حاور روبين نبيلات، مدير المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية (تشاتام هاوس)، الباحث والفيلسوف فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب »نهاية التاريخ«. في هذا الحوار يجيب فوكوياما عن أسئلة تتعلق بمواضيع وأفكار وردت في كتابه الأخير بعنوان »النظام السياسي والتآكل السياسي« وربطها بالواقع المعيش. فوكوياما: الشراكة بين ضفتي المحيط الهادئ أمر مفيد يعرّف فوكوياما التآكل السياسي بأنه التصلب الإدراكي، حيث تظهر مجموعة من المؤسسات في ظروف معينة ثم تتغير هذه الظروف ولا يحدث تأقلم. الأمر الآخر يتعلق بميل البشر إلى مجازاة أصدقائهم وعائلاتهم، وكل من هو داخل النظام السياسي سيستعمله لفعل ذلك بمرور الزمن. وهذا ما حدث بالضبط مع سلالة هان في الصين ومع الانكشاريين في الامبراطورية العثمانية، ونفس الشيء مع كبار الموظفين في النظام القديم في فرنسا. ويظن فوكوياما أن هذه الظاهرة الآن تميز النخبة السياسية الأميركية بشكل متزايد، والدليل على ذلك في الولاياتالمتحدة، أننا الآن نشهد أكبر أزمة منذ الكساد الكبير في فترة الثلاثينات من القرن الماضي ولم تتسبب الأزمة في تغيير الأمور بشكل جذري بل بقي الناس يحملون أفكارا غريبة كقولهم إذا وقع تخفيض الضرائب فذلك سيحفز النمو بشكل يجنب عجزا في الميزانية. ويتحدث فوكوياما عن مشكلات الديمقراطية مشيرا إلى أن الديمقراطية هي »نهاية التاريخ«، لذلك فإنها لن تنهار، لكنها قد تتآكل. دور المنظمات العابرة للحدود يرى فوكوياما أن هناك عددا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها أنظمة ديمقراطية جيدة لكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يسير بشكل جيد في طرق أساسية معينة. ويعتقد أن أحد أكبر المشاكل المؤسساتية داخل الاتحاد يتمثل في أنه يمتلك سلطات قوية بشكل مفرط في المجالات الخطأ، ولديه سلطات غائبة تماما في المجالات المهمة فعلا. إذن يمكن لبروكسال أن تقلق الناس باستمرار بسن قوانين حول المواد الفلاحية مثلا لكنها تظهر ضعفا شديدا في ما يخص السلطة الجبائية والنقدية مقارنة بالولاياتالمتحدة. وذلك هو السبب وراء الأزمة الكبرى التي مر بها اليورو. أوروبا فشلت في ترسيخ هوية مشتركة لدى الناس لأنها لم تستثمر بشكل كاف من أجل خلق هوية أوروبية حقيقية المسألة الأخرى تتعلق بالهوية الأوروبية، إذ فشلت أوروبا في ترسيخ هذه الهوية لدى الناس لأنها لم تستثمر بشكل كاف من أجل خلق هوية أوروبية حقيقية. ومن مكونات هذه الهوية، خلق حس تضامني يجعل الناس يرغبون في التضحية من أجل بعضهم البعض. الهوية الوطنية تعني استعداد الشخص ‹للموت من أجل المجموعة الأكبر›، لكن من المستعد للموت من أجل الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن؟ سأل روبين نبيلات فوكوياما حول رؤيته لكيفية تطور الحكومات لتصل إلى القدرة على التعامل مع قضايا تتجاوز حدودها، وقضايا أخرى في شكل محلي جدا، فأجابه بأنه ركّز في كتابه على الحكومات في المستوى الوطني بالأساس، لكن لا شك أن هناك الكثير من المشاكل التي نواجهها اليوم لا يمكن حلها على ذلك الصعيد وخاصة في مكان مثل أوروبا المتمتعة بقدر كبير من الاستقلالية. من الواضح بأن هناك غيابا للمؤسسات المناسبة التي يمكنها تقديم ذلك المستوى من الحوكمة. وشدّد فوكوياما على ضرورة أن تقوم الدولة الوطنية على مجموعة من القيم المشتركة، وهذه القيم تتناقص في الدول الوطنية الحالية، وأعتقد أن محاولة بثها في العالم بأكمله أمر ميؤوس منه. لكن مفهوم ما يسمى ب›التعددية المتعددة› تتولى فيه مجموعة من الأجهزة الدولية المتداخلة، وفي بعض الأحيان المتنافسة، توفير الكثير من آليات الحوكمة الضرورية. وهذا الأمر موجود في المسائل غير المسيسة نسبيا مثل تحديد المعايير وغيرها، لكن المشكل عندما نصل إلى الصعيد السياسي حيث توجد الكثير من الاختلافات المهمة حقا ويجب أن تحل سياسيا لا توجد المؤسسات المناسبة. الشراكة بين ضفتي المحيط الهادئ تطرق الحوار إلى الشراكة بين ضفتي المحيط الهادئ والجهود من أجل إنشاء ما يمكن أن يكون مؤسسة متعددة الأطراف متداخلة مع منظمة التجارة العالمية، وهو أمر يراه فوكوياما مفيدا. فوكوياما يتحدث عن الطبقة الوسطى بوصفها محركا للديمقراطية ولا يؤيّد علماء الاقتصاد حين يقولون إن هذه الأشياء الإقليمية سيئة لأننا في حاجة إلى نظام عالمي، لأنه يرى أن هذا الحل هو الخيار الأحسن بدرجة الثانية. الشيء الآخر وخاصة مع الشراكة بين ضفتي المحيط الهادئ، هناك بعد سياسي متعلق بها لا يفهمه دائما المستثمرون والتجار وهو التالي: المسألة تتعلق فعلا بالصين والجهود التي تبذلها بعض الدول الملتزمة أكثر بحقوق الملكية الفكرية وحكم القانون للتعبير عن قدر معين من التضامن في مجال الاقتصاد مع الأمل في أن يصبح ذلك ركيزة لبناء تضامن سياسي أكبر. وهذا أمر أنا أؤيده تماما من هذه الناحية. هل أميركا ديمقراطية بالحديث عن الولاياتالمتحدة ونظرة العالم لها، يسأل روبين نبيلات، فرانسيس فوكوياما عن رأيه في الاستمرار في تعريف الولاياتالمتحدة بأنها ديمقراطية صرفة في حين تسيطر مجموعة من أصحاب الأسهم النخبة (مالكي الشركات الكبرى) على جزء كبير من السلطة في الولاياتالمتحدة؛ فردّ المفكر أميركي الجنسية من أصول يابانية، قائلا: »للإنصاف إذا نظرت إلى العالم تجد قطاعا من المجتمع المدني القوي جدا فعندما تتحدث مع مدير في شركة شال يحاول عقد صفقة استثمار في نيجيريا أو غيرها، سيقول لك هناك مصلحة قوية تنتظم في الاتجاه المعاكس». ويعتقد فوكوياما أن الكثير من منظمات المجتمع المدني ترى نفسها صراحة بمثابة ثقل توازن مع قطاع الشركات الكبرى. يمكنك أن تقول إن هذه مجرد لعبة من طرف واحد، فالشركات تتمتع بقدرة أكبر على الحركة وهي أكثر أموالا وموارد، لكن لن أقلل من قوة المجتمع المدني العالمي الآن لخلق درجة من القوة المضادة. ويرى أن المشكل يتعلق بالمساءلة لأنه في الواقع لا قطاع الشركات ولا مجموعات المجتمع المدني تخضع للمساءلة بوضوح أمام الناس الذين يدعون تمثيلهم. وهذا مشكل في الحوكمة يجب حله بكل تأكيد. هناك أمثلة عديدة عن مجموعة بيئية مثلا تدعي أنها تتكلم لفائدة سكان أصليين أو البيئة ثم يتضح في ما بعد أن أعضاءها يتكلمون لمصلحتهم الخاصة وليس لديهم أي اتصال بأناس حقيقيين في العالم يمثلونهم. دور الطبقة الوسطى تحدث فرانسيس فوكوياما في كتابه الجديد عن الطبقة الوسطى بوصفها محركا للديمقراطية أو المساءلة، مشيرا إلى أن الطبقة الوسطى في مصر ساعدت كثيرا عبدالفتاح السيسي في ثورة الشعب ضد نظام محمد مرسي، وفي أميركا اللاتينية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت هناك مساندة كبيرة من الطبقة الوسطى لاستيلاء العسكر على السلطة، وفي تايلندا عارضت الطبقة الوسطى الديمقراطية. كل ما نجح في إنجازه تنظيم داعش هو توحيد السعوديين والقطريين والإيرانيين ضده على اعتبار أنه سيئ ويجب كبح جماحه مع ذلك لا يرى فرانسيس فوكوياما أن هناك علاقة آلية بين الطبقة الوسطى ودعم الديمقراطية، فأبناء هذه الطبقة يصوتون لصالح مصالحهم الخاصة. لذلك يجب أن تتوسع الطبقة الوسطى إلى أكبر قدر ممكن لأنه عندما تكون هذه الطبقة صغيرة نسبيا وتشعر بالخطر من الأرجح أن تدعم حكومة قوية تمنع الجماهير الشعبية من الوصول إلى السلطة وإعادة توزيع الثروة. داعش ونهاية التاريخ من الطبيعي أن يتطرّق الحوار بين الباحثين روبين نبيلات، مدير المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية والمفكر فرانسيس فوكوياما، إلى تنظيم الدولة الإسلامية وما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقة ذلك ب»نهاية التاريخ« التي تحدّث عنها فوكوياما. ويتساءل نبيلات في هذا السياق عن دلالة رجوع مفهوم الخلافة القديم عند داعش وهل يمكن أن يكون ذلك دليلا على عدم صحة نظرية فوكوياما حول »نهاية التاريخ«، فالخلافة، حسب الباحث البريطاني، مفهوم اعتقدنا أنه مات، وها هو يعود. لكن فرانسيس فوكوياما يرى أن فكرة الخلافة ليست واقعية، ويظن أنها مجرد فكرة خيالية لمجموعة من الرجال الحاملين لرشاشات كلاشينكوف. وأضاف أنه من المثير للدهشة أن هذه المجموعة تمكنت من الوصول إلى ذلك الحد الذي وصلت إليه الآن لكن بناء الدولة عمل مضن فعلا، وكل ما نجح في فعله تنظيم داعش هو توحيد السعوديين والقطريين والإيرانيين ضده على اعتباره سيئيا ويجب كبح جماحه. وتوقع المفكر الأميركي أن يدمر داعش نفسه بنفسه. ومعلوم أن فوكوياما يرسم الحدود بين الفطري والمكتسب، مستنداً إلى تعريفه الواضح لما ينبغي أن يبقى بعيداً عن الانتهاك: الطبيعة البشرية: "مجموع التصرفات وكل الطبائع الناتجة بالأحرى من الجينات، لا من المحيط". وماذا عن "نهاية التاريخ"؟ هل عساه بدّل رأيه وهو القائل "لن تكون النهاية ممكنة بعد الآن لأن العلم والبيوتكنولوجيا في صدد تغيير الطبيعة البشرية". فهل نحن أمام بلبلة جديدة؟ وجيناتنا التي ستسوّق قريباً هل ستُطلق التاريخ مجدداً؟ ويجيب فوكوياما: "بعض عناصر هذه الثورة مرهون بالمستقبل فقط، كالجينة الوراثية. فيما أضحت عناصر أخرى هنا، حولنا. يكفي أن ننظر إلى أوروبا وعدم توازنها الديموغرافي. ولا نحتاج إلى الذهاب بعيداً جداً كي نرى المجادلات حول الهجرة والمجتمعات المتعددة الانتماء وحول خرق جان ماري لوبن الانتخابي في فرنسا، وبيم فورتوين في هولندا. فالمعطيات الديموغرافية هذه الناتجة من التقدم العلمي الطبي حوّلت طبيعة المناقشة السياسية، وليست سوى البداية. والأمر الآخر في الصدارة، يتعلّق بتلك المواد المتنوعة التي تسمح بتبديل التصرف البشري، لأنها تتيح تبديل الأحاسيس والانفعالات ونشاط الدماغ، أي كل ما يتعلق بالفطري. يسعنا أن نتبنّى يوماً شخصية ما، وفي اليوم التالي شخصية أخرى. وفي السنوات المقبلة سوف تستهدف مواد أخرى الدماغ للتقليل من حاجة الإنسان إلى النوم، ولتنمية الذاكرة والذكاء. "أما الاستنساخ فهو الحدث الذي يثير الرعب الأكبر، فلا أحد تقريباً يودّ حقاً أن يعاد نسخه. إني ضدّ هذا الإجراء قطعاً، لأن ذلك سيكون على صعيد التجربة البشرية خطوة لا عودة عنها. "لكن من ناحية أخرى، تضخم التكهنات حجم الأمور أحيانا. علماء المستقبل في الخمسينات تصوّروا كل بلد على المعمورة مصححاً حدوده بواسطة القنابل النووية. والواقع أن عدد القوى الذرية يظل محدوداً، فضلاً عن انه لم يحصل أي انفجار من هذا النوع منذ هيروشيما وناغازاكي. ليس ممكناً إيقاف مسيرة العلم. انما لا شيء يمنعنا من لجم مفعوله. "لن نتمكن من تلافي هذه المناقشة عندما تتوصل الجينة الوراثية إلى إطالة الحياة إلى ما لا نهاية، أو إلى صنع أطفال على الطلب. يجب أن نفكّر في أبعد من ذلك. كل الفئات الاجتماعية سوف تحاول "تحسين" نسلها: الأغنياء، بالتأكيد، لكن أيضا الجماعات الدينية أو بعض الفئات الإتنية. الخطر يكمن في مفاضلة لا عودة عنها في الإرث الجيني، وفي تعبير آخر حصول تمييز بشري من نوع جديد. مثلاً في الصفوف المدرسية، سوف يوضع التلامذة موضع شك لناحية جيناتهم في حال نجحوا نجاحاً بارزاً. المشكلة أن القرار لن يكون للدولة بل للعائلة. فالأهل يحبّون أولادهم وسوف يحاولون تأمين نجاحهم. لذا ينبغي البدء بتوعية أولئك الأهل توعية جدية ليفهموا أن التلاعب بثروة أولادهم الجينية رهان خطر. "إني مقتنع بأن على الطبيعة البشرية أن تتجاوز المفهوم الضيق إلى كل الانفعالات الإنسانية البحتة، كالقابلية للتعلّم واللغة والحاجة الى العيش ضمن مجموعة من البشر لا في عزلة وتذوّق السياسة. الطبيعة البشرية معقدة وهشّة. لو بدّلنا عنصراً لتزعزع كل ما تبقى. إن لم تكن الوصفة جيدة فقد نقع في "ما بعد البشرية" سهواً. في أي حال، ثمة أمر أخلاقي فريد، رابط وثيق يشدّ الطبيعة البشرية، هو عزة النفس والحقوق التي ننسبها إلى أنفسنا بشرا. وتعد مقولة "نهاية التاريخ" آخر صيحة عالمية استفاق عليها الفكر الإنساني المعاصر. ذلك أن الديمقراطية الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي هي خاتمة مطاف تتطور الفكر البشري. فقد حسم صراع الايديلوجيات ، نهائيا والى الابد ، لصالح الديمقراطية الليبرالية. هذه هي باختصار الرسالة التي يريد تبليغها ، فرانسسكو فوكاياما من خلال كتابه الذائع الصيت : " نهاية التاريخ" . لعله ليس صدفة ، ان تلتقي الفلسفات الارضية بالعقائد السماوية في تصور نهاية سعيدة تتوج تطور الفكر الانساني في رحلته الشاقة والمتعرجة نحو الكمال ( ان كان ثمة كمال ) . فاذا كانت الجنة هي النهاية السعيدة التي تبشر بها الاديان السماوية اتباعها. فان الفلسفات الانسانية المثالية ( افلاطون وتوماس مور الخ ..) لا يختلف تصورها لتلك النهاية السعيدة ( اليوتوبيا او المدينة الفاضلة ) عن الجنة اما الفلسفات المادية (العقلانية ) فتؤمن ان الانسان قد امتلك زمام مصيره بفضل المعرفة وانه قادر علي تسخير هذا العلم ليرقي به نحو الكمال البشري ، وانه حتما سيبلغ نهاية هذا الكمال حينما يتجسد النظام المثالي الذي يلبي طموحات واشواق الانسان الي الحياة الانسانية الكريمة . يري هيجل ان غاية تطور الفكر البشري هي بلوغ الحرية الانسانية ، وان النظام الاقدر علي تحقيق هذه الحرية ، هي الديمقراطية الليبرالية . اما عند كارل ماركس فيري ان الحرية الانسانية التي ينشدها هيغل لا تتحقق الا بتحقق النظام الشيوعي هذه الغاية التي عناها ، هيجل وماركس ، هي النهاية التي قصدها فرنسيس فوكاياما في عنوان كتابه : " نهاية التاريخ " . فهو لا يقصد بنهاية التاريخ ، نهاية الاحداث والوقائع اليومية وانما يقصد" ان التطور المضطرد للمجتمعات البشرية لا يسير الي ما لانهاية ، وانما محكوم بتوصل الانسان الي شكل محدد لمجتمعه يرضي احتياجاته الاساسية وعندما يتم التوصل لالي هذا الشكل يتوقف التطور او بمعني آخر يتوقف التاريخ . هذا لا يعني اطلاقا توقف للاحداث ، فالحياة ستستمر من ميلاد وموت ، وسيستمر تفجر الاحداث الهامة وغير الهامة ، وستستمر نشرات الاخبار وتستمر الجرائد في الاطلال علينا كل يوم ، لكن الفرق الوحيد هو انه لن يكون هنالك اي تقدم او تطور بعد اليوم فيما يتعلق بالمباديء والايدلوجيات والمؤسسات . " هذه النهاية بالنسبة لفوكوياما هي ، الديمقراطية الليبرالية الراسمالية. انها في تصوره النظام الامثل للحكم . كل المجتمعات شاءت ام ابت مكتوب عليها تتنبي هذا النظام . قد تتعثر المسيرة عند بعض الدول والامم نحو بلوغ هذه الغاية ولكنها ستصل ان عاجلا ام أجلا . ويختتم فوكوياما كتابه بهذا التصور الدرامي الذي يعبر عن ايمانه الحتمي بانتصار الديمقراطية اللبيرالية : " .. ويبدو لي اخيرا ? الجنس البشري كما لو كان قطارا طويلا من العربات الخشبية التي تجرها الخيول متجها الي مدينة بعينها عبر طريق في قلب الصحراء ، بعض العربات قد حددت وجهتها بدقة ووصلت اليها باسرع وقت ممكن ، والبعض الاخر تعرض الي هجوم من الهنود الاوباش ، فضل الطريق ، والبعض الثالث أنهكته الرحلة الطويلة فقرر اختيار مكان وسط الصحراء للاقامة فيه وتنازل عن فكرة الوصول الي المدينة ، بينما من ضلوا الطريق راحوا يبحثون عن طريق بديلة للوصول الي المدينة ، وفي النهاية يجد الجميع انفسهم مجبرون علي استعمال نفس الطريق - ولو عبر طرق فرعية مختلفة ? للوصول الي غائتهم ، وفعلا تصل أغلب هذه العربات الي المدينة في النهاية ، وهذه العربات عندما تصل لا تختلف عن بعضها الا في شيء واحد هو توقيت وصولها الي المدينة : سرعة او بطء وصولها الي ، الديمقراطية الليبرالية ، ومن ثم نهاية رحلتها .. نهاية التاريخ ." فهل حقا ان الديمقراطية الليبيرلية بشقيها السياسي والاقتصادي هي خاتمة المطاف البشري نحو المال ام انها حسب ماركس مرحلة ضرورية لا بد منها ، تصل فيها الراسمالية الى أعلي مراحل تتطورها لتهيئة المجتمعات للانتقال الي الاممية الشيوعية . ام انها التجسيد الرمزي للمسيخ الدجال الذي يمهد لظهور المسيح ليقيم جنة الارض السماوية حيث يرث المستضعفون الارض كما يعتقد الجمهوريون وسائر اتباع الكتب السماوية ؟؟؟!! ويرى فوكوياما أن سقوط الاتحاد السوفياتي واكتساح الديموقراطية الليبرالية أرجاء العالم، وانهيار الأنظمة الشمولية، وانتصار فكرة الأسواق الحرة، كل ذلك وصد باب التاريخ وأدى إلى نهايته الأبدية التي لن يبرز في أفقها أي مؤشر جديد. ويرتكز في تحليله للديموقراطية على المرجعية التاريخية فيعود إلى أحداث القرن 19م الذي يعتبره قرن الاستقرار والسلام بفضل ما جناه من ثمار الثورة الفرنسية التي ركزت مبادئ الديموقراطية. لكنه ينتقد أحداث القرن العشرين التي أدت في نظره إلى تراجع المبادئ الديموقراطية بسبب الحربين العالميتين وظهور الأنظمة الديكتاتورية واليسارية الشمولية. ثم يعرج على الفترة المعاصرة ليفسر كيفية تحول الدول الديكتاتورية إلى دول ديموقراطية وسقوط الأنظمة الاشتراكية، وتحولها إلى أنظمة تنحو نحو وجهة الاقتصاد الحر بسبب عجزها عن حل مشاكلها الاقتصادية. وفي مواضع أخرى من الكتاب، يضع المؤلف الأصبع على فكرة التاريخ الكوني، فيستعرض مختلف النظريات التاريخية لفلاسفة التاريخ والآلية التي تحرك التاريخ العالمي، والمتمثلة في نظره في الآلة العسكرية والتكنولوجية وسعي الإنسان المعاصر للسيطرة على الطبيعة، معتبرا أن التاريخ يسير نحو تاريخ عالمي متجانس بهدف تكوين الدولة العالمية، مستبعدا أن يكون التاريخ الكوني تاريخا دوريا يقضي على المنجزات الحديثة ليرجع للمرحلة السابقة. إلا أن أهم ما يميز فكر فوكوياما في باب التاريخ العالمي يكمن في رؤيته بأن الاتجاه نحو الدولة العالمية المتجانسة يؤدي إلى نشأة مجتمع خال من الطبقات، ويعكس آخر مرحلة مرضية من التاريخ الإنساني، منها سيكون الاتجاه نحو نهاية التاريخ. ولم يفته الإشارة إلى ما ينجم عن التطور التكنولوجي من دمار للبيئة معبرا عن تشاؤمه الشديد في هذا المجال من المجهودات التي تقوم بها الجمعيات ومنظمات من أنصار البيئة. وحول الاقتصاد الاشتراكي، أبرز أوجه قصوره، خاصة من ناحية اعتماد الدول الاشتراكية على فكرة الخطط الاقتصادية التي لم تعد ملائمة في نظره للتغيرات الاقتصادية السريعة وتبدل الأسعار، ومن ثم يعتبرها معيقة للتطور التكنولوجي، ويقرن الثورة العلمية بالديموقراطية الليبرالية الحرة. ويطرح في مواضع أخرى وجهات نظر تتعلق بفلسفة التاريخ، خاصة آراء هيغل كما فسرها كوجيف حول الحرية والإنسان، معتبرا أن الحرية تظهر عندما يقدر الإنسان على تجاهل وجوده الطبيعي الحيواني وخلق ذات جديدة لنفسه. وفي هذا الإطار يخصص فصلا لمعالجة السيادة والعبودية، فيرى أن خدمة العبد لسيده أصبحت تستفيد من التطور التكنولوجي، مما جعل العبد حرا بفضل تغلبه على صعوبة الخدمات السائدة قبل العصر التكنولوجي، ومطالبا بالمزيد من الحرية والمساواة. وفي تحليله للكائن البشري، يرى أن انفعالات الإنسان من خلال رغبته في العرفان والتمايز والحفاظ على النفس والكرامة، يؤدي به إلى الدخول في مجتمع مدني حيث الدستور يقر بحقوق كل إنسان، ويقدم شرحا لمفهوم الشهامة اعتمادا على آراء الفلاسفة الأقدمين، منتقدا النظام الشيوعي الذي جعل الجزء الشهواني من النفس ضد الجزء الحيوي فيها، وذلك بإجبار الناس العاديين على جعل العديد من التافهين أكثر اتفاقا من طبائعهم. ويلاحظ أن فكرة الديموقراطية تأخذ حيزا هاما من اهتمامات المؤلف الذي يرى أن غيابها يسفر عن مشاكل لا حصر لها داخل المجتمع، ويمكن أن تلعب دورها إذا وضعت في الحسبان الخصوصيات الثقافية لشعب أو أمة. ويذهب إلى أن الديموقراطية تتجه نحو وجهة عالمية تتميز بالتجانس، ليخرج بنتيجة قطعية في نظره، وهي أن التاريخ يقود الإنسان بطريق أو بآخر إلى الديموقراطية الحرة. ويستند فوكوياما في الدفاع عن أطروحة التوجه الكوني نحو الديموقراطية على الثورة الحالية لتكنولوجية الإعلام، فالانفجار التكنولوجي في المجال الإعلامي الذي نجح في غزو أكثر المناطق انزواء في العالم، سيعطي ?في نظره- الأفراد مزيدا من القدرات ويسرع من وتيرة الدمقراطية. وبهذه الأفكار التي أبرزنا خطوطها العريضة كما أوردها فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ وخاتم البشر، يبرر أطروحته حول نهاية التاريخ الذي لن يطرأ في نظره أي مؤشر جديد يغيره أو يؤدي به إلى مسار جديد. فما مدى مصداقية هذه الأطروحة؟ من إنصاف القول أن فوكوياما كان جريئا في أطروحته، ولم يكن يغرب عن باله أنها ستلاقي جيشا من النقاد. كما يحمد له إبحاره في كتابه السالف الذكر عبر مجموعة من العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفلسفة التاريخ والأنتروبولوجيا، ونجاحه في تجييش مجموعة من القرائن التي تدل على صحة وجهات نظره. وبالمثل اتخذ التاريخ بمراحله الشاسعة مرجعية لمجموعة من التصورات، خاصة في تحليله للحرية والديموقراطية، واستطاع بهذا التحليل التاريخي أن يدلل على أبعاد أطروحته. وقد دعم مقولته حول نهاية التاريخ بمؤلفات وأبحاث ومقالات أخرى دافع فيها دون هوادة عن أفكاره، فضلا عن مقابلات علمية متعددة أجرتها معه مختلف المجلات نذكر من بينها على سبيل المثال مجلة Construction التي أجرت معه حوارا مطولا أكد فيه تشبثه بنظريته وموقفه من أن اليمين هو القادر الوحيد على تسيير الاقتصاد العالمي، منتقدا بعض النظريات الوسطية كنظرية الطريق الثالث لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، بل ذهب بعيدا في حديثه عن نهاية الإنسان الأخير بفعل ثورة الاستنساخ التي جعلت بعض الباحثين يبشرون بعمر إنساني يمتد إلى 200 وحتى 300 سنة؛ ولعل كتابه الأخير: The great discruption : human nature and the reconstruction of social order يعكس هذا التوجه الأخير، فضلا عن آخر مقال صدر له تحت عنوان "الإنسان الأخير في الزجاجة" The last man in a bottle. والواقع أن أي أطروحة معاصرة لم تثر صخبا وضجة إعلامية مسترسلة مثلما أثارته أطروحة فوكوياما. وربما زاد من تضخيم ردة الفعل تجاهها سوء الفهم الذي وقع في حباله بعض المنتقدين لها؛ لذلك لا غرابة أن نجد صاحب الأطروحة يشكو من قلة إدراك المجادلين لأطروحته بقوله: "لقد نتج قسم كبير من الجدال الأول حول نهاية التاريخ عن سؤال دلالي غبي إذ لم يفهم العديد من القراء أنني استعملت كلمة تاريخ بمعناها الهيغلي الماركسي: التطور التدريجي للمؤسسات الإنسانية والسياسية والاقتصادية". ويوضح المفهوم الذي استعمله للتاريخ بأن هذا الأخير موجه بواسطة قوتين جوهريتين، وهما توسع علوم الطبيعة والتكنولوجيا المعاصرة التي تشكل أساس التحديث الاقتصادي، والنضال من أجل الاعتراف الذي يتطلب في نهاية المطاف نظاما سياسيا يقبل كونية حقوق الإنسان. وعلى عكس الرؤية الماركسية التي ترى أن صيرورة التطور التاريخي تجد نهايتها في الاشتراكية، فإن المفكر الياباني يرى أن هذه النهاية تتجسد في الديموقراطية واقتصاد السوق. ولم يعد ثمة نموذج آخر للتنمية قابل للاستمرار يجعل العالم يتفاءل بنتائج أفضل من اقتصاد السوق، فحتى النموذج الآسيوي التنموي المزعوم، والذي تتبناه دول ما يعرف بنمور آسيا عرف هزة قوية بسبب التعثرات التي شهدها في العقد الأخير بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت به، مما يؤكد هشاشة نظام الحكم المطلق في البلدان الآسيوية، حيث سعى ذلك النظام إلى كسب شرعيته من خلال الإنجازات الاقتصادية الكبرى.