إنّ مكوّنات الرّأسمال غير المادي تترابط وتتشابك بكيفيّة وثيقة مع بعضها البعض، ولها تأثير قويّ على باقي المكونات المادّيّة الأخرى للثّرْوة الإجمالية. دينامية سوسيو-ثقافيّة وبروز أشكال جديدة للإبداع المغربيّ لقد كان للخطابِالتّأسيسيّلصاحبالجلالةالملكمحمد السادس نصره الله، بتاريخ 17 أكتوبر 2001 بأجدير (2001)،بشأن إحْداثَالمعهدالملكيللثقافةالأمازيغية، رمزية كبيرة وتحولا استراتيجيا في مسلسل المصالحة مع الهوية المغربية الموحدة والمتنوعة بمختلف مكوناتهااللغويِّةوالثقافيّة. هذا التحول سيكرّسه دستور 2011 «بصيانة تلاحُممقوّماتهوّيّتهاالوطنية،الموحّدةبانْصِهاركلّ مكوّناتها،العربية – الإسلاميةوالأمازيغيةوالصحراويةالحسّانية،والغنيةبروافدهاالإفريقيةوالأندلسيةوالعبْريةوالمتوسّطية»، وكذا بإعطائها مضمونًامعياريّاومؤسّساتيّاوعمليّا. وقدْ أكّدَ المغربُ، على المُسْتوى الدّوليّ، هذه المُقارَبَةَ التي تكَرِّسُ ثراء التنوّع، ولا سيّما على مستوى منظمة «اليونسكو» حيْث وقّع المغربُ، في 2013، الاتفاقيةَ الدوليْةَ بشأن تعزيز وحماية التنوّع الثقافي للبشرية، أو على مسْتوى منظمة التجارة العالمية حيثُ اعْتَبَرَ المغربُ أنه « لا ينْبغي معاملة الثقافة باعتبارها مجرَّدَ سِلْعة، أو ترْكها للمنْطِق التنميطيللسوق». وخلال الفترة ذاتها، شكّلت النقاشات التي انطلقت حوْلَ تعزيز دوْر المرْأة، على قَدَم المُساواة مع الرّجل، بصفتها فاعلاً على مسْتوى التنمية السياسية والمؤسّساتيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، ولا سيّما النقاش بشأنِ إصلاح مدوّنة الأسْرة، لحظاتٍ هامّةً وحاسِمةً عزّزَ المغربُ من خلالها ثقافة الحوار والإجماع مع انخراطهِ، في الوقْت نفسه، في منْهجيّة إصْلاحيّة واعية ،في احترامٍ لثوابتِ الأمّة. كما شهدتفترة 1999-2013 حركة تصاعُديةلإبداعٍمغربيٍّجديد. وقد تحقّق ذلك بفضلتضافرالعديدمنالمبادراتالمجدِّدَةفيمجالاتِالمُوسيقىوالسّينماوالفنونالتّشكيليّةوالمسرحواللباسوالطّبخوالمعْمار.شبابٌ وأخرون أقل سنا موْهوبُون، يعيشونداخلالمغْربأوفيالخارِج،تشبّعوابمختلف ضُرُوبِ التراثالثقافيالوطنيّوالدوليّمنْ أجْلِ تقديمِأعمالٍ ذات أصالة إبداعيّةتعطي الإحْساسَ بالتّشبُّع الثقافيّ،والانتماءإلى الشَخْصيةالوطنية التي تغْني التراثالعالمي. هذه الدينامية، التي تتداخلُ فيها عمليّاتٌسياسية واعتباراتٌمجتمعيّة ورهاناتٌثقافيّة، قدّمتْصورةً جديدةعنِالمغرب، بإعْطائه إشْعاعًامتميزاعلى الصعيديْن الإقليميّوالدّوليّ. وتُعتبرُ الثقافة، اليوم، إلى حدٍّ كبيرٍ، بمثابةدَعامَة رابعةٍ من دعائمِالتنْمية المستدامة،إلى جانبِالعواملِ الاقتصاديةوالاجْتماعية والبيئية. إنّ ثراءَالثقافة المغربية، بمختلف مكوّناتها، يجعلُ منْهارافعةًأساسيّةمُمْكنة لتنْمية الثرْوة الوطنية، وكذا رافعةًلتوْزيعٍأكثر إنْصافًا لهذه الثرْوة حتى يستفيدَ منها جميعالمواطنين. غيْر أنّ إمكاناتالرّأسْمالالثقافي الوطني تستلزم أن نعطيها تموقعا وتثمينا أفضل. وفيالواقع،إنَّ التراثَوالموْروثَالثقافيّيْن، الماديّ وغيْرالمادّي،ومُختلف التّجلّيّات والتعْبيراتالثّقافيّة التقليديةوالحديثة، عناصر لمْ يتمّ تثْمينها بالقدْرِالكافي، علاوةً على أنَّالوَسائلالمُعبَّأة منْ أجل تطويرهاتظلّمحدودةجدًّا.والحالُ أنَّ الثقافةَالمغربية،شأنها في ذلك شأنالعديدمنَالثقافاتفيالعالم،تواجهمتطلّباتجديدة يفْرضهاعالمتسود فيه العوْلمة، حيثُبلغَ تثمينالمنتَجاتالثقافية فيهِدرَجةمتقدمةتتطلب اعتمادَمقاربَة شموليّةومهنية، إضافة إلى تكوينات ومهنٍ ومهاراتوموارد ملائمة وهامة. تعزيز أرضية القيم المشتركة و جعل الثقافة رافعة مستدامة للتنمية مدعوما بتاريخه الممتد وحضارته العريقة بضفافها المتعددة، يتميز المغربُبتنوّع ثقافي ينتظم هوّيته الموحدة، ويشكّلأرضيّة للقيم المُشترَكَة التي يرتسي عليها مشروعه المجتمعي. لهذه الأرضيّة ، من جهة أخرى،إسهاممؤثر فيما ينعم به المغرب من استقرار،وفي تمنيع الشخصية المغربية في سياق التقلبات الهوياتية المتصاعدة، إقليميا ودوليا، وفي إضفاء ديناميّة متجددة على أشكالهاالتعبيرية الأساسية. وفي هذا الصدد، فإنّ ثقافتنا تتغذّى كما تغتني من رأسمال منَ القيم ينبغي المحافظة عليه وتعزيزه، بهدف تطوير الثروة الإجماليّة لبلادنا وتحسين توزيعها، وذلك من خلال دعم نسق القيم الإيجابية رافعة التنمية والتقدم، وتجاوز ما يعتريه من قيم سلبية من شأنها إعاقة مسلسل الإصلاحوالتماسك الاجتماعي الذي تراهن عليه بلادنا. ثمة حاجة، إذن، في العمل على تثْمين هذا الرأسمال القيمي بما يوطد مقومات الهوية في وحدتها وتنوعها، ويعبئ جميع المواطنات والمواطنين ضمن مشروع مجتمعيّمشترَك قويّ يجد في دستور 2011 مبادئه وتوجهاته الكبرى. هذا، مع الأخذ في الاعتبار السياق المجتمعي الجديد الذي ما فتئ يتكرس منذ العقدين الأخيرين، في ظل التحولات العميقة التي تشهدها منظومات القيم والسلوكات الديمغرافية، وذلك من خلال تزايد وتيرة التمدن، والانبثاق السريع للأسر النووية، واستمرار حركية قوية للساكنة، لا سيما في صفوف الشباب والنساء، وبروز حاجيات مادية وثقافية جديدة لهذه الفئات الأخيرة، في تطلع أكثر إلى الحق في الذاتية في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وجودة الحياة، وتكافؤ الفرص، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، ومعايير جديدة للرفاه، والبحث عن فضاءات ووسائل جديدة للتعبير. وعلاوة على ذلك، يتوفّر المغرب على تراث ثقافيّ مادي وغير ماديلا يقل غنى وتنوعا، وهو بمثابة مِلك مشتركنفيسينبغي استثماره في خدمة التنمية.يمثل هذا التراث، إذا ما حافظنا عليه وتم تثمينه بكيفيّة ملائمة، عاملا قويّالنقل الثروةواقتسامها وخلقها. وبالموازاة، ما فتئ يعرَفَ الإبداع الثّقافي والفنّي المغربيّ، مَعَ انبثاق جيل جديد من السينمائيين والموسيقيين والمؤلفين والفنانين التّشكيليّين ومصمّمي الديزاين والمهندسين المعماريين،خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، ديناميّة جديدة واكَبها إنشاء وتطوير فضاءات ومنصّات جديدة سمعيّة بصرية ورقْميّة. وهي دينامية ثقافية وفنيّة جديرة بالاهتمام والدعم من قبل السلطات العمومية والقطاع الخاص. وبُغيةَ استثمار الثقافة كرافعة للتنمية المستدامَة، يُوصى : بالارتكاز على أرضيّة القيم المغربية وتعزيزها من أجل توطيد أواصر الانتماء ؛ بالنهوض بقيم المشروع المجتمعي المشترك؛ بتثمين التراث الثقافي، الماديّ وغير المادّي؛ بتقوية ودعم الإبداع الفني والثقافي. ssالاعتماد على أرضيّة القيم المغربية وتعزيزها من أجل توطيد الشعوربالانتماء تتجسد هذه الأرضية فيما يمكن تسميته ب «تمغربيت» التي هي بوتقة حيث تنصهر مختلف أشكال التعبير عن الإنسية المغربية، والشعور بالانتماء والاعتزاز بأنْ يكونَ المرءُ مغربيًّا بهوية خاصة، وكذا مجموع التقاليد والطقوس والعادات والسلوكات وأنماط العيش التي تتميز بها. إنها منظومة كاملة من القيم التي ينبغي الدفع بها وإعلاؤها في جوانِبها الإيجابيّة والبنّاءة، من أجل تعزيز الالتزام المواطِن والمسؤول، وتقوية التضامن، وتوطيد الثقة، وتدعيم أسباب الانفتاح والعيش المشترك. ومن أجل تثمين»تمغربيت»، يُوصى بالعمل على: جرد وصوْن وإنعاش القيم والممارسات والوشائج المرتبطة ب»تمغربيت»، التي من شأنها تعميق الانتماء إلى المغرب، وتكريس مواطنة لا تقوم فقط على «الإقامة» أو «المنفعة»، وإنما ترتكز كذلك على الوجدان المشترك للمغاربة بعمقه التاريخي وأفقه الكوني. وفي هذا الصدد، ينبغي كذلك تقوية وتوسيع مجال الارتباط ب»تمغربيتْ»، إلى خارج حدود الوطن، من خلال مغاربةُ العالَم وعبر الأشْخاصٌ والمجموعات عبر العالم التي ترتبط بالمغرب ثقافيًّا أو دينيًّا أو تاريخيا؛ تعزيز آليات التضامن التقليدية (التّويزة، دارْتْ)عبر عصرنتها، وخاصّة ما يتعلق بالتضامن العائلي والجماعيّ، والتضامن إزاء المعوزين واليتامى والأشخاص في وضعية إعاقة والتساكن بين الجيران (حقّ الجُورَة)؛ ترسيخ قيم ضيافة المغاربة للزّوار (ضيف الله)، ليس فقط منْ أجل تحسين استقبالالأجانب في إطارتقاليد التعايش والتسامح المفتوحة على الثقافات الأخرى الذي تتميّز بها بلادنا منذ قرون، بلْكذلك من أجل تعزيز الجاذبيّة السياحيّة؛ الحفاظ وتعزيز تقاليد المغاربة في العيْش المشترَك، وخاصّة قيم احترام السّلف وقيم القبول والإدماج الاجتماعيّ للاختلاف والإعاقة، والحفاظ على العلاقة بالأهل والأقارِب (صلة الرّحم)، والصّفح والعفو والصّلح في حالات النزاع (اللّي غْلَبْ يعفّ). كما يتعيّن المحافظة على المظاهر الاحتفالية، خلال المناسبات الوطنية والمحلية، وكذا المناسبات الدينية أو التقليدية أو العائليّة الكبرى، دون أن تخطئ مقاصدها، من قبيل: (عيد الأضحى، حاگوزة، ميمونة، عاشوراء، حفلات الزفاف، الختان، المآتم، المواسم… الخ)؛ تعزيز العلاقات التجارية أو المهنيّةالمبنيّة على الثقة لكيْ لا تظلّ هذه العلاقات مقتصرة فقط على الروابط العائلية أو القبَلية أو الجهويّة، وتظل مبنيّة على عدد من القيم والمُمَارَسَات المرتبطة بالمصداقيّة مثل «الكلْمة» و»الأمانة» و»نشرْكو الطّعام» و»الميزان». كما يتعيّن العمل على جعْل النصوص القانونية أكثر وضوحا وأقلّ تعقيدًا، وذلك ببنائها على الثقة إزاء المواطنين والفاعلين الاقتصاديين. تعزيز قيم المشروع المجتمعي المشترك ومنْ أجل النهوض بقيم المشروع المجتمعي المشترك، يُوصى: بتثمي نوتعزيز قيم المشروع المجتمعيّ المشترَك في صفوف المواطنين، ولا سيّما في أبعاده الرّوحية المبنيّة على إمَارة المؤمنين، وانسجاما مع أفقه الإنساني كما وَرَدَ في ديباجة دستور المملكة، بمعنى «في ظلّ تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء».كما ينبغي تقوية وتشجيع نشر هذه القيم عن طريقِ المنظومة التربوية والوسائط الثقافية ودور العبادة، وعن طريق وضعآليات للتعليموالتأويل والتواصل تدمج مقتضيات التجديد والسياق؛ كما يتعيّن، وفي إطار الاجتهاد، التفاعل مع تطوّرحاجيات المجتمع، بهدف تحصينهمنْجميع أشكالِ التطرّف المحدقة، وتوفير الأمْن الرُّوحي للمُواطنين، وبالتالي توفير أمْنهم العقائدي والجسدي والفكري والانتسابي والقيمي والتراثي؛ بترسيخ المواطنَة ككُلٍّ لا يتجزّأ، في شُمُوليتها ومظاهرها المختلفة، وفي حقوقها وواجباتها. وفي هذا الإطار، ينبغي تنمية التنوّع اللغوي والثقافيّ لمكوّنات مجتمعنا باعتباره عاملا داعما للارتباط بالأمّة المغربية، ومصدرا لتحقيق التقدّم والتّنمية. وفي هذا الشأن، لا ينبغي أنْ يصبح نجاح الجهوية المتقدّمة، الذي يستوجب تطوير الانتماء الجهوي، مصدرَ تفرقة وتقاطب اتثقافية جديدة. الأمر الذي يقتضي تطوير ثقافة الحوار والتوافق، ولا سيّما بين المؤسّسات والهيئات الوسيطة، وتشجيع مشارَكَة المواطنين في القرار العموميّ، من خلالِ إرساء فضاءات وآليات للحوار المدنيّ والاجتماعيّ على الصّعيد الجهوي، وكذا منصات محليّة للديمقراطيّة الرّقميّة. وأخيرًا، من الضروريّ تطوير السلوك المدنيّالجبائيّ لضمانِ المساهمة التّضامنيّة والعادلة والمنصِفة للجميع في تنفيذ مشروعنا المجتمعيّ المُشتَرَك؛ بتنمية القِيَم الفرديّة الإيجابيّة ذات الصلة بالثّقة والعمل والمجهود، واحترام الآجال والمسْؤوليّة، وبالمُسَاواة والتّضامُن والانفتاح والسلوك المدنيّ. ذلكَ أنّ هذه القيم من شأنها أنْ تعزّزَ الأمن الرّوحي، ودولة القانون، والديمقراطيّة، وكذا غنى التنوّع واحترام حقوق الإنسان والجيل الجديد من حقوق الإنسان التي أضحت مكونا أساسيا ضمن مشروعنا المجتمعيّ المشتَرَك. كما يتعيّن كذلك تشجيع روح المبادَرَة والمقاولة مع الحد من التهيب السلبي في مواجهة مخاطر المبادرة، فضلاً عن المحافظة على البيئة من خلالِ إرساء ضمير وممارسات وأعمال تمكّن منْ محاربة تبذير الموارد والحدّ من نفور الساكنة بسبب المخاطر وانسداد الآفاق، في سياق عالم تتسارع فيه وتيرة الاختلالات المناخية، ويتطلّب بالضّبط مواجهة المزيد من المخاطر والقرارات؛ بتحسين تمثيليّة المجتمع داخلَ المؤسّسات المنتَخَبَة، ولا سيّما تمثيليّة النساء والشباب، وتقوية العلاقات بين المنتخَبين وبين السّاكنة على المدى الطويل؛ بانخراط المؤسّسات المنتخَبة في تملك النقاش المجتمعيّ؛ بضمان التكامل في العلاقة بين الدّيمقراطية التمثيليّة والدّيمقراطية التشاركيّة، ممّا يسمح بالرّفع من النجاعة التشريعيّة والتنفيذية، فضلًا عن التملّك والانخراط المواطِن، مع دعم قدرات الإنصات والتأني والحوار والبحث عن التّوافق؛ إضافة إلى ضمان تنسيق جيّد بين المجالس الاستشارية؛ بدعم وتعزيز الهيْئات الوسيطة (أحزاب سياسية، نقابات، منظّمات غير حكوميّة) لكيْ تلعبَ دور الوساطة المنوط بها من طرف الدّستور، في تعبئة وتأطير وتمثيل المواطنين في تطلعاتهم وآرائهم. تثمين التراث الثقافي المادي وغير المادّيّ ترتكز هذه الأرضية القيمية على تراث ثقافي مادّي وغير مادي يتعيّن المحافظة عليه وتثمينه. ولذلك يجدر العمل على: جعل الثقافة والإدماج عن طريق الثقافة وسيلة أساسيّة لتحقيق التماسُك والتنمية، وخاصّة من خلال الإدماج المستدام والإدراج التلقائيّ للعوامل والرّافعات الثقافيّة في السياسات العموميّة؛ وضع ميثاق وطنيّ للتراث المادي وغير المادي يتعلق بالمُحافظة على الذاكرة التاريخيّة والثقافية الوطنيّة، ودعم قدرات المؤسّسات والقطاعات الوزاريّة ذات الصلة بالثقافة، وكذا إحداث وكالة تُناط بها مهمّة صوْن وتثمين التراث الوطنيّ المادي وغير الماديّ؛ إعداد إطار قانونيّ وتنظيميّ يلزم قطاعات السّكن والتعمير وإعداد التراب الوطني بتجهيز أماكن العيْش بفضاءاتٍ الترفيه والتثقيف: فضاءات خضراء وملاعب رياضيّة ومؤسّسات ثقافيّة: معاهد موسيقيّة، مسارح، خزانات عمومية، خزانات وسائطيّة، دور الشباب، الخ؛ بلورة تصوّر مبتكَر للثقافة، داخل المجالات الترابية الحضرية والقرويّة، ينسجم معَ متطلّباتِ فعليّة الجيل الجديد من الحقوق والمواطَنَة الكاملة التي ينصّ عليها الدّستور، ومع ديمقراطية القرب التي انخرط فيها المغرب. وفي هذا السياق، ينبغي تعضيد الجهود المبذولة وتقوية الالتقائية بين التدخلات في قطاعات الثقافة والتعليم والشباب والرياضة والاتصال، وذلك في إطار تنفيذ الجهوية المتقدّمة، بهدف تحقيق وضوحٍ أكبر و أفضل للتدخّل في القطاع الثقافي. كما يتعيّن إحداث شراكات مبتكرة من شأنها تثمين الخصوصيات الثقافيّة واللّغويّة لمُختلف جهات التراب الوطنيّ؛ إحداث وكالة التراث اللامادي للمغرب تتولى جرد وتوثيق وتثمين التعابير والمعارف والممارسات الثقافية غير المادية. كما تعمل على نشر ثقافة اللامادي في الأوساط التعليمية والإعلامية كنمط جديد في التدبير والتسيير، وكذا التشجيع على إنشاء فضاءات حفظ الذاكرة على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، في إطار تعاقدات مع الجماعات الترابية، مع السعي إلى تصنيف هذا الرصيد ضمن التراث الكوني؛ إعادة هيْكلة قطاع الثقافة، بما يتماشى مع مكوّنات المشروع الثقافيّ الوطني، وإدماجه في إطارٍ مؤسّساتي أفقيّ، معَ توجيهه نحو الشباب ودعم موارده وقدراته، لتمكينه من تثمين التراث الوطني. تعزيز ودعم الإبداع الفنّي والثّقافي إذا كانَ التراث الثّقافيّ يحيا ويتطوّر عن طريقِ الإبداع والابتكار في مجال الفنون، فإنّ الإبداع الفنيأصبَحَاليوم، في جميع أنحاء العالم، بمثابة قطاعٍ اقتصاديٍّ كبيرٍ مولِّدٍ للنموّ والشّغل. ذلكَ أنّالنشاطَ الفنّيَ والثقافي يسهّل عمليّةالارتقاء الاجتماعيّ، كما يشكّل عاملا هامًّا من عوامل التماسُك الاجتماعيّ وتعزيز العيْش المشترك. وبُغية تشجيع ودعم الإبداع الفنيّ والثقافّي، لا بدّ من العمل على: على المستوى الاستراتيجي وضْع استراتيجية وطنية لتطوير الصناعة الثقافيّة، تتضمّن مختلفالمجالات الإبداعيّة الكفيلة بتوفير فُرَص إدماج الشباب عن طريق التّشْغيل، وتشجيع القطاعيْن العامّ والخاص على الاستثمار في هذه المجالات. ويتعيّن أنْ تشمل هذه الاستراتيجية مختلف وسائل التعبير الفنّيّ والثقافي الحديثة، وأنْ تسعى إلى تقريبِ القضايا الثقافية والفنّيّة منْ أكبر عدد مُمْكن منَ المغاربة؛ اعتماد استراتيجية واضحة لتطوير العرْض الثقافيّ الرّقمِيّالوطنيّ من خلال: تشجيع الاستثمار في الثقافة الرّقمية، وخاصّة عبر تسْهيل ولوج المستثمرين في هذا المجالإلى الاعتمادات المرودة لتشجيع ابتكارالتكنولوجيات الجديدة، وبرامج «تطوير» و»انطلاق» و»صندوق الخدمات الشّاملة»؛ تطوير مواقع الإنترنيت الموضوعاتيّة، التي تقدّم للشباب محتوياتٍ مكتوبة وسمعيّة بَصرية، بما يكمل المعارف المدرسيّة والجامعيّة؛ إنشاء وتطوير متاحف رقميّة وطنيّة وجهوية ومحلّيّة، تتماشى مَعَ بروز الخصوصيّات الجهويّة، والمدن الذكيّة والثقافة الحضريّة، وهو ما يمكّن الشباب من الانفتاح على تاريخهم، ويقدم مظاهر الثقافة والقيم المغربية في غناها وتنوعها؛ وضْع شبكة للتواصل عبر النيت بتطبيقات متعددة تستهدف تحفيز وتسهيل الولوج إلى هذه الخدمات باللغات الوطنية المغربية، من أجل تعميم الفائدة على أكبر عدد ممكن من الشباب؛ دعم وتشجيع إبداع وتطوير محتويات رقميّة وطنيّة؛ حماية الإبداع الثقافي من خلال تعزيز المِلْكية الفكرية انسجاما معَالمعايير المعمول بها دوليا، وذلك نظرا إلى دورها الحاسم في تطوير الصناعات الثقافية والإبداعيّة.فبدءا بتأمينِ حقوق وواجبات المنتجين والناشرين، نشرع في التقنينالتدريجيّ للأنشطة الثقافية، منْ أجل استدامة خلق فرص الشّغل في الأنشطة ذات الصّلة بالثقافة. على المُسْتوى الإجرائيّ تجديد التدخّ لالعموميّ في المجال الثقافيّ والفنيّ، عنْ طريقِ إبرام شَرَاكات تبرز الخصوصيّات الثقافية واللغوية لمُختلف الجهات، وذلكَ اعتمادًا على الوسائل التقليدية لإنتاج الثقافة، أو على الحوامل الرّقمية؛ الحرْص على خلق أمْكنة للعيْش ذاتوظيفة ثقافية تكونُ في متناول جميع المواطنين، وتوفير الظروف الملائمة لهمْ لِجَعلها فَضاءاتٍ مخصّصِة للتعبير، وحفظ الذاكرة، وحفز الإبداع،والترْبيّة على المُواطنَة؛ خلْق منظومات اقتصادية تشْتَمِل على أنشطةالإبداعوالإنتاج وتسْويق المنتَجات والخدمات والمحتويات ذات الصّبغة الثقافيّة ، علاوة على تشجيع إنشاء مقاولات ناشِئَة مبتكرة تهتمّبالأنشطة المرتبطة بالتّرَاث الثقافي والموسيقى،والأغنيّة والإنتاج الموسيقيّ، والمهرجانات وصِنَاعَة الفرْجة، والمسرح، والفنون البَصَريّة، والصّناعة التقليديّة، والكتابوالصّحَافة،والمجال السّمعي-البصريّ، والوسائط المتعددة التفاعلية،والديزاين والهندَسَة المعمارية، والخدمات الإبداعية؛ وذلكَ لكيْ تُساهم هذه البنيات بدوْرِها في تطْوِيرِ التراث الثقافي،والإنتاج الوطنيّللثروة، وخلق فرص الشّغل، وتحقيق الإشْعاع لبلادنا؛ العمل، بوَجْهٍ خاصّ، على مواكَبَة تطوّر الإنتاج السينمائيّ منْ خلال تطوير سلسلة قيمة تمكّنُ منْ انبثاق صناعة للإنتاج السمعيّ البصري ذات مستوى دوليّ؛ تسْريع وتيرة تطوير المحافظة -على غرار المحافظة على الأملاك العقارية- الفنيّة والمادية وغير المادية، والتثمين الاقتصاديّ للتراث الإبداعي، بتعزيز وتوسيع حقل نشاط المؤسّسة الوطنية للمتاحف؛ توسيع الفضاءات والحوامل الفنّيّة والثقافية للتعبير والإنتاج والعرض، وذلك عن طريق إطلاق منصّات جديدة في انسجام ومواكبة لمجتمعالشّاشات(الشاشة الواحدة أو الشّاشات المتعددة) الذي نعيش فيه، فضْلاً عنْ تعزيز الفضاءات التقليدية، كالمهرجانات الموسيقيّة والسينما والمسرح، وتنظيم المعارض الثقافية (معارض الكتاب، معارض الفنون التشكيليّة، الخ)؛ تشجيع صعود منتجين وموزعين تنافسيين للسلع والخدمات الثقافية فيالمستوى الوطني والدولي، وكذا مقاولات «قاطرات» بالنسبة للنسيج الاقتصادي الوطني في هذا القطاع.