هو مرض ڤيروسي، ينتقل إلى الإنسان بواسطة الكلاب الضالة بالأساس. وقد تتسبب فيه حيوانات أخرى أليفة، مثل القطط . ويؤدي هذا الداء الوبيل إلى معاناة رهيبة، و ينتهي دائما بالوفاة. بيد أن العلاج الوقائي المبكر يَحُولُ دون حدوثه، لدى الأشخاص الذين تعرضوا « لهجمات» الكلاب المريضة .... الكلب المسعور: هياج شديد ثم نباح حزين يصاب الكلب المسعور بحالة من الهياج الشديد ويصير في غاية الشراسة و العدوانية . فهو ينقضّ على كل من يجده في طريقه، ويغرز فيه أنيابه دون تردد. وبين فينة وأخرى، يطلق نباحا حزيناً، يشي بالمعاناة و الألم . وفي بعض الحالات النادرة، لا يصاب الكلب المسعور بنوبة الهياج التي وصفناها، وإنما يعتريه شلل عام ، يجعله عاجزا تماما عن الحركة . ومهما يكن من أمر، فإن الكلب المصاب بالسعار يَنفق ( أي يموت) بعد حوالي أسبوعين على بداية الأعراض. كيفية انتقال العدوى إذا تعرض الإنسان لعضة كلب مريض بالسعار، فإن ڤيروس المرض سوف ينتقل إليه فوراً، عن طريق الجراح التي تُحدثها أنياب الكلب المسعور. وليس العض ضروريا ، في حقيقة الأمر، كي ينتقل ڤيروس المرض إلى جسم الضحية . فقد يكفي أحيانا أن يمرر الكلب المريض لسانَه على هذا الجزء أو ذاك من جسم الإنسان، وأن يلطخه بلعابه . فإذا كان هذا الإنسان يعاني من جروح سابقة، فإن الفيروس سوف ينتقل بسهولة من لعاب الحيوان إلى جسم الضحية، وذلك عن طريق الجروح المشار إليها. أعراض المرض ما إن ينفذ الفيروس الخبيث إلى جسم الإنسان، حتى يأخذ طريقه باتجاه الدماغ ! لكن هذا لا يعني أن أعراض المرض سوف تظهر مباشرة بعد ذلك . كلا. فالأمور سوف تتطور في صمت ، خلال فترة تتراوح ما بين عشرين و ستين يوماً. و تسمى هذه الفترة الخالية من الأعراض بفترة «الحضانة» . وقد تكون هذه الفترة قصيرة جدا ( أقل من أسبوع) كما أنها قد تطول ( سنة أو أكثر.) ولكنها لا تتجاوز- في الغالبية العظمى من الحالات - أربعين يوماً . وبعد انتهاء فترة الحضانة ، تبدأ الأعراض الأولى للمرض في الظهور ، و منها الإحساس بالخدر في موضع العضة ، إضافة إلى التوتر النفسي الشديد. ثم يشعر المريض بضيق في التنفس وبصعوبة في البلع، مع تزايد ملحوظ في إفراز اللعاب. وإثر ذلك يحس بعطش شديد . ورغم هذا العطش، فإنه لا يطيق رؤية الماء ! فإذا ناوله أحدهم كوبا من الماء، فإنه يصاب برعب حقيقي و يشرع في الصياح والاختلاج، وقد تعتريه نوبة من الهياج الشديد . وشيئا فشيئا، تتفاقم المعاناة وتكتسي طابعا مأساوياً، خاصة وأن المريض يبقى في بداية الأمر واعيا تمام الوعي بحالته ، و مدركا تمام الإدراك لفداحة وضعه . وهو لا يعود يحتمل أبسط تيار هوائي ، كما أنه يضيق بالضوء و بالروائح على اختلافها . وقد تكفي حركة أو إشارة عابرة من أحدهم، كي يصاب هذا المريض بحالة من الهياج، تتلوها نوبة من الحركات الاختلاجية العنيفة. إثر ذلك ، تعتري المريضَ حالةٌ من الهلوسة السمعية والبصرية ، فيسمع أصواتاً - لا وجود لها في الواقع - تكلمه أو تشتمه، ويرى أشخاصاً - لا وجود لهم في الواقع - يتقدمون نحوه أو يهددونه . بعدها ترتفع حرارة جسمه، ويتطور به الأمر نحو الاجتفاف الشديد ثم الوفاة . وتحدث هذه الوفاة ، عادة ، في اليوم التاسع أو العاشر بعد بداية الأعراض. العلاج الوقائي لا يوجد، في الوقت الراهن، علاج يشفي من السعار . لكن هناك، لحسن الحظ، وسائل وقائية فعالة، تَحُولُ دون حدوث المرض لدى الأشخاص الذين تعرضوا لعضة كلب مريض، أو تلطخوا بلعابه. وتتمثل هذه الوقاية في التلقيح و في المَصْل المضاد للسعار. كيف يتم ذلك؟ إذا ما تعرض الإنسان للعض من طرف كلب مسعور، أو «مشتبه فيه»، فإن من الضروري أن يخضع دون إبطاء للعلاج الوقائي ، المتمثل في إجراء حُقَن منتظمة من اللقاح و المَصْل ، يحدد الطبيب مواعيدها بدقة. ولا بد من التأكيد على الأهمية الحيوية لهذا الإجراء. فهو وحده الكفيل بإنقاذ حياة الشخص الذي تعرض للعض من طرف كلب مسعور. أما الوقاية الجذرية من هذا المرض، فإنها تتمثل في تلقيح الكلاب «المنزلية» ضد السعار، وفي التصدي الفعال لظاهرة الكلاب الضالة . مع العلم أن الكلاب ليست هي الحيوانات الوحيدة التي تنقل السعارَ إلى الإنسان . فقد تنقله القطط، كما تقدَّم، وكذلك الأبقار، بل وحتى القوارض و الوطاويط ! عناوين للوفاء أنشد الحسن بن عبد الوهاب لرجل يذم صديقا له ويمدح كلبا قائلا «تخيرت من الأخلاق ما ينفي عن الكلب .. فإن الكلب مجبول على النصرة والذب .. وفي يحفظ العهد ويحمي عرصة الدرب .. ويعطيك على اللين ولايعطي على الضرب .. ويشفيك من الغيظ وينجيك من الكرب .. فلو أشبهته لم تك كانونا على القلب»، وقال الشاعر « أيها الشانئ الكلاب أصخ لي .. منك سمعا ولاتكونن حبسا، إن في الكلب فاعلمن خصالا .. من شريف الفعال يعددن خمسا، حفظ من كان محسنا ووفاء .. للذي يتخذه حربا وحرسا، واتباع لرحله وإذا ما .. صار نطق الشجاع للخوف همسا، وهو عون لنابح من بعيد .. مستجيرا بقربه حين أمسى». ومن بين الروايات التي قيلت في وفاء الكلاب، تلك التي تحكي عن قدوم رجل على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينية منصرفا إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبر عليه قبة مبنية مكتوب عليها، هذا قبر كلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمض إلى قرية كذا وكذا فإن فيها من يخبره. فسأل الرجل عن القرية فدلوه عليها، فقصدها وسأل أهلها فدلوه على الشيخ، فبعث إليه واحضره وإذا هو شيخ قد جاوز المئة سنة، فسأله فقال: نعم كان في هذه الناحية ملك عظيم الشأن وكان مشهورا بالنزهة والصيد والسفر، وكان له كلب قد رباه وسماه باسم، وكان لايفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غذائه وعشائه أطعمه مما يأكل، فخرج يوما إلى بعض منتزهاته وقال لبعض غلمانه «قل للطباخ يصلح لنا ثريدة لبن فقد اشتهيتها»، فأصلحوها، ومضى إلى متنزهاته، فوجد الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة، ونسي أن يغطيها بشيء، وانشغل بطبيخ آخر فخرجت من بعض الشقوق أفعى خاضت في اللبن، ومجت في الثريدة من سمها، والكلب رابض يرى ذلك كله، ولو كان في الأفعى حيلة لمنعها ولكن لاحيلة للكلب في الأفعى والحية. وكان عند الملك جارية خرساء زمنا قد رأت ما صنعت الأفعى. ولما عاد الملك من الصيد في آخر النهار، قال يا غلمان أول ماتقدموا إلي الثريدة، فلما قدموها بين يديه أومأت الخرساء إليهم فلم يفهموا ما تقول، ونبح الكلب وصاح فلم يلتفتوا إليه وألحّ في الصياح ليعلمهم مراده فيه، فرمى إليه الملك بما كان يرمي إليه في كل يوم، فلم يقربه ولجّ في الصياح، فقال لغلمانه «نحّوه عنا فإن له قصة»، ومدّ يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل، وثب إلى وسط المائدة مدخلا فمه في اللبن، فشرب منه ثم سقط ميتا وتناثر لحمه، وبقي الملك متعجبا منه ومن فعله، فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها بما صنع الكلب، فقال الملك لندمائه وحاشيته أن الكلب قد فداني بنفسه لحقيق بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمه وبنى عليه قبة كتب عليها ما سبق ذكره. ومن بين الاستشهادات في باب التأكيد على وفاء الكلاب وقيمتها، القول الشعري للحارث بن صعصعة عقب حادث زوجته ونديم له، حيث قال عن كلبه «ومازال يرعى ذمتي ويحوطني .... ويحفظ عرسي والخليل يخون، فوا عجبا للخل يهتك حرمتي .... ويا عجبا للكلب كيف يصون، فللكلب خير من خليل يخونني .... وينكح عرسي بعد وقت رحيلي، سأجعل كلبي ما حييت نديمي .... وأمنحه ودي وصفو خليلي». موت بين الأنياب والأظافر الحديث عن الكلاب ليس بأكمله ورديا، ومبعثا للاعتزاز والفخر فحسب، بل قد يكون سوداويا أيضا، ومصدرا للخوف والرعب، فنفس الكلب الذي تغنى به الشعراء، وحارب إلى جانبه القادة والشجعان، وأحس بقربه العديدون بالأمن على ممتلكاتهم وبالاطمئنان، قادر على أن يحول حياة البعض إلى جحيم ترتعد لتفاصيله الأبدان، يقض مضجع الجميع إذا ما تبين ، أن هذا الكلب مصاب بالسعار أو ما يعرف بداء الكلب. يؤدي داء الكَلَب إلى وفاة طفل واحد كل عشرين دقيقة في افريقيا، التي تعرف تسجيل 44 في المئة من مجموع حالات الوفيات الناتجة عن هذا الداء، وتعتبر منظمة الصحة العالمية بلدان افريقيا جميعا بلدانا معرضة بشدة لمخاطر السعار،وذلك لأنه لا يتم التعامل بشكل جيد مع مخاطر المرض في هذه الرقعة الجغرافية من الكرة الأرضية خاصة في ظل عدم التصريح بالسواد الأعظم من الحالات، فضلا عن كون البعض يتعامل معه على أنه مرض نادر، ولا يتم اعتباره واحدا من الأولويات، وبالتالي لا يحظى بالاهتمام الكافي، إذ لا يعتبر التصريح بحالات داء الكلب إجباريا في الكثير من الدول الأفريقية. ويصيب داء الكَلَب الفئات الاجتماعية الضعيفة الدخل، حيث أظهرت دراسة في الهند انتماء 75 في المئة من ضحايا عضات الكلاب إلى الفئات الاجتماعية الفقيرة وذات الدخل المحدود، وهو داء قاتل فتاك يؤدي إلى وفاة شخص واحد كل 10 دقائق. ويصير داء الكَلَب مرضا قاتلا فتاكا بمجرد ظهور الأعراض السريرية الأولى. من جهة أخرى يؤدي داء السعار سنويا إلى وفاة 55 ألف شخص تقريبا عبر العالم، 20 ألف ضحية في الهند و24 ألف ضحية في أفريقيا، ويعيش 84 في المئة من الضحايا في المناطق القروية في كل من أفريقيا وأسيا، كما أن ما بين 30 و50 في المئة من حالات الوفيات هي مسجلة في صفوف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، حيث يكون الأطفال أكثر عرضة لأخطار هذا الداء بالنظر لإصابتهم بعضات على مستوى الوجه والذراعين. ويصاب الإنسان بهذا الداء بسبب التعرض لعضات أو خدوش الحيوانات المصابة به، ويقتصر هذا الداء في كل من أوروبا وآسيا، على الحيوانات البرية المتوحشة، خاصة الخفافيش/الوطاويط في أمريكا الجنوبية والولايات المتحدةالأمريكية، بينما تعد الكلاب سبب العدوى الأول والأساسي في كل من افريقيا وآسيا، حيث يقوم فيروس داء الكَلَب بعد دخوله إلى الجسم بمهاجمة النظام العصبي والدماغ، ويعمل بعد ذلك على الانتشار في الأنسجة سيما الغدد اللعابية، وتتأرجح فترة الحضانة عند الإنسان ما بين 20 و60 يوما، وهي الفترة التي تسبق ظهور الأعراض الأولى. داء الكلب مغربيا تعتبر الكلاب الخزان الأساسي لفيروس السعار في المغرب بنسبة 80 في المئة، وكذلك الأمر بالنسبة للقطط بنسبة 5 في المئة، في حين لاتتعدى النسبة 1 في المئة بالنسبة للبقر، وعلى الرغم من كون أن آخر حالة لداء الكلب عند الإنسان قد عرفت نهايتها في سنة 1924 في فرنسا إلا أنه في المغرب وخلال الفترة ما بين سنة 2000 و 2012 تم تسجيل سنويا حوالي 20 حالة من حالات داء الكلب عند الإنسان، مقابل أكثر من 340 حالة عند الحيوانات. ويعتبر ظهور المرض عنوانا للموت المؤكد لغياب العلاج في حالة عدم التدخل المبكر والآني من أجل الخضوع للتلقيح الذي يكون على شكل 4 جرعات، اثنتان، واحدة في الكتف الأيمن والثانية في الكتف الأيسر خلال اليوم الأول للعضة، ثم الجرعة الثالثة خلال اليوم السابع، فالجرعة الرابعة خلال اليوم 21، وهو اللقاح الذي لايجنب الوفاة أحيانا كثيرة إذا ماكانت الجروح عميقة وانتشر المرض في الجسم بشكل كبير. ويمكن للمواطنين الاستفادة من اللقاح بمكاتب حفظ الصحة التابعة للمجالس المنتخبة، إذ تقتنيه الجماعات من مؤسسة باستور وتضعه رهن إشارة المواطنين، إلا أن مشاكل كثيرة تسجل في هذا الإطار، ومنها مشكل الأداء من طرف هذه المجالس لمؤسسة باستور مما قد يفرمل من تزودها باللقاح، ثم هناك مشكل التنقل في مناطق نائية عديدة إلى مكاتب حفظ الصحة التي تكون صعبة الوصول مما يؤدي إلى تدهور الوضعية الصحية للمريض الذي تعرض لعضة الكلب.