ماهي الخيارات المتاحة لتدبير القضايا والتحديات المشتركة بالفضاء الأطلسي ؟ كيف يمكن الموازنة بين تحقيق السلم مع احترام مفهوم السيادة ؟ أية رؤية للشراكة الاستراتيجية التي ينبغي اعتمادها بين بلدان ضفتي الأطلسي ؟ هل يمكن للتدبير المنفرد للقضايا العابرة للبلدان والدول أن يحقق نتائج مرضية ؟ أية رؤية مشتركة لمستقبل التجارة والاستثمار ؟ ووفق أية مقاربة ينبغي معالجة مشاكل مصيرية تهدد العالم بكامله كمشكل التغيرات المناخية والاختلالات البيئية وقضايا الأمن والطاقة ؟ كيف ينبغي استثمار القوى الناهضة من خارج الفضاء الأطلسي ؟ وهل هناك ثقة متبادلة بين بلدان الشمال والجنوب ؟ تلك أهم الأسئلة التي عالجها المنتدى الدولي لحوارات الأطلسي الذي نظمه بمراكش نهاية الأسبوع الماضي المجمع الشريف للفوسفاط والصندوق الألماني مرشال للولايات المتحدة، بهدف تقاسم الأفكار والشراكة الاستراتيجية والتنمية بين بلدان ضفتي الأطلسي . المشاركون انطلقوا من حقيقة كون المشاكل التي يجتازها العالم مترابطة ولا يمكن الفصل بينها، وتدبير الحلول المقبولة لها ينبغي أن يتم في إطار مجهود تكاملي بين بلدان الشمال والجنوب ، بشكل يحفظ حقوق البلدان النامية في التنمية المنصفة التي تقلص من الفقر وتحد من الفوارق، وتخفض من أسباب العنف والتوتر المسلح . إننا نعيش في كوكب مُعولم، يقول أحد المشاركين ، مشاكله ذات طابع محلي ووطني وعابر للدول والقارات ، وواهم من يعتقد أنه يتحكم في التحديات التي تواجه بلده بشكل منعزل . فالتغيرات المناخية والجريمة العابرة للحدود والإرهاب والتطرف والاتجار في البشر وحتى الأزمات المالية والتقلبات الاقتصادية والحروب، لا يمكن تصور الرابط بين أسبابها ونتائجها إلا في امتداد دولي لا يمكن تطويقه إلا بتعاون مشترك . وإذا كان الهدف من وراء كل سياسة داخلية أو خارجية، هو تحقيق رفاه الشعوب ، وضمان الحق في عيش آمن ومستقر، فإن الفضاء الأطلسي كما أوضح بعض المتدخلين يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا المجال، وخاصة إزاء المستقبل الحافل بالكثير من التحديات والتهديدات لأن الرهان الأساسي هو استغلال التعاون الدولي لإنشاء بيئة جيدة للاستفادة من فرص التنمية في مختلف العالم . وفي هذا الإطار فإن التكامل الجهوي والإقليمي ، يمثل شرطا حاسما لتحقيق هذا الهدف خاصة بالنسبة لبلدان الجنوب . وأكد المشاركون في «حوارات الأطلسي» أن التحولات التي تشهدها البلدان والدول المطلة على الأطلسي، تفرض أكثر من أي وقت مضى، إرساء نماذج مَبنية للشراكة والتنمية المشتركة ، رغم اختلاف الاستراتيجيات و الانشغالات الخاصة بكل بلد . فهذه التحولات المدفوعة بهاجس البحث عن دينامية في النمو الاقتصادي والتنمية البشرية لبلدان الأطلسي، ينبغي لها أن تأخذ بعين الاعتبار انبثاق قوى من خارج الفضاء الأطلسي بما فيها الصين والهند واليابان . وتوقفت نقاشات المشاركين عند قضايا الأمن الغذائي والتنمية المسؤولة للفلاحة ، خاصة في ظل الارتفاع الديمغرافي لساكنة العالم التي سيتجاوز عددها في سنة 2050 تسعة ملايير نسمة، وهو ما سيؤثر حتما على حجم الطلب على الغذاء ومن خلاله الضغط على الأراضي المزروعة. وهكذا فالبلدان الإفريقية ستكون مدعوة لتقوية أسس ثورتها الفلاحية، وبلدان أمريكا الجنوبية، ستواجه ضرورة تحويل قطاعها الفلاحي إلى مقاولات تجارية، فيما سيكون على بلدان الشمال، أن تركز انشغالها الفلاحي على حماية الموارد الطبيعية والاعتبارات المناخية والطاقية . مستقبل المدن والجهات ،شكل محورا هاما من نقاشات المشاركين، حيث لوحظ أن النمو المتسارع الذي يعرفه العالم على مستوى التمدن واتساع التعمير من دون رؤية استراتيجية، يهدد بتحول مجالات عيش السكان إلى فضاءات فاقدة للمعايير الضامنة لجودة الحياة، مكرسة الفوارق وشاحنة أسباب الاحتقان وعدم الاستقرار لأن في المدن تجد كل مشاكل العالم تصريفها في حياة الناس، سواء كانت مشاكل اقتصادية أو بيئية أو ثقافية، مثلما أن عدم التحكم في وتيرة التعمير وملاءمته مع الحاجيات الأساسية للسكان بما يستلزمه من توفير الموارد اللازمة لذلك، يجعل العالم مؤهلا للمزيد من المشاكل التي ستؤجج الصراع حول السيطرة عليها واحتكارها لأنه من دونه لا يمكن الحفاظ على معدل جيد للنمو . كما تركزت النقاشات التي عرفها المنتدى الدولي للحوارات الأطلسية ، على مستجدات التحديات الطاقية ، وضرورة استشراف إمكانات جديدة ، تصون التوازنات البيئية ، وتضمن نجاعة طاقية أكبر . وخلص المشاركون إلى أن البحث عن الشراكات المنصفة بين بلدان ضفتي الأطلسي ، يستدعي تفهما متبادلا للقضايا وتدبيرا معقلنا للمصير المشترك، لأن هناك مشاكل وتحديات عبر وطنية لا أحد باستطاعته أن يواجهها لوحده مهما بلغت قوته . وشارك في الدورة الثالثة لمنتدى حوارات الأطلسي المنظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك ، حوالي 350 شخصية من كبار المسؤولين والخبراء، يمثلون 45 بلدا من أوروبا وأمريكا الجنوبية وبلدان الكرايبي وإفريقيا والولايات المتحدة وكندا والهند والصين .