أرقام جد مخيفة أعلن عنها الدكتور أوبلي آيت كمال، الأخصائي في علم الأوبئة بالمديرية العامة للوقاية بوزارة الصحة حول عدد القتلى والمصابين بالأمراض المتنقلة عبر الحيوانات الضالة، فالجزائر هي البلد الوحيد الذي لا تزال تسجل سنويا ما بين 15 و20 حالة وفاة بسبب هذا الداء، مشيرا إلى أن 100 ألف جزائري يتعرضون للعض من طرف الحيوانات سنويا، علما أن داء الكلب معروف منذ قرابة 4000 سنة. وحتى الآن بالرغم من التقدم الكبير في تشخيصه ومنعه والوقاية منه، إلا أنه مرض مميت دائما تقريبا لكل من يتعرضون له ولا يأخذون بالإجراءات الوقائية، وداء الكلب يمكن منعه تماما بعد إدراك التعرض له، وسرعة تقديم العناية الطبية، وقبل تطور الأمر للمرحلة التي تظهر فيها الأعراض، وأوضح الدكتور أوبلي في تصريح للإذاعة الوطنية، أن مكافحة داء الكلب في الجزائر يتطلب تعزيز العمل التحسيسي الرامي إلى ضرورة العمل على الوقاية من هذا الداء، وتعتبر نظافة المحيط والقضاء على الكلاب الضالة أهم المتطلبات التي يمكن من خلالها تفادي الخطر، الذي قد يؤدي إلى الوفاة، مؤكدا أن أي بلد إذا أراد القضاء على داء الكلب يجب عليه أن يقضي على داء الكلب الحيواني.. والرسالة التحسيسية الموجهة للجميع هي نظافة المحيط والعناية بالكلاب الأليفة التي يربيها الناس، مع القضاء بموازاة ذلك على الكلاب الضالة. ولولا إسراع غالبية الجزائريين لإجراء التلقيح فور تعرضهم لعضة كلب، لبلغت حالات الكلب أرقاما قياسية بسبب كثرة الكلاب الضالة في الجزائر. وفي سياق متصل، أكد الدكتور العام المتخصص في الأوبئة، بدر الدين معمري، أن تعرض مواطن واحد لعضة كلب يكلف خزينة الدولة صرف ما لا يقل عن 7 آلاف دينار للشخص الواحد لتوفير اللقاحات الضرورية له، بينما تصل تكاليف التكفل ببعض الحالات التي تتطلب الرعاية الاستشفائية إلى 35 ألف دينار، فما بالك إذا علمنا بأن الجزائر تسجل في المتوسط ما لا يقل عن 100 ألف عضّة، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن ثمن علاج 100 ألف شخص عضه حيوان يتجاوز 70 مليار سنتيم سنويا، وهي ميزانية يمكن بها مكافحة داء الكلب، مؤكدا أنه من حسن الحظ أن الأغلبية الساحقة من الجزائريين لديهم وعي تام بضرورة الخضوع للتلقيح المضاد لفيروس الكلب فورا، في حال تعرضهم لعضات كلب، حتى وإن كان كلبا منزليا، ولولا ذلك لبلغت حالات داء الكلب أرقاما قياسية، في ظل الإنتشار الفظيع للكلاب والقطط الضالة. وأوضح المتحدث في هذا الصدد، أن علاج المرضى الذين تعرضوا للعض من قبل الحيوانات يكلف الخزينة أموالا باهظة، نظرا لخطورة هذا الأمر، إذ أن أي شخص يتعرض للعض لابد أن يتم حقنه بأدوية مضادة للكلب في الحين، لتفادي إصابته بداء الكلب، وقال إن وفاة شخص واحد بداء الكلب يعتبر أمرا خطيرا، علما أن منظمة الصحة العالمية تسجل حوالي 55 ألف حالة وفاة في العالم سنويا بداء الكلب، معظمهم في قارتي آسيا وإفريقيا، بما في ذلك الجزائر، والسبب الرئيسي في عدم تمكن الجزائر من القضاء على داء الكلب تماما، هو انتشار الكلاب الضالة بكثرة في الأحياء، وكذا عدم قيام مربو الكلاب والقطط بتطعيمها ضد فيروس الكلب، ويؤدي خروجها للشوارع واختلاطها بالكلاب الضالة إلى إصابتها وانتقال الفيروس إليها دون أن يتفطن لها مالكها. الشروق اليومي التقت السيدة فاطمة الزهراء في بلدية أولاد فايت بالجزائر العاصمة، التي نجت من الكلب بأعجوبة، حيث إنها تعرضت لعضة كلب ضال، غير أن الجيران أنقذوها منه في اللحظة المناسبة، حيث غرز الكلب أنيابه في ساقها وأسقطها أرضا ثم انقض عليها، لولا هجوم المواطنين عليها بالحجارة والعصي، في حين نقلوا السيدة فاطمة الزهراء في حالة كارثية من الفزع والجروح التي سببها لها الكلب إلى المستشفى، حيث أجري لها اللقاح الضروري لمدة أربعين يوما، وتبين بعد تحليل لعاب الكلب أنه كلب مسعور (أي مصاب بالكلب)، ومن حسن الحظ أنها خضعت للقاح مباشرة بعد الحادث. علما أن أعراض الكلب بعد مرور أسبوع إلى أربعين يوما من يوم تعرض المصاب للعضة، وهي فترة الحضانة التي ينمو فيها الفيروس، حتى يصل إلى الدماغ، وتعتمد فترة حضانة الفيروس على المسافة بين مكان العضة، حيث تلوث الجرح باللعاب الملوث بالفيروس وبين الدماغ، فالأشخاص الذين تم عضهم بالوجه أو العنق أسرع عرضة للأعرض، كما تعود كذلك إلى شدة التمزق ومدى اختراق الفيروس للشخص، وبعد ظهور الأعراض يسجل ويصاب بالحمى وآلام شديدة بمكان الإصابة، وفرط النشاط وحركات عضلية لا إرادية، وتشنجات حادة في عضلات الفك والبلعوم والحنجرة، وصعوبة في البلع واضطرابات عصبية، وشلل جزئي وخوف الماء، وسيلان لعابي غزير من الفم، كآخر مرحلة، ويموت ضحايا "داء الكلب" في أقل من أسبوع بعد ظهور الأعراض. من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية ضرورة التطعيم من مرض "داء الكلب"، وهو فيروس يؤثر على الجهاز العصبي للإنسان. وأوضحت المنظمة في بيان أصدرته منذ أسابيع بمناسبة "اليوم العالمي لداء الكلب" الذي يصادف يوم 28 سبتمبر من كل عام، أن فيروس "داء الكلب" ينتقل في أغلب الأحيان بعضة من كلب مصاب، ويصل عبر الجهاز العصبي إلى الدماغ، خلال أسبوع، وأحيانا قد يستغرق سنوات، وبمجرد أن تظهر الأعراض يموت المصاب في أقل من أسبوع. وقد وقعت سنة 2008 مأساة بولاية غليزان، إثر إصابة أفراد عائلة كاملة بداء الكلب، إثر تعرضهم لعضات كلب مسعور، من بينهم طفل لا يتعدى سنه 13 سنة، توفي بالداء نتيجة عضة كلب بدوار الحمايد، وأربعة آخرون من أفراد العائلة، لم يتقدموا للمصالح الطبية لتلقي اللقاح الضروري في هذه الحالات، كما أن الأم وابنتها نجتا من مضاعفات الداء، بعد أن تلقيحهما في وقت متأخر.