الناشط سفيان البحري في ذمة الله    نسبة البطالة 13,3% في المغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    إسبانيا: بدء محاكمة روبياليس في قضية 'التصرف غير اللائق'    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    حجز كمية كبيرة من الأدوية المهربة بمراكش    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    مزور يشرف على توقيع بروتوكولين لدعم مجال الصناعات المغربية    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب يعلن عن خوض إضراب عام يوم الأربعاء المقبل    أمطار الخير تنعش الموارد المائية.. سد محمد الخامس بالناظور يستقبل كميات مهمة من المياه    تراجع أسعار الذهب    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يحتفي برئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ويمنحه جائزة الثقافة الرياضية العربية التقديرية لعام 2024    أسامة صحراوي يتألق رفقة ناديه بالدوري الفرنسي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    مؤشر مازي يستهل التداولات بأداء إيجابي    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    كيوسك الإثنين | التساقطات المطرية تنعش حقينة السدود    تبون يقيل وزير المالية دون تقديم مبررات    الجامعة الوطنية للتعليم "التوجه الديمقراطي" تدعو للمشاركة في الإضراب العام    حماية ‬الأمن ‬القومي ‬المغربي ‬القضية ‬المركزية ‬الأولى ‬    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    تبون: حذرت ماكرون من أنه سيرتكب خطأ فادحا في قضية الصحراء.. ومازلنا في منطق رد الفعل مع المغرب    أوكسفام: 1% من الأغنياء يسيطرون على 63% من الثروات الجديدة منذ جائحة كوفيد-19    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    تحولات "فن الحرب"    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اتجاه مجتمع الحداثة

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.

يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.
يبدو أن المغرب يسير بخطى حثيثة وثابتة نحو بناء دولة مدنية عصرية رغم كل أشكال المقاومة والاعتراض للقوى الرجعية المعادية للتجديد الديني وللاجتهاد المستنير، ومما يدعو إلى التفاؤل أن القرارات المتخذة في هذا الاتجاه التحديثي صادرة عن أهم مؤسسات الدولة: المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة الحكومية، وبالتالي فهي موضوع إجماع وطني يعكس انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان ويجسد الإرادة الجماعية للطبقة السياسية المغربية لتحديث الدولة والمجتمع.
في الأيام القليلة الماضية:
– صدور الظهير الشريف رقم 1.00.350، متعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وبغض النظر عن بنود القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه في الدورة الأخيرة، والتي هي موضوع نقاش لن ينتهي بين نشطاء حقوق الإنسان، فإن حيثيات الظهير تؤكد على «استكمال بناء الدولة العصرية للحق والقانون»، و «أن صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهام أمير المؤمنين» الذي يلتزم « بمواصلة العمل على النهوض بحقوق الإنسان وصيانة الحريات وترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز كرامة المواطن ضمن مفهوم شمولي لحقوق الإنسان باعتبارها رافعة قوية لتنمية تتكامل فيها كل أبعاد الحقوق من سياسية ومدنية واقتصادية واجتماعية وثقافية».
– صدور بلاغ للديوان الملكي القاضي بأحقية المرأة المغربية بممارسة مهنة العدول،»بناء على الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية…
– مصادقة الحكومة المغربية على مشروع قانون بشأن محاربة العنف ضد النساء، وهو الأول في تاريخ المملكة بعدما بقي النقاش حوله معلقا منذ اقتراحه سنة 2013. وقد جاء في البيان الحكومي، أنّ مشروع القانون يستند إلى «الحقوق التي كرّسها دستور المملكة، والذي نصّ على المساواة والنهوض بحقوق المرأة وحمايتها وحظر ومكافحة كلّ أشكال التمييز».
– تصريح وزير العدل محمد اوجار الذي أكد على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، بما فيها العلاقات الجنسية الرضائية بين راشدين وإفطار رمضان، شريطة احترام الفضاء العام، وتأكيد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المصطفى الرميد، أنه لا يمكن مصادرة حرية العقيدة، وأن هناك ضوابط للتوفيق بين حرية المعتقد وتعاطي المجتمع مع ذلك.


في غضون أسبوعين تواترت قرارات ومواقف وقوانين تصب جميعها في ترسيخ حقوق الإنسان، وحماية الحريات الفردية وتوسيع مجالها، ودعم المساواة بين الجنسين، وذلك من خلال تأويل متقدم لأحكام الشريعة.
لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي القاضي بحق المرأة في ممارسة العدولية أن القرار تم بناء على " الأحكام الشرعية المتعلقة بالشهادة وأنواعها، والثوابت الدينية للمغرب، وفي مقدمتها قواعد المذهب المالكي، واعتبارا لما وصلت إليه المرأة المغربية من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف المناصب السامية". وفي ديباجة الظهير الشريف المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ورد أن " صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وضمان ممارستها، تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أميرا للمؤمنين. كما أنها تجسيد لأسس حضارتنا وثقافتنا وقيمنا الإسلامية السمحة، ولالتزاماتنا الدولية بخصوص حماية حقوق الإنسان، وصونها، والنهوض بها باعتبار كل منها مرجعية في هذا الشأن".
ومن الواضح أن هذه القرارات تمحورت حول موضوعين هما في العمق مترابطان أقوى ارتباط: موضوع حقوق الإنسان ولاسيما مسألة الحريات الفردية، وتحقيق المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة من مزيد من الحقوق وحمايتها من العنف بكل أشكاله. ومما لا ريب فيه أن تزامن تنزيل هذه القوانين والتعبير عن هذه المواقف ليس أمرا اعتباطيا أو مجرد مصادفة، وإنما هي قوانين ومواقف تندرج ضمن مقاربة سياسية/ قانونية لتنزيل مقتضيات دستور 2011 تنزيلا ديمقراطيا سيتيح للمغرب السير قدما نحو مجتمع الحداثة التي بدون شيوع قيمها النبيلة لا يمكن قيام مجتمع ديمقراطي بالمعنى السوسيو ثقافي للديمقراطية التي تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزالها في الانتخابات.
وإذا كانت الدولة بكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية قد وضعت المغرب على سكة الحداثة في أفق بناء دولة مدنية ينعم فيها المغربي بحريته كاملة، غير منقوصة، في ظل دولة القانون والمساواة وحقوق الإنسان، فإن مسؤولية منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذا التوجه وترسيخه وتنميته، من خلال عمل تثقيفي/ توعوي مستدام وقادر على تحويل القوانين والمبادئ إلى ممارسات يومية، مسؤولية ثابتة وضرورية وحاسمة.
دعاة التطرف الديني على اختلاف أطيافهم لن يهدأ لهم بال من أجل تقويض المشروع الديمقراطي الحداثي، وهاهم يشنون حربا "دينية" شعواء ضد الأشخاص والمؤسسات، متأبطين سيوف التكفير ورماح التشكيك في العقيدة، وهي حرب خطيرة واستراتيجية، لا يمكن مواجهتها دون تعبئة كل حاملي وحاملات قيم الحداثة والتقدم في كل المجالات، ثقافية وفنية ورياضية، ناهيك عن الأحزاب السياسية الديمقراطية. ولأن الحداثة رؤية للعالم والوجود الإنساني في كل أبعاده، جوهرها حرية الفكر والجسد والإبداع فإن المقاربة التشريعية/ القانونية ليست بالكاد كافية لانتصارها في مجتمع يعاني من "فوات تاريخي" حسب تعبير ياسين الحافظ (الهزيمة والاديولوجية المهزومة)، لذلك، لا مناص من إنجاز ثورة حقيقية في التعليم والتربية ومجمل مؤسسات التنشئة والتثقيف الجماهيري، صحيح أن الحداثة "تيار جارف" تصعب مقاومته (عبد لله العروي) لكن هي أيضا فعالية بشرية وإنجاز إنساني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.