حياتك العابرة بلا ظل أمام قطيع من السياح ، شهقة متسول محتضر ، تحلق وحدها في دروب المدينة ، قصائد لقيطة تصطدم بدراجة نارية على متنها عائلة متناحرة ، قطة رمادية تتقيأ عبر دفعات متتالية و موجعة وجبة مسمومة ، جورب مثقوب تنام فيه ذاكرتك جنب صراصير مبتورة الأجنحة في الليل تبدو كل الأشياء واضحة ، جوقة عازفين عميان يرقصون على سطح منزلك و يرمون آلاتهم الموسيقية على المارة فتتفتّت الأغاني الحزينة لتختلط بأحلامك المبهمة رسام فاشل يدخن سيجارة محشوة برماد شاعرة منتحرة في صدرك ، فتنفجر روحك و تتناثر أطرافك على السرير قرصان بوجه مرعب يبكي كطفل في لوحة رسمْتها منذ سنوات و يطلب منك أن تصفعه بضربة فرشاة حتى يغادره الأرق و تتفادى الموت غرقا في الصيف المقبل في الليل تبدو كل الأشياء واضحة ، وردة نحيفة تنام بين حروف قصيدة لم تكتمل تتوحّد عروقها الناشفة بخنصر الشاعر، نيزك متعب من حراسة النجوم يخلع ثيابه يغطس في رحم شهقة البحر على صفحة من ضوء يراقص اللغة و يحضن الأصداف و أنت كفهد جريح تجْمع ماتبَقى من فداحاتك و تتبخّر في غبار الأعالي في الليل تبدو كل الأشياء واضحة ، شاعر زئبقي لا يشبع من الحزن ولا يستطيع أن يكف عن اصطياد الألم بشباك ضعيفة كلما بزغ فجر وردي يمزقه كلما تكاثرت الأقواس في كفه يهرب وكلما اندلق الدم ساخنا من سقف الجنون يغتسل به ، يعشق التسكع ليلا.. خطواته تتسلقها روائح النوارس و صمت الأسوار و غضب الموج وهلوسات الصيادين المتعَبين يكتبها قصائد خفيفة كظلال المراكب وعندما يشده الحنين إليه يطير بجناحين من فولاذ إلى كواكب صديقة يقتسم مع كائناتها أصداف الهزيمة وأهازيج الغبار شاعر تدمعه التفاصيل الصغيرة وتربكه عيون الأطفال وابتسامات الأوراق المتناثرة على مسارب الأرصفة والبسمات المختبئة خلف زجاج النوافذ المشرعة للغروب فيرتدي أحلامه على عجل ليقابل النهر ويقتسم معه كؤوس الغربة والتشظي شاعر يسكنه الموت وتحتويه المحارات وتدثره الليالي القلقة في الليل تبدو كل الأشياء واضحة ، تنزف الأغنيات على صخور تحس بالوحدة و الخوف. كل السفن التي أهملتْها العاصفة تتبادل حطامها الأخير.كأنّ الأرض التي ملّت من الدوران تعيد أسلحتها لقرصان البحار العميقة .كأنّ الشعر المصاب بالنوبات والهلوسات يجمع شتاته الأحمر.السنوات تهرول مذعورة والروح وحدها تظل ناعسة على سرير القلق..الضباب يتجمّد في مقلة السماء والنوارس تتساقط على جزيرة الغرق. الأمل وحده ، ذلك الصوت الصغير يتسلّل بين جسدين مغمورين بالحب واللذة ليغتسل بدموع الحنين. كل الأقنعة تتقشّر فتظهر وجوه قديمة و ضحكات متأخرة و نهود منتصبة . في الرشفة الأولى من كأس الخسارات يحس البحر ببرودة الموت و ملوحة العبث ، لاشيء يستحق أن تتنازل من أجله ، جسدك هو الإجابة التي تتجاهلها..وجعك هو الرمل الرمادي الذي يتسلق سيقان الغروب. الحياة امرأة خائنة و الوجود رجل فاشل . في الكلام الذي يتناغم مع نباتات المقبرة يتجلى الشعر صافيا متدفقا وعاريا. أيها الإنسان الواهم تحلى بالشجاعة الكافية للاعتراف بجسد الحلم ، فالسراب نَحِيبُ الطرقات والخريف شفة يابسة تتربّص بأول فريسة لتأخد حصصها من القبل الزرقاء . في الليل تبدو كل الأشياء واضحة ، أربعون خريفا ، كل الفصول متشابهة وحدها الريح تحرسك منك، فتتدفّق من خطواتك المحارات أنت مجرد قطيع غنم تائه على قمة جبل تتساقط رؤوسك تباعا نحو هاوية شرهة أربعون خريفا يعبر بين نظراتك و يقضم أحلامك بشراسة يوسف المنسي بين ندوب المتاهات لادماء على قميصيك ولم تسقط في بئر بل كنت بئرا للطعنات والهدير أنت الشاعر الذي بترَت الحياة مسافاته واتخذ اللغة عشيقة سريّة يراها فقط ، المدمنون على الحياة والصيادون الذين امتلأت شباكهم بجثث اليأس و الغبار .