دق مشاركون في ندوة في طنجة ناقوس الخطر حول مستقبل الأمن الغذائي في إفريقيا في ظل ارتفاع التوترات والنزاعات المسلحة وانعدام الإرادة السياسية وغياب الاستراتيجيات الملائمة للنهوض بالقطاع الفلاحي الإفريقي لصالح الأفارقة. وحذر حسن سعود، الباحث بالمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في الرباط، من تزايد عمليات بيع الأراضي الزراعية الإفريقية للمستثمرين الأجانب، مشيرا أن عدد الأراضي التي تم تفويتها في السنوات الأخيرة ناهزت 73 مليون هكتار، والعمليات لا تزال متواصلة. وتم تفويت هذه الأراضي لمستثمرين أمريكيين وصينيين وهنديين بالإضافة إلى صناديق استثمار دولية. وستستغل هذه الأراضي لضمان الأمن الغذائي للدول التي استثمرت فيها، كما سيستعل بعضها لتموين صناعات المحروقات البيولوجية البديلة، وذلك بدلا من استغلالها لضمان الأمن الغذائي للأفارقة. ومن جانبه اعتبر عبدو ديونغ، مدير وسط وغرب إفريقيا للبرنامج العالمي للتغذية، أن إشكالية الغذاء في إفريقيا يجب أن تطرح كقضة سيادية وليس فقط من وجهة نظر الأمن الغذائي. واضاف ديونغ، الذي كان يتحدث خلال ورشة حول الأمن الغذائي في إفريقيا ضمن فعاليات منتدى ميدايز بطنجة، قائلا "أين يكمن الخلل عندنا؟. فالأراضي الصالحة للزراعة متوفرة بشكل غير متاح مقارنة مع باقي القارات، والماء أيضا متوفر، ولدينا الرجال والسواعد. زلا توجد مشكلة اليوم في الحصول على التقنيات والأسمدة والبذور. ما ينقصنا في إفريقيا هو الإرادة السياسية". وأشار دوينغ إلى أن حصة الاستثمارات الزراعية في الدول الإفريقية صعيفة جدا، وغالبية الميزانيات توجه للأمن وخدمة الديون. إضافة إلى كل ذلك، يقول ديونغ، فإن ممارسة الزراعة في إفريقيا مهمشة وفقدت بريقها لدرجة أصبحت مهنة من لا مهنة له، فغالبية المشتغلين في الزراعة يقومون بذلك لأنهم لم يجدوا فرصا أخرى. وقال "إن أفضل وسيلة لحل مشاكل إفريقيا، خاصة مكافحة الإرهاب والحد من نزوح السكان والهجرة هو توفير الغذاء". وأوضح دوينغ أن عدد الأشخاص المهددين بالمجاعة في العالم إرتفع إلى 800 مليون شخص في 2017، وتوجد غالبيتهم العظمى في إفريقيا، مشيرا إلى أن هذا العدد عرف زيادة بنحو 100 مليون شخص مقارنة مع 2016، وقال "إذا لم تتغير التوجهات الحالية فإننا سنصل مليار جائع في العالم عما قريب". وأبرز جان بييير سانغور، الكاتب العام للمجلس السنغالي للأمن الغذائي، القدرات الهائلة لإفريقيا في المدال الزراعي مشيرا إلى أن 72 في المائة من الثروة الهائلة من الأراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا غير مستغلة، داعيا إلى تعبئة الشباب وتوجيههم لاستغلال هذا الثروة والفرص التي تتيحها لكي يصبحوا رجال أعمال زراعية مهمين على المستوى الإقليمي والدولي. وأشار بدوره إلى أن المسألة تتطلب قرارا سياسيا، وقال "من السهل شراء ما نحتاجه بكلفة ضعيفة من السوق الدولية بدل إنتاجه، وهذا في الغالب هو خيار السياسيين. لكن المطلوب من السياسيين قلب المعادلة والعمل على تشجيع الإنتاج المحلي لما نحن في حاجة إليه". وأشار سنغور إلى أن "هذا التوجه يكتسي بعدا سياديا من حيث أننا ننتج ما نستهلك، كما يكتسي بعدا وطنيا من حيث نستهلك ما ننتج". اما بالنسبة لميشيل جورج هاج، منسق المنظمة العالمية للأغذية بمنظقة شمال إفريقيا، فمشكلة غالبية الحكومات الإفريقية هي "هامش الحرية والإستقلالية" الذي تتوفر عليه أمام ميزانيات ضعيفة ومديونيات مرتفعة. وقال "لسنا ضد الاستثمار الأجنبي في الزراعة، ولكن شريطة أن يكون منصفا. فغالبية الدول الإفريقية تجد نفسها في موقف ضعف خلال التفاوض مع المستثمرين الأجانب، سواء في الزراعة أو المعادن، خاصة البترول". وقال إن المطلوب هو تحريرها عبر توفير المال، وأشاد هاج في هذا الصدد بالمبادرات المغربية لصالح الثورة الزراعية الخضراء في إفريقيا. وقال إن إلتزام الدول المتقدمة خلال مؤتمر كوب 22 بمراكش بتوفير 100 مليار دولار لصالح إفريقا في أفق 2020 يصب في هذا الإتجاه. غير أن المغرب لم ينتظر توفر هذا المبلغ ليطلق مبادرات رائدة في اتجاه إفريقيا في المجال الزراعية من خلال العديد من المشاريع الكبرى والبرامج. وأشار هاج أيضا إلى الخبرة الكبيرة التي طورها المغرب في مجال تنمية الفلاجة من خلال استراتيجيات إرادية، مشيرا إلى النتائج التي حققها في تطوير العديد من سلاسل الإنتاج كالحبوب والزتون والحوام1 والتفاح والصبار، وكذلك إلى التجربة التونسية في سلاسل الحبوب والحليب، والتي يمكن للبلدان الإفريقية الإستفادة منها.