اختتمت فعاليات النسخة السابعة ل «المهرجان العربي للقصة القصيرة» في خنيفرة المغربية، والتي حملت دورتها هذه السنة اسم الناقد والروائي محمد أمنصور، ببيان ختامي أكد فيه المشاركون حرصهم القوي على «استمرارية ملتقى خنيفرة، والدعوة إلى دعمه من قبل السلطات الوصية» و»مواكبته ثقافيا وإعلاميا لما يميزه من جدية وإشعاع»، مع «تجميع ونشر أشغاله العلمية والإبداعية»، كما شددوا على «وصل المشهد القصصي بالبعد التربوي، وإشراك التلاميذ والطلبة بما ينسجم وفلسفة التنمية الثقافية»، و»تقوية التواصل الثقافي والإبداعي مع العالم العربي والدولي، والانفتاح على تجارب الثقافات الأخرى»، خاصة في مجال القصة القصيرة جدا. «المهرجان العربي للقصة القصيرة»، الذي حملت دورته الأخيرة شعار: «القصة القصيرة جدا والنشر الرقمي»، واحتضنت أشغاله «غرفة التجارة والصناعة والخدمات» بخنيفرة، افتتح بكلمة ذ. مصطفى تودي، أبرز من خلالها ما للمهرجان من حصيلة عمل جاد، يروي قصة طويلة جدا مشبعة بقيم البدل، والعطاء والإبداع، منذ أن كان فكرة وصار واقعا، ومعه أضحت المدينة محجا لمبدعين من مختلف أقطار الوطن العربي، حين أصر منظموه على جعل اللقاء تقليدا سنويا، ومهرجانا عربيا لن يتوقف ما لم يعانق العالمية، إذ أن أول دوراته كانت بشعار: «القصة القصيرة جدا من التأسيس إلى التجنيس»، ثم الثانية بشعار: «الميتاقصة في القصة المغربية» إلى «الطفل في القصة المغربية القصيرة جدا» ثم «النقد القصصي، الاتجاهات والآفاق» ومنه إلى «المفارقة والتقابل في القصة القصيرة جدا»، إلى ما قبل الأخير الذي حمل شعار «القصة القصيرة وشعرية الانفتاح»، وكلها من سيرة مهرجان لا يزال مصرا على مواصلة الطريق. ومن جهته، تقدم رئيس الجمعية المنظمة، جمعية الأنصار للثقافة، عبدالعزيز ملوكي، بكلمة ترحيب بالضيوف الذين حجوا من كل عدة بلدان، خصوصا من تونس الخضراء، مشيرا إلى اسم محمد أمنصور الذي حملت الدورة اسمه، احتفاء به كقامة أدبية أغنت المشهد الإبداعي الوطني والعربي بعطاءاتها الثرة، سواء في القصة القصيرة أو الرواية أو النقد، إضافة إلى تكريس حياته من أجل تأطير أفواج من الطلبة والباحثين بكلية الآداب بمكناسة الزيتون. ولم يترك رئيس الجمعية الفرصة دون التوجه بالشكر للجهات الداعمة لهذا المهرجان، وفي الوقت ذاته ناشد الجهات الوصية من أجل إعادة تأهيل «المركز الثقافي أبو القاسم الزياني» بتجهيز قاعة العروض، التي تفتقر لمنصة وللصوتيات وللإنارة الكافية، مع دعمها بطاقم إداري مسؤول وكفء، كما طالب بإحداث قاعة للمسرح تكون في مستوى الحركة المسرحية التي أخذت تعرفها المدينة. وقد أبى العديد من زملاء المحتفى به، محمد أمنصور، من الأساتذة القادمين من مختلف الكليات المغربية، ومن طلبته وعشاق حرفه من المبدعين، إلا الحضور في افتتاح فعاليات المهرجان بالنظر لمكانة الرجل العلمية والأكاديمية والإبداعية، ولعلاقاته الإنسانية المتميزة التي تربطه بالجميع. ولم يفت بعضهم تقديم شهادات في حقه، والبداية من عبد الإله قيدي الذي أبدع في نبش بعض المحطات من مسار المحتفى به، وحضوره على مستوى الثقافة والجامعة والبحث، وعشقه للفنون والأجناس الخطابية والأدبية، وبصماته التاريخية بالحقل المسرحي والنقدي والجمعوي، في حين لم يفت علي الوكيلي تناول شخصية أمنصور المبدع والإنسان والصديق. ومن جهته، ركز محمد عياش، بأسلوبه الاستثنائي، وبذاكرة صديق الطفولة والشباب، على علاقته بأمنصور وإنتاج هذا الأخير لطلبة أقوياء بزخم دراسي عميق وممتد في عالم القراءة والكتابة، وكيف كان من الحريصين على متابعة البرامج والأخبار العالمية والثقافية، إلى الشخص الذي كاد «أصحاب الحال» ابتلاعه يوما، ثم الجمعوي المتواضع والجدي الذي اجتهد ليحصل على الدراسات العليا والدكتوراه ومقعد للتدريس بالتعليم العالي، بينما انطلق بنيوسف عميروش في شهادته من عبارة «نتخطى الانكسارات ونتحدى الألم» للتحدث عن موقع أمنصور في الخريطة الوطنية الثقافية، وكيف بدأ يطبع أعماله على نفقته الخاصة لأجل حفر مساره بيده. ولم يفت هشام العلوي استعادة جملة من اللحظات التي قضاها ذات زمن مع المحتفى به، مع نوع من الاستغوار في الدينامية التي تميز هذا الأخير، إن على مستوى المسرح والدراسة والنقد أو نشاطه بجمعية الباحثين الشباب التي تم بها تكسير هيمنة محتكري البحث والقرار الثقافي، تقدم المحتفى به، محمد أمنصور، لمنصة المهرجان من أجل كلمة انطلق فيها بأسلوب من التواضع، قائلا: «لم أتخيل في يوم من الأيام أن تحدث هذه اللحظة التي لم أعمل من أجلها»، شاكرا جميع من اقترحوا اسمه للنسخة السابعة من المهرجان الذي وصفه ب «الحدث الذي لا وجود له بالمغرب»، كما تحدث عن قيمة الصداقة التي تصنع الأشياء العظيمة، في إشارة للأصدقاء الذين حضروا «عرسه الثقافي» وأدلوا بشهاداتهم حوله. وبخصوص «جائزة المهرجان العربي للقصة القصيرة»، صنف القصة القصيرة، والتي حملت اسم القاصة السعدية باحدة، فقد آلت الجائزة الأولى، في هذه الدورة، إلى القاص المغربي نصر الدين شردال عن قصته «لم تسقط اللوحة يا دمشق»، فيما عادت الثانية للقاصة المصرية هبة لله محمد حسن السيد عن قصتها «الكمين»، بينما احتل أنس ناصيف من سوريا المرتبة الثالثة، أما في صنف القصة القصيرة جدا، فآلت للعراقي مهند يحيى حسن عن نصوصه «ما لم تدونه ذاكرة الحرائق، ترقب، يوم جنائزي آخر..). وفي إطار فعاليات المهرجان دائما، شاركت «جمعية وشمة للفن التشكيلي»، بورشة فنية للرسم، تحت شعار: «انا أقرأ»، غايتها توعية الناشئة بأهمية القراءة والمصالحة مع الكتاب، وخلالها جرت مسابقة في الرسم تم تخصيص جوائز للأعمال الثلاثة الأولى الفائزة، حيث عادت الجائزة الأولى من نصيب التلميذ منعم مخلوفي، والثانية للتلميذة الطاهرة برعلي، والثالثة للتلميذة ثورية السلاسي، وجميعهم من ثانوية فاطمة الزهراء. وتميزت فعاليات المهرجان بندوتين ثقافيتين، الأولى تحت عنوان «محمد أمنصور ومسارات التجريب الأدبي والنقدي»، اختير لتسييرها الناقد حميد لحمداني، وشارك فيها عدد من النقاد والمبدعين، في حين حملت الندوة الثانية عنوان «القصة القصيرة جدا والنشر الرقمي»، تم تسييرها من طرف الناقد مصطفى داد، كما تخللت المهرجان جلسة للقراءات الشبابية بمشاركة عدد من المبدعين الشباب، وتسيير محمد الهدار، وتمت خلالها قراءة النصوص الفائزة في المسابقة العربية للقصة القصيرة جدا، قبل جلسة للقراءات القصصية بمشاركة عدد من المبدعين، وتسيير عبدالواحد كفيح وجميل فتحي الهمامي، وعقب ذلك تم تكريم مجموعة من الفعاليات المحلية، الوطنية والعربية، وتوزيع شهادات تقديرية على المشاركين. ولم يفت الفنان نورالدين فرح تتويج فعاليات المهرجان بمجموعة من أغانيه ومواويله الرائعة، دشنها بأغنية حول القدس وختمها بأمسية فنية صفق لها الحاضرون بحرارة قوية. وبينما افتتحت التظاهرة الثقافية بورشات لكتابة القصة والرسم، ومعارض للكتاب والصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية والتشكيلية، اختتمت بجولة سياحية ببحيرة أكلمام لفائدة المبدعين المشاركين في المهرجان، وكانت من تأطير نادي إسمون نعاري للرياضات الجبلية، الغاية منها التعريف بما يزخر به الإقليم من مؤهلات طبيعية وسياحية متميزة، في حين لم يفت المنظمين، في شخص جمعية الأنصار للثقافةّ، تجديد حرصهم على دعوة مبدعي القصة القصيرة على مستوى الوطن العربي للمشاركة في الدورات المقبلة للمهرجان في أفق اتساع إشعاعه وتحقيق أهدافه التي انطلق من أجلها.