة المعنى، لا يتيح إمكانية الاختلاف في القراءة والتأويل. ابن عربي، عمل ضد هذا التيار، فأسس لتصور منفتح للنص، ضدا على « الاعتقاد المذهبي الواحد وعلى النص الواحد والمعنى الواحد» ( ص، 199 ). وبهذا يدشن لفلسفة « الاختلاف « في الفكر العربي الإسلامي. إن كتاب « مفهوما الصيرورة والتحول» هو عمل جدير بالقراءة، باعتباره دعوة للتفكير في القضايا الميتافيزيقية الكبرى للفكر العربي الإسلامي، وتحريض «فلسفي «للتمرن على مجاوزة الميتافيزيقا، على الطريقة الأكبرية. هامش: 1.محمد دحمان، مفهوما الصيرورة و التحول عند ابن عربي، سلسلة دراسات فلسفية، كلمات للطباعة والنشر والتوزيع، سلا، االمغرب، ط،1،2013. أولا: مبررات الاهتمام الابستمولوجي: * من المعلوم أن هذا المجال يعرف اصطلاحا بأنه تقييم للحصيلة العلمية والموضوعية والمنهجية للعلوم ونتائجها، وإظهار تأرجحها بين الذاتية والموضوعية وتقييم مناهجها مما يجعل منها وعيا نقديا للعلم الموضوعي. وما يجعل كذلك من هذا المجال آلية ضرورية للباحث المعاصر في قضايا الفكر والمجتمع. الشيء الذي يفسر قيام يافوت بانجازات تتبع مسارات الابستمولوجيا وقضاياها عموما . * ان منزلة الابستمولوجيا شبيهة بمنزلة المنطق الأرسطي وضرورته للفيلسوف لتصحيح أخطاء الفكر. وان كان الاهتمام بين الفيلسوف التقليدي والفيلسوف المعاصر يتشابه في المظهر ويختلف في الموضوع والمنهجية . وستتخذ اهتمامات يفوت بالاستمولوجيا صبغة مؤلفات لا تؤرخ فقط لابستمولوجيا ، ولكن تستنتج منها الأدوات المنهجية «القابلة للتعميم» نذكر على سبيل المثال القطيعة الابستمولوجية، والاستمرارية والاتصال , العقل والعقلانية , المنهجية والعقيدة الدوغما ، الذاتية و الموضوعية... ثانيا - يفوت والاهتمام بالدراسات الثراتية: * تصحيح الدراسات الاستشراقية ونتائجها: من بين المهام التي اضطلع بها في تناوله لفلسفة بن حزم و نزعته الفقهية، تصحيح نتائج الدراسات الاستشراقية . خاصة في النظر إلى نزعة بن حزم الظاهرية بأنها استمرار للنزعة المشرقية و اعتبار تاريخ الأفكار العربي من المشرق إلى المغرب خط متواصل لم تؤثر فيه إشكاليات المجتمع المغربي الأندلسي .لقد أوضح الأستاذ يفوت بأن الدراسات الثراتية حقل من البحث كان محتلا من قبل الدراسة الاستشراقية التي تحتاج إلى التدقيق . * تصحيح الدراسات الثراتية السابقة: بحيث نهج الأستاذ يفوت دراسة تناولت الموضوع على ضوء مستجدات المنهجية المنفتحة في نفس الوقت على دور العوامل الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية (و هذا هو القسم الأول من المؤلف) في بلورة الاختيارات الفلسفية مع توظيف لمستجدات المنهجية وآلياتها المنبثقة عن البحث الابيستمولوجي : مثل مفهوم القطيعة والأسس الابستمولوجيا... وفي نفس السياق تجاوز القراءة «المادية التاريخية «للتراث التي تبلورت ملامحها مع طيب تزيني والحسين مروة. مناخ الدراسات التراثية : عندما انكب يفوت على دراسة ابن حزم ، كان المناخ المنهجي السائد حول الدراسات التراثية تمثله من حيث الخطوط العريضة هذه التيارات المنهجية التي ذكرنا . لكن المستجد الرئيسي فيها هو نتائج البحث في التراث التي سادت رحاب كلية الآداب و العلوم الانسانية بالرباط على يد محمد الجابري. و الذي يعتبر رائدا للتوظيف المنهجي الحديث في التعامل مع قضايا التراث خاصة اختبار صلاحية مفهوم القطيعة الابيستمولوجيا و ما يترب عنها من نتائج في رسم ملامح التراث المغربي الأندلسي. وبالتالي الدفاع عن الأطروحة المتمثلة في فصل الدين عن الفلسفة كإشكالية عامة هيمنت على الفضاء الفكري المغربي الأندلسي على عكس الإشكالية الداعية إلى التوفيق بين المجالين كما ساد في المشرق العربي. و بالتالي فإن الدراسة حول ابن حزم التي سيقوم بها سالم يفوت ستندرج في هذا الإطار بمحاولة فهم أن ابن حزم هو تمهيد للمشروع الفكري الذي سيتجلى في أعمال ابن رشد لاحقا . ثالثا - نتائج دراسة ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس: * من الصعوبة بمكان في حدود هذه المقالة استعادة كل النتائج التي توصلت إليها أطروحة يفوت غير أنه يمكن استعادة مركزة لهذه النتائج من أجل فتح آفاق أمام الدارسين الجدد للتوسع أكثر في إطار أبحاث جامعية. * من نتائج الدراسة كون ابن حزم يفهم على قطيعة ابستمولوجية مع الظاهرية المشرقية في مجال الفقه. * كون ابن حزم أرسطي النزعة في النظرة إلى الظواهر و ذلك ضد النزعة الغنوصية . * كونه يتعامل مع النظامين الفكريين و الدين و الفلسفة على أنهما نظامان يفهم كل منهما في نطاقه على عكس النزعات التوفيقية. و بالتالي ف?ن ابن حزم هو في نظر الأستاذ سالم يفوت « كان تمهيدا لظهور المدرسة الفلسفية بالمغرب و مقدمة لها. إنه مرحلة، كانت لازمة من أجل التقويض و الهدم بغية تصفية الحساب مع طريقة محددة في التناول سلكها الفكر الفلسفي في المشرق ما لبثت أن أعقبتها مرحلة أكثر نضجا ، لم تكتف بإبراز العيوب المنهجية و بالرد و النقض والاعتراض، بل تعدت ذلك إلى التجاوز ، تجاوز أسلوب الإنتاج وطريقة التفكير المهيمنين على ذلك الفكر . لا ينبغي الاعتقاد من أن هيمنة الطابع الجدالي الطاغي على ردود فقيهنا على الكندي أو غيره ، تسجل موقف ما ضد الفلسفة ، بل إنه ضد فلسفة بعينها تحرف الدين و الفلسفة معا بدمجهما و تحرف أرسطو عندما تدمجه بأفلوطين إنه موقف داخل الفلسفة « الصفحة 311/312, ابن حزم والفكر بالمغرب والأندلس? وينتج عن ذلك أن هذه الدراسة التي تبلورت في منتصف ثمانينات القرن الماضي جزء من مجهود منهجي لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي و المغربي الأندلسي على ضوء مستجدات البحث و آلياته ولكن أيضا بهدف قراءة اديولوجية بناءة .