{ لماذا غرفة جديدة للمنتجين؟ وما معالم فشل الغرفة السابقة؟ لاحظ العديد من الأعضاء السابقين ل «الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام» أن هذه الأخيرة لم تعد تمثل مصالح المهنة، بل أصبحت تدافع بالأحرى على مصالح أقلية من المنتجين، علما أننا نجد ضمن هذه الأقلية أشخاص هم مجرد مناولين. ولقد تزامن هذا الوضع مع مرحلة جد عصيبة، مرحلة حبلى باحتمال تعرض مصالح المهنيين لضربات موجعة وعصية على الترميم إذا لم يوحد «مهنيو المهنة» (وفق تعبير غودار) مجهوداتهم للدفاع عن هذه المصالح. ولذا، قرر هؤلاء الأعضاء إطلاق فكرة إنشاء غرفة جديدة مفتوحة في وجه كافة المنتجين، غرفة أكثر ديمقراطية من الأولى ومتميزة بتمثيليتها الفعلية للمهنة. وفي هذا الأفق، هيأت لجنة مصغرة مشروع قانونين أساسي وداخلي للغرفة الجديدة، وهما المشروعان اللذان أغنيا بفعل الحوارات الأولية مع المنخرطين الأوائل قبل المصادقة عليهما خلال الجمع العام التأسيسي المنعقد في 7 مارس 2012 . ولقد تم بذل مجهود خاص حيال المُنتِجات والمنتجين الشباب قصد إقناعهم بالانخراط في الغرفة، هم اللذين ظلوا يتعرضون للإقصاء الممنهج من الهيئة السالفة. والواقع أن الشباب يمثلون الخلف البديل وأنهم ضمانة استمرار وتنوع وغنى الإنتاج السينمائي والسمعي البصري الوطني. { هل كانت إمكانية إصلاح أعطاب الغرفة السابقة من الداخل منعدمة إلى هذا الحد، وهل كان من المستحيل القيام بذلك عبر إعمال آليات الديمقراطية الداخلية بدل اللجوء إلى ما وسمه البعض بالانشقاق؟ أصدقك القول أننا حاولنا فعل ذلك طوال السنوات الأخيرة، لكن محاولاتنا كانت مثل صرخة في وادي. إن مناورات «الرئيس مدى الحياة» للغرفة السابقة قد أدت إلى إقبار جميع محاولات دمقرطة تلك الهيئة بشكل منهجي. وبناء عليه، وإذا كان من حق البعض الحديث عن انشقاق، فإنه انشقاق غير نابع من فكر تمردي. لقد فرض علينا هذا المسلك الذي لم يكن ثمة بديل عنه! أعتقد أن مراجعة تمثيلية منتجي ومخرجي الأفلام قد أصبحت تندرج ضمن الأولويات، وهي مسألة من الواجب معالجتها بوعي يستحضر الرهانات الظرفية الآنية لهذه التمثيلية ومستقبلها. ونظرا لكون السينما تمثل اليوم وسيلة التواصل الأكثر فاعلية والأعمق تأثيرا في التنمية السوسيو اقتصادية للدول، فإنه من الأساسي أن نضمن لها المكانة التي تستحقها. ولذا، فلا مناص من إشراك المهنيين في مجمل المقاربات التي تهم الحقل السينمائي، سواء كانت المقاربات هذه ذات طبيعة قانونية، أو تنظيمية، أو اقتصادية، أو ثقافية أو اجتماعية. ووفق هذا التصور بالذات، بادرنا إلى تأسيس جمعية مهنية منفتحة وديمقراطية، يتم تدبيرها بشكل جماعي وشفاف لا تشوبه عيوب، إيمانا منا بأن هذا هو السبيل الوحيد لضمان التمثيلية الفعلية للمهنة برمتها، والحضور الفاعل لصوتها في مختلف مستويات صياغة القرار والحكامة. { لكن ما الذي تقترحه الغرفة الجديدة؟ ما المشروع الذي تحمله؟ يندرج تأسيس الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام في السياق الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا، وهي تسعى أساسا إلى التشييد التدريجي لمناخ وبيئة مهنيين صحيين وشفافين في حقل الإنتاج السينمائي والسمعي البصري. أما أهم أهدافها، فهي أولا المساهمة في التنظيم العقلاني للمهن السينمائية والسمعية البصرية وضمان ديمومة واستمرارية الإنتاج الوطني. وثانيا القيام بالدراسات واتخاذ المبادرات واعتماد النصوص التنظيمية وتوقيع كل الشراكات التي من شأنها تنظيم الإنتاج السينمائي والسمعي البصري المغربي والدفاع عنه وتطويره. وثالثا تنظيم العلاقات الفنية، المادية والمعنوية، بين منتجي الأفلام والعاملين في حقل الإبداع (الكتاب، الملحنون، التقنيون، المستخدمون...) بواسطة اتفاقيات جماعية ومختلف الآليات الأخرى. ورابعا الحرص على التطبيق الصارم للقوانين الداخلية والاتفاقيات الجماعية المنظمة للمهنة من طرف منخرطي الغرفة. وخامسا تمثيل هيئة منتجي الأفلام لدى الأجهزة الوطنية والدولية. وسادسا الدفاع على المصالح الفنية والمعنوية والاقتصادية والاجتماعية للمهنة، سواء داخل المغرب أو خارجه، بالإضافة إلى مؤازرة الأعضاء في هذا المجال، بل واللجوء إلى القضاء إذا اقتضى الأمر ذلك قصد الدفاع على مصالح المهنة وحقوق أعضائها الاجتماعية والمادية والثقافية المشتركة. وسابعا تأطير لجن المصالحة والتحكيم. وثامنا الانخراط في الفيدراليات أو الكونفدراليات أو الاتحادات المهنية أو النقابية الوطنية والدولية قصد تحقيق الأهداف السالفة الذكر. وتاسعا المساهمة في إشعاع الثقافة الوطنية في الداخل والخارج، عبر إنتاج وتوزيع الفيلم المغربي. ثم عاشرا تنظيم صناديق خاصة للدعم التضامني بين الأعضاء. { بصفتك مخرجا ومنتجا، ما رأيك في الوضع الحالي للسينما المغربية؟ السينما المغربية في تطور ملحوظ. وإنتاجنا السينمائي اليوم هو الأول في إفريقيا بدون جدل، إذا ما استثنينا إفريقيا الجنوبية، وفي العالم العربي، وهو كذلك على مستوى الكم والكيف في ذات الآن. كما أنه يمثل حاليا خير سفير للبلاد في الخارج. وقد تميزت الأشرطة المغربية، خلال السنتين السالفتين، بحضورها المتميز في حوالي مائة مهرجان عبر العالم، وتوجت بعشرات الجوائز. ومن جهة أخرى، فالسينما المغربية تمتح غناها من تنوعها، إذ نجد ضمنها الفيلم الكوميدي والشعبي إلى جانب فيلم المؤلف المعقد والبالغ الجودة. ومن ثمة، فإنه من اللازم إذن الحفاظ على هذا المكسب وتوطيده. مثلما من الواجب توسيع وتدعيم حرية التعبير والإبداع، إذ بدون هذه الحرية تصبح السينما مجرد دعاية ترويجية. { وماذا عن دفاتر تحملات السيد الخلفي، الوزير الجديد للاتصال؟ ضمن الدفاتر الجديدة لتحملات القنوات التلفزيونية الوطنية، التي هي الآن قيد المراجعة والتنقيح، هناك نقطتان أساسيتان أعتبرهما جد إيجابيتين بالنسبة للإنتاج السينمائي والسمعي البصري الوطني: الارتفاع الملحوظ لحصة الإنتاج الوطني ضمن شبكات برامج التلفزات الوطنية من جهة أولى، ومن جهة أخرى إقرار لجنة مستقلة لانتقاء مشاريع لبرامج، وهو ما من شأنه أن يجعل الميدان أكثر ديمقراطية وشفافية، وأن يحد من هيمنة ظواهر خدمة الأصدقاء والرشوة والزبونية. اما بالنسبة لباقي البنود، فالنقاش سيبقى مفتوحا باستمرار. وأعتقد شخصيا أنه من الضروري أن تحافظ القنوات الوطنية على طابعها التوحيدي، وأن تظل محترمة للتعدد الثقافي والإثني والديني واللغوي لبلادنا. إنه من الحيوي ألا تمنح الامتياز لفئة اجتماعية على حساب الفئات الأخرى. { ألا تشعر ببعض الخوف على حرية الإبداع في سياق مناخ المحافظة الحالي، خاصة مع بروز أصوات كثيرة تدعو إلى ما تسمه ب«الفن النظيف»؟ إن مفهوم، أو بالأحرى «لا مفهوم» «الفن النظيف» أو «الشريط النظيف» جد غريب. وفي اعتقادي، ليس هناك فن نظيف وفن وسخ! هناك الفن فقط. والفن مرتبط جوهريا بحرية الإبداع والتعبير. إن الفن يغترف مسوغات وجوده من كونه ينتقد باستمرار ويزعزع الأفكار المسبقة والطابوهات. وبناء عليه، فالسينمائي، مثله مثل باقي الفنانين، هو بالضرورة وفي الأصل مفكر حر ومستقل عن كل طاعة رهبانية. أتذكر أن نوبة ضحك ألمت بنا، أنا وبعض الزملاء، حين سمعنا، للمرة الأولى، حديثا حول «الفيلم النظيف». حينها، عثرت بتلقائية على تجسيد حي لهذا المفهوم: علينا من الآن فصاعدا أن نضيف مادة تنظيف لآلات تحميض الأشرطة، مادة بإمكانها «غسل» الأفلام ب«ماء جافيل» لكي تكون «أكثر نظافة» عند الاستهلاك! { ما الذي يفعله إدريس اشويكة الآن؟ وما نوع السينما التي يحبها وينجزها؟ أنا منشغل الآن بإنتاج فيلم تلفزيوني لصديقي عبد الكريم الدرقاوي، ونحن منهمكون في تصويره حاليا بمدينة اليوسفية. وأهيئ، من جهة أخرى، شريطا مطولا جديدا أعتزم تصويره في شتنبر وأكتوبر القادمين في مراكش وباريس. ولدي أيضا مشاريع أفلام تلفزيونية ومشروع مسلسل تلفزيوني. أحب، على العموم، إنجاز أفلام من النوع الذي أسعد بمشاهدته كعاشق للسينما. علما أن عاشق السينما هو، في الأصل، ذلك الإنسان الذي يحب لحظات السينما الحقيقية ويتلذذ بها، أو بصيغة أخرى الذي يعشق السينما التي تولد الحلم، والتفكير، وطرح الأسئلة والحوار غير المباشر مع الآخر، مع ثقافات وعقليات أخرى، السينما التي تخلف آثارا... أي السنما المناقضة لتلك التي لا طعم لها ومعها الأفلام العابرة التي لا تخلق إحساسا لدى المتلقي، والموجهة لدغدغة مشاعر «المستهلك».