المحامون يردون على وهبي: نحن مستعدون للحوار    نهاية الأزمة.. طلبة الطب يعودون إلى فصولهم الدراسية بعد توقيع محضر تسوية        بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    توقيف 62 شخصا جراء اعتداءات بأمستردام    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    بقرار ملكي…الشيشانيان إسماعيل وإسلام نوردييف يحصلان على الجنسية المغربية    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بيع أول عمل فني من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    ضمنهم مغاربة.. الشرطة الهولندية توقف 62 شخصا بأمستردام    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    الملكية بين "نخبة فرنسا" والنخبة الوطنية الجديدة    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اتجاه مجتمع الحداثة

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.
يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.