استيقظنا ذلك الصباح وككل صباح على الساعة السابعة، على يوم ساخن، الحرارة بلغت فيه سبع وثلاثين درجة، قالت «لبيبة» وأكد «رائد» أننا بعد الفطور في المطعم المجاور لمبنى الفندق، سنتحرك إلى حي شينتشو بتشينغشيوه الموجود في مدينة ناننينغ. بدأت مخيلتي كالعادة تشتغل ، قلت ربما يريد مضيفينا في الحزب الشيوعي الصيني أن يطلعوننا على وضع الفقراء منهم، وعلي أن أضع في جيبي بعض الأوراق النقدية مما تيسر، كي لا أحرج عندما تصادفنا أياد ممدودة للمساعدة، كما لم تنس مخيلتي دعوتي إلى حمل حقيبتي الصغيرة التي أستطيع تأبطها بعناية تحسبا لأي مهارة في سرقة الحقائب والجيوب التي عادة ما تنشط في الأحياء الضيقة. حررني من هذا الخيال الذاهب إلى ما فوق الواقع في رسم مجسمات لكل شيء، صوت «لبيبة» وهي تنبه الوفد إلى الالتحاق بالحافلة أمام مبنى الفندق بالمدرسة الحزبية للحزب الشيوعي الصيني. صعدنا الحافلة تباعا، الوفد المغرب شهد له بسرعة الإندماج في الزمن الجديد، بالانضباط للبرنامج المقترح واحترام الوقت، حتى الفقيه الذي رافقنا من موقعه النيابي بدا منسجما حد ترك مرجعيته إلى وقت لاحق. انطلقت الحافلة المريحة والمكيفة، وسط شوارع نظيفة ومنظمة بالإشارات والمنبهات. زادت الشوارع جمالا تلك الزهور التي كسرت عالم الأشجار الخضراء، والدراجات النارية والعادية التي اصطفت في الجوانب المخصصة لها وكأنها تعمل على طرد السيارات لصالحها، ويبدو أن رغبة أهل ناننيغ تتجه الى ذلك حفاظا على بيئة حطموا رقما قياسيا في الحفاظ عليها. لاحظت انبهار الوفد وشدة اعجابه بشوارع ناننينغ، قال أحدهم:»يجب أن تصبح بلادنا بهذا الشكل» أجابه أحدهم «ولِمَ لا» أضاف ثالث»الناس تشتغل» وقال رابع» لأنهم يفكرون فقط في وطنهم ، وقال خامس» هم لا ينتبهون للخارج ، ولا يهمهم مرافعة أجنبي بخصوص مستقبلهم « .. سيل من الملاحظات توحي لك أن مدينة ناننينغ بالفعل تستحق أن تكون الصورة المرسومة في أذهان أبناء بلدي، قبل أن أعلم أن هذه المدينة مرتبة الأجمل عالميا على المستوى السياحي . توقفت الحافلة في مرفأ منظم، تفصل فيه الدراجات النارية عن العادية، ثم يفصل هذا الكل عن الحافلات الصغيرة، لا وجود فيه للسيارات الصغيرة أو الكبيرة ، قال رائد وأضافت لبيبة: تفضلوا لقد وصلنا لحي شينشو بتشينغشيوه. طلبت من مخيلتي أن تتركني أشتغل، وأن تجمد وضعها في دفتري، على الأقل حتى أنتهي من مهمتي، وتأتي بعد ذلك وقتما تريد ، أو على الأرجح عندما أناديها لاستكمال روايتي» الزنقة7»، لأنها بكل بساطة – وأقصد طبعا ملهمتي المتمردة- لم تفلح في مساعدتي على معرفة واقع منطقة لا توصف إلا بعالم الأحلام التي ستكتمل صورتها عندما سنتجول ليلا في النهرين و البحيرات الأربع عندما سنحل بمدينة قويلين في إطار البرنامج المخصص. يقع حي شينشو بتشينغشيوه على ضفاف نهر يومتيان بالبحيرة الجنوبية، ويتكون من ثلاثة آلاف وسبع وثلاثين أسرة، وساكنة تبلغ سبعا وعشرين نسمة. و بمدخله يوجد مقر لجنة الحزب بالحارة، التي يسيرها سبعة أعضاء، كمكتب رئيسي وعدد أعضائها مئتان وأربعة وخمسون عضوا. استقبلتنا رئيسة لجنة الحزب، امرأة مبتسمة محياها ينم عن قناعة وإيمان بما قدمته لنا من طرق اشتغال داخل الحي. فلجنة الحزب تراقب تدبير الحكومة ، تتابع وضع صحة الناس وتعليمهم وسكنهم وتثقيفهم ، وكل خدماتهم في القرب الذي يطبع العمل الحزبي المنظم والهادف، و هي اللجنة التي تعمل ضمن منظومة متكاملة داخل الحي، في مساعدة الفقراء منهم ، ومساعدة أطفال العمال والعاملات و الاهتمام بالعجزة. استمعت بإمعان شديد لكلمة رئيسة اللجنة عبر ترجمة مرافقنا الشاب «رائد»، لم تكن كلمتها بعيدة عن كلمة الباحث والبرفيسور ومدير مركز مكافحة الفقر بمدرسة الحزب الشيوعي الصيني في منطقة قوانغشي، «لينغ جينغتشيو» الذي أكد لنا في ورش منتج وفاعل بين الجانب الصيني والمغربي أن الصين ملتزمة كدولة اشتراكية بالقضاء على الفقر وتحسين معيشة الشعب تدريجيا. قال « لينغ جينغتشيو»، إن الصين تعد دولة اشتراكية، وأن من التزاماتها القضاء على الفقر وتحسين معيشة الشعب تدريجيا، وتحقيق الرخاء ، مضيفا أن الصين لها اشتراكية ذات خصوصية وبرنامج مسطر واستراتيجي، وأن مخططها الذي طرحه الحزب الشيوعي في مئويته الأولى هو بناء مجتمع عادل على نحو شامل، مؤشره تخليص جميع السكان الفقراء من الفقر، كما تخليص جميع المحافظات الفقيرة من الفقر وحل مشاكل الفقر إقليميا وجهويا في تكافؤ بين مختلف المحافظات والقوميات. تركت الرئيسة تشرح للوفد كيف تشتغل اللجنة في الحي، وتوجهت إلى عجوزين تثيرك قدرتهما على لعب كرة المضرب في بهو مقر اللجنة، بدأت أتابع المشهد بإعجاب، انتبهت إلى أن متابعتي لهما أراقتهما، طلبت من المرأة العجوز أن تتيح لي فرصة للعب مع رفيقها، ابتسمت وأعطتني الأداة والكرة الصغيرة، بدأت أجرب حظي في الانتصار على العجوز بما أملكه من معرفة بسيطة لهذه اللعبة التي مارستها على شاطئ ببلادي كنت أتردد عليه صحبة والدي، عندما كنت صغيرة. حاولت أن أسجل الهدف، لكن العجوز خيب ظني، الشيء الذي جعلني، أترك طاولة المضرب للعجوزين، و ألتحق مرة أخرى بالوفد المغربي المكون من كوادر حزبية مارست بالفعل المهمة الاستطلاعية بالانضباط لبرنامج الرحلة وصرامتها. لقد كانت الرحلة مفيدة وهامة، تراوحت بين الاستطلاع الميداني والمشاركة في حوار عميق استدعته كافة المحاضرات التي ألقيت من الجانب الصيني، شارك فيها خبراء جامعيون، وقيادات من الحزب الشيوعي الصيني ، وهمت هذه المحاضرات منطقة قوانغشي الذاتية الحكم . وهي المحاضرات والاستطلاعات التي كانت تصاحبنا كوفد حزبي لنستمر في النقاش على طاولة الغداء أو العشاء بمطعم «تشوان شين يوان»الذي يخضع بدوره لموعد محدد ومدروس، حتى إن إحدى عضوات الوفد قالت: نحن كذلك نحتاج إلى صرامة في المغرب، فكل شيء لدينا إلا احترام الزمن .