نظمت جمعية محترف التلقي المسرحي الأسبوع الماضي، بدار الشباب بوشنتوف، لقاء احتفائيا بشيخ القصة القصيرة بالمغرب الرائد أحمد بوزفور وبكتابه الأخير «النظر الى بحيرة القلب»، والذي عرف تقديم ورقتين حول الكتاب قدمهما كل من القاصين أحمد شكر وسعيد منتسب، بالإضافة الى كلمة الجمعية التي تقدم بها الشاعر محمد عرش، التي أكد فيها أن المبدع أحمد بوزفوز تخطى الحيطان العالية للكتابة، إذ له القدرة دوما والأهبة على تحويل اللحظة البسيطة والعادية الى قصة، «كل حدث يمر أمامه هو مشروع قصة … من بيانات اتحاد كتاب المغرب الى برتقالة صامتة». وأشار عرش في كلمته الى أن بوزفور يكتب بشفافية تجعله يطل بدوره على الداخل «كحوض زجاجي، يلاحظ الكنوز والأسماك والأعشاب..دون نسيان كشط الطحالب والزوائد وتقطير الجمل وعصرها كقهوة تبدأ برائحة بنها قبل الوصول الى رشفة إبداعية». في تسييره للقاء الذي حضره ثلة من المهتمين بالشأن الثقافي، توقف الناقد والشاعر عمر العسري عند تجربة الأستاذ أحمد بوزفور القصصية، معتبرا أن بوزفور محلي ومغربي حتى النخاع ، عناوين من مسيرة الإبداعية، ومتوقفا عند كتابه «النظر الى بحيرة القلب» الكتاب المحتفى به في اللقاء، معتبرا إياه إضافة وامتدادا شرعيا وسرديا وتأمليا لكل ما كتبه بوزفور، لأنه كتاب يزاوج بين التجربة الذاتية وبين تكريس أسماء أدبية مغربية وعالمية، وكذا تقديم رؤيته حول العديد من قضايا الكتابة. القاص أحمد شكر، أشار في ورقته التقديمية للكتاب الى أنه منذ «النظر في الوجه العزيز»، شكل كل إصدار للقاص والمبدع أحمد بوزفور حدثا تحتفي به القلوب قبل الأقلام، فمسيرة رائد القصة القصيرة في المغرب ندية تمور بهذه الطراوة التي لا تتأتى لأي تجربة أو كتابة، لجمعها بين الوفاء لجنس القصة والتنظير لها والذود عنها في كل الملتقيات والمنتديات. واعتبر أحمد شكر أن الكتاب المحتفى به «النظر الى بحيرة القلب» يشكل امتدادا لباقي كتب شيخ القصة المغربية أحمد بوزفور، خصوصا منها «الزرافة المشتعلة»، إذ يكشف فيه وجها من وجوه مختبره الكتابي، مشيرا إلى أن في هذا الكتاب» تتحول الحروف الى مركبات تبرية تنضح بجاذبية أخاذة، وتسمو اللغة الى أن تصير إنجازا فنيا ينمو ويتطور من أجل بناء التناصات وتشكيل الرموز. ولم يفت القاص شكر صاحب «مجموعة عناصر» أن يشير إلى أن الكتاب غير متخم بالنظريات والمصطلحات الطنانة، إذ «يشرع لك الباب لتلج بمحض إرادتك وكأنك تلج بيتا متواضعا، لكنه دافئ»، مضيفا أن الكتاب هو في المحصلة تعبير عن موقف خاص في الكتابة والحياة، لأن أحمد بوزفور رجل موقف اختار منذ الوعي الأول أن ينحاز إلى قلبه ويشرعه على البشرية وكل ما هو إنساني وجماعي، لذلك ظل وفيا في كل كتاباته لكل ما يشده الى طبقته ومبادئه الراسخة في العشق، تلك الكتابة الإضائية التي تضعنا ونحن نقرأها وجها لوجه أمام أسئلته المؤرقة حول الكتابة التي يحرص على مشاركة القارئ فيها، شكلا وبناء ولغة. وختم أحمد شكر كلمته الاحتفائية بالكتب والكاتب بأن الكتاب هو بصورة ما ، وصية كاتب أساسي وصانع حدث وذائقة جمالية راقية ، وتضمين رؤية للأدب وشهادة عن أعماله وأعمال سابقيه ومجايليه، ونموذج لوضوح الرؤية الإبداعية، واعتزاز بجنس الكتابة الذي اختاره بوزفور عن قناعة. «القصة تصرخ: الناقص جنتنا» هذا ما استخلصه القاص سعيد منتسب وهو ينظر مليا وعميقا إلى «بحيرة قلب» أحمد بوزفور، متلمسا طريق المعراج، ذاك الناقص الذي يدوم الى الأبد، الذي لم يأت به أحد من قبل، تلك القصة المكتملة المكتنزة بكل أسرار الكتابة، محيلا على قصة «المعراج» التي لم يكتب منها القاص بوزفور سوى العنوان طيلة أربعين سنة والتي لم ينجح في إكمالها باحثا عن كمالها، القصة التي جعلها أفقه الذي» يفتنه ويجذبه وكل ما كتبه حتى الآن صور سلبية منها»، مشيرا الى أن هذا المعراج هو ما ظل بوزفور يصنعه في كل نصوصه القصصية منذ» النظر في الوجه العزيز»، «الغابر الظاهر» «صياد النعام، «قنقس» «، نافذة على الداخل، «الزرافة المشتعلة»، «قالت نملة». ووقف منتسب على سمة التأني في الكتابة لدى بوزفور، تأن يحترم ذكاء القارئ وذائقته، مشيرا الى أن بوزفور يصغي للقصص من خلال متاهة من السبل المتشعبة، فيواصل الحفر والقطف وشرب الماء المالح، بالتعديل والتغيير والشطب والمحو حتى ينهك الغبارُ والعرق والتعبُ، الكلمات، معتبرا أن ذلك هو ما يجعل القصة فنا، وهو منبع المتعة الجمالية التي تفيض في بعض النصوص»، فبوزفور يقر في كتابه «النظر الى بحيرة القلب» بكونه يحس أنه «يبدأ مع كل نص جديد يكتبه» ، ليخلص منتسب في الأخير الى أن بوزفور يكتب بأداة خفية لا تُرى، بالإيقاع، وبالرائحة وبالاعتراض على التشاكل والتشابه. من جهته تحدث القاص أحمد بوزفور عن كتابه الأخير، مشيرا إلى أنه حاول فيه مشاركة القارئ مجموعة من القراءات والتأملات والحوارات حول راهن القصة القصيرة بالمغرب ومستقبلها، وطرح بعض الأفكار النظرية حول القصة، مشيرا الى مسألة البياضات والفراغات في الكتابة التي يعتبرها ضرورية لأنها المساحة التي يمكن للقارئ أن يبدع فيها ويتخيل، ويكتب، مركزا على أهمية هذا الصمت أو البياض في العملية الإبداعية ككل، قبل أن يقرأ على مسامع الحضور آخر نص قصصي كتبه وعنونه ب»..ما».