«قيمة بلادنا سكانها» هو شعار العملية الإحصائية لهذه السنة والذي يفيد ان المغرب قيمته الكبرى بالدرجة الاولى سكانه. الذين يتساءلون في ما سيفيدهم هذا الإحصاء. التاسعة صباحا من يوم 9 شتنبر في مدرسة ابن زيدون الابتدائية التي تقع في منطقة سيدي عثمان سباتة، كانت أول مقابلة لي مع كريمة باحثة إحصائية. حيث دخلنا المؤسسة وقامت بتعريفي على بعض الباحثين والمراقبين الاخرين. بعد ذلك بدأت في شرح العملية الإحصائية وكيف تتم، مع قيامها بمكالمات هاتفية للمشرف المحلي والمشرف الاقليمي الذي أبى في الاخير أن يسمح لي بالذهاب في جولة رفقتها لأسباب يعلمها. لاكتشاف الأجواء التي يمر فيها الإحصاء في هذه المنطقة. أتيحت لي فرصة أثناء انتظار جواب المشرف الاقليمي الذي جاء بالرفض في النهاية للحديث مع البحثين ومراقبين كان جل كلامهم عن معاناتهم وتذمرهم. مع المبحوثين الذين يتعاملون في أغلب الاحيان بطريقة لا تمت للباقة بصلة. في حديثي مع كريمة صرحت لي أنه أحيانا يتم تركنا لمدة طويلة ونحن نطرق الباب، وعند جوابنا هناك من يرفض الامتثال للأسئلة ومنهم من يرفض الحديث أصلا وخاصة في صفوف النساء بحجة عدم وجود الزوج. وفي أحيان أخرى يتم الاعتداء على الباحثين بالسب الذي يتجاوز بعض المرات الى الضرب، مما يجعلهم يطلبون المقدم الذي جند لخدمة التدخل السريع وفض الاشتباكات بين الباحثين والمبحوثين. وأضافت كريمة أنه رغم كل المصاعب التي نجدها إلا أن هذه المناطق الشعبية. تكون متعاونة الى حد ما بغض النظر عن اعتباره واجبا وطنيا وإنما اعتقادا منهم أن الاحصاء يخص المخزن. في المقابل إنه كلما ارتفعت نسبة ثقافة الفرد كلما كان أكثر تحايلا في الإجابة. وحدث أن قابلتنا حالة أستاذة جامعية. رفضت الحديث معنا نهائيا. المعاناة صفة مشتركة بين جميع الباحثين في مختلف المناطق. عبد الصمد باحث إحصائي يحكي تجربته ويقول: العملية تمر على ما يرام من الناحية العملية رغم كل الصعوبات التي نواجهها في عملية إحصاء السكان.فمن ناحية الاستقبال فقد لاحظت أن هناك استهتارا من طرف الساكنة.إذ لا تؤخذ العملية بجدية زد على ذلك هناك سخط على الدولة والمسؤولين. وأضاف من ناحية الصعوبات «نعاني من ضغوط وأولها غياب المعني بالأمر والتردد عليه مرات ومرات مما يصعب عملية الإحصاء ويجعلها تمر ببطء، كذلك كذب بعض المبحوثين على مستوى الأسئلة المطروحة وهناك من يعلل هذا الأمر بقوله بأن الأسئلة محرجة وكذلك توقيت الإحصاء غير ملائم، إذ لايزال البعض مسافرا مما يصعب عملية ضبط الساكنة وإعطاء أرقام صحيحة. نعم هناك من يرفض عملية الإحصاء ودائما نجد هذه الشاكلة يعللون رفضهم بأنهم غير راضين عن الأوضاع. وهناك من يقول بأن كل هذه المعطيات لن تؤخذ بجدية من طرف الدولة ثم هناك من يقول بأن هذا تحقيق وقد يستعمل ضد الأفراد أو قد تفرض عليهم ضرائب بالنسبة للناس غير المصرحين بممتلكاتهم كالمعامل السرية مثلا. وتكثر معاناة الباحثين من المبحوثين وفي نفس الوقت تظهر معاناة أخرى منبثقة من داخل طاقم العمل الإحصائي، إذ يقول أحد الباحثين أن جل المراقبين يمارسون علينا الضغط من أجل إكمال عملية الإحصاء في أقرب وقت مع عدم مراعاة الظروف التي نعاني منها إذ لا يهمهم سوى ملء 11 استمارة يوميا مع العلم أنه إذا أردنا ضبط المعطيات جيدا، لا يمكننا أن نملأ أكثر من 5 استمارات. هذا الضغط يجعلنا في بعض الأحيان لا نسأل كل الأسئلة. لعدم كفاية الوقت كذلك. استقبال المبحوثين من جهة وضغط المراقبين من جهة أخرى جعل عددا كبيرا من الباحثين يتراجعون عن العملية الإحصائية، وينسحبون حفاظا على كرامتهم التي تتجاوز ذلك المبلغ الذي سيتقاضوه في نهاية العملية. وفي مقابل كل هذا هناك فئة فضلت استقبال الباحثين وكانت أكثر تعاونا. ومنهم أستاذ الفلسفة عبد الكريم ويقول: »استقبلت بسرور واعتزاز شابة أنيقة طالبة في كلية العلوم الاقتصادية كانت مرتبكة بعض الشيء. فحاولت أن أوفر لها كل الراحة على أساس تجربتي كمراقب في الإحصاء السابق. وعموما فقد مرت الاستمارة في جو سليم، ويضيف «»الإحصاء بصورة عامة يتميز بالخطورة لأنه يمكننا أن نقول للباحث الإحصائي ما نريد إلا أن هذا الإحصاء بالذات جاء في جو سياسي واقتصادي مصيري بالنسبة للوطن وأعتقد أنه سيساعد في الوقوف على ثروات ونقائص المجتمع المغربي. لدينا علماء اقتصاد وعلماء اجتماع من مستوى عال كذلك. وبالتالي أعتقد أنه سيفيد في متابعة المسار التنموي وفي تجاوز أخطاء وقعت فيها الدولة المغربية«. وهناك من تعاون مع الباحث إلا أن الاستمارة فتحت له بابا من الأسئلة التي لا يعرف هل ستجيب عنها نتائج هذا الاحصاء. خديجة ربة البيت استقينا شهادتها حول الإحصاء، فقالت: طرقت بابي فتاة وبعد أن تأكدت من حملها للبطاقة والحقيبة التي يحملها الباحثون الاحصائيون قمت باستقبالها وبدأت تطرح علي بعض الأسئلة حول اسمي وسني ووضعي الاجتماعي وما إلى غير ذلك من الأسئلة التي لم أتوقعها لبساطتها. واستغرقت هذه العملية 20 دقيقة تقريبا. وتضيف: صراحة هذا الإحصاء في نظري ورغم تعاوني مع الباحثة ماهو إلا مضيعة للوقت وللمال الذي أجد أنه الأفضل أن يوظف لمشاريع تخدم البلاد والعباد، فالشاب في حاجة لعمل مثلي أنا لدي ابنتان الأولى حاملة لشهادة الاجازة في الأدب هل سيفيدني هذا الاحصاء في توظيف بناتي؟ وبين مؤيد ومعارض للإحصاء العام للسكان والسكنى يبقى الوعي هو العامل الأساسي في تقبل الواجب الوطني.