الكتاب الأخير «الكتابة وتجربة الحدود»، مدار الخطابِ فيه يتعلّقُ بسُؤالِ الكتابَة وَرِهاناتِها،الكتابة (الأدبية) التي أصبحت، في سياقِ الإبستيمي الحداثي، تتحدّد باعتبارها تجربة إستتيقيّة قُصْوى، كما يقول الكاتب في مقدّمة الكتاب. ومن ثمّ، فهو ينطلق من كوْن الكتابة الحداثية باتتْ تتحدّد كتجربة أنطولوجية وإستتيقية فارقة، وكمغامرة استثنائية تقع على الحدود الشّفيفة والقصوى للذات والعالم. يعيد كتاب الباحث محمّد الشّيكر، الصادر مؤخرا عن منشورات الزمن طرح إشكالية الكتابة وحدودها بعد مساهماته السابقة التي تحفر في كُلّ ما هو جماليّ وفلسفي.وهو منخرطٌ بنشاطٍ في الكتابة في هذه المجالات: لَهُ «هايدغر ضدّ نيتشه» (2013)، «في التلقي الجمالي» (2011)، «هايدغر وسؤال الحداثة» (2006)، «النهضة الغربية، الحدث والإبدالات» (2006)، الخ. الكتاب الأخير «الكتابة وتجربة الحدود»، مدار الخطابِ فيه يتعلّقُ بسُؤالِ الكتابَة وَرِهاناتِها،الكتابة (الأدبية) التي أصبحت، في سياقِ الإبستيمي الحداثي، تتحدّد باعتبارها تجربة إستتيقيّة قُصْوى، كما يقول الكاتب في مقدّمة الكتاب. ومن ثمّ، فهو ينطلق من كوْن الكتابة الحداثية باتتْ تتحدّد كتجربة أنطولوجية وإستتيقية فارقة، وكمغامرة استثنائية تقع على الحدود الشّفيفة والقصوى للذات والعالم. إنها «تجربة حدودية، محايدة ولا شخصية، تضع الأنا على عتبات الغياب، وتقود الذات إلى الانْمِحاء والتشظِّي والتيه والشتات». ما هي ملامح ومظاهر هذا الكتابة الحداثيّة؟ وما هي شروط إمكانها؟ وماذا يقصد الكاتبُ بتجربة الحدود؟ إذا كانت الكتابة الأدبية في الإبستيمي القديم تعبيرا عن صوتِ الذّات وحضورها باعتبارها ذاتًا (البُعد الجوّاني)، فإنها في الإبستيمي الحداثيّ لم تعد تجربة ذاتية أو تجربة ذات.لم تعد الذاتُ في هذه الكتابة حاضرة إزاءَ موضوعات العالَم (البُعد الانسلاخيّ والتخارجيّ)، لم تعد الكتابة (الأدب) تعبيرا عن المؤلف صاحب النّصّ: مقاصد ومرامي (الرجل وأعماله)، بقدرما باتت لا شخصيّة (تضع الأنا على عتبة الغياب)، وتصبو إلى الانمحاء والتشظّي والتيه والشتات، فيها يفقد الزمن منظوماته الإسناديّة، وفيها يفقد الوجود وحدته الأنطولوجيّة ويتحلل الأنا من هويّته ككوجيطو. يؤكّد الأستاذ الشيكر، في التدليلِ على هذا التحوّل في الكتابة، على وجود تحوّل في البراديغم الإستتيقيّ منذ شارل بودلير. مرورًا بجورج باطايْ (تجربة الحدود) وموريسْ بلانشو (الأدب والكتابة بشكل عامّ هما مجالٌ للآتي وفضاء لتخارُج الذّات وتحلّلها من وحدتها) إلى إدمون جابسْ (الكتابة كتيْهٍ ومنفى وارتحال دائم للهويّات) ورولان بارت ومفهوم موت المؤلّف. بهذا الأفق يقاربُ الأستاذ الشيكر تجارب متنوعة لكلّ من سيورانْورايمونكونو وميلانْ كونديرا وعبد الكبير الخطيبي، وهي التجارب الكتابية التي تشكّل الفصولَ التّسعةَ للكتابِ. يؤسّس الأستاذُ الشّيكر مفهوم الحداثة كما تبلورَ وتطوّر منذ تجربة الشاعر الفرنسي شارلْ بودليرللتعبير عنْ مفهومِهِ وَرُؤيته للفنّ الجديد الذي من شأنه القبض على تحوّلات الحياة وملابسات الإنسان في لحظتها الآنيّة، المَعيشيّة، والمُنْفلتة في الآنِذاتِهِ.الحَدَاثةُ هنا ليس معطًى شكليًّا، ولا مظهرًا أسلوبيًّا، بقدْر ما هِيَ مُعْطى مضمونيٌّ وحياتيٌّ. حداثَةُ بودلير لمْ تظلَّ حركة فردية، فقد دعّمه وسَانده، في هذه المُبَادرة التي تتجلّى في إنتاجِ قصيدةٍ شعْريةٍ تمثل الحياة المعاصِرَة واليومية وتشخّصها، بعضُ الفنانين التشكيليّين أمْثال ماني(صديق بودلير الحميم)، الذين شخّصوا بدورهم الحياة اليومية الحديثة في لَوْحاتهم الفنيّة. وقد أحدثت هذه المبادرة شرْخًا داخلَ الفنّ الفرنسيّ آنذاك، بيْنَ فنٍّ رَسْميٍّ ظلّ مشدودًا إلى القواعِدِ الفنّية التقليديّة الماضويّة، منْ جهة، وفنٍّ حيٍّ معاصرٍ يَرْمي إلى أنْ يكونَ منسجِمًا ومتناغِمًا مَعَ عَصْرِهِ وواقعه. لذلك اعتُبِر بودلير ثوريًّا ومهدّمًا ومقوّضًا، ليس فقط لقِيَم الماضي، بلْ كذلك للنّزْعة الأكاديميّة السّائدة. لذلكَ كَتَب بودْلير في قصيدته «الكِلاب الجيّدة» قائلا: ومِنْ ثمّ، فإن ّالتعْبيراتِ والأوْصَافَ التي كان يمجُّها ويستهجِنها شُعراء آخرون، باتتْ مع بودلير بمثابَة مظاهر إيجابيّة ومستحسنة. ومن هذه الزاوية، فقد كانَ يؤسّس لإستتيقا مخالفة هي إستتيقا اليومي وغيْر العادي والمشوَّه والمُقْرِف. وهذا بالضّبْط هو ما ينطبِقُ على ديوان قصائد نثر قصيرة.فكلّ شيْءٍ فيه جديد ومثير وغيْر متوقَّع.وبذلكَ كان بودلير يجسّد بهذا الديوان قصيدة الحداثة. يتبيّن ممّا سبق أنّ شارْلْ بودلير كانَ، في حقيقة الأمْرِ، منخرطًا في أُفْقٍ آخَرَ، هو أفق زمنيّته ذاتها التي بدأت في التشكّل والتحوّل خلال النّصْف الثاني من القرن التّاسع عشر، مع ما صاحبها من تحوّلات على مستوى الوعي الفنّي في الرّسم والتّشكيل على وجه الخصوص. لذلك كان بودلير متفاعلا، على مستوى الاختيار الفنّي والكتابة النقدية عن الفنّ، مع «نوعٍ» معيّن من الفنّ والرّسم خلال هذا النّصف الثاني من القرن التاسع عشر. إنّ الفنّ الجيّد بالنسبة له، مثله مثل الشعرالجيّد ينبغي أنْ يَتَحَرّر من القيود التقليديّة ومنْ محاكاة الواقع الخارجي، ويتحرّر كذلك من القيم التقليدية الجمالية. وبالتالي، فإنّ تذوّقَ اللوحة كتذوق الشعر يعتمد على الخيال الذي تستثيره مشاهدة اللوحة أكثر من اعتماده على البحث عن تقليد الواقع الخارجي أو المطابقة معه. فعلى الفنان والشاعرأنْ يتركا لهذا المتذوِّقِ فرصة ليشارك بخياله وأحاسيسه في إكمال العمل الفني. إنّ الإنسانَ الذي يرسُمُه بودليرهو هذا الإنسان الذي يسيرُ ويجري ويبحثُ عنْ شيءٍ ما في مجتمعٍ متناقض. هو هذا الإنسان الوحيد الذي يملِك مخيِّلة نشيطةً وحيّة، الدائمُ السفرِ عبرَ صحراءِ الناسِ الشاسعة. إنّه يهدف إلى تحقيق هدفٍ أسمى من الهدفِ الذي يتغيّاه الإنسان المتجوِّل العادي، هدف أعمّْ يختلف عنِ اللّذة المُنفلِتَة لِلَّحظة. هذا الإنسان بعبارةٍ واحدةٍ يبحثُ عن ذلك الشيءِ الذي يُطلِقُ عليه بودلير «الحداثة». يتعلق الأمر بالنسبة لبودلير بفكرة «استخراج منَ الموضَة ماتنطوي عليه من الشّعري داخل التاريخي، واستخراج الأبدي الخالِد من العابِر». من هذه الزّاوية، يضعنا هذا الكتابُ في قلْبِ النقاش الذي وَسَمَ مرحلة ما بعد البنيوية في فرنسا بالخصوص، والتي توّجَّه كتاب الروائي الفرنسي فيليب سوليرز الذي يحمل العنوانَ نفسَه. يتعلق الأمر بالتساؤل عن مفهوم الكتابة، الذي بدا أنّه مفهوم ملتبس يقع في تماسّ مع تغيير العالم، وتثوير اللغة الشعرية، وكسر الحدود بين الأجناس وأشكالِ التعبير والخلق. كتاب فيليب سوليرز يتألف من ست دراسات تناولت مؤلفات دانتي، والماركيز دو ساد، ومالارميه، وآرتو، وجورج باتاي، وأخيرا لوتريامون. نصوصٌ متباعدة في الزمن، متباينة في الطرح، لكنها تشترك في كونها تغيب عن تأثيث الفضاء الثقافي الغربي. يقول سوليرز عن الخلفية الثقافية التي أفرزت ظاهرة مالارميه، مثلا، وما تولَّد عنها أو في العلاقة معها، بأن « هذه الكوكبة لا يعوزها الانسجام كما يسود الاعتقاد للوهلة الأولى: إنها تمتدُّ على خلفية فلسفية وجمالية مقوَّضة من طرف كل من ماركس، كيركيغور، نيتشه، وفرويد (ولاحقا من اللسانيات)، ومن طرف ماني، سيزان، فاغنر، دوبوسيه،- خلفية تحيل هي ذاتها إلى تحوُّل علمي، واقتصادي وتقني لا سابق له». وبالتالي، فعبر مختلف هذه الفصول، يجدُ القارئُ نفسَه وجهًا لوجه أمامَ سؤال الكتابة التي لا يقرن التحرر بالمحتوى المذهبي للأعمال أو الالتزام الذّاتي، بقدر ما يرتبط بخلخلة اللغة ولا شخصيّتها وبتغيير مكان الالتزام. سؤالُ الكتابة هو سؤالُ التفكيك والتقويض والخلخلة في البراديغم الجديد الذي كشفَ عنه الخطاب الفلسفي المعاصر. من هنا جاء رفض هذا المسعى الذي دعاه سوليرز بالخَطّ يقول: «لنعيِّن الخَطِّية باعتبارها السِّمة الثابتة لهذه الأيديولوجيات غير القادرة على الاعتراف بالنص كنص»، ليعتبر أن «ما هو مرفوض هنا، هو التاريخ الخَطِّي الذي أخضع دائما النص لتمثيل، ولذات، ولمعنى، ولحقيقة؛ الذي قَمع، بذريعة المقولات اللاهوتية للمعنى، وللذات، وللحقيقة، العملَ الجبَّارَ الموجود في النصوص – الحُدُودِيّة»، النّصوصِ البرزجيّة التي تُقيم بين أجناسِ الكتابة وبين الأساليبِ وبين اللغاتِ. هيَ هجرةُ ميلانْ كونديرا من بلاده وهجرةُ لغته التشيكية إلى الفرنسية وإسرافه «في النظر إلى الكتابة بوصْفها انمحاءً لهوّيّة الكاتبِ وغيابًا لكلّ أثرٍ فيزيقيّ يدلّ عليه» (ص. 11)؛ وهيَ هجرةُ الكوجيطو التي تجعلُ الكتابَةَ غيابًا وفيّا للكتابَة بضميرِ الغائبِ المخلِّصِ من سطْوةِ الأنا. الكتابَةُ التي تجعل «كافكا لا يكتبُ إلّا بتحلُّله من شخصِ كافكا وبروست لا يكتبُ إلّا بانمحائهِ كشخصٍ» (ص. 56)؛ هيَ هجرة مركزيّة الكاتبِ وهجرةُ الكتابة المتعدّيّة (مقابل الكتابة اللازمة) التي تكتُبُ «عنْ شيءٍ ما»، الكتابة القصديّة؛ هي حلْمُ إدمونْ جابِسْ بإنتاجِ عملٍ أدبيٍّ لا يندرجُ ضمن أيٍّ صنفٍ من الأصنافِ المألوفةِ، ولا ينتسبُ لأيِّ جنسٍ من الأجناسِ الأدبيّة، مع أنّه يسَعُها ويحتويها جميعًا» (ص. 66). لذلك يبرزُ الأستاذ الشّيكر أنّ البراديغم الإستتيقيّ الجديدَ بدأ بتحلّل الأنا\الذّاتِ من هويّته\ها ككوجيطو، أْيْ بإعلانِ مَوْتِ المُؤلف، رَمْزِ مركزيّة الذّات، مع كلّ من رولان بارت وميشيل فوكو، وغياب المؤلف مع موريس بلانشو. الموتُ والغيابُ هما وقوف ضد مفهوم معيّن عن الأدب كان مهيمنًا على الدراسات الأدبية نقدًا وتأريخًا. بناءً على ذلك، لا يتجلّى هَدَفُ الكاتب في إعادةِ النظر في الطريقةِ التي يتمّ وفقها النقد ويُؤرَّخ بها للأدب ويُنظَرُ منها للكتابَة، بقدْر ما يرومُ الكشْفَ عن البراديغم الثاوي خلف الكتابة الأدبية والمحَدِّدِ لها بهدف إعادة النظر في الأُسُسِ الأنطلوجية التي تقومُ عليها نظريّة الكتابة. وقد أدى به ذلك إلى خلخلة النظرة السائدة عن العمل الأدبي، تلك النظرة التي كانت تُعلي من «ذاتية» المؤلف، وتكرّسُ سُلْطَتَهُ على النص، مع ما يصاحب ذلك من إلحاحٍ على الطابع التعبيري للكتابة. من هنا وقوفُهُ عند أحدِ أبرز كُتّابِ الحدود، موريسْ بلانشو، جورج باطايْ، إدمون جابس، جيل دولوز، عبد الكبير الخطيبي، رايمون كونو، رولان بارت.ومن هُنا إبرازُهُ طريقةِ أنّ الأدب ليس تعبيرًا عن الشخص، وأنّ اللغةَ (لا المؤلِّف)، بِمَا تَتَّسِمُ بِهِ مِنْ طابَعٍ لا شخصي، هي بتعبيرِ اسْتيفانْ مالارمي»انسحابُ صَوْتِ الشّاعِرِ، لإفساح المجال للكلمات». كتابةُ الحُدُودِ، التي يكشف عنها الأستاذ الشيكر، هي التي تقولُ بلا جدوى منْ أنْ يوليَ النّقْدُ الأدبيُّ عنايَتَهُ لما يدور بخَلَدِ المؤلف، ما دامَ العَمَلُ سينحلّ إلى لغة، أيْ إلى منظومات من العلامات لا تكترث بالذات المتكلمة وبالعقل، لذلك كانَ ليفي ستروسْ يقول:»إنّ اللغةَ عقلٌ إنسانيٌّ له حججه وقواعده التي لا يعرفها الإنسان». وهو ما سبق وأشارَ إليْه بلانشو في كتابِهِ La part du feu (حصة النار) قائلًا: «نستخلص من الملاحظات السابقة حول اللغة نقطًا أساسية لعل أهمَّهَا هي الخاصية اللاشَخْصِيّة للغة، ووجودها المستقل المطلق الذي تحدّث عنه مالارميه. فهذه اللغة، لا تفترض أي شخص يتكلمها، ولا أيّ شخص يسمعها: إنّها تُكَلِّمُ ذاتَهَا وتكتب نفسَها. وذلك هو شرط سيادَتِها وسطْوتها. الكتابَةُ الحدودية الحداثيّة تتأسّسُ على: 1. منظورٍ يعتبرُ الُّلغَةَ نسقًا مِنَ الاختلافات لا حدودَ لها. والمَسَافَةُ بين الوَحَداتِ الصّوْتِيّة هي واقِع اللسانِ الذي يغدو بفعْل ذلك من غَيْر مادّة جوهريّة، لا طبيعيّة ولا ذهنيّة. 2.لا تتوقف الشفرة المتحكمة في الأنساقِ على الذات المتكلمة، وإنما هي بالأحرى اللاشعور المقولي الذي يسمح بممارسة الكلام من طرف أولئك الذين يستعملون اللسان. 3. الدال نفسه يتكون من اختلافات، ولا يستدعي الدال أيَّ علاقة خارجية. لكلّ هذه الاعتباراتِ تُعتبر ُاللغَةُ، نسقًا، منظومَةً بلا»حدود» ولا «ذات» ولا «أشياء». والذات مفعول للغة وليستْ فاعلًا متحكمًا فيها. تغدو الكتابَةُ هي ذلك المحايِدَ، وتلكَ اللامُبَاشَرَة التي تنفلت عَبْرَها ذاتيَتُنا وتضيع فيها هُوّياتُنا، ابتداء من هوية الجسد الذي يكْتُبُ. كلّ النماذجِ التي حلّلها الكاتبُ تضع مفهومَ المؤلِّفِ جانبًا وتبوّئُ «الكتابةَ»و»النصّ» المكانة الطبيعيّة التي يستحقّانها. من هنا سينتقل النقد من المرمى التفسيري الذي يسعى إلى بلوغ مقاصد المؤلف ونواياه إلى المرمى التأويلي الذي يرومُ قراءَةَ النّصِّ لتقَصِّي معانيه ودلالاتِه. وبالتالي لَنْ تتوخّى القراءةُ بلوغَ المقاصِدِ والنّوايا، بقدْرِ ما سَتَنْغَمِسُ بيْن ثنايا النّصِّ بحثًا عنِ القِوَى المطموسَةِ في غياهِبِ النسيان، وسعيًا وراء تلك اللغة التي تسبق الذاتَ وتشتغِلُ خارجَ كلِّ رقابة شُعُورية. وهكذا سيغدو «غياب المؤلف» مجرد شكل من الأشكال التي يتخذها تقويض الكوجيتو في الفكر المعاصر. لا يكتفي الأستاذ الشّيكر إذن بإعادة النظر في مفهوم الكتابة، وإنما يساهِمُ بهذا الكتابِ، من زاوية الأدَبِ، في إقامة أسُسِ»كوجيطو معاصر»، إذا صَحَّ التّعبير، يطرح على الفكر، وليس على نظرية الأدب وحدها، أسئلةً مِنْ نَوْعٍ جديدٍ، لَعَلّ أَهَمَّها تلكَ التي صاغها ميشالْ فوكو في عبارة مركزة عندما كتب: «ماذا يتعيّن عليَّ أنا الذي أفكر وأشكِّلُ تفكيري، لكيْ أكون ذلك الذي لا أفكر فيه، ولكيْ يكون تفكيري غيْرَ ما أنا عليه».