رئيس مجلس النواب: تتوفر المجموعتان الإفريقية والعربية على إمكانيات هائلة ومؤهلات ينبغي تحويلها إلى ثروات اقتصادية
احتضن مجلس المستشارين، أول أمس، أشغال المؤتمر العاشر لرابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، حضره عدد من رؤساء المجالس البرلمانية ورؤساء مجالس الشيوخ ثم رؤساء المجالس المماثلة في دول القارة الإفريقية ودول العالم العربي. وشكل هذا اللقاء مناسبة لهؤلاء الرؤساء للتداول في القضايا الإفريقية والعربية ذات الاهتمام المشترك، ثم التباحث في التحديات التي تجابه الدول الإفريقية والعربية ناهيك عن الرهانات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي أصبح من الضروري كسبها في الوقت الحالي من أجل إقرار التقدم والرقي والازدهار لشعوب هذه الدول. واعتبر الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، « أن هذا الإطار المؤسساتي وهذا المؤتمر، يشكلان مجالا ملائما، من بين مؤسسات أخرى، للحوار المثمر بين مجالس برلمانية في إفريقيا والعالم العربي، وهما مجموعتان جيوسياسيتان تواجهان العديد من التحديات المشتركة ويجمعهما المصير في العديد من القضايا». وفي معرض حديثه عن التحديات التي تواجه إفريقيا والعالم العربي، أشار رئيس مجلس النواب «لئن كانت التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الشغل للشباب وجعل التربية والتعليم والتكوين أدوات لبناء الإنسان المساهم في البناء الاقتصادي والمؤسساتي، والإدماج الاجتماعي، لا تزال منذ فجر الاستقلالات في إفريقيا والعالم العربي التّحدي الأبرز، فإن تحديات جديدة انضافت إلى هذا التحدي الأكبر». وابرز المالكي، في هذا السياق، أن إفريقيا والعالم العربي يواجهان معاً (وإن بدرجات متفاوتة) الإرهاب والتشدد الذي يتناسل ويتقوى في سياق عدم الاستقرار والنزاعات الداخلية، كما يواجهان معاً واحدة من تبعات ضعف التنمية وعدم الاستقرار، والمتمثلة في الهجرات غير القانونية والنزوح الجماعي جراء الحروب أوالجفاف أو بحثا عن الشغل والأمن الاقتصادي، فضلا عن عواقب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، وما يرتبط بهما من ظواهر طبيعية متناقضة كالجفاف والفيضانات وندرة المياه. وسجل المالكي، في هذا الصدد، على أنه في مقابل هذه التحديات، تتوفر المجموعتان الإفريقية والعربية على إمكانيات هائلة وثروات ضخمة من مواد أولية أساسية وأراض خصبة (في إفريقيا)، وموارد بشرية شابة في حاجة إلى التكوين والإدماج والتشغيل، وإمكانيات ينبغي تحويلها إلى ثروات، بإرادة سياسية، وعلى أساس التخطيط وتفضيل مصالح شعوب إفريقيا والعالم العربي وتفضيل التعاون بين المجموعتين. وأكد رئيس مجلس النواب المغربي على أن الأمر لا يتعلق بحلم، ولكن بأهداف قابلة للتحقيق، مبرزا أن التجارب والممارسات المقارنة دليل قاطع على أنه عندما تتوفر الإرادة السياسية، وعندما يكون البناء على أساس الثقة واستحضار المصالح المشتركة، يمكن تحقيق النجاح، يقول المالكي «وما من شك في أن الاتحاد الإفريقي يشكل اليوم الإطار القاري المناسب لتعزيز التعاون الإفريقي المتعدد الأطراف». وبالموازاة، اعتبر المالكي أن التكامل بين إمكانيات العالم العربي وإفريقيا، وحجم السوق العربية الإفريقية وموقع المجموعتين في الجغرافية الاقتصادية والسياسية الدولية، كلها رافعات أخرى لقيام تعاون وثيق منتج للثروات ومفيد للجانبين وللعالم، مؤكدا في هذا الباب على أن إفريقيا هي قارة المستقبل وقارة الفرص الاستثمارية، والعالم العربي بإمكانياته وموقعه في قارتين وبمحاذاة أوروبا، بإمكانهما تشكيل قوة اقتصادية ناهضة. وأوضح المالكي أن في هذا الأفق، أفق بناء إفريقيا الجديدة، وتفضيل التعاون والمبادلات جنوب-جنوب، «تتجه سياسة المغرب الإفريقية بقيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي قاد بحكمة وبعد نظر، عودة المغرب إلى عائلته المؤسسية الاتحاد الإفريقي، ويرعى شخصياً بناء علاقات متينة مع البلدان الإفريقية. وينخرط البرلمان المغربي في هذه السياسة الجديدة والدينامية الكبرى، معبئا إمكانياته ومبادراً إلى تعزيز الحوار والعلاقات مع البرلمانات الإفريقية والمنظمات البرلمانية الجهوية في القارة، ومرسخاً حضوره الفاعل والعملي». وأكد المالكي على أهمية وضرورة الديموقراطية في التنمية المشتركة والتعاون الاقتصادي بين إفريقيا والعالم العربي، وساق مثالا بأوروبا، «فإن النجاح الاقتصادي للمجموعة الأوروبية ما كان ليتحقق لولا توفر الإرادة السياسية ولولا تحقق شرط الديموقراطية وبناء مؤسسات قوية، ومع ذلك فإنه لا قياس مع وجود الفارق كما يقول أهل المنطق فلكل سياقه التاريخي، كما أنه لا وجود لوصفة ديموقراطية جاهزة، والبناء على التراكم هو البناء الصحيح». وبخصوص التجربة الديمقراطية المغربية، أوضح رئيس مجلس النواب على أن المغرب، قد اختار الديموقراطية ودولة المؤسسات والتعددية مع دسترتها كمبادئ راسخة في نظامه السياسي، وراكم تجارب وممارسات مكنته اليوم من التوفر على مؤسسات قوية. وقد كان اختياره نظام المجلسين إراديا وواعيا على نحو يكفل التكامل والتوازن ويقوي الديموقراطية المؤسساتية. وأضاف في نفس الوقت « إن المجتمعات تتطور وتشكيلاتها تتعقد، واهتماماتها وحاجياتها تتشعب، فإنه لابد من تمثيلية تتطور بقدر تطور المجتمعات وتلائم حاجياتها، هكذا كان البحث عن تمثيلية أوسع تمكن الديموقراطية من أن تتنفس برئتين مؤسستين. وقد مكن ذلك من تجويد التشريع بفضل تعدد القراءات، كما مكن من تقوية مراقبة العمل الحكومي على أساس مقاربات من زوايا مختلفة». وبنظرة استشرافية للمستقبل الديمقراطي للشعوب، قال المالكي «إن ما يجري في العالم اليوم، وما يطرح من إشكاليات بشأن الديموقراطية التمثيلية والمشاركة، والانطواء على الذات والتشدد وبروز العصبيات، كل ذلك يحتاج إلى أن تستوعب المؤسسات التمثيلية أصواتا متعددة ومتنوعة تعبر عن مطالب وطموحات مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية والمجالات الترابية». وفي الحالة المغربية تعتبر تمثيلية الجماعات الترابية والنقابات وممثلي أرباب العمل في مجلس المستشارين–على سبيل المثال-عنصراً أساسيا في البناء الديموقراطي والإصغاء إلى مكونات المجتمع وفي التأطير السياسي وفي صقل مهارات النخب متعددة المشارب. وأكد المالكي أنه على الرغم من اختلاف السياقات التاريخية والحضارية، فإن نظام المجلسين أثبت نجاعته في الديموقراطيات العريقة، كما هو حال الممارسة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية وإسبانيا وغيرها من البلدان. واختتم المالكي كلمته «بأنه في كل الحالات، فإن الهاجس يظل هو البحث عن الاستقرار المؤسساتي وتوازن السلط وتوسيع التمثيلية، من حيث الحساسيات السياسية والفئات الاجتماعية والمهنية والتنظيمات المجالية، بما يطور الممارسة الديموقراطية ويكفل الاستقرار السياسي كهدف مركزي مشترك للمجموعة الدولية في السياق الراهن، ويجعل البرلمان الفضاء حيث تدبر الخلافات والاختلافات، وتناقش قضايا المجتمع إعمالا لمفهوم برلمان القرب الذي نحتاجه اليوم، في سياقنا العربي والإفريقي، فضاء للحوار، عوض أن يكون التحاور بأساليب أخرى قد تكون مدمرة».