كانت الحرب الأهلية الأمريكية، بين 1861 و 1865، سببا لتحولات عديدة في الإقتصاد العالمي في النصف الثاني من القرن 19، شملت تداعياتها العديد من مجالات التجارة والفلاحة، ضمن العلاقات بين الدول الرأسمالية الكبرى بأروبا، خاصة بريطانيا، التي بدأت تتحول إلى أكبر دولة استعمارية غربية حينها. وهي التحولات التي ستطال شظاياها العديد من الجغرافيات العربية والإسلامية، ضمنها المغرب، من خلال الضغط الذي مارسته الحكومة البريطانية والحكومة الألمانية والحكومة الهولندية ومملكة النمسا، على سلاطين المغرب، للفوز باتفاقيات تجارية جديدة تسمح بفتح السوق المغربية على التجارة العالمية حينها، خاصة في ما يرتبط بتصدير اللحوم والحبوب والألبان والقطاني والصوف والأغنام، وكذا تصدير المعادن والسماح باكتشاف معادن أخرى جديدة. ومن المجالات الإنتاجية، التي مارست فيها تلك القوى العالمية ضغطا كبيرا على المغرب (خاصة بريطانيا)، باب إنتاج القطن. بدليل، أنها سرعت من ضغوط تلك القوى التجارية العالمية، على الدولة المغربية، ممثلة في شخص السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، أو محمد الرابع (الذي حكم الإمبراطورية المغربية ما بين 1859 و 1873)، وابنه السلطان الحسن الأول (الذي حكم ما بين 1873 و 1894)، من خلال سفرائها المعتمدين بطنجة، أو من خلال مبعوثي الخارجية البريطانية القادمين مباشرة من لندن. ولقد ظل هذان السلطانان يرفضان بشكل قاطع تحرير تجارة الحبوب واللحوم، بشكل خاص، لحرصهم على الإبقاء على الحاجة المحلية لاستهلاكهما، ضمانا للأمن العام بالمغرب، وحماية لأهله من مخاطر المجاعة، في حال حدوث سنة جفاف، بما يستتبعه ذلك، من انفلاتات أمنية وتوترات وعصيان وقلاقل، في مختلف مناطق البلاد. بالتالي، تعتبر بريطانيا العظمى، عمليا، أكبر تلك القوى الدولية التي مارست ضغطا على المخزن المغربي، من أجل تحرير تجارته. والسبب يعود، إلى أن لندن ظلت الشريك الإقتصادي والتجاري والأمني الأول للمغرب طيلة القرن 19، وأنها الدولة التي حازت أول اتفاقية تجارية جديدة حينها مع الإمبراطورية المغربية، التي فتحت الباب لدخول الرأسمال العالمي إلى المنظومة التجارية والإقتصادية التقليدية للمغاربة. وهي المعاهدة التجارية الشهيرة لسنة 1856، التي تعتبرها الكثير من المصادر التاريخية (ضمنها أطروحة الدكتور عبد الله العروي)، السبب في بداية فقدان الدولة المغربية لاستقلال قرارها السيادي في مجال العلاقة مع السوق العالمية. وأنها أخطر من ذلك، فتحت الباب لميلاد تجربة «المحميين»، التي قوضت في الصميم استقلالية السيادة القضائية والإدارية للمغرب، حين أصبح عدد من أبنائه، المحميين من قبل القنصليات الأجنبية، عبر باب التجارة، خارج منظومته القضائية. بكل، ما صاحب ذلك من فتح الباب للفساد على مختلف أشكاله، بمختلف المراسي والموانئ المغربية. أن تحوز بريطانيا، تلك المكانة القوية ضمن بنية العلاقات الديبلوماسية والدولية للمغرب، يرجع في الواقع، لقوة حضور عدد من سفرائها وقناصلتها بمختلف المراسي المغربية. خاصة منهم الثنائي دراموند هاي (الأب «إدوارد» والإبن «جون»)، اللذين قضيا بطنجة، حيث «دار النيابة» المغربية (ما يعتبر عمليا مقر وزارة الخارجية المغربية حينها)، سفراء للتاج البريطاني بالمغرب، ما يقارب 53 سنة، ما بين 1829 و 1882. فكان لهما تأثير حاسم على مختلف السلاطين الثلاث، الذين تعاقبوا على عرش المغرب، مولاي عبد الرحمان وسيدي محمد بن عبد الرحمان والحسن الأول، وكسبا تقثهم وكانا مرجعا يستشار دوما من قبلهم، في مختلف قضايا المغرب الدولية وحتى الداخلية. خاصة بعد أن أصبحت فاس، رهانا بريطانيا غير مسبوق، ضمن الفضاء المتوسطي والشمال الإفريقي، ضمن سياق تنافسها الجيوستراتيجي للسيادة على البحر الأبيض المتوسط، مع فرنسا، منذ حملة نابليون بونابارت على مصر وفلسطين بين 1798 و 1801، التي انهزمت فيها القوات الفرنسية عند أسوار مدينة عكا بفلسطين، فيما دفع اجتياح الطاعون الأسود للمنطقة قواته للإنسحاب من مصر. وبالتزامن مع بداية نقل الحروب النابوليونية إلى أروبا، التي لعل أكبرها حربه ضد روسيا سنة 1812. لكن التطور الذي سيدفع لندن لتعزيز تواجدها بالمغرب، سياسيا وديبلوماسيا وتجاريا وأمنيا، كان هو احتلال باريس للجزائر سنة 1830. كانت الخطة البريطانية، هي العمل على حمل دار المخزن المغربية، للتحول والتطور، بما يعزز من قوة التواجد التجاري والسياسي البريطاني بالإمبراطورية الشريفة، أو ما عرف ب «المحاولة الإصلاحية» البريطانية للنظام السياسي والإقتصادي المغربي. الذي شكل القرن 19 كله مرحلته الكبرى، من خلال تجربة وعمل السفيرين دراموند هاي ومن جاء بعدهما إلى حدود سنة 1904، تاريخ الإتفاقية السرية الفرنسية الإنجليزية، التي وقعها وزيرا خارجية البلدين ديلكاسي ولانزدوون، التي تنازلت بموجبها لندن عن المغرب لصالح باريس، في مقابل تنازل هذه الأخيرة لبريطانيا عن مصر والسودان (تفاصيل مهمة عن هذه المرحلة نجدها في كتاب «تاريخ المغرب، تحيين وتركيب» وهو الكتاب الجماعي الصادر عن المعهد الملكي لتاريخ المغرب، وكذا مؤلفات المؤرخ المغربي خالد بن الصغير حول «المغرب وبريطانيا العظمى» في جزئين. وأيضا كتاب «الإستقصا لأخبار المغرب الأقصى» للفقيه السلاوي أحمد بن خالد الناصري. ثم كتاب الدكتور عبد الله العروي «مجمل تاريخ المغرب»). قصة القطن المجهضة بالمغرب ضمن تلك المنهجية الديبلوماسية البريطانية لإصلاح منظومة علاقات المغرب مع الرأسمال العالمي، استنادا على نصوص المعاهدة التجارية لسنة 1856، سيأتي الحديث في مختلف المصادر التاريخية، على مشروع إصلاح الفلاحة به. وهو مطلب ومقترح الإصلاح، الذي زاوج بين فكرة تحرير سوق المنتجات الفلاحية المغربية، خاصة تصدير الحبوب والأبقار والأغنام والصوف، وبين فكرة تنويع المنتجات الفلاحية للأراضي المغربية، بما يتوافق وحاجيات السوق العالمية حينها، خاصة الصناعات البريطانية. هنا، سنكتشف، أن لندن، بسبب حاجاتها الملحة لمنتوجات فلاحية بعينها، هي الصوف والقطن، خاصة بعد كساد السوق الأمريكية المنتجة لنوع معين من أنواع القطن الجيد، بسبب الحرب الأهلية بها، التي انطلقت سنة 1861. وأيضا بسبب بعد السوق الهندية، التي تتطلب أسابيع لنقل منتوجاتها من القطن، عبر البحر (علما أنه لم تفتتح بعد حينها قناة السويس، التي لن تدشن سوى سنة 1869)، ستفكر في خلق فضاءات إنتاج جديدة لهذه المادة الحيوية لمصانعها الكبرى بليفربول ومانشستير، تكون قريبة جغرافيا من موانئها، فوقع اختيارها ورهانها على المغرب ومصر. وشرعت في تشجيع زراعة القطن بهذين البلدين، اعتبارا لخصوبة أراضيهما الفلاحية ووفرة المياه بنسب دائمة وكافية. هكذا، فإذا كانت لندن قد نجحت في اختراق السوق المصرية، عبر عدد من مؤسساتها التجارية منذ 1820، بل وعززت من قوة انفتاح السوق المصرية على زراعة القطن ابتداء من سنة 1861 (انتقل الإنتاج المصري المصدر حينها صوب بريطانيا إلى ما يعادل 2500 ألف قنطار، بعد أن كان سنة 1860 لا يتجاوز 560 ألف قنطار). ولعل ما مكن الحكومة البريطانية من إدخال تغيير في بنية الإنتاج الفلاحي المصري حينها، هو سهولة قبول السلطات المصرية، كما تأسست من خلالها الدولة المصرية الجديدة مع محمد علي باشا ابتداء من سنة 1805، للمقترح البريطاني كونه يمنح إمكانية للحصول على مداخيل مالية مهمة، كانت القاهرة في حاجة ماسة إليها. مثلما جسر علاقات البلد مع السوق العالمية، وسمح ببداية بروز طبقة تجارية جديدة على ضفاف النيل، كنخبة وجيل جديدين، كان لهما الأثر الواضح في تحقيق ما سيعرف في ما بعد ب «حركة النهضة العربية» منذ أواسط القرن 19، حتى بدايات القرن 20. أقول، إذا كانت لندن قد نجحت في ذلك بمصر، فإنها عمليا ستفشل في المغرب. هنا قصة مشروع القطن المغربي مختلفة، لأن السياقات التاريخية والتدبيرية والمجتمعية مختلفة. أولا لأن حرب تطوان سنة 1859/1860، ضد إسبانيا، التي جعلت مدريد تحتل أجزاء مهمة من محيط سبتة وتطوان، قد كان لها أثر سلبي مؤثر، على ذلك المشروع، الذي تؤكد العديد من وثائق الأرشيف البريطاني، كما اشتغل عليها باحترافية عالية، وبنفس أكاديمي وعلمي رصين، المؤرخ المغربي خالد بن الصغير (خاصة في الصفحات 390/394، من كتابه «المغرب وبريطانيا العظمى في القرن 19، ما بين 1856 و 1886»). تؤكد أن السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن، قد اقتنع عمليا بأهمية مشروع زراعة القطن بالمغرب، لولا تطورات نتائج حرب تطوان على خزينة ومالية الدولة المغربية، بكل ما صاحب ذلك من فرض تعويضات ضخمة على المخزن لصالح مدريد، من أجل مغادرة قواتها مدينة تطوان وكل الأراضي التي احتلتها في محيط سبتة. ثم أساسا بسبب وفاته المفاجئة، وصعود سلطان جديد، هو ابنه محمد بن عبد الرحمن (محمد الرابع)، الذي كان في حاجة طبيعية لوقت إضافي حتى يستوعب أهمية ذلك المقترح البريطاني. كانت لندن، قد شرعت منذ توقيع معاهدة التجارة الجديدة مع فاس، سنة 1856، في الترويج لأهمية زراعة القطن بالمغرب، بإلحاح من التجار البريطانيين في مختلف المدن الإنجليزية. حيث تطلعنا وثيقة ضمن كتاب الدكتور خالد بن الصغير، أنه يوم 12 غشت 1857، راسل السفير البريطاني دراموند هاي، اللورد كلارندن، الذي هو رابع لورد من ضمن سلسلة عائلة كلارندن، عاش بين سنوات 1800 و 1870، بصفته حينها وزير خارجية لندن، ليعرض عليه خطة لإقناع المغرب بأهمية زراعة القطن، تكون خطة تدريجية، لكنها ملحاحة. طالبا منه تزويده في طنجة بنماذج من بذور القطن وأيضا إرسال كتب متخصصة في تقنيات زراعته، مؤكدا أنه سيقوم بنفسه بتجارب زراعة القطن بأحواز طنجة. مضيفا، أنه راسل كل النواب القنصليين الإنجليز بمختلف الموانئ المغربية، للقيام بعمليات تجريبية مماثلة، وأن يزودوه بعدها بكل أرقام الكلفة التي تطلبها ذلك، سواء أثناء الزرع أو القطف أو النقل. مما سيمكنه من التوفر على ملف قوي متكامل، مقنع، يفاوض به السلطان المغربي لحمله على قبول فكرة «إصلاح فلاحي» يكون في القلب منه تنويع منتجاته الفلاحية عبر تقنية زراعة القطن وتصديره، بكل ما سيدره ذلك من أموال ومداخيل على الخزينة المغربية. حيث سنجده يبعث رسالة إلى السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الرحمن، يوم 30 أكتوبر 1861، وجدد له ذلك في رسالة أخرى يوم 6 غشت 1861، يذكره فيها بأهمية إصلاح الفلاحة والتجارة بالمغرب، كما كان قد عمل على إقناع والده المتوفي بذلك، حيث كتب إليه يقول: «إن الفلاحة والتجارة هما الأصل في الخير لكل إيالة وأيضا لبيت المال. ولذلك ينبغي أن يجعل سيدنا القوانين ليزعم الناس على الفلاحة وتتبعها التجارة» ولقد عزز السفير البريطاني مقترحه ذلك، بأهمية السماح للرساميل الأجنبية، وضمنها البريطانية، لدخول المغرب، بما يفرضه ذلك من سن قوانين جديدة تسمح لهم بامتلاك الأراضي للفلاحة والتجارة، وكذا امتلاك العقارات. مؤكدا بالتحديد، على أن السماح لتلك الرساميل بالإستثمار في مجال زراعة القطن، وغيرها من المنتجات الفلاحية الجديدة، كصناعة الحرير عبر دودة القز، وغرس التوت، ستكون فوائده كبيرة على صادرات المغرب الفلاحية، وبالإستتباع على مداخيله المالية. مضيفا في ذات الوثيقة، التي كشفها المؤرخ خالد بن الصغير: «إن فلاحة القطن فيها الغنى لإيالة سيدنا أيده الله، في بعض المواضع التي تناسب أرضها لذلك. ولابد من رد البال لغرس التوت أيضا وصنع الحرير. إذ عدد كثير من الحرير يجلب لهذه الإيالة. حيث إيالة مراكش قادرين على صنع الحرير في إيالتهم لما يكفيهم وللوسق (الوسق هو التصدير). وأيضا قصب الحلو (يقصد قصب السكر)، يغرس في هذه الإيالة الكثير منه». بل إن السفير البريطاني، سيعمل أيضا على مراسلة أعضاء الحكومة المخزنية، وفي مقدمتهم محمد الخطيب، ثم محمد بركاش في ما بعد، بصفتهما ممثلا السلطان بدار النيابة بطنجة (نوعا ما هم في صفة وزير خارجية). مثلما راسل الصدر الأعظم الطيب بن اليماني بوعشرين. وبسبب إدراكه الكامل، لصعوبة قبول سلطات المخزن لأمر منح الأراضي والعقارات للأجانب، رغم مطالبته الملحة دوما بتغيير القوانين المخزنية في ذلك الباب، فإنه بادر إلى مراسلة حكومته بلندن، مقترحا عليها مبدأ قبول منح الدعم للمخزن المغربي في باب زراعة القطن، على أن يتكفل بذلك المغاربة أنفسهم، وأنه أفضل في مرحلة أولى أن يتم ذلك ضمن الأراضي الفلاحية التي هي في ملكية القصر والسلطان. مقترحا أيضا، على أهمية بعث فلاحين مصريين إلى الإيالة المغربية، لأنهم مسلمون مثل المغاربة، للمساعدة في مجال تقنيات زراعة القطن، كونهم قبلوا إنتاجه قبل المغاربة منذ 1820، وراكموا تجربة مهمة في زراعته. كان لا بد من انتظار سنة 1862، ثلاث سنوات بعد توليه عرش المغرب، كي يقبل السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن، فكرة زراعة القطن، حيث نجده يتخد قرارا سلطانيا بتوزيع عدد من الأراضي الفلاحية الخصبة على جملة فلاحين مغاربة، وكلفهم فقط بزراعة القطن، بعد أن زودهم ببدوره. كما أصدر أمره إلى نائبه في طنجة، المسؤول عن دار النيابة، محمد بركاش يوم 29 يوليوز 1862، للعمل على الإتيان بالآليات الخاصة بتنظيف القطن عبر موانئ كل من مدن الجديدةوآسفيوالرباط. لأنه هي الموانئ التي تقرر زراعة القطن في الأراضي الفلاحية المحيطة بها. مما يعني أن تلك الأراضي توجد بسهل زعير وأراضي الكيش، قرب الرباط، ثم بسهل دكالة قرب الجديدة، ثم بسهل عبدة قرب آسفي. ومما تنبهنا إليه وثائق الخارجية البريطانية التي اكتشفها المؤرخ خالد بن الصغير، بالأرشيف الوطني البريطاني بلندن في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، أن قنصل بريطانيابآسفي «وايط» سيرسل رسالة سرية إلى وزارة خارجية بلاده، يخبرها فيها باتساع وتزايد الأراضي الفلاحية المخصصة لزراعة القطن. وأن ذلك قد شجع عددا من الإسبان والمغاربة بأحواز تطوان على زراعته أيضا. ولقد عمل نائب السلطان بطنجة محمد بركاش على تنفيذ قرار السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، حيث راسل عبر السفير البريطاني بالمغرب دراموند هاي جمعيات مهنيي زراعة القطن بلندن لإرسال الآليات المطلوبة، وهو ما استجابت له جمعية القطن بمانشستير، التي أرسلت آلة لتنظيف القطن مع كميات وافرة من البدور هدية منها للسلطان. مثلما أنشأ التاجر البريطاني «ريدمان» المقيم بمدينة الجديدة سنة 1865، مزارع للقطن بضواحي المدينة، بالتعاون مع فلاحين مغاربة من المنطقة، زودها بنواعير للسقي. عمليا تعتبر سنوات 1862/ 1863/ 1864، أزهى سنوات زراعة القطن بالمغرب، وارتفع حجم ما تم تصديره منه إلى مختلف الموانئ الأروبية، خاصة ميناء مانشستير وليفربول الإنجليزيان وميناء مارسيليا الفرنسي. لكن، ذلك سيكون سببا لبداية حضور أقوى للتجار الأجانب بالمغرب، ودخولهم، عبر منح الحماية لعدد من المغاربة، في زراعته وتجارته، مما أزعج المخزن كثيرا، ودفع بالسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن للإحتجاج لدى التمثيليات الديبلوماسية الأجنبية بطنجة على ذلك. فصدر قرار بمنع تصدير القطن عبر الموانئ المغربية سنة 1865، مما كانت له نتائج على كساد المنتوج، وعلى تراجع مساحاته المزروعة ابتداء من تلك السنة، حتى تلاشت بالتدريج في السنوات الموالية. فأقفل، بذلك، نهائيا، قوس في التاريخ، كان واعدا في أن تكون الأراضي الفلاحية المغربية، واحدة من أكبر الأراضي المنتجة للقطن بعد الهند والولايات المتحدةالأمريكية، ولربما كانت ستكون الأولى في العالم العربي أكثر من مصر، اعتبارا لضخامة الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة بالمغرب مقارنة مع مصر، التي ظلت فيها الزراعة محصورة في دلتا النيل وعلى امتداد الأراضي المحدودة على ضفاف وادي النيل. فطويت صفحة من التاريخ، بالمغرب، لم ينتبه لها كثيرا، عنوانا على الحركية التي عاشتها الدولة المغربية، في محاولاتها الإصلاحية بالقرن 19، وفي محاولاتها التأقلم مع منطق السوق العالمية، والتجارة العالمية، بما يضمن لها استقلالية قرارها الإنتاجي والمالي والسيادي، قبل أن تنهار تلك المحاولات، في نهاية القرن 19، مما مهد الطريق لمؤتمر الجزيرة الخضراء الدولي حول القضية المغربية سنة 1906، الذي وضعت فيه أسس الخطة الإمبريالية الغربية لاحتلال المغرب عبر تقسيمه بين فرنسا وإسبانيا، والإبقاء على منطقة طنجة منطقة دولية مفتوحة، تحكمها وتسيرها ممثليات أكثر من 11 دولة غربية أروبية وأمريكية.