الكلب ليس صديقا وفيا، ليس جليسا مؤنسا، ليس حارسا أمينا دائما، والقط هو الآخر ليس بالضرورة أليفا، إذ يمكن للحظة لهو ومداعبة بكل عفوية وانشراح مع أحدهما، في الشارع العام، أن تتحول إلى كابوس، ليس فقط إذا ما عضّ أو خدش الكلب أو القط مداعبه، بل حتى إذا مالعقه مبديا هو الآخر سروره وانتشاءه بتلك المداعبة. كابوس كل طفل بالخصوص هو عرضة لأن يعيش تفاصيله، على اعتبار أن تلك الحيوانات «الأليفة» هي تغري الأطفال باللعب والمداعبة، الذين يحبون فيها طبيعة تفاعلها ولهوها وهي تنطّ ذات اليمين وذات الشمال، وتقفز على أقدام ملاعبيها، وذيلها يتراقص تعبيرا عن الفرح، وفي خضم ذلك يمكن أن تنقل مرضا قاتلا، لاتكون أعراضه بادية في الأيام الأولى، وقد لاينتبه الآباء والأمهات لإصابة فلذة كبدهم إلا بعد فوات الأوان، في وقت يصبح معه تدارك الأمر مستحيلا، بفعل انتشار الفيروس الذي يحمل إسم داء الكلب، مصيبا الذات برمّتها بالسعار، فتجد الأسر نفسها في نهاية المطاف مصدومة وهي تستفيق على فاجعة فقدان طفلها في عمر الزهور؟ واقع مؤلم، إذ بعد مرور كل هذه السنوات على ظهور المرض وانتشاره، والوصول إلى تلقيح مضاد له على يد لويس باستور، إلا أنه لم يتم القطع النهائي مع هذه العلّة القاتلة التي ماتزال تحصد أرواح الضحايا الأطفال إلى اليوم، إذ يبلغ المعدل السنوي للإصابات بالمغرب 30 حالة، محتومة بالموت في حال عدم اتباع الخطوات الوقائية الضرورية، المتمثلة في تطهير الجرح فوريا، والخضوع للتلقيح في مكتب حفظ الصحة التابع للمقاطعات الجماعية، وعدم الاستهانة بالوضع والاكتفاء بغسل مكان العضة/الخدش بالماء والصابون والاكتفاء ب «البيتادين» أو غيره من التدخلات التقليدية، بالنظر إلى أن أعراض المرض لاتظهر في حينه لكون فترة الحضانة هي تتراوح مابين شهر و 3 أشهر قبل أن تصبح علامات الداء جليّة، كما هو الشأن بالنسبة للرهبة من الماء والهواء. سعار يحصد أرواح الصغار، يختطفهم من حضن أسرهم خطفا، كما هو الحال بالنسبة للطفل «أنس» الذي لايتجاوز عمره 8 سنوات، الذي وحين عودته من المدرسة إلى المنزل بتطوان داعب قطة خدشته بأظافرها، معلنة عن انطلاق العدّ لذبول وردة قبل الأوان، مما شكّل صدمة للجميع وخلّف حزنا وأسى عظيمين في صفوف كل من تلقى الخبر بتفاصيله المؤلمة. واقعة قاتمة حزينة من الممكن أن تتكرر تفاصيلها في كل بيت، ليس فقط في البوادي والمداشر وإنما حتى في المدن الكبرى، بأحيائها الشعبية والراقية على حدّ سواء، فمشهد الكلاب الضالة بات عاديا أمام المدارس والمؤسسات التعليمية، وبالشارع العام في كل مكان، وكذلك الأمر بالنسبة للقطط، التي تقتات من المخلّفات ومما «يجود» به عليها المواطنون، خاصة الصغار، فتعيش وتتوالد وتنجب حيوانات أخرى بكل أريحية، ورغم تناول الموضوع إعلاميا بين الفينة والأخرى، ورغم تأكيد المصالح الجماعية على أنها تقوم بجمع كل الحيوانات الضالة، وإدلائها ببعض الأرقام في هذا الصدد، فإن تواجد الكلاب والقطط الضالة وانتشارها بكثرة هو أمر لايمكن إخفائه وحجب شمسه بغربال أرقام الجهات المختصة التي منها من قد يتقاعس علن القيام بواجبه في جمعها، ومنها من قد «ينهزم» أمام جحافلها، ليكون المواطن في نهاية المطاف عرضة لعضّة غادرة أو خدش عفوي، يكون له مابعده ! تشير الأرقام الرسمية لمنظمة الصحة العالمية أن 95 في المئة من حالات الوفيات بسبب السعار، هي تقع بدول إفريقيا وآسيا، وتصف داء الكلب بكونه من الأمراض المنسية التي تصيب الفقراء والفئات المستضعفة. مرض يمكننا التأكيد على أنه يحصد الأرواح نتيجة إهمال جماعي، إذ في الوقت الذي تم فيه بذل مجهود ليس بالهيّن من اجل توفير التلقيح، وفقا لما تدعيه المصالح المختصة، فإن عملية تجميع الكلاب الضالة والقطط المتشردة، هي لاتؤتي أكلها لعوامل تتطلب نقاشا حقيقيا لتحديد المسؤوليات، كما أن التوعية والتحسيس بطبيعة المرض وأشكال الإصابة به والخطوات التي يجب اتباعها في حال التعرض للعض والخدش الحيواني، الذي قد لايكون مقتصرا على الكلاب والقطط، وإنما حتى القردة والخفافيش، وغيرها من الحيوانات التي قد تكون بدورها تعرّضت لعضّة أصابتها بالسعار، فعملت هي الأخرى على نقله إلى غيرها، هي جدّ ضعيفة ومناسباتية، لاتخصص حيّزا هاما لها في المؤسسات التعليمية وبدور الشباب، ومن خلال وصلات إعلامية، مما يجعل الطفل يستهين بما قد يتعرّض له، شانه في ذلك شأن الآباء والأمهات الذين قد يتعاملون مع الحادث باعتباره عاديا عابرا، وقد لايتوقعون تبعاته المأساوية؟ لقد ودّعنا سنة 2017 على وقع حادث مأساوي مميت ذهب ضحيته طفل نتيجة لخدش قطة مسعورة، كان من الممكن تجنّبه لو تحمّل الجميع مسؤولياته، حادث هو بكل تأكيد أدمى القلوب قبل المقل، فهل يمكن القطع خلال سنة 2018 مع مثل هذا النوع من الحوادث المأساوية، وهل يمكن لكل متدخل في الموضوع أن يتحمّل مسؤوليته كاملة وأن يبذل مايمكن بذله من جهد، توعية وأجرأة ، لتفادي تكرار مثل هذا النوع من السيناريوهات المميتة؟ الأكيد أنها أسئلة ستظل مطروحة مفتوحة، في انتظار تتبع طبيعة التفاعل معها، وهو ماستكشف عنه الأيام المقبلة التي لانتمنى أن تكون قاتمة على غرار تلك التي ودعناها.