هي امرأة مسلمة مدافعة عن حقوق الجنس اللطيف، فخورة بأن خطت لنفسها هذا المسار .. إنها أسماء المرابط، طبيبة البيولوجيا والباحثة التي تحمل بين جوانحها هم تحرير وتمكين المرأة المسلمة. بابتسامتها اللطيفة، وصوتها الدافئ ووشاحها الأنيق الملفوف على شعرها بشكل فضفاض، في وسع أسماء أن تتحدث بهدوء لساعات طوال حول قضايا شائكة مثل المساواة في الإرث وتعدد الزوجات والحجاب والإجهاض … وسواء أشاطرناها آراءها أم اختلفنا معها، فلا يسعنا إلا أن ننجذب بفيض العاطفة والإيمان وقوة الشخصية التي تسم خطاب هذه المرأة الجريئة. في تصديها لما تسميه "الأفكار المسبقة" و "التفسيرات الجامدة" للنصوص الدينية في ما يتعلق بالمرأة، توظف أسماء خطابا حرا وحسا نقديا اكتسبتهما من تكوينها العلمي، وقد تثير حفيظة البعض في خضم ذلك. وهي بلا شك واعية بهذا الأمر، ذلك أن آخر ثمرات فكرها، الذي نالت به جائزة الأطلس الكبير في نونبر الماضي، يحمل عنوانا دالا ومثيرا "الإسلام والنساء .. الأسئلة التي ت غضب". تقول أ سماء في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة : "هذه الأسئلة ت غضب لأن بعض العقليات الذكورية لا تقبل المس بالسلطة المقدسة للرجل أو تفوقه المزعوم على المرأة. ويختزل معتنقو هذا الخطاب الراديكالي قضية المرأة برمتها في مفهوم القوامة الذي يفترض أن المرأة ليست متساوية مع الرجل وأنها يجب أن تعيش تحت وصايته. فبعد سنوات من البحث والتعمق في هذا الموضوع، تكونت لدي قناعة راسخة بأن الإسلام لم يكن قط تمييزيا أو غير منصف للمرأة، وإنما التأويلات الخاصة لعلماء الدين هي التي أفرزت التمييز وعدم الإنصاف". وبنفس القدر من الجزم والهدوء، تزيد أسماء حجتها قوة وعنفوانا، "في الفقه، هناك ما يسمى بمقاصد الدين، وهي قاعدة تقضي بأن الهدف الأسمى لجميع تعاليم الإسلام ومبادئه هو خدمة المصلحة الشرعية وتحقيق العدالة في المجتمع الإسلامي. لذلك هناك، في رأيي، هوة بين النص المقدس والقراءة التي فرضها عليه رجال الدين على مر القرون، ومن هنا تنبع أهمية العودة إلى المصدر، إلى القرآن الكريم والسنة، لإجراء قراءة جديدة ومنصفة ومتبصرة، تأخذ بعين الاعتبار المقاصد النبيلة التي جاء بها الدين". وتؤكد الباحثة أنها ألفت هذا الكتاب لا سعيا لإغضاب أحد أو للاستفزاز، "بل على العكس من ذلك كان القصد هو إثبات أننا يمكن أن نجد، حتى في رحاب ثقافتنا وديننا، حلولا لكثير من القضايا المطروحة بشأن وضع المرأة". وقادها هذا البحث الدائم إلى تأليف عدد من الكتب حول وضع المرأة وحقوقها في الإسلام. فعلى مدى حوالي عقد ونصف، نشرت الباحثة العديد من المقالات والكتب حول هذا الموضوع، بما في ذلك "مسلمة وكفى" (2002)، "عائشة، زوجة النبي أو الإسلام بصيغة المؤنث" (2004)، "القرآن والنساء : قراءة للتحرر" (2007) و"النساء والرجال في القرآن : أية مساواة؟" (2012). ولم يكن هذا البحث سوى تتويج ل"مسار شخصي" طويل رسمته أسماء لنفسها وارتضته منذ حداثة سنها. تقول أسماء، التي ترعرعت في وسط "وطني"، مشبع بالأفكار التقدمية، إن تعليمها كان بعيدا عن الطابع التقليدي، "فخلافا لما كان سائدا يومئذ، كان والدي حريصا جدا على تعليمي وحصولي على عمل. ومن المفارقة، فإنه بقدر ما كان منفتحا في هذا الجانب، بقدر ما كان يحمل أفكارا ومواقف محافظة بخصوص حقوق المرأة المسلمة. فبالنسبة له، شأنه في ذلك شأن معظم الرجال، فإن ‘المسلمة الصالحة" يجب أن تكون طيعة وألا تطرح الكثير من الأسئلة". هذه الصورة للمرأة، التي كانت سائدة وقتئذ في المجتمع، أثارت فضول الشابة أسماء لتقصي ما إذا كان هذا الفكر متجذرا في الثقافة، أم في التقاليد، أم في الدين. فكان أن انخرطت في بحث علمي طويل وعميق سعيا إلى تبين الحقيقة حول وضع المرأة في الإسلام، بين الواقع والخرافات. وقد استمر هذا البحث طوال إقامتها في أمريكا اللاتينية، حيث كان زوجها يشغل منصبا دبلوماسيا. وبموازاة عملها كطبيبة متطوعة، كانت أسماء شغوفة بالقراءة، بدءا بالقرآن الكريم، وكتب السنة النبوية، و"التفاسير" وكتب التاريخ والفقه. ترد أسماء على الذين ينتقدون مواقفها ويرون فيها "تدخلا" في مسائل دينية بحتة، بالقول "لست أدعي أني عالمة ولا أتعاطى الفتوى أو الوعظ، وإنما أنا باحثة، وقبل كل شيء مسلمة أمارس الشعائر الدينية وأحترم ثقافتي ولكن، في الوقت نفسه، أمحص، وفق نظرة نقدية، وضعي ومكانتي في المجتمع، وحقوقي، وغير ذلك. ولا يمكن أن أ سلب هذا الحق في التفكير والنقد لمجرد أني لا أتوفر على شهادة في الدراسات الإسلامية، أو لأني اكتسبت تعليمي الديني بالممارسة وفي إطار من الاستقلالية والعصامية". ففي رأي هذه الطبيبة البيولوجية، هذا الحس النقدي هو ما يفتقده اليوم علماء العلماء الذين يميلون إلى تبجيل بل وتقديس "القراءة الجامدة" للدين الإسلامي التي تعود إلى قرون. لكني أعتقد أن بالإمكان، بصرف النظر عن النصوص المقدسة، التي هي المصدر الرئيسي للدين، وضع جميع التفاسير التي قدمها علماء الدين على بساط النقاش والبحث والتفكير، مع الاحترام الكامل للآخر". وفي ما يتعلق بوضع المرأة المغربية، ترى الباحثة، وهي رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، أن المملكة تعتبر "نموذجا استثنائيا" في مجال تمكين المرأة، وهو نموذج فريد من نوعه في العالمين العربي والإسلامي. فالنساء المغربيات يتمتعن أكثر فأكثر بحقوقهن، وانخرطن في جميع الميادين، وأصبحن يشاركن في تدبير الشأن العام. "على أن من الواضح أن الخطاب الديني لا يسير في نفس الاتجاه. فعندما نسمع بعض العلماء والدعاة يدعون أن المرأة المسلمة الصالحة يجب، على سبيل المثال، أن لا تخرج إلى العمل وأن تلزم بيتها خدمة لزوجها، ندرك الفجوة بين الخطاب الديني والتغيرات العميقة التي تعتمل في المجتمع المغربي". وترى أسماء المرابط، التي لم يفتها أن تشيد بالإرادة الحقيقية، التي تجسدها أعلى سلطة في الدولة، للنهوض بوضع المرأة المغربية، كما يتبين من الإصلاحات الكبرى التي بوشرت تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس (مثل مدونة الأسرة، الدستور الجديد الذي كرس المساواة بين الجنسين و، مؤخرا، تمكين المرأة من مزاولة مهنة العدول)، أن الكرة الآن في مرمى رجال السياسة والدين المدعوين إلى المساهمة في تكريس ثقافة المساواة. وفي ما يتعلق بمسألة التوازن الصعب الذي ينبغي تحقيقه بين الالتزامات الأسرية والمهنية، تؤكد أسماء، وهي أم لطفل، أن المرأة تتفوق على الرجل من حيث قدرتها الهائلة على أداء عدة مهام في نفس الوقت. "فسواء كانت قروية أو حضرية أو موظفة أو أما، تستطيع المرأة المغربية التوفيق بين عدد من الأنشطة في آن معا : فمن الأشغال المنزلية وتربية الأبناء إلى المسؤوليات المهنية والعمل في الحقل، على المرأة أن تعرف كيف تنظم وقتها وتحشد كل طاقتها للنهوض بمختلف هذه المسؤوليات". وتؤكد أسماء المرابط أن هذا الأمر ليس، في كثير من الأحيان، خيارا بل هو واجب وتضحية من جانب المرأة التي جبلت على السخاء والحماس والإتقان في ما تضطلع به من أعمال. ومن البديهي أن هذا النضال اليومي ليس مجالا للفسحة والمتعة، وخاصة إذا استنكف الرجل عن القيام بأي دور يذكر في هذا الجانب، ولذلك تشدد على أهمية تقسيم العمل بين الزوجين على نحو يتيح تخفيف عبء المسؤوليات الموكلة للمرأة، ذلك أن "المساواة ثقافة يجب أن تمارس في بيوتنا أيضا"