حضرت، مساء الخميس 16 أكتوبر الجاري، بمدينة "الغبار" خريبكة ?أليست هي كذلك يا عبد الرزاق، يا مصباح!، العرض الأول للعمل المسرحي- السينمائي الجديد لإدريس شويكة. الفرجة تلك موسومة ب"حياة زوجية"، وهي ممتعة، تتناول أيام وليالي وربيع وخريف العلاقات بين زوجين مغربيين، وقد سمحت طبيعة موضوعها المفتوح لمؤلفي النص ?شويكة والسيناريست بلعيد بنصالح اكريديس بالتعريج على عدة قضايا مجتمعية تهم المغرب والمغاربة ومحيطهم. ومن بين الإشكاليات التي أثارها النص، ولو بعجالة، صدى الزعيق الذي ارتفع على طول البلاد وعرضها مطالبا باعتماد فن نظيف، ومنددا "بزعزعة أخلاق الأمة وذوقها وقيمها من قبل فن يخدش الحياء والأخلاق العامة" كذا!!!. الموقف الذي عبر عنه العرض إزاء كل هذا الضجيج المفتعل ?لحاجة في نفس لحية بالطبع?، لم يخرج عن سياق المقاربة التي كان إدريس شويكة قد بسطها بمناسبة حوار صحفي كنت قد أجريته معه سابقا: " إن مفهوم، أو بالأحرى »لا مفهوم«، »الفن النظيف« أو »الشريط النظيف« جد غريب. وفي اعتقادي، ليس هناك فن نظيف وفن وسخ! هناك الفن فقط. والفن مرتبط جوهريا بحرية الإبداع والتعبير. ?...? أتذكر أن نوبة ضحك ألمت بنا، أنا وبعض الزملاء، حين سمعنا، للمرة الأولى، حديثا حول »الفيلم النظيف«. حينها، عثرت بتلقائية على تجسيد حي لهذا المفهوم: علينا من الآن فصاعدا أن نضيف مادة تنظيف لآلات تحميض الأشرطة، مادة بإمكانها »غسل« الأفلام ب»ماء جافيل« لكي تكون »أكثر نظافة« عند الاستهلاك!" حضرتني رسالة العمل الفني الأخير لشويكة بقوة، وأنا أكتشف أن شركة فرنسية حديثة العهد شرعت في إنتاج وتسويق منتوج يصلح لتحديد مدى مطابقة المأكولات والمشروبات لمعايير "الحلال". "الفتح المبين الجديد" مسجل تحت ماركة "حلال تيست" ?اختبار الحلال?، وهو عبارة عن شريط يتعين على المستهلك المسلم وضعه في كوب ماء ساخن به عينة من الطعام أو الشراب المشتبه فيه، ليعرف بعد بضع دقائق فقط إن كانت العينة تحتوي على لحم خنزير أو كحول، ومن ثمة إن كان الطعام أو الشراب حلالا أم حراما. الفكرة جيدة لأنها ستجعل الأموال تتدفق على حسابات أصحابها البنكية. وهي صالحة للاستنبات في حقل الإبداع من قبل دعاة الفن والأدب "النظيفين"، أي "الحلال". هكذا، سيكون بإمكان أصحابنا "الأتقياء" تسويق جهاز لقياس درجات احتواء شريط أو مسرحية أو كتاب أو لوحة تشكيلية ما على مكونات حرام أم لا. وبكل تأكيد، ستفشل الرواية الأولى للكاتبة المغربية المقيمة في فرنسا، ليلى السليماني ?في حديقة الغول، منشورات غاليمار?، في الاختبار، وتصنف، رغم نجاحها في المكتبات واحتفاء الإعلام والنقد الفرنسيين بها ومديح الطاهر بن جلون لقيمتها الأدبية، في خانة عدم مطابقة معايير الحلال. وكيف لا وهي تروي بلغة مباشرة، رغم تملكها للصنعة والشعرية وسعة الخيال، حكاية امرأة تعاني من الإدمان على ممارسة الجنس، تغادر بيتها بمجرد ذهاب زوجها إلى العمل، لترتمي في أحضان أول رجل عابر تلتقيه، بحثا عن "ذلك الإحساس السحري المتولد عن اللمس بواسطة الأصبع للخسيس والفاحش، للانحراف البورجوازي والبؤس البشري"؟ ومع ذلك، ورغم أن لون "اختبار الحلال" سيصبح أحمر فاقعا بمجرد دنوه من "حديقة الغول"، فالرواية الصادرة حديثا تستحق أن نخصص لهل حيزا في أحد أعدادنا القادمة. عذرنا في ذلك أن "راوي الكفر ليس كافرا"!