نحو مفهوم جديد للكتابة لماذا يكتب شعيب حليفي عن أحداث بسيطة يمكن أن تمر مع أي واحد منا كل يوم؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحته عندما قرأت نصوص حليفي زمن صدورها منفصلة،أما الآن، وبعد أن صارت تشكل نصا واحدا في كتاب تحت عنوان: -لا أحد يستطيع القفز فوق ظله-، فقد صرت أدرك مدى أهمية كل كتابة كيفما كانت، في رسم تاريخ جديد وحقيقي عن واقعنا الذي لا يحفل سادته إلا بما يدخل ضمن خانة الرسمي. هكذا وجدت نفسي -ضحية- كتابة ملتبسة تنطلق من الذاتي واليومي لتسرح في اتجاهات مختلفة: التاريخ، السياسة، الأدب، الرحلة، والخيال، قبل أن تعود من جديد لمعانقة الذاتي والعائلي لكاتبها الذي لا يمل من البحث عن مبررات مختلفة لبث مواقفه الفكرية والسياسية والأخلاقية. هي إذن كتابة تمارس نوعا من الهروب، إذ أن كاتبها ينطلق من الذات ليقفز منها إلى مختلف المحكيات العزيزة على قلبه ووجدانه. حول الجنس الأدبي للنص بدون شك يتساءل قارئ نص شعيب حليفي عن جنسه الأدبي، خاصة وهو يطالع على وجه الغلاف عنوانا فرعيا صغيرا أسفل العنوان الرئيسي:- الاحتمالات العشر لكتابة رواية واحدة-. عنوان يجعلنا بدون شك نرتبك في القراءة وتجنيس الكتاب لنترك المجال مفتوحا لأسئلة عدة. هل نحن أمام نص سير ذاتي وشرط التطابق بين الذات الكاتبة والذات الساردة يختل حسب معايير فيليب لوجون؟ أم أننا أمام يوميات وهو ما يبدو من قراءة بداية النص؟ أم أن الأمر يتعلق بنص روائي من طينة مختلفة عما ألفناه في مجال الكتابة الروائية؟ تبعا لما سبق نجد أنفسنا أمام كتابة «ملتبسة» تقف في ملتقى الطرق الأدبية المعروفة، ترفض الكشف عن ذاتها مباشرة، وتأبى تسليم نفسها منذ الوهلة الأولى. ترى أنحن أمام نص يجسد مقولة بلانشو بأن الأدب يسير نحو غاية هي ?التلاشي?؟ أم أننا أمام كاتب التقط صيحة سبستيان مرسيه عندما صاح سنة 1973 قائلا: تساقطي تساقطي أيتها الجدران الفاصلة بين الأنواع. - رواية الذات ولأن خصائص كل نوع لا تبرز إلا بتعارضها مع خصائص أنواع أخرى، حسب كيليطو ، ولأن هذه الكتابة إشكالية بما تختزنه من تنوع والتباس ، فقد اقترحنا أن نطلق عليها -رواية الذات-، لأن كاتبها حاول أن يعصر فيها كل مقومات الكتابة السير ذاتية والروائية والنقدية التاريخية والسياسية والنقابية والشعرية الرحلية وغيرها، في نص متعدد الاحتمالات . وهنا لابد من التوقف عند إشارة تودوروف في قوله: «فمن الضروري أمام نص أدبي، الانتباه إلى أمر مزدوج؛ يجب أولا أن لانجهل كونه يظهر خصائص يشترك فيها مع مجموع النصوص الأدبية أو مع واحد من المجموعات التحتية للأديب، أي النوع. إذ من الصعب تصديق الأطروحة الزاعمة بأن كل ما في الأثر فردي وإنتاج لإلهام الشخص دون علاقة بالآثار السابقة». إنها رواية الذات، لأن كاتبها يفصح عن رغبتين: كتابة الرواية وكتابة تاريخ الذات وظلالها. - سياسة الأبواب المفتوحة حاول شعيب حليفي في «روايته الذاتية»، أن يشرع أبواب اللغة أمام ظلاله المتعددة لتتحدث عن نفسها، والظلال هنا بكل بساطة، ليست سوى مجموعة من الفضاءات والشخصيات والأحداث والتواريخ، التي كان للكاتب ولازال علاقة بها، فهو في هذا النص كتب عن أطفاله وبيته، عن مدينته وأبويه، عن أصدقائه وأجداده، عن تاريخه وتاريخ مدينته: سطات وأرض الشاوية، عن قوسه الأموي وواقعه المغربي. هكذا إذن لا يمكن للذات أن تقفز فوق ظلالها فهي تلازمها خطوة خطوة، وتلاحقها «كقدر محتوم»، غير أن هذه الذات وبالرغم من كل ذلك، «لا ترى الا ما تحب ولا تكتب سوى ما تريد». إن حضور كلمة «الظل» في العنوان يجعلنا نتساءل ونحن نستحضر دلالة «الوهم» و»المثل» و»الخيال»، التي تحيل عليها هذه الكلمة، عن الواقع والحقيقة والتاريخ كعناصر مرتبطة بشكل جدلي بالكتابة ومنه، هل الكتابة عند شعيب حليفي تعبير عن الواقع والوهم «الظلال»، عن الحقيقة أم عن المثل؟، عن ما هو واقعي؟ أم عما به يحلم الكاتب ؟ أم عنهما معا؟. للإجابة عن هذه التساؤلات وأخرى، سنقف عند مفهوم الكتابة عند حليفي كما بسطه في نصه. - مفهوم الكتابة: يمكن رصد مفهوم الكتابة عند شعيب حليفي من خلال مجموعة من الفقرات التي تحدث عنها على امتداد النص، إذ أن هذه الاخيرة شكلت سؤالا إشكاليا دفعه إلى التفكير فيها ومن تم التعبير عن تصوره. وعموما يمكن حصر مفهوم الكتابة عند حليفي في: الكتابة باعتبارها طهرانية. الكتابة باعتبارها مقاومة. الكتابة تاريخ. من خلال أنماط الكتابة الثلاث التي ذكرناها، يمكن بشكل عام رصد مفهوم حليفي للكتابة بشكل مكثف، من خلال ما قاله في الاحتمال الرابع: «زلة العاشق»: «لا أريد ربط الكتابة بما هو غيبي، ولكنني أعتقد أن الصدفة تلعب دورا كبيرا مع الكاتب والقارئ معا. الكتابة ليست بأية حال لعبة أو وقتا ثالثا أو هواية للتفريغ، وإنما هي جزء من الحياة التي نتنفسها. فضلا عن كونها شيئا نبيلا ومقدسا ومهنة أزلية في اكتشاف حريتك وحرية الآخرين، هي المجال الأسمى مثل مجالات أخرى للصراع الحقيقي ضد القهر والظلم والنسيان والمساهمة في بناء ذاكرة رمزية ومرجعية تؤسس لوعي مشترك وحسي يوسع متخيلنا الكلي.» (ص89). يحتمل نص حليفي أكثر من قراءة، نظرا لغناه وتعدد طبقاته وأساليبه، إنه نص إشكالي بما يخلقه من تشويش على مفاهيم القراءة، أحيانا. فكلما أعدت قراءة النص أحسبني أقرأ قصيدة طويلة حيث اللغة شعرية إلى أبعد الحدود، ونثرية إلى أبعد حد، وقلما يجمع نص ما بين اللغتين، أو يثوي بين ثناياه أنواع أدبية عدة. في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول إن النص صورة طبق الأصل لصاحبه الذي جمع بين اهتمامات شعرية وروائية ورحلية ونقدية ونقابية وسياسية.